خلق الموقف المصري المناوئ للمملكة العربية السعودية، في مجلس الأمن، أزمةً اقتصاديةً غير مسبوقة، تمثلت في إيقاف إمدادات النفط من الشركة السعودية «أرامكو» لمصر، إذ أُبلغت الهيئة العامة للبترول المصرية شفهيًّا من قبل أرامكو، في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) بالتوقف عن إمدادها بالمواد البترولية.
الاتفاق الذي أُوقف «مؤقتًا» كما تقول الحكومة المصرية، يقضي بتوريد «أرامكو» 700 ألف طن من المشتقات البترولية في الشهر، وذلك لمدة خمس سنوات، وبقيمة 23 مليار دولار، وهي قيمة مخفضة ولا تستوجب الدفع بشكل فوري، تسهيلًا ودعمًا للحكومة المصرية. وبموجب الاتفاق، كانت تغطي الكمية المورّدة، 86.5% من احتياجات السوق المصري من البنزين، و67% من احتياجاته من السولار.
و فيما تسعى القاهرة جاهدة، إلى تدارك الموقف مع السعودية، للتراجع عن قرار وقف الإمدادات الشهرية، قبل مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، تسعى أيضًا القاهرة لإيجاد بدائل نفطية تنقذها من أزمتها النفطية قبل التفاقم أكثر.
من العراق.. المطلوب موقف ضد تركيا
سارع النظام المصري للإعلان عن طرح مناقصات لسد احتياجات سوقه المحلي من النفط، فالطاقة الإنتاجية للشركات المصرية محدودة، ولا يمكن الاعتماد عليها لتلبية حاجة السوق، وفي محاولة لتوريد الكمية المطلوبة لشهر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، اضطرت الحكومة المصرية لسحب 750 مليون دولار من البنك المركزي مطلع الشهر الحالي.
ومع اقتصار حل الأزمة المصرية الآن على المناقصات، تحدثت وسائل إعلام مصرية عن عدة دول من الممكن لمصر أن تستورد منها النفط، ذكرت روسيا كدولة يمكنها تزويد مصر بالنفط، بعد سعي السيسي إلى توطيد العلاقات مع موسكو التي تبدي اهتمامًا كبيرًا في الحلول محل النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتحرص على تنمية نفوذها في إيران، وتركيا، وسوريا، كما يقول لنا الكاتب الصحافي شاكر الجوهري، مضيفًا: «يلتف النظام المصري إلى روسيا كدولة أولى في إنتاج النفط عالميًّا (قرابة 12 مليون برميل يوميًّا) وظلت تزود دول المنظومة الاشتراكية بالنفط بأسعار تفضيلية حتى تفككها سنة 1991».
الخطوة الواضحة الآن لروسيا، هي أنها توصلت مع إيران لتوقيع اتفاق مع الحكومة العراقية، يهدف إلى تغطية الاحتياجات النفطية المصرية، وتعويض النقص في مستلزمات السوق المصري، سيكون الاتفاق جاهزًا للتنفيذ بدءًا من الشهر المقبل، في حال استمر الموقف السعودي بعدم إمداد مصر بالمستلزمات النفطية.
وصرح مصدر حكومي مصري لصحيفة العربي الجديد أن «الاتفاق الجديد الذي جاء بوساطة روسية إيرانية، يقضي برفع الكمية التي تحصل عليها القاهرة من بغداد شهريًّا (200 ألف برميل) إلى مليون برميل». ويتطلب الاتفاق حسب المصدر «إعلان مصر موقفًا قويًّا ضد التدخل التركي في الشأن العراقي».
نفط ليبيا مكافأة على دعم حفتر
«الحكومة الليبية مستعدة لتوفير النفط لمصر»، هذا ما أعلنه الإعلامي المصري خالد صلاح، في برنامجه «على هوى مصر» المذاع على قناة النهار الخاصة.
ونقل صلاح عن مصدر حكومي ليبي، تأكيده أن «النظام المصري الذي دعم قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر بالعتاد والسلاح، وبارك سيطرته على منطقة الهلال النفطي في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي؛ له نصيب من الصادرات الليبية النفطية» المتوقفة منذ 2014.
وصرح هذا المصدر، قائلًا إن «ليبيا لن تقف مكتوفة الأيادي تجاه أي محاولات للضغط على مصر اقتصاديًّا، فليبيا لن تنسى دور مصر البارز في دعم استقرار وأمن ليبيا، ودعمها للجيش الوطني الليبي في حربه ضد الإرهاب».
وقبل الأزمة السعودية المصرية، ومع طمع النظام المصري بالحصول على حصة من الموارد النفطية الليبية في ظل أزمته النفطية، اقترح المستشار القانوني لقوات اللواء المتقاعد حفتر، صلاح عبدالكريم، بيع النفط الليبي لمصر بالجنيه المصري، وذلك بهدف رفع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وقال حينها عبدا لكريم إنه «يرى أن الشعب المصري يجب أن يستفيد من النفط الليبي نظير المساعدات التي قدمتها القاهرة لما يسمى (عملية الكرامة) التي يقودها حفتر».
ويرى الكاتب الصحافي، شاكر الجوهري، إن حجم الإنتاج النفطي في ليبيا في الوقت الحالي، لا يؤهلها لأن تغطي الحاجة الاستهلاكية لمصر، مُضيفًا في حديثه لـ«ساسة بوست»، أن «ليبيا قد لا تستطيع تأمين الكمية التي تحتاجها مصر، حيث أن حجم إنتاج النفط في ليبيا بلغ قبل استعادة آبار الهلال النفطي قبل حوالي الشهر 350 ألف برميل يوميًّا، بالكاد تكفي حاجتها الاستهلاكية».
ويوضح الجوهري، وهو رئيس تحرير جريدة المستقبل العربي، أن ليبيا ربما تحتاج إلى بضعة أشهر قبل أن تتمكن من رفع حجم إنتاجها، متابعًا: «وإن تم ذلك، فإن ميزانية الدولة شبه الخاوية تحول دون تقديم نفط مجاني لمصر، أو حتى بأسعار تفضيلية».
نفط إيران.. لدعم «محور المقاومة» بالمنطقة
«أتمنى تطوير التجارة النفطية التي تؤدي إلى تحسين العلاقات السياسية بين مصر وإيران»، يبدو أن الأمنية السابقة لمساعد وزير النفط الإيراني، أمير حسين زماني، بأن تبيع بلاده النفط ومشتقاته إلى مصر، باتت قريبة التحقيق، ومتوافقة مع رغبة وزير البترول المصري، الذي أعلن في 29 يوليو (تموز) الماضي، أنه «لا مانع لدى بلاده من استيراد النفط الخام من إيران»، فإيران أصبحت معنية جدًّا بالتقارب مع مصر بعد الأزمة السياسية الأخيرة مع السعودية.
وبغض النظر عن العلاقات المصرية الإيرانية التي لم تخلُ من التوتر، فبعد إعلان توقف أرامكو السعودية عن تزويد مصر باحتياجاتها البترولية، أعلنت منظمة العدل والتنمية -إحدى المنظمات الحقوقية المصرية- أن مصر تتجه إلى استيراد النفط الإيراني عبر خط سوميد، وقالت المنظمة: «إن مصر قد توقع اتفاقيات مع إيران للحصول على المواد البترولية عبر خط سوميد الممتد من خليج السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، بعد رفع العقوبات النووية عن إيران، فعودة البترول الإيراني ستساعد في رفع عائدات خط سوميد«.
واستصدرت الحكومة المصرية في مايو (أيار) الماضي تراخيص رسمية لتمكين إيران من تصدير النفط الخام إلى أوروبا بشكل أسرع، عبر استخدام قناة السويس وخط أنابيب سوميد، وهو ما اعتبر موقف مصري أجهض محاولات السعودية التي فرضت قيودًا على صادرات النفط الإيراني الخام إلى الدول الأوروبية، هذه الخطوة أظهرت تقاربًا في العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر وإيران، سرعان ما تبعها إعلان استعداد الشركات الإيرانية لتزويد مصر ودول شمال أفريقيا بالنفط ومشتقاته.
وإثر الأزمة المصرية السعودية الأخيرة وجدت إيران ضالتها، ويتوقع تقرير نشرته صحيفة «الأخبار» اللبنانية أن تدفع الأزمة مصر للجوء إلى طهران لاستيراد كميات الغاز والوقود التي أوقفتها شركة أرامكو، وحسب التقرير فإن «هذه الخطوة هي للتلويح بأن الموقف السعودي سيكون ثمنه غاليًا سياسيًّا»، وهو ما يتفق مع ما نشره موقع «مشرق نيوز» الإيراني، والمقرب من الحرس الثوري، بأن «هذه التطورات تشير إلى مرحلة سياسية جديدة تدخلها المنطقة، ومصر باتت أقرب من أي وقت مضى من محور إيران».
وأضاف الموقع أن «موقف مصر وتصويتها في مجلس الأمن الدولي لصالح القرار الروسي، لم يعبر فقط عن عدم تبعية القاهرة للرياض، بل يحمل رسائل مبطنة عديدة، والسعوديون وشيوخ دول الخليج فهموا ذلك جيدًا وبسرعة، وشعروا بشدة خطورتها التي تمثل في المرحلة الأولى تقارب مصر من محور المقاومة بالمنطقة«، وهو ما سينعكس على الدور السعودي في سوريا، إذ اعتبر موقف مصر مساهمًا في إغلاق هذا الملف لصالح ما يسميه الموقع بـ«محور المقاومة» بالمنطقة، وسينعكس أيضًا على دور المعارضة السورية بصورة كبيرة جدًّا، وعلى دعمها على المستوى الإقليمي والدولي أيضًا.
ومع ذلك يمكنا القول إن إمكانية استيراد مصر لنفطها من إيران أمر ليس سهلًا، كون إيران لديها أكثر من سبب يحول دون تقديمها مساعدة نفطية لمصر، بدلًا عن المساعدة السعودية التي توقفت، منها تزايد العجز في الموازنة الإيرانية جراء الدعم المستمر ماليًّا وعسكريًّا للنظام السوري، والحصار الدولي الذي ما يزال مفروضًا على إيران، كما أن إيران لا تثق كثيرًا في السيسي الذي من الممكن أن يعود بسهولة لمحالفة «عدوها اللدود» السعودية.
النفط من الجزائر لدعم انفصال الصحراء المغربية
تناقلت وسائل الإعلام المصرية يوم الجمعة الماضي، خبر استقبال مصر وفدًا رسميًّا يمثل جبهة «البوليساريو» الانفصالية، للمشاركة في أعمال المؤتمر البرلماني العربي الأفريقي في شرم الشيخ، استقبل الوفد استقبالًا رسميًّا، بعد أن منح أعضائه تأشيرات لدخول مصر.
اعتبر المغرب التصرف المصري استفزازًا لسيادته الترابية، وهو ليس الأول من نوعه، فقد امتنعت مصر إلى جانب تونس وموريتانيا في يوليو (تموز) الماضي، عن التوقيع على طلب إبعاد «البوليساريو» عن منظمة الاتحاد الأفريقي، وعودة المغرب لحضن المنظمة، بعد 32 سنة من القطيعة، ويدعم ذلك التقارب مع الجزائر التي تدعم الجبهة الانفصالية المطالبة باستقلال الصحراء المتنازع عليها.
ويظهر أن الجزائر تحاول «الصيد في الماء العكر» لجر مصر إلى صف موقفها إزاء قضية الصحراء، بعد تردي العلاقات المصرية السعودية، ذلك ما أشار إليه الصحافي محمد مجيد، الذي قال إنه «من المعروف أن السعودية ودول مجلس التعاون بشكلٍ عام تدعم وحدة المغرب الترابية، كما تدعم هذه الدول قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بإعطاء حكم ذاتي للصحراء تحت السيادة المملكة المغربية، لكن صراع الجزائر مع المغرب دفعها بعد أزمة السعودية مع مصر لاستغلال الأمر لصالح مطامعها بتقسيم المملكة الغربية، وهذا ما دفع القاهرة لاستقبال وفد من جبهة البوليساريو بالتنسيق مع الجزائر«.
ولفت الأحوازي إلى أن دبلوماسية مصر تجاه الأزمة السورية، وملف الصحراء، تصب لصالح تقوية محور إيران في منطقة الشرق الأوسط، وحلفاء إيران في شمال أفريقيا، مُوضحًا: «الجزائر دخلت على الخط بدعم مصر بالمحروقات، لكسب الموقف المصري ضد المغرب في ملف الصحراء المغربية؛ لأن جبهة البوليساريو تبحث عن شرعية عربية خلال دعم القاهرة لانفصال الصحراء المغربية، ولكن يجب أن تدرك القاهرة في أن المغرب لم تسكت، لأن قضية الصحراء الغربية بالنسبة للمغاربة جميعهم خط أحمر«.