رغم القوانين.. زواج القاصرات يزداد شيوعًا في العالم العربي

في الإثنين ١٩ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

زفَّ أبو يسرا، خلال بداية هذا الشهر، طفلته ذات 14 عامًا، إلى أحد شباب القرية بمحافظة عمران في اليمن، يقول الرجل إنه اضطر إلى إخراج ابنته من المدرسة من أجل تزويجها بعد عجزه عن الوفاء باحتياجاتها، خاصة مع الحرب الجارية.

ويعلل أبو يسرا قرار تزويج ابنته الصغيرة قائلًا: «في نهاية المطاف، ستتزوج ابنتي وليس لها إلّا منزل زوجها فلماذا تأخير الزيجة؟ كما أن الدين شرّع المسألة في زواج الرسول وبعض الصحابة بفتيات بسنّ يسرا وأصغر»، على حد قوله.

حالة الزوجة الطفلة اليمنية واحدة من ملايين الحالات من زواج القاصرات، الظاهرة المتفشية بمجتمعات العالم الثالث، نتيجة عوامل اجتماعية واقتصادية وأخرى ثقافية، تحول دون احترام حق النساء في تقرير مصيرهن مثلما تؤكد المواثيق الدولية في هذا الشأن.

زواج القاصرات ظاهرة عالمية

بحسب هيئة الأمم المتحدة، فإنه يتم تزويج نحو 14 مليون فتاة قاصر سنويًا في العالم، أي ما يقارب 39 ألف فتاة قاصر دون 18 عامًا تُزوج يوميًا، حيث تتصدر الهند عدد حالات زواج القاصرات، بما يقدر بعشرة آلاف حالة.

كما تنتشر حالات زواج القاصرات بشكل مكثّف في بعض البلدان الإفريقية، حيث تصل النسبة إلى 58% من النساء في دول النيجر وتشاد وإثيوبيا وغينيا، اللاتي تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عامًا، وفق ما ذكر تقرير التنمية البشرية لإفريقيا لعام 2016 الجاري، الصادر عن الأمم المتحدة.

وتشيع الظاهرة أيضًا في مناطق العالم العربي بنسب متفاوتة بين البلدان، فبينما تسجل السودان نسبة 52%، تُسجّل موريتانيا 35%، واليمن 32%، بينما تشكل الظاهرة في تونس نسبة 2% وكذلك الجزائر، وفي لبنان تمثل 6% من مجموع حالات الزواج. أما في المغرب فتمثّل 16%، وفي مصر 17%، وفي فلسطين تصل إلى 21%.

ورغم أن العديد من هذه البلدان العربية، تمنع قوانينها زواج القاصرات بشكل مبدئي، وتنخرط في اتفاقيات حقوق الطفل التي تضع سن 18 سنة كحد أدنى للزواج، فإن الظاهرة تزداد توسعًا في المجتمعات العربية، مما يضع على عاتق المسؤولين التفكير في أسباب استمرارها، وتنفيذ إجراءات جديدة أكثر نجاعة لتقليصها.

أسباب ظاهرة تزويج الفتيات القاصرات

تتنوع العوامل المسؤولة عن تفشي ظاهرة زواج القاصرات حسب طبيعة المجتمعات المنتشرة بها، ففي حين يدفع الفقر والحاجة إلى المال الأسر في بعض بلدان آسيا وإفريقيا إلى تزويج صغيراتهم، تتحمل العادات والتقاليد الاجتماعية بالإضافة إلى التفسيرات الدينية السائدة مسؤولية تفشي الظاهرة في المجتمعات العربية.

الأمر الذي يفسر إصرار مأذوني الزواج على تمرير عقود زواج القاصرات، حتى في بعض البلدان العربية التي تشدد قوانينها على ضرورة بلوغ سن 18 لقبول عقد الزواج، كما يحيل ذلك إلى استمرار تطبيع عقلية هذه المجتمعات مع الظاهرة، بالرغم من التغير على مستوى القانون.

وتضع مدونة الأسرة في المغرب سن 18، سنًا لأهلية الزواج تماشيًا مع الاتفاقيات الدولية، لكنه يفتح نافذة لبعض الحالات الاستثنائية التي تتطلب الاستعانة بخبرة طبية وببحث اجتماعي لضمان السلامة الصحية والنفسية للفتاة، إلا أنه على مستوى الواقع يتم تزويج القاصرات بطريقة أكثر تساهلا مما تؤكد عليه ديباجة القانون.

ويسلك القانون التونسي نفس الدرب، حيث يشدد على ضرورة وصول السن لـ18 عامًا من أجل الزواج، غير أنه يتيح إمكانية تزويج القاصرات في حالة وجود أسباب خطيرة ومصلحة واضحة للزوجين.

فيما تساهم ظروف الحرب في تأجيج ظاهرة زواج القاصرات، كالشأن مع سوريا واليمن، حيث تبحث الأسر عن أقصر السبل لضمان أمان واستقرار بناتهم، مما يخفف الضغط على هذه الأسر من أجل تلبية حاجات أطفالها.

وتورد في هذا الصدد خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن «الفقر والجهل، هما العاملان الأساسيان في استمرار زواج القاصرات»، غير أن الظاهرة تتسع بالرغم من انخفاض نسب الأمية بالعالم العربي، مما يشير إلى أن الظاهرة تملك جذورًا ثقافية لتلك المجتمعات تشتغل على مستوى الوعي الجمعي.

زواج القاصرات انتهاك لحقوقهن البيولوجية والنفسية

تعرف الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة سنة 1989، الطفلَ، بأنه «كل إنسان لم يتجاوز بعد 18 سنة»، معتبرةً أن زواج الأطفال والزواج الجبري، ممارسات تقليدية مضرة. وهو ما يشير إلى أن تزويج الأطفال دون السن، هو سلوك لا يتماشى مع الاتفاقيات الدولية.

ويأتي تقنين الحد الأدنى للزواج بهدف وصول الفتاة للنضج النفسي والبدني اللازم من أجل تحمل مسؤولية الزواج وأعبائه، ومن جهة أخرى من أجل ضمان حق الفرد في تحديد مصيره حيث تصبح لديه القدرة على التمييز والإدراك والوعي.

من جهته، يؤكد الاختصاصي الاجتماعي أحمد الدردابي، أن زواج القاصرات قد يخلف مخاطر اجتماعية نفسية مرتبطة بالعنف الأسري والانتحار، ومخاطر صحية متعلقة بارتفاع احتمال الإصابة بسرطان عنق الرحم، والنزيف في الولادة وتمزق المهبل إضافة إلى اضطراب الهرمونات الجنسية، والتأثير السلبي على نمو الجنين.

ويحث المهتمون بالظاهرة الحكومات والمجتمع المدني على معالجة الظاهرة، من خلال التوعية التحسيسية بحقوق الطفل، ومحاربة الهشاشة الاجتماعية، من أجل ضمان توفير حياة كريمة للأطفال القاصرين، ومنع انتهاك حقوقهم الاختيارية في تقرير مصيرهم.

اجمالي القراءات 3479