هذا الحكم المسىء يناقض مبدأ الشريعة الاسلامية الحقيقية فى التأكيد على حق الحياة :
هذا المقال الرابع يتوقّف مع تناقض هذا الحكم القضائى المسىء للإسلام مع مبدأ الشريعة الاسلامية الحقّة فى الحفاظ على حُرمة النفس البشرية وحق الحياة . وهذا على النحو التالى :
أولا : القاعدة الكلية فى مبدأ التأكيد على حق الحياة ، ومنع قتل النفس خارج القصاص :
1 ـ نزلت تفصيلات التشريع الاسلامى فى المدينة حيث أقام خاتم النبيين دولة اسلامية حقيقية ، وكان الوحى القرآنى يتابعها بالتشريع وتفصيلاته . ولكن فى مكة نزلت القواعد الكلية للتشريع، ومنها القاعدة الكلية فى مبدأ التأكيد على حق الحياة ، ومنع قتل النفس خارج القصاص . وهنا يلاحظ الآتى :
1/ 1 : جاءت صياغة هذه القاعدة باسلوب القصر المتبع دائما فى الأمور العقيدية ، مثل عقيدة : لا اله إلا الله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ) ( محمد ) و أنه لا يعلم الغيب إلا الله : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ (65) النمل ) و ليس هناك خالق غير الله: ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (3)( فاطر). على نفس النسق باسلوب القصر والحصر جاءت فى مكة القاعدة التشريعية بتحريم قتل النفس التى حرّم الله جل وعلا إلا بالحق . جاء هذا فى الوصايا العشر : ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ (151) الانعام ) ونفس القاعدة فى سورة الاسراء:( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ (33)، وفى سورة الفرقان عن عباد الرحمن المؤمنين بالله جل وعلا وحده :( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ (69).
1/ 2 : وبجانب التأكيد على حّرمة النفس باسلوب القصر كان يتكرر التأكيد على وصف هذه النفس بأنها (النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ )، أى التى يؤكّد رب العزة مبدئيا على حرمة قتلها ، وهذا هو الأساس ، ثم يأتى الاستثناء (إِلاَّ بِالْحَقِّ ). ( الحق ) هنا مقصود به التشريع القرآنى الذى (نزل بالحق) من ناحية نسبته لله جل وعلا ، والذى ( نزل بالحق ) أى بالتشريع القرآنى الحق. يقول جل وعلا عن القرآن:( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105) الاسراء ).وهذا ( الحق ) يعنى (العدل) أى القصاص بقتل النفس التى قتلت نفسا فقط ، وهذا القصاص هو أيضا لحفظ حق الحياة ، لأنه تحذير مقدما من القوع فى جريمة القتل ، فالذى يريد قتل نفس بريئة لو علم أن القصاص ينتظره فسيتراجع عن تنفيذ جريمة القتل ، وبذلك ينقذ الضحية وينقذ نفسه ، وهذا معنى قوله جل وعلا (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ (179)( البقرة ). هذه القاعدة الكلية جاءت مقدما وتكررت مقدما قبل أن يقيم خاتم النبى دولته الاسلامية . فلما أقيمت هذه الدولة أتيح لهذه القاعدة التطبيق والتفصيل فى القصاص على مستويين : جريمة(القتل) ، وفريضة(القتال )فى سبيل الله .
ثانيا : تفصيلات تشريع القصاص فى جريمة القتل :
1 ـ وصل التشريع البشرى فى قمته الحالية الى منع الاعدام فى بعض الحالات ، أى ليس محتما تطبيق قاعدة ( النفس بالنفس). وهذا ما نزل به تشريع القرآن من 14 قرنا . قاعدة أن النفس بالنفس جاءت تشريعا فى التوراة لبنى إسرائيل ، يقول جل وعلا ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (45) المائدة ): ( وَكَتَبْنَا ) أى فرض الله جل وعلا (عَلَيْهِمْ) أى بنى إسرائيل (فِيهَا ) أى فى التوراة ، لأنّ سياق الحديث هنا عن التوراة والاحتكام اليها ، فالآيات السابقة يقول فيها ربّ العزّة جل وعلا : (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ .. )َ (43) ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ(44) المائدة ). إذن قاعدة القصاص النفس بالنفس هى تشريع لبنى إسرائيل فى التوراة ، وجاءت الاشارة اليه فى سورة المائدة ـ وهى من أواخر ما نزل فى القرآن الكريم ـ ليست للتشريع لأهل القرآن ولكن فى سياق التعليق على حادثة مذكورة فى سياق الآيات عن ( أهل الكتاب ) ، وقد جاء بعضهم للنبى يحتكم الى الشرع القرآنى فنزل قوله جل وعلا (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ .. )َ (43) ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ (44) المائدة ). ثم ذكر ربّ العزة التشريع الخاص بهم فى التوراة :( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ(45)المائدة ).
قبلها وفى سورة البقرة كان التشريع القرآنى قد نزل بالتخفيف لأهل القرآن مختلفا عن تشريع التوراة لأهل الكتاب . ويقضى هذا التخفيف بحصر حلات القصاص فى حالات محددة عندما يتساوى القاتل مع القتيل فى الحرية والنوع ، أى الحُر بالحّرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى . وحتى فى هذه الحالات من الممكن أن ينجو القاتل من القصاص لو دفع الدية لأهل القتيل ، وفى غير هذه الحالات تأتى الدية : يقول جلّ وعلا فى تشريع لأهل القرآن وليس أهل الكتاب: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة ) : نلاحظ قوله جل وعلا لأهل القرآن ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ ). وفيما بعد قال عن ( أهل الكتاب ):( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا ). إذن نحن أمام تشريعين مختلفين ، وأن التشريع لأهل القرآن جاء فيه لهم تخفيف ورحمة ومقترنا بعذاب أليم لمن إعتدى بعد ذلك .
2 ـ هذا العذاب الأليم نزل تشريعا بعقوبة هائلة على من يحترف قتل الأبرياء معتديا ، مثل قطع الطريق : يقول جلّ وعلا باسلوب القصر :( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) ( المائدة ) . هنا القتل والصّلب وتقطيع الأطراف والنفى من الأرض على حسب الجرائم المرتكبة ، وفى حالة القبض عليهم بعد حرب معهم . وهذه العقوبات الهائلة جزاء رادع سبقت الاشارة اليه فى التخفيف فى القصاص فى قوله جل وعلا:(ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة ).
3 ـ وهذه الجريمة يصفها رب العزّة بأنها حرب لله ورسوله وأنها فساد فى الأرض ، ويستعمل رب العزّة الفعل المضارع دليل الاستمرارية: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ) . ويأتى العقاب الهائل : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) . أى عقاب هائل فى الدنيا بالقتل والصلب وتقطيع الأطراف والخزى فى الدنيا ، ثم الخلود فى الجحيم يوم الدين . وقد يعتبرها البعض قسوة شديدة ولكنها عدل مطلق لأننا هنا لسنا أمام قاتل عادى بل أمام طائفة تحترف قتل وسلب وترويع الأبرياء ، ليس هذا فقط بل تقوم بتسويغ وتشريع هذا أو تقوم باستحلاله ، أو تضع له تشريعا تنسبه لله جل وعلا ، ومن هنا يصفهم رب العزّة بوصفين : (الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ). هم لا يحاربون الناس فقط بالقتل العشوائى وقطع الطريق ، ولكنهم أيضا يحاربون الله جل وعلا ورسوله أى حين يشرّعون القتل ويستحلّون قتل الناس بشرع مزور ينسبونه للوحى الالهى . هم بذلك أظلم الناس لأنهم يظلمون الناس ورب الناس ، هم فعلا المجرمون الحقيقيون الذين لا يفلحون: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)( يونس ).
4 ـ أى نحن هنا أمام جريمة مركّبة ، تبدأ باستحلال قتل النفس بشريعة مزورة منسوبة لله جل وعلا ودينه حربا لله جل وعلا ورسوله ، ثم تطبيق هذا الاستحلال على أنه شريعة دينية . الأصل هنا ليس مجرد القتل ولكن تسويغ القتل وتشريعه حربا للتشريع الالهى الذى شدّد من قبل على:( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ).من هنا يرتبط العقاب الدنيوى الهائل ( جسديا بالقتل والصلب والتقطيع ) بعذاب نفسى هو الخزى ، ثم الخلود فى النار .
5 ـ والسياق القرآنى لهذا التشريع بدأ بأول جريمة فى تاريخ البشرية حين قتل إبن آدم أخاه . والله جل وعلا يشير الى بداية الجريمة وهى أن القاتل إستحّل و سوّغ لنفسه أن يقتل أخاه البرىء:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ (30) المائدة)، أى فى البداية طوّعت له نفسه قتل أخيه، بعدها كان القتل، فقتل أخاه ، فحكم على نفسه بالخسران والخلود فى النار:(قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)الزمر)(إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) الشورى) .
6 ـ إبن آدم القاتل لم يخترع حديثا ينسبه للوحى الالهى ولم ينشىء دينا أرضيا يستحل به قتل أخيه ، ولكنّه فقط طوّعت له نفسه قتل أخيه ، وعندها أصبح من الخاسرين . فماذا عمّن يصدرون الفتاوى التى تستحل قتل النفس البريئة التى لم تقتل نفسا ؟ الإجابة فى الآية التالية تعقيبا على القاتل ابن آدم الذى طوّعت له نفسه قتل أخيه :( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً (32) المائدة ). هذا تشريع لبنى إسرائيل يجعل جريمة الإفتاء بقتل نفس بريئة تضارع قتل الناس جميعا لأن هذه الفتوى ستنتشر تبيح لكل مجرم أن يستحل القتل ، وعندها يكون الفساد فى الأرض . أى إن الفتوى أو تشريع قتل النفس هو قتل لكل نفس وفساد فى الأرض ، وفى نفس الوقت فإنّ مواجهة هذه الفتوى السامة بفتوى صحيحة تبرّىء شرع الله من هذا الإفك هو إنقاذ للناس جميعا . فماذا عن التشريع الذى لا يبيح فقط قتل الأبرياء ولكن يجعله فريضة دينية باسم ( الجهاد )؟!! الوهابيون الارهابيون ممّن يصدرون فتاوى القتل وممّن ينفذونها ينطبق عليهم عقوبة ( الحرابة ) فى قوله جل وعلا فيهم:( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)( المائدة ).
7 ـ لقد نزل تشريع القرآن بالحرية المطلقة فى الدين فى الاعتقاد والدعوة والشعائر الدينية . طالما لا يصل الأمر الى الإكراه فى الدين وقتل النفس البريئة. لذا تمتع المنافقون بحريتهم فى الدعوة حتى لقد كانوا يخرجون فى المدينة جماعات من رجال ونساء يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف تحديا للمؤمنين الذين كانوا يفعلون العكس : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ(67)..( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ(71)(التوبة ). ووصلت حريتهم الى إيذاء النبى والتآمر على المؤمنين وإقامة مسجد الضرار وحرب الاشاعات والتحالف السّرى مع الاعداء والتقاضى خارج نطاق الدولة التى يقيمون فيها . وكل هذا كان ينزل الوحى بإستنكاره ولكن مع الأمر بالاعراض عنهم فيكفى أنهم سيكونون فى الدرك الأسفل من النار . حريتهم فى الدين والمعرضة السياسية مطلقة بالقول والفعل طالما لا تصل الى قتل أو قتال . إذا وصل الأمر الى القتال وقتل النفس البرئية أصبح فرضا القتال الدفاعى ، قتال الجيش المعتدى الآتى من الخارج . وهذا سنعرض له فى موضوع القتال . ومواجهة الخارجين عن الشرع فى الداخل ممّن يقطعون الطريق ويستحلّون قتل النفس التى حرّم الله جل وعلا قتلها إلّا بالحق . ومن هنا قال تعالى للمؤمنين أهل القرآن عن بنى إسرائيل فى جريمة الإفتاء بقتل النفس البريئة:( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً (32)المائدة )،ثم قال فى الآية التالية عن عقوبة من يستحل قتل الأبرياء حربا لله جل وعلا ورسوله وشرعه :( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)( المائدة ).
8 ـ إن من ضمن الحرص فى التشريع الالهى على حق الحياة أن جعل الله جل وعلا له حرما مكانيا هو البيت الحرام ، ومن دخله كان آمنا ، ومن توجّه اليه كان آمنا ، وجعل أيضا حرما زمانيا هو الأشهر الأربعة الحرم شدّد فيها على منع الظلم والقتل والقتال إلا دفاعا عن النفس ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (36) التوبة). ووصف النسىء بأنه زيادة وتطرّف فى الكفر، مع أنه كان مجرد إحلال شهر حرام بشهر آخر:(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(37) . فماذا الارهابيين الوهابيين فى عصرنا ، وقد إحتلوا الحرم عام 1979 فى مطلع القرن الهجرى الحالى فى حركة جهيمان العتيبى ؟. ثمّ أولئك الإرهابيون الذين يستحلّون قتل الأبرياء ويجعلونه جهادا، ويستحلّون ممارسته فى رمضان وفى الأشهر الحرم؟ ثم هؤلاء الاخوان ( المسلمون ) المجرمون الذين يقتلون فى هذا الشهرالحرام (محرم 1434 ديسمبر 2012 ) المتظاهرين المصريين المسالمين المطالبين بحقهم الشرعى فى الحرية ؟ . الوهابيون الارهابيون ممّن يصدرون فتاوى القتل وممّن ينفذونها ينطبق عليهم عقوبة ( الحرابة ) فى قوله جل وعلا فيهم:( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)( المائدة ).
ثالثا : تفصيلات تشريع القصاص فى جريمة القتل :
يتضح القصاص فى القتال الدفاعى للمسلمين ضمنيا فى قوله جل وعلا :(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)، ويأتى صراحة فى قوله جل وعلا :( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة ). ولكن الأمر يحتاج لبعض التوضيح :
1 ـ فى دولة الاسلام فإن كل فرد مسالم هو مسلم بغض النظر عن دينه وذلك هو معنى الاسلام السلوكى الظاهرى . والكافر المشرك بالسلوك هو المعتدى الذى يستخدم دين الله جل وعلا فى قتل الأبرياء والإكراه فى الدين كما يفعل فى عصرنا الوهابيون . لذا فإن القتال والمواجهة الحربية الدفاعية هى ضد سلوك عدوانى يهاجم المسلمين المسالمين ، وأولئك المسلمون المسالمون لا يبدأون بالعدوان بل يردن العدوان ، وهم يعلمون أن الله جل وعلا لا يحب المعتدين ، لذا يقاتلون من يعتدى عليهم طبقا لشرع الله جل وعلا (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة)، وهم حين يقاتلون هذا العدو المعتدى الذى لا يحبه الله جل وعلا يدعون الله جل وعلا أن ينصرهم على هؤلاء الكافرين المعتدين : (أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)( البقرة ). أى إنّ أولئك المعتدين استحقوا وصف الكفر بسلوكهم المعتدى حسب التعامل بالسلوك وليس بالعقائد .
2 ـ وفى داخل الدولة الاسلامية أنت مؤمن حسب الظاهر طالما أنّك مؤمن ظاهريا أى مأمون الجانب ، لذا يقول جل وعلا للمؤمنين يأمرهم بالتزام طريق السلم والسلام وأن يحذروا من مكائد الشيطان التى تسوّل لهم الاعتداء وإنتهاك حقوق الغير وأهمها الحق فى الحياة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) ( البقرة ). وليست عقيدتك الكافرة حائلا دون وصفك بالمؤمن طالما أنت مأمون الجانب ، لأن حريتك فى الدين هى مسئوليتك أنت وحدك أمام الله جل وعلا ، ولا دخل لدولة الاسلام فيها .
أولئك المؤمنون المسالمون كانوا مشركين بالعقيدة لذا فإنّ الله جل وعلا دعاهم لأن يؤمنوا عقيديا بالله تعالى ورسوله وما أنزل من كتاب سماوى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136)( النساء ) هنا خطاب للذين آمنوا بسلوكهم السلمى الذى يؤثر الأمن والأمان يقول لهم:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، ولأنه إيمانهم سلوكى من الأمن والأمان وليس إيمانا قلبيا بالايمان بالله جل وعلا وحده ورسوله وكتبه فإن الله جل وعلا يدعو أولئك المؤمنين بالسلوك الى أن يؤمنوا أيضا بالعقيدة :( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ )، ويحذرهم من عاقبة كفرهم العقيدى يوم القيامة:( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) . كان هذا فى أوائل ما نزل فى المدينة . ولم يعمل به ( الذين آمنوا ) بالسلوك المسالم فظلوا مشركين بالعقيدة يعبدون الأنصاب الوثنية فى المدينة وقت نزول القرآن ، فكان من أواخر ما نزل من القرآن الكريم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)المائدة). وهنا حقيقة قرآنية خطيرة مسكوت عنها وهى أن بعض الصحابة ـ خارج نطاق المنافقين ـ ظّلوا يشربون الخمر ويدمنون القمار ويعكفون على عبادة الأنصاب أو الأضرحة الى أن قال جلّ وعلا يعظهم فى أواخر ما نزل من القرآن ، ويخاطبهم بالذين آمنوا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )، ولا يأمر جل وعلا بهدم تلك الأضرحة والقبور المقدسة بل يأمر بإجتنابها (فَاجْتَنِبُوهُ) حتى يفلحون (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ولا يكونون من الخاسرين يوم القيامة. ولأنّ أولئك الصحابة ـ المؤمنين حسب السلوك السلمى ـ قد أدمنوا عبادة هذا الرجس الذى هو من عمل الشيطان فإن رب العزة يحذّرهم بطريقة ليّنة:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) المائدة). ونتأمّل قوله جل وعلا لهم:(فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ)؟ وهى تفيد وتؤكد أدمانهم الكفر العقيدى ، ولكن لأنهم يؤثرون السّلم والأمن والأمان فلهم حريتهم فى الدين ، وهم :(الذين آمنوا )، غاية ما هنالك أن الله جل وعلا يعظهم ويحذرهم مقدما فيقول:( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)(المائدة ). أى ليس على النبى سوى التبليغ .
3 ـ فى دولة الاسلام الأساس هو السلام وحقن الدماء فى التعامل مع مواطنيها وفى التعامل أيضا مع العدو الخارجى ، لذا لا بد أن تكون الدولة الاسلامية المسالمة قوية حتى لا يغرى ضعفها العدو المحب للإعتداء على ان يعتدى عليها ، ولهذا كانت القاعدة التشرعية فى الإعداد للقوة هى للردع وإرهاب وتخويف المعتدين لمنع إعتدائهم: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال). والعدو الذى يتوقف عن الاعتداء بسبب الردع يكون قد حقن دمه ودم المسلمين .
4 ـ والعدو المعتدى المهاجم إذا توقف عن الاعتداء فيجب أن يتوقف المسلمون عن قتاله لأن الحرب مرتبطة بوقف العدوان:( فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة) . بل أنهم لو إنتهوا عن الاعتداء فسيغفر الله جل وعلا لهم :( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الأنفال ).
5 ـ وإن جنح العدو المهاجم للسلام فلا بد من الاستجابة لدعوة السلام مع التوكل على الله : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) الأنفال ). وإن كان العرض بالسلام خداعا فلا بد من الاستجابة للسلم توكلا على الله لأنه الله جل وعلا مع من يريد السلام مخلصا متوكلا على الله جل وعلا:( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) الأنفال ).ولا بد من تحالف كل القوى المحبة للسلام وأـن توالى بعضها ضد قوى الاعتداء والشّر لمنع الفتنة والاضطهاد الدينى وحتى لا يكون فى الأرض الفساد : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) ( الأنفال ).
6 ـ وفى حالة الإشتباك الحربى مع العدو المهاجم فلا بد من حقن دم الجندى المعادى لو إستسلم فى الميدان طوعا (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)( التوبة ) أى لا بد من إسماعه القرآن ليكون هذا حجة عليه يوم القيامة ثم إبلاغه مأمنه . أما من يقع فى الأسر عجزا وكرها فلا بد من حقن دمه بإطلاق سراحه مجانا أو بالإفتداء بعد الحرب : (فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا(4)( محمد ).
7 ـ وفى حالة الإشتباك الحربى فى ميدان المعركة فإنّ للجندى فى المعسكر المعتدى أن يحقن دمه من القتل بمجرد أن يقول كلمة السلام ، بمجرد أن يلقى كلمة السلام يحقن دمه مهما قتل من المسلمين ، فهذا شرع الله جل وعلا:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا(94)( النساء ).
هذا المؤمن المسالم بلسانه وسلوكه يحرم قتله، وليس متصورا من مؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا على سبيل الخطأ وعدم التعمّد ، ولو وقع مؤمن فى قتل خطأ لمؤمن مسالم مثله كانت عليه كفّارة ثقيلة :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) النساء ) . أمّا الذى يتعمّد قتل مؤمن مسالم فلو نجا من العقاب الدنيوى قصاصا فإن الذى ينتظره يوم القيامة الخلود فى جهنم وغضب الله جل وعلا ولعنته :(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93).النساء ).
أخيرا : ما رأيكم فى الاخوان الشياطين وشريعتهم الوهابية وقتلهم لأحرار المصريين فى هذه الأيام ؟.
المقال الأخير من هذه السلسلة يتساءل : من الأكثر عداءا للإسلام : مرسى أم موريس ؟ (محمد مرسى أم موريس صادق ؟ ).