مترجم: صراع الفرس والروم.. تركيا وإيران على حافة صدامٍ وشيك

في الإثنين ١٩ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

في الماضي، تنازعت إمبراطوريتان عظيمتان على حكم بلاد ما بين النهرين؛ الفارسية والبيزنطية. اليوم، تغيّر المشهد كثيرًا. تحوّلت الإمبراطورية الفارسية إلى دولة إيران، ومرّت الإمبراطورية البيزنطية بالكثير من المراحل قبل أن تصير دولة تُركيا. والنزاع التاريخي بينهما على العراق وسوريا على وشك أن يشتعل مرة أخرى، وفقًا لمقال بصحيفة «نيويورك تايمز»، عن المسار الخطير للعلاقات بين البلدين، والذي قد يؤدي إلى اصطدامٍ وشيك يُساهم أكثر في زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط.

صراعٌ على مناطق النفوذ

 

يؤكّد الكاتبُ أن ديناميكيات القوة الحالية للدولتين في الشرق الأوسط ستؤدي إلى المزيد من إراقة الدماء، وزعزعة الاستقرار، مع زيادة مخاطر المواجهة العسكرية المباشرة، والتي ستؤثّر بشدة في العلاقات الاقتصادية والسياسية بينهما. التدخّل العسكري التركي في سوريا والعراق ينبع من انطباع لدى الجانب السوري بأن إيران تسعى إلى الإطباق على مناطق نفوذها التاريخية، خاصة في الموصل وحلب والمناطق المحيطة بهما، بالقرب من الحدود الجنوبية التركية. بالإضافة، بالطبع، إلى منع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا من السيطرة على رقعة أكبر، تمهيدًا للاستقلال. الحزب على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني في تركيا، جماعة تورطت في نزاعٍ مسلّح مع الحكومة التركية لعقود.

في حين ترى طهران السياسة التركية في سوريا تجدّدًا للطموح العثماني التوسعي، وسعيًا إلى تمكين السنة الموالين لطهران في بقاع الإمبراطورية العثمانية الزائلة. وقد وجّه أحد مسؤولي الأمن القومي في إيران اللوم إلى تركيا على عدم قطع تدفّق الجهاديين المتجّهين إلى سوريا من خلال الأراضي التركية، بل ودعمهم لوجستيًّا وماليًّا. «ما تغيّر في تركيا» بعد الحرب الأهلية «لم يكن طبيعة الحكومة، ولا العلاقات الإيرانية بها، وإنما الطموحات التركية فيها».

بالمثل، ترى أنقرة أن إيران تسعى إلى إعادة إحياء النسخة الشيعية من الإمبراطورية الفارسية القديمة، وتزعم أن تحريكها الميليشيات الشيعية من لبنان والعراق وأفغانستان لتوطيد أركان حكم الأقلية العلوية في سوريا ذات الأغلبية السنّية أدّى إلى تصاعد التوترات الطائفية، وقوّى شوكة المتطرفين السنيين ومساعيهم إلى تجنيد المزيد من أجل نصرة قضيتهم.

ريبة

صحيحٌ أن للبلدين أهدافًا ومصالح مشتركة، كما يقول الكاتب، منها هزيمة الدولة الإسلامية، ومنع السوريين الأكراد من الحصول على استقلالهم. إلا أن الشكوك العميقة في مساعي الطرف الآخر ومصالحه من استشراء الفوضى حالت دون الوصول إلى اتفاقٍ بينهما. يتبادل الطرفان الاتهامات، ويشجب كلاهما رفض الآخر الاعتراف بوجهة نظره، في حين يتجاهلان حقيقة أنّ كليهما أضرّ بمصالح الطرف الآخر عندما أنزل قواته العسكرية، أو حرّك الميليشيات للمشاركة في حروبٍ خارج حدوده، بهدف التحكّم في بقايا العراق وسوريا بعد انتهاء الصراعات المدمّرة فيها.

حاليًا، يتقدّم الثوار السوريون المدعومون من الجيش التركي جنوبًا، بعد طردهم قوات الدولة الإسلامية من عدة قرى قريبة من الحدود التركية، مثل دابق والري، وهو الآن على مشارف بلدة الباب. تحمل الباب، التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية حاليًا، أهمية إستراتيجية خاصة، إذ إنّها محاطة بقوات حزب العمال الكردستاني المدعوم من الولايات المتّحدة من الشرق، والجيش السوري والميليشيات الإيرانية  الجنوب. وهو ما يُنذر بتصاعد الاحتكاكات المؤدية إلى الصدام المباشر، خاصةً وقد اتّهم مسؤولون بالفعل إيران بقتل أربعة جنود أتراك بالقرب من الباب في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في هجومٍ بطائرة بدون طيار.

تفاديًا للأسوأ

سيتعيّن على تركيا وإيران التغلّب على أزمة الثقة بينهما، وتجاوُز مرحلة إدارة الخلافات إلى مستوى أعمق من الاعتراف بالمصالح الرئيسية للطرف الآخر، والمخاوف الأمنية التي تدور بخلده. ومن أجل تنفيذ هذا، فمن الضروري إنشاء قناة اتصالٍ عالية المستوى للتفاوض المستمر حول العراق وسوريا، وعدم الاكتفاء بمقابلاتٍ تدوم يومًا أو يومين، يتبعها فراغٌ دبلوماسي طويل، ترتفع فيه حدة النزاع الطائفي والانقسامات.

كما يتوجّب على الحكومات السعي إلى إرساء تعاونٍ أعمق بين الدولتين، مثل مشاركة المعلومات الاستخبارية، وتنسيق الخطوات التي قد تنزع فتيل التوترات في مناطق تلاقي دوائر النفوذ. يُمكن لإيران أن تعرض سحب الميليشيات الشيعية في نينوي، شمالي العراق، في مقابل موافقة تركيا على سحب دباباتها وأسلحتها الثقيلة من المنطقة. كما يتعيّن على الولايات المتّحدة وروسيا تجاوز خلافاتهما، ودعم هذه الخطوات باستخدام روابطهما العسكرية القوية بطرفي الصراع.

اجمالي القراءات 3257