هل تبقى من شيء لم نعرفه عن القدماء المصريين وحضارتهم ويمكنه أن يبهرنا وما هو الاكتشاف الجديد في حضارة الفراعنة التي يمحصها العالم ويدرسها منذ عقود؟
كان هذا هو السؤال الجوهري الذي حاول الدكتور ماريك كوولا أستاذ علم الفلك في مرصد غرينتش الملكي الاجابة عليه في لقائه مع مجموعة كبيرة من الاختصاصيين وجمهور العامة على السواء في إطار معرض العالم الحديث (New Scientist Live).
ولا يتعلق الامر بالنسبة للدكتور كوولا بمجرد اكتشاف مقبرة جديدة أو تمثال جديد إنما الابهار يبقى في الطريقة التي انتهجها الفراعنة في حياتهم، تلك الطريقة الحضارية والتقدم العلمي في علم الفلك.
فأي مجتمع حضاري – كما يقول - يعتمد بشكل أساسي على فكرة ادراك الزمان والمكان، والفراعنة كان لديهم مجتمع متحضر ومتقدم للغاية بدرجة معقدة كل ذلك بفضل قدرتهم على أن يكون لديهم أدوات لحساب الوقت مثل الساعة والتقويم.
والساعة والتقويم لديهم كانت السماء بأفلاكها ونجومها: الشمس والقمر والنجوم، وبقدرتهم على حساب حركة النجوم والافلاك بشكل علمي دقيق تمكن الفراعنة من بناء حضارتهم.
ويؤكد البروفيسور كوولا في لقائه في قاعة إكسيل بضاحية غرينتش أن الامر لا يتعلق بمجرد دراسة الحضارة والتاريخ بل يرى أن كل ما نتمتع به اليوم من حسابات دقيقة للوقت ما هو إلا انعكاس تراكمي للمعارف الفلكية لعصر الفراعنة.
كما أنه يدلل على بزوغ القدماء المصريين وتقدمهم في علوم الفلك بأدراكهم لقيمة النيازك التي ضربت الارض في عصور سحيقة وخلفت أثارا تمكن الفراعنة من الاستفادة منها.
ويقول البروفسيور كوولا إن من أكثر الاشياء التي أبهرته كمتخصص في علم الفلك وهو يقوم بدراسة علم المصريات ما كان لديهم من الاشياء المصنوعة من الحديد وذلك قبل العصر الحديدي واستخراج الحديد من المناجم.
وكان السؤال كيف حصلوا على الحديد؟ ويشير إلى أنهم حصلوا على خام الحديد من احجار النيازك، مشيرا إلى أحد الاكتشافات الحديثة عن وجود خنجر مصنوع من الحديد في مقبرة توت عنخ آمون.
وقال إن المصريين القدماء صنعوا قلائد رائعة من الحديد وخلطوها كذلك بالنفائس واقتصر استخدمها على الاشخاص ذوي المكانة الرفيعة مثل الملوك والفرسان الامر الذي يؤكد أهم كانوا يعرفون قيمة هذه المواد ويعرفون أنها كانت قادمة من بعيد، من السماء، وأن لها قيمة عظيمة.
ويثني البروفيسور كوولا بشكل خاص على التراكم المعرفي في مجال علوم الفلك الذي أوصلنا للحضارة الحديثة اليوم والمشروعات الطموحة لرصد مليار نجم في مجرة درب التبانة لرسم صورة ثلاثية الابعاد للافلاك وهو المشروع الذي ستنفذه وكالة الفضاء الاوروبية بعد عمل شاق استغرق خمسة وعشرين عاما.
لكن كل هذا بفضل التقدم في علم الفلك لدي قدماء المصريين وأيضا بفضل الحسابات الفلكية المبهرة في العصر الاسلامي الذهبي وهي حقبة كما يقول البروفيسور كوولا تواجه الكثير من الحيف والتعتيم في الاوساط الاوربية في عالمنا اليوم.