أضيفت أزمة الدواء في مصر إلى أزمات أخرى تمثلت في نقص المواد الغذائية مثل الأرز والسكر وغيرهما من المواد الأساسية، وتفاقمت بشكل سريع داخل السوق المصرية في ظل تقلبات أسعار الصرف.
ربما لم يدر بخلد الكثيرين في مصر أن انحسار الدعوة لتظاهرات "11/11" وفشلها، سوف تعقبها معركة "حامية الوطيس" اشتعلت داخل البلاد واتخذت من "أزمات الدواء" مسرحا لجبهاتها المتعددة، والتي تقاطعت خطوطها مع التغير الكبير في سعر الدولار، مقارنة بالجنيه المصري، وبعد أن أفضت إجراءات تحرير سعر الصرف التي اتخذها البنك المركزي المصري في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إلى فقدان "العملة المصرية" لنحو ستين في المئة من قيمتها السوقية.
فارق سعر الصرف، الذي قفز بسعر الدولار الواحد من ثمانية جنيهات ونحو ثمانين قرشا إلى نحو خمسة عشر جنيها، بما يناهز الضعف، ضرب أسعار السلع الاستراتيجية المستوردة من الخارج، وفي المقدمة منها "الدواء" والذي تعثرت الشركات المستوردة له عن الوفاء بالتزاماتها تجاه احتياجات السوق الأساسية، متأثرة بالفارق الهائل في سعر الصرف، ما أثر على قدراتها الاستيرادية بشكل كبير.
وقد أجبرت عملية النقص الحاد للأدوية في الأسواق، الحكومة المصرية على التدخل، بخاصة بعد اختفاء نحو 146 صنفا من "الأدوية الضرورية" والتي لا بديل لها في الأسواق، وفي المقدمة منها أدوية الأورام "كاندوسان" و"هولوكسان"، ومشتقات الدم، والتي منها "الأنتي آر إتش"، والأدوية الحيوية، ومنها "الألبيومين" للكبد، حيث سارعت الحكومة باعتماد 168 مليون دولار تكلفة استيراد الأدوية الناقصة، فيما وجهت نقابة الأطباء المصرية "استغاثة عاجلة" لمجلس الوزراء لسرعة التدخل، لإنقاذ حياة 60 ألف مريض بالفشل الكلوي، نتيجة نقص المحاليل والمستلزمات الطبية والفلاتر، فيما امتنع عدد كبير من مراكز الفشل الكلوي الخاصة والمجانية عن استقبال حالات جديدة، واضطر البعض منها إلى سد احتياجاتها باللجوء إلى السوق السوداء، في الوقت الذي تزايدت فيه عملية الاتجار في أدوية الفشل الكلوي، حيث يباع علاج "كيتوستريل" في السوق السوداء بضعف قيمته.
وفي مقابل ذلك، شهدت المستشفيات الحكومية والخاصة نقصاً كبيراً في المستلزمات الطبية، وأكد أطباء متخصصون لـ"موقع RT" أن العديد من الوحدات الصحية أغلقت أبوابها جراء العجز الحاد في المحاليل الطبية، ونقص أدوية الطوارئ الخاصة بأمراض القلب.
وفي السياق ذاته، هيمنت أزمة مستشفى أبو الريش الياباني "للأطفال" على الساحة الإعلامية والطبية في مصر، حيث يعاني المستشفى من نقص في التمويلات والمستلزمات الطبية، في ظل زيادة الأعداد التي تفد إليه من جميع أنحاء الجمهورية، لتلقي العلاج، حيث يستقبل المستشفى، كما صرحت د. رانيا حجازي مديرة المستشفى لـ"موقع RT" نحو ألفي مريض يومياً، ويجري 14000 عملية جراحية سنوياً، منها عمليات في القلب والصدر والرمد والمسالك البولية والعظام وحديثي الولادة، كما أن المستشفى يحتوي على رعاية مركزة لحديثي الولادة، وهي الرعاية الوحيدة في مصر، والتي تستقبل أطفال بأوزان 800 غرام، حيث لا تكفي إمكانات المستشفى احتياجات الأعداد الغفيرة التي تتجاوز طاقتها، وهو ما دفع العديد من الإعلاميين وفي مقدمتهم الإعلامي عمرو أديب لتبني حملة علي قنوات "on tv"وقنوات أخرى لدعم المستشفى، وتوفير المستلزمات الضرورية لها، عبر جمع التبرعات ومشاركة المؤسسات الأهلية، ونصبت من المستشار "عدلي منصور" رئيس مصر المؤقت في أعقاب إطاحة الرئيس الأسبق "محمد مرسي" الإشراف على هذه الحملة الأهلية وقياداتها.
وقد خلفت أزمة نقص الأدوية في مصر معركةً جانبية بين وكيل نقابة الأطباء، د. منى مينا، من جانب، ووزارة الصحة المصرية، من جانب آخر، حيث أطلقت د. مينا، تصريحات، اتهمت فيها وزارة الصحة بإصدار تعليمات للمستشفيات الحكومية باستخدام الإبر الطبية أو "سرنجة الحقن" لأكثر من مرة، وهو ما وصفته وزارة الصحة بالخبر الكاذب، والذي يشيع مناخا من الهلع في أوساط المرضي والمستشفيات، جراء الخوف من نقل العدوى عبر الاستخدام المتكرر للإبر الطبية.. وهو ما أكده د خالد مجاهد، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، موضحا أن وزارة الصحة تقدمت ببلاغ للنائب العام المصري للتحقيق مع د. منى مينا، بشأن التصريحات التي نسبت إليها، وأثارت مخاوف عديدة في المجتمع المصري.. فيما ذهب العديد من الاعلاميين والسياسيين إلى أن ما أطلقته مينا من تصريحات، يتماشى مع مواقفها المناوئة للسياسات الحكومية، وهي مواقف عبرت عنها في أكثر من مناسبة.
وفي الوقت الذي اشتعلت فيه معركة الدواء في مصر، وتزايد الجدل حول التصريحات المنسوبة لمنى مينا، عمت حالة من الصمت الغريب نقابة الأطباء المصرية التي لم تحرك حتى اللحظة ساكناً حول المعركة المستعرة داخل الوسط