مصر تحارب العنف ضد المرأة بقانون يحبس الأزواج والآباء
-
في دراسة أجراها المجلس القومي للمرأة في مصر مؤخرا، تبيّن أن نحو 1.5 مليون امرأة مصرية تتعرض للعنف أسري كل عام، بمعدل يزيد عن 4 آلاف حالة كل يوم، وأن حوالي 70 بالمئة من حالات الاعتداء على الزوجات سببها أزواجهن، و20 بالمئة من الآباء تجاه بناتهم، ونظرا لهذه الأرقام المخيفة والمفزعة كان لا بد من تدخل القانون.
العرب أميرة فكري [نُشر في 2016/12/01، العدد: 10472، ص(21)]
الخروج دون خوف
قريبا سيكون بإمكان المرأة المصرية أن تضع زوجها وأياّ من أفراد أسرتها خلف قضبان السجون، إذا أقدم أحد منهم على ارتكاب أعمال عنف جسدي بحقها، شريطة أن تتقدم ببلاغ رسمي إلى قسم الشرطة تثبت فيه تعرضها لهذا العنف.
وسوف يتم ذلك، من خلال قانون جديد، أعده المجلس القومي للمرأة وتقرر عرضه على مجلس الوزراء للموافقة النهائية عليه ثم يعرض على البرلمان، ويتضمن مشروع القانون هذا أن “يعاقب أي شخص في الأسرة يرتكب أفعالا وسلوكيات يترتب عليها أذى جسدي أو نفسي أو معاناة بالحبس مدة لا تقل عن عام".
ليس هذا وحسب، بل إن القانون سيعاقب بالسجن أيضا من يزوّج الفتاة دون إذنها أو يرغمها بالإكراه على الزواج من شاب لا تريده، وستكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة مالية تبدأ من 10 آلاف جنيه (650 دولارا).
حدد مشروع القانون تعريف العنف ضد المرأة على أنه “أي فعل أو سلوك يترتب عليه أذى، أو معاناة مادية أو معنوية للمرأة، أو الحط من كرامتها، بما في ذلك التهديد أو القسر أو مواقعة الأنثى دون رضاها، والاعتداء الجنسي، وهتك العرض والتحرش والحرمان من الميراث".
ويتضمن القانون كذلك، عقاب كل من ارتكب عنفا ضد المرأة، بهدف الحرمان التعسفي من ممارستها للحقوق العامة أو الخاصة، بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، وكل من زوّج أنثى قبل بلوغها السن القانونية (18عاما) أو اشترك في ذلك، سيعاقب بالسجن.
ورأت منظمات حقوقية ونسائية أن إلزام الأسرة بمعاملة المرأة بطريقة آدمية والقضاء على ظاهرة العنف ضدها، يظلان رهن تحرك المرأة المعتدي عليها نحو الحصول على حقها، وذلك بأن تسارع إلى الإبلاغ عن العنف والكف عن الصمت، تمهيدا لتطبيق القانون الجديد.
عدد من شيوخ الفضائيات، المحسوبين على تيارات دينية مختلفة، أصبحوا يمثلون أداة للعنف الأسري من نوع آخر
غير أن العديد من خبراء الأسرة أكدوا لـ”العرب”، أن العنف الأسري ضد النساء لن ينتهي بالقانون فقط، لكن بمدى تجاوب المرأة مع تطبيق نصوصه، لأن المرأة في المحافظات الريفية والمناطق الشعبية تتعرض لإيذاء بدني شديد، ومع ذلك فإنها تختار الصمت حفاظا على الاستقرار الأسري، فضلا عن أنها لا تعرف أصلا حقوقها ضد من يتعرض لها بالعنف من باقي الأسرة.
ورأت سعاد نور، ناشطة حقوقية في مجال المرأة، أن التشريع الجديد، لن يكون لصالح المرأة وحدها، وإنما سيحمي الأسرة كلها من الهدم والانشقاقات، لا سيما وأن أغلب حالات الطلاق، تحدث بسبب عنف الأزواج تجاه الزوجات، بالإضافة إلى المعاملة السيئة من الآباء تجاه بناتهم.
وأوضحت نور لـ”العرب”، أن بعض السيدات يشعرن بالخجل أو ما يمكن وصفه بـ”الخوف من الفضيحة”، في حال ما إذا لجأن إلى القضاء للحفاظ على حقوقهن بعد الاعتداء الأسري عليهن، خوفا من كسر قواعد وأعراف المجتمع الذي يعشن فيه، إذ كيف يمكن لفتاة أن تقاضي والدها؟
وتظل ظاهرة ختان الإناث، إحدى أبرز وسائل العنف الأسري المسلط على المرأة في مصر حتى بعد صدور التشريع القانوني، الذي رفع عقوبة الختان إلى السجن المؤبد، لكن الكثير من الأسر، إما أنها لم تسمع عن هذا التشريع من الأساس، ومن ثم لا تعرف هذه العقوبات، وإما أنها تخوض هذا التحدي بدافع أن الختان “واجب ديني” وأحد عوامل تحصين البنت من الانحراف.
والواقع أن دوافع عنف الرجل ضد المرأة متنوعة، كما يقول خبراء علم الاجتماع، ومنها الإهمال، وسوء المعاملة، والعنف الذي يكون قد تعرض له في طفولته، وهي كلها عوامل أدت إلى تراكم نوازع نفسية مختلفة قادته إلى التعويض عبر اللجوء إلى ارتكاب العنف.
كما أن هناك دوافع اقتصادية، حيث يلجأ الأب إلى استخدام العنف تفريغا لشحنة الغضب واليأس الناتجة عن الفقر، ودوافع أخرى اجتماعية تتمثل في العادات والتقاليد التي تكون تربة خصبة لظهور العنف.
وقالت نوال كرم، أستاذة علم اجتماع الأسرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر، إن الترويج للقانون سيكون أكثر وقعا من تطبيقه على الورق فقط، بحيث تكون الأسرة على دراية واسعة بالعقوبة التي ستسلّط عليها، إذا ما أقدم أي فرد منها على ارتكاب أي نوع من أنواع العنف ضد المرأة.
وأشارت كرم لـ"العرب" إلى أن القانون في مجمله "ممتاز"، لكن تطبيقه بحذافيره صعب، إلا في المناطق الحضرية، وفي حالات بعينها، مثل إرغام فتاة على الزواج من شاب دون رضاها، وهنا قد تلجأ إلى القضاء لأن الإكراه على الزواج هو أحد أخطر أنواع العنف، حيث أن زوجها سوف يعاملها بقسوة بعد الزواج لإحساسه بأنها غير راضية عنه.
وأضافت كرم أن تخويف الأسرة بالقانون عامل مهم جدا ويمكن أن يتم هذا التخويف من خلال حملات إعلامية توعوية بالعقوبة، وإظهار أن الدولة بجميع مؤسساتها تقف خلف المرأة المعتدى عليها، لا سيما وأنه لم يكن هناك في السابق قانون صريح يعاقب الزوج المعتدي على زوجته أو ابنته. وحذرت كرم من أنها تخشى أن ينتج عن هذا القانون أثر عكسي وأن يكون مقدمة لزيادة حالات الطلاق والانشقاق الأسري.
وعلى الجانب الآخر ذهبت بعض المنظمات النسائية في مصر إلى أن عددا من شيوخ الفضائيات المحسوبين على تيارات دينية مختلفة أصبحوا يمثلون أداة للعنف الأسري من نوع آخر، حيث بلغ الأمر حد أن البعض منهم أباح باسم الدين، اعتداء الأب على ابنته أو الزوج على زوجته، إذا رفضت الانصياع لأوامره. ورأت أن القضاء على ظاهرة العنف تجاه المرأة، سيبدأ عندما يختفي هؤلاء من الفضائيون المتشددون المشهد.