-
مبادىء الشريعة الاسلامية السبع وكيفية تطبيقها
مقدمة
هذا الاعلان الدستورى المصرى الذى ينصّ على شريعة الوهابية وليس على شريعة الاسلام
أولا :
1 ـ فى دستور المعزول مرسى كتبنا ( 16 ) مقالا منشورا هنا ـ وجمعناها فى كتاب منشور على موقعنا ( أهل القرآن ) . كان المقال الأول منها بعنوان ( دستور مرسى يبيح قتل كل مصرى ) وكانت خاتمة الكتاب والمقالات بعنوان ( ألا لعنة الله على مرسى وإخوان مرسى ودستور مرسى .!!: الحلّ هو: الجهاد حتى إلغاء مرسى ..وإخوان مرسى.. ودستور مرسى ..) وقلت فيه ( بدأنا مقالات هذا الكتاب مع اللجنة التأسيسية التى اجتمعت لكتابة هذا الدستور . ونختمها بهذا المقال يوم الاربعاء 23 يناير، قبيل يوم الجمعة 25 يناير الذى يعدّ له الثوار المصريون لاستئناف ثورتهم ضد الاخوان .) .
2 ـ وأخيرا نجحت ثورة 30 يونية فى عزل مرسى ، و توسمنا أن يأتى الاعلان الدستورى خاليا من عوار الدستور المرسوى الاخوانى ، ولكن خاب أملنا لأن أهم نقيصة فى الدستور الاخوانى السلفى جاءت فى هذا الاعلان الدستورى ، فى المادة الأولى القائلة بأن مبادىء الشريعة الاسلامية التى تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة المصدر الرئيسى للتشريع ، وفى المادة السابعة والتى تقول ( حرية الرأى مكفولة ، ولكل انسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون. وتكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية لأصحاب الشرائع السماوية ) . بهذا جمع الاعلان الدستورى الذى تمحضت عنه ثورة 30 يونية بأفظع مساوىء دستور مرسى الذى قالوا بتجميد العمل به . وبهذا أصبح الاعلان الدستورى إرهاصا سيئا لإقامة دولة وهابية تطبق الشريعة الوهابية تحت غطاء مدنى ، وكل هذا إرضاءا لحثالة من السلفيين الذين كانوا ـ ولا يزالون ـ ظهيرا للإخوان ، يجمعهم دين الوهابية الذى يناقض الاسلام وشريعة الاسلام .
3 ـ ومن هنا تأتى خطورة هذا الاعلان الدستورى الذى نقل عن دستور مرسى تلك العبارة الهلامية المتناقضة والقائلة : ( مبادىء الشريعة الاسلامية التى تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة المصدر الرئيسى للتشريع ). فمذاهب أهل السنة والجماعية عبارة غامضة هلامية غير محددة تخلط المذاهب الفقهية الأربعة بالتيارات الفقهية الفرعية فى داخلها وهى متنوعة حسب الفقهاء والعصور وحسب الاختلافات الفرعية والتى تبلع ملايين الأحكام الفقهية المختلفة والمتناقضة . والخلاف الهائل داخل الفقه السّنى منبعه عدم الاتفاق بينهم فيما يقولون عن : ( الأدلة الكلية والقواعد الأصولية فى الفقه السّنى ومصادرها ) ، ويزيد من هذا الخلاف قولهم ( مصادرها المعتبرة ) فحيثما كان يوجد فقهاء مجتهدون فى التشريع السنى فهناك إختلاف مبعثه أن كل إمام مجتهد يرى هذا أو ذاك مصدرا معتبرا . كان هذا فى عصور الاجتهاد الفقهى من القرن الثانى الهجرى حتى القرن الرابع تقريبا ، ولا يوجد الآن فى مجتمع السّنيين الوهابيين متخصص مجتهد فى التشريع السّنى ، هم فقط يجترّون عبارات ابن عبد الوهاب وابن تيمية وابن القيّم . ولذا فإن من وضع هذه العبارة لا يفقه معناها ولا يقوى على تأصيلها ، هم فقط جاءوا بها لافتة للزينة وليتيحوا لأنفسهم تطبيق ما يشاءون من إفتراءات التشريع الحنبلى الوهابى مما قاله ابن تيمية وابن عبد الوهاب . ثم من العبث الجمع بين النقيضين ( مبادىءالشريعة الاسلامية ) و ( مذاهب أهل السنة والجماعة ) وهذا ما سنثبته فى هذه المقالات .
3 ـ وبغض النظر عن قولهم ( مبادىء الشريعة الاسلامية التى تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة المصدر الرئيسى للتشريع ) ، فإن التطبيق العملى الواقعى هو الفيصل والأساس . وهذا التطبيق الوهابى السلفى لشريعتهم التى تتمسّح بالاسلام عانينا منه فى ارهاب الاخوان والجماعات التى إنبثقت منهم ، من الاغتيالات وموجات القتل والتدمير ، ثم إذا وصلوا للحكم أثبتوا فشلا ومارسوا ظلما وتسلطا فى ظل دستورهم المعيب خلال عام واحد مما إستلزم أن يهب الشعب المصرى بمظاهرات غير مسبوقة فى تاريخ البشر ، وهم الآن يقاومون ثورة الشعب المصرى عليهم بالارهاب والقتل بمبدأ ( إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم ). ولو أتيح لهم البقاء ثلاث سنوات أخرى لفعلوا بمصر ما فعلته طالبان فى افغانستان ومايفعله آل سعود بالسكان وما يفعله البشير بالسودان ..وكله تحت شعار تطبيق الشريعة ( الوهابية ).!!
4 ـ وهناك التفاصيل فى كتابنا المشار اليه عن دستور مرسى ، ولن نعيد ما سبق تفصيله فيه ، فأغلب من يهمهم الأمر لا يقرأون لنا ، وربما لا يقرأون أصلا فى الأصوليات ، ولكن نكتب هنا وبإيجاز وبتبسيط مبادىء الشريعة الاسلامية آملين أن تحظى بالقراءة والاهتمام .
ثانيا : مبادىء الشريعة الاسلامية فى لمحة سريعة :
1 ـ والواقع ، فإن مصطلح ( مبادىء الشريعة الاسلامية ) هو إختراع قانونى حديث ، وليس مصطلحا فقهيا أصوليا معروفا لدى فقهاء القرون الوسطى. ربما يقترب من معنى المصطلح الفقهى الاصولى ( مقاصد التشريع ) ، وربما يتداخل مع الكتابات الفقهية التراثية عن ( أصول الفقه ). ولقد إجتهد فقهاء العصور الوسطى لعصرهم ، فإخترعوا الأحاديث وأوّلوا معانى الآيات القرآنية لتتفق مع أهوائهم ، وسبكوا ملايين الأحكام الفقهية المختلفة والمتناقضة ، ومن العبث العثور فيما كتبوه عن ( مبادىء الشريعة الاسلامية ) بمفهوم عصرنا ، خصوصا ونحن نسعد بطائفة من الفقهاء الشيوخ الذين لا يقرأون ، وإذا قرأوا لا يفهمون ، وإذا فهموا فقد يموتون . ولنرجع الى القرآن الكريم ، وهو المصدر الوحيد للاسلام ، بعيدا عن ألاف الكتب الفقهية وتعقيداتها واختلافاتها وتناقضاتها ، وحين نقرأ القرآن ونتدبر آياته بمنهج علمى نتعرف بسهولة على ( مبادىء الشريعة الاسلامية ) .
2 ـ التناقض العقيدى بين دين الاسلام السماوى وتلك الأديان الأرضية للمسلمين ينبع منه التناقض بين شريعة الاسلام وشرائع المسلمين ؛ فبينما يؤكد الاسلام على أنه ( لا اله الا الله ) والايمان باليوم الآخر وفق ما جاء فى القرآن الكريم فإن أديان المسلمين الأرضية تخترع يوما للدين يزدحم بالشفاعات البشرية ولا يكون فيها رب العزة ( مالك يوم الدين ) ، وتتكاثر الآلهة لديهم بدءا بتأليه النبى محمد والصحابة الى الأئمة وألأولياء فى أديان السّنة والتصوف والتشيع . وبينما يؤكد رب العزة على الايمان بالقرآن وحده حديثا لا ايمان بغيره فإن المسلمين فى أديانهم الأرضية يؤمنون بأحاديث كتبها لهم أئمتهم المقدسون ، وعليها قامت شرائعهم الأرضية . وبينما يؤكد رب العزة على الاكتفاء بالقرآن كتابا فإن للمسلمين فى أديانهم الأرضية كتبا مقدسة فى الحديث والفقه والتشيع والتصوف . من هنا يتأسس التناقض بين مبادىء الشريعة الاسلامية الحقيقية فى القرآن الكريم وبين مبادىء شرائع المسلمين ، وخصوصا الشريعة السّنية التى تتمسك بها الوهابية المعاصرة ، وأتباعها من الاخوان والسلفيين . ـ
3 ـ وبإيجاز : فإنّ عقيدة الاسلام ( لا اله إلا الله ) ينبع منها المبدأ الأول للشريعة الاسلامية ، وهو المساواة بين البشر جميعا فى الحقوق والواجبات والمسئولية والحساب ، وينتج عن هذه المساواة المبدأ الثانى ، وهو ( فرضية الشورى الاسلامية ) أو ما نعرفه بالديمقراطية المباشرة أو الحرية السياسية وحّكم الشعب ، وتحريم الاستبداد باعتباره نوعا من التأليه للبشر يخالف ( لا اله ألا الله ). والايمان باليوم الآخر كما جاء فى القرآن الكريم يعنى المبدأ الثالث من مبادىء الشريعة الاسلامية ، وهو الحرية المطلقة فى الدين لكل فرد ( عقيدة ودعوة وشعائر ) فى هذه الدنيا ، لأن كل فرد سيكون مساءلا يوم القيامة عن إختياره الدينى أمام الله جل وعلا وحده ، وعليه يتحدد مصيره بين الخلود فى الجنة أو الخلود فى الجحيم وبالتالى فلا بد من تقرير الحرية فى الدين حتى لا تكون حُجة لأى إنسان يوم القيامة. ويرتبط هذا أيضا بعقيدة ( لا اله إلا الله ) ، لأن لله جل وعلا وحده حق الحكم بين الناس فى إختلافاتهم الدينية والعقائدية ، وبالتالى فإن من ينتزع هذا الحق من رب العزة إنّما يتقمّص دورا الاهيا لا يكون إلا لرب العزة جل وعلا ، ويجعل نفسه بقصد أو بدون قصد الاها مع الله جل وعلا . والمبدأ الرابع وهو العدل أو القسط ، هو المقصد والهدف من ارسال كل الرسالات السماوية ، والرسالة الخاتمة ( القرآن الكريم ) . والاسلام هو دين السلام ، وبالتالى فإن تشريع القتال فى الاسلام هو لتأكيد الطابع السلمى للشريعة الاسلامية ويكون السلام هو المبدأ الخامس من مبادىء الشريعة الاسلامية . واخيرا فقد أرسل الله جل وعلا خاتم النبيين بالقرآن رحمة للعالمين من الله الرحمن الرحيم . ومن هذه القيمة العليا ( الرحمة ) ينبع المبدأ السادس وهو ( حق الحياة ) أو تحريم قتل النفس البرئية ـ أو حصانة حق الحياة للنفس البريئة ، ومن الرحمة أيضا ينبع المبدأ السابع من مبادىء الشريعة الاسلامية، وهو التخفيف والتيسير ورفع الحرج فى إصدار التشريعات .
3 ـ مجال تطبيق هذه المبادىء فى الشريعة الاسلامية ليس مختصّا بمفهوم الاسلام القلبى العقيدى الذى يعنى الانقياد والاستسلام والطاعة لله جل وعلا . مجال تطبيق هذه المبادىء فى الشريعة الاسلامية هو فقط فى التعامل السلوكى الظاهرى بين الناس وداخل المجتمع . أى المبدأ الخامس من مبادىء الشريعة، وهو معنى الاسلام السلوكى ، وهو السلام . إن تعريف ( المُسلم ) فى الشريعة الاسلامية القرآنية هو كل إنسان مسالم لأن الاسلام فى معناه الظاهرى السلوكى هو السلام ، وكل فرد مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته أو ملّته أو دينه ، لا فارق بين سّنى أو شيعى أو قبطى أويهودى أو بهائى أو مُلحد أو علمانى . المهم أن يكون مسالما ( من الاسلام ) و( مأمون الجانب ) من ( الايمان) . فالشريعة الاسلامية تتعامل فيما يخص (حقوق العباد ) أو حقوق الناس أو حقوق الانسان داخل المجتمع فى هذه الدنيا ، أما إختلاف البشر فى حق الله جل وعلا فى الايمان به وحده وعبادته وحده فهو راجع لله وحده ليحكم فيه بين الناس ـ فيما هم فيه مختلفون ـ فيما يخص ّ الدين فى يوم إسمه ( يوم الدين ) . ونحن الآن فى ( يوم الدنيا ) ولم يأت بعد ( اليوم ألاخر ) ( يوم الحساب يوم الدين ) .
4 ـ فى النهاية ، فإن مبادىء للشريعة الاسلامية هى : (1 ) المساواة ،و(2 ) الديمقراطية المباشرة أو الحرية السياسية وحّكم الشعب ، وتحريم الاستبداد ، و(3 ) الحرية المطلقة فى الدين ، و (4 ) العدل ، و( 5) السلام و( 6 ) حق الحياة ، و (7) التخفيف والتيسير ورفع الحرج فى إصدار التشريعات . وواضح أن هذه المبادىء السّبعة تتناقض مع المشهور عن التشريع السّنى الحنبلى الوهابى المعروف بتزمّته وإستبداده ومصادرته للحرية الفردية والدينية والسياسية ، وإضطهاده المرأة وغير المسلم .
5 ـ يتزايد الشعور بالماساة حين نعرف أن الشريعة السنية بمذاهبها الأربعة أشد تزمتا من الشريعة الشيعية الجعفرية ، وأنّ من بين المذاهب السنية الأربعة فإن المذهب الحنبلى هو أشد المذاهب السّنية تزمتا وتطرفا ، وأنّ داخل هذا المذهب الحنبلى المتشدد المتطرف المتزمت فإن تيار إبن تيمية هو الأشد تطرفا وتزمتا ، ثم فى عصرنا ـ عصر العولمة وحقوق الانسان والديمقراطية ـ تنبع الوهابية من تيار ابن تيمية ، لتكون أكثر تطرفا وتشددا وتزمتا من ابن تيمية نفسه..!. ويتواكب هذا مع ظهور النفط الملعون .
6 ـ ولهذا تنتشر الديمقراطية وثقافة حقوق الانسان وتصل الى مجاهل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، وتتحول بسرعة دول شرق أوربا من الاستبداد الشيوعى الى الديمقراطية بلا مشاكل ، بينما تنحسر أمواج الديمقراطية على شواطئنا ، وحتى حين ثار الشعب العربى على الاستبداد فى ( الربيع العربى ) فإن الوهابية وشريعتها قامت بتحويل هذا الحُلم العربى الى كابوس ، نراه فى حمامات الدم فى سوريا والعراق ، ونراه يهدد مصر الان ..
7 ـ وحتى بعد ثورة 30 يونية وسقوط دستور مرسى فقد عادت الى الاعلان الدستورى أخطر ما فى دستور مرسى لإن الثقافة الوهابية السائدة أقنعت الناس ظلما وزورا بأنها الاسلام وأن شريعتها هى شريعة الاسلام .
8 ـ ولهذا نكتب هذا الكتاب لتوضيح مبادىء الشريعة الاسلامية الحقيقية ، وكيفية تطبيقها ، آملين أن ينتبه لها القائمون على صياغة الدستور المصرى ، وليأتى الدستور القادم ليحدد مبادىء الشريعة الاسلامية بالمساواة ، والديمقراطية المباشرة أو الحرية السياسية وحّكم الشعب ، وتحريم الاستبداد ، والحرية المطلقة فى الدين ، والعدل ، والسلام ، وحق الحياة ، والتخفيف والتيسير ورفع الحرج فى إصدار التشريعات .