سقطت حلب أخيرًا، وسقط معها ضمير الإنسانية جمعاء، بعد أن وقفت متفرجة على أهلها وهم يستصرخون ولا مجيب، لكن الأمر ليس مجرد تراخٍ في التحرك لنصرة أهلها، وإنما فشل استراتيجي في التعامل مع المذبحة.
هكذا رأى الكاتب والفيلسوف الأمريكية «ليون فيسيلتر» موقف الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» وإدارته من الأزمة.
يقول ليون، في مقاله المنشور في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، إنه تذكر جملة قيلت في رثاء «إيلي ويسل» بعد موته، جاء فيها «لا بد لنا ألا نقف متفرجين على الظلم أو نتراخى مع معاناة الآخرين». هكذا علمنا ويسل. لكن المرء يُدهش حين يعلم أن قائل هذه الجملة هو الرئيس أوباما، التي توضح إلى أي حد بلغ النفاق لدى الإدارة الأمريكية.
يتعجب ليون من مقولة أوباما، بعد أن وقفت إدارته تتابع ـ في صمت ـ خمس سنوات واحدةً من أبشع الجرائم التي شهدها عصرنا. وسيشهد التاريخ أن الولايات المتحدة لم تفعل شيئًا حيال المجازر التي شهدتها سوريا، سوى إلقاء خطابات عاطفية مشبعة بالنفاق. اختلقت أمريكا الأعذار لموقفها المخزي بعبارات منمقة، لكن الوضع المأساوي في سوريا كان يتطلب تحمل المسؤولية، وليس تحريك المشاعر. واصل أوباما رثاء ويسل قائلًا «لم يقف ويسل متفرجًا، بل امتلك زمام المبادرة. تخيلوا كيف كان السلام والعدل سيغمران العالم؛ لو أن من هم مثل ويسل قد عاشوا فترة أطول».
قد يقول قائل: إن استراتيجية أوباما قد جنبت الولايات المتحدة خوض حرب أخرى، وأن تُتهم بالتدخل في شئون الدول، هذا صحيح. لكن السياسة الخارجية الأمريكية تخلت بشكل مخزٍ عن قيم المساعدة والحماية والإنسانية والديمقراطية دفعة واحدة. والمتأمل لحال حلب الآن، سيرى حطام قيم الزعامة الأمريكية للعالم المظلم، بعد أن تحطمت. ويرى ليون أن النهج السلبي الذي تتبعه أمريكا هو سبب هذا الظلام. اتبع أوباما سياسة غض الطرف؛ فترك آلة الحرب الروسية الضخمة تعمل قتلًا وذبحًا في أهالي المدينة المحاصرة، واكتفى فقط بوضع سيناريوهات لوقف الصراع، بينما كان على الولايات المتحدة التحرك بحزم؛ لوقف المجزرة، مثلما فعلت مع سراييفو ورواندا، وغيرهما من الأماكن.
اقرأ أيضًا: نيويورك تايمز: ماذا بعد سقوط حلب؟
لكن ليون يعود فيقول «إنه لا يمكن حصر تردد الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية بين بديلين، هما: الفعل، وعدم الفعل. فقد ابتدعت الإدارة الأمريكية بديلًا ثالثًا، وهو الفعل الخالي من العواقب. دعمت أمريكا المتمردين المعتدلين، ولكن ليس بقدر الدعم الذي تلقاه المتشددون. ولم تحدث الاستراتيجية الضعيفة التي اتبعتها الولايات المتحدة أي تأثير على النتيجة النهائية. ويعتقد الكاتب أن أوباما لا يؤمن بحق أمريكا في التدخل بشئون البلدان الأخرى وقت الأزمات؛ وذلك بسبب شبح حرب العراق التي بُنيت على أسباب كاذبة. وهكذا لن تجد صرخات النساء، ونحيب الأطفال، أي صدى. وهنا يتساءل الكاتب «هل هناك خزي أكبر من ذلك؟»
يعدد ليون الكوارث التي نتجت عن التقاعس الأمريكي، فيقول «أدى ترددنا في التعامل بشكل حاسم مع الكارثة إلى ترسيخ العلمانية المستبدة، وبزوغ نجم الفاشية الدينية، ووقوع مجازر بسبب الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة، وتعذيب وقتل الآلاف، وتشريد 11 مليون شخص». ويضيف ليون «ونتيجة لذلك ضربت الاضطرابات تركيا ولبنان، وغرقت أوروبا باللاجئين، وعبثت روسيا وإيران بأمن المنطقة، وصعود اليمين المتطرف في أوروبا. وكلها نتائج الوقوف موقف المتفرجين».
والغريب في الأمر أن الرئيس الأمريكي يفعل عكس ما يقول؛ ففي حديثه في مؤتمر اللاجئين والمهجرين في الأمم المتحدة، أتى أوباما على ذكر «ألان الكردي»، الصبي السوري الذي وُجد ميتًا على شواطئ تركيا، حين قال «كان من الممكن أن يكون ذلك الطفل أحد أبنائنا أو أحفادنا، ولا يمكننا غض الطرف عن تلك المأساة». إلا أن هذا ما فعلته أمريكا بالضبط، غض الطرف. ويختتم الكاتب بالقول «إنه يتعين على من تسببوا في جلب العار على أمريكا خفض رؤوسهم خجلًا على تخاذلهم، فما عاد هناك مدينة تسمى حلب، وأصبحت أمريكا عاجزة ومكروهة».