نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريرًا للصحافي «ياروسلاف تورفيموف»، يتحدث فيه عما أسماه «حرمان السعودية»، في إشارة إلى مؤتمر «أهل السنة والجماعة»، الذي عقد في غروزني، عاصمة الشيشان، الشهر الماضي، ودعي إليه شيخ الأزهر، وجماعات تمثل الصوفية.
ويقول الكاتب: إن المؤتمر الدولي، الذي انعقد تحت رعاية رئيس الشيشان «رمضان قديروف»، استبعد السعودية؛ ما يشي بحدوث صدع جديد داخل أهل السنة في العالم، مشيرًا إلى أن الصراعات السياسية في الشرق الأوسط بين القوى السنية والمعسكر الشيعي تطورت إلى حروب دينية.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمه موقع «عربي21»، بأن النزاع العقدي داخل التيار السني أدى إلى حدوث صدع سياسي جديد، لافتًا إلى أن العامل الذي تسبب به هو مؤتمر مغمور في جمهورية الشيشان التابعة لروسيا الفيدرالية.
وتذكر الصحيفة أن رمضان قديروف، الذي انتخب مرة أخرى بنسبة 98%، هو من أتباع الصوفية، التي ظلت منذ القرن الثامن عشر متعارضة مع الوهابية.
ويعلق تورفيموف قائلًا: إن «قديروف، وهو متمرد إسلامي سابق، ويعرف بولائه الشديد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واستخدامه (إنستغرام)، للحصول على مساعدة المواطنين في البحث عن قطة ضالة، لا يعد مرجعية في الشؤون الإسلامية، ولا حتى خارج الشيشان على الأقل، لكنه تشجع من خلال التأثير الجديد لروسيا في الشرق الأوسط، بعد عام من التدخل في سوريا بالتحالف مع إيران، واستطاع أن يدعو شخصيات مهمة من العالم الإسلامي إلى غروزني في أغسطس (آب)، وعقد المؤتمر بالتعاون مع مؤسسة إسلامية في الإمارات، وحضره شيخ الأزهر ومستشارون للرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، وعالم يمني مؤثر، وهو «الحبيب علي الجفري»، ومفتي سوريا من بين آخرين، ولم تكن مهمته أقل طموحًا من تحديد من هو المؤهل لكي يكون من الجماعة السنية».
ويلفت التقرير إلى أن المؤتمر لم يوجه دعوة للعلماء السعوديين الذين وصفوا بالوهابيين للمشاركة، ولا لممثلين عن التيار السلفي في العالم الإسلامي، مشيرًا إلى أن الشيشان تفرض حظرا على السلفية، وتقوم بسجن من تقول إنهم »يصلون بطريقة خاطئة».
وتجد الصحيفة أنه «ليس غريبا أن يقوم مؤتمر غروزني في بيانه النهائي بتعريف السنة أو جماعة أهل السنة بأنهم أتباع المدارس الفقهية الأربع، وأن يثني على الممارسات الصوفية، ما يشي بأن السلفية والوهابية بالضرورة هما خارج هذا التعريف».
ويذكر الكاتب أنه عندما بدأت أخبار المؤتمر ترشح في الشرق الأوسط، وتبين أن فيه محاولة لاستبعاد السعودية، خادمة الحرمين الشريفين وملايين من السلفيين في العالم، بدأت الاحتجاجات.
وينوه التقرير إلى أن خطاب المؤتمر يشبه الخطاب الذي استخدمته إيران في السابق لنزع الشرعية عن السعودية، وأشار إلى مقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف هذا الشهر في صحيفة «نيويورك تايمز»، الذي صور أزمة الشرق الأوسط بأنها معركة بين «الوهابيين والتيار الرئيس في الإسلام»، لافتًا إلى أن الرد السعودي على المؤتمر تمثل بقيام عدد من العلماء والناشطين السعوديين بنقد المؤتمر على مواقع التواصل الاجتماعي، والتعبير عن غضبهم.
وتنقل الصحيفة عن البروفيسور «صالح الختلان» من جامعة الملك سعود في الرياض، قوله «على المستوى العام، فإن السعوديين شعروا بالغضب، واعتقدوا أن هناك مؤامرة ضدهم من المحور الروسي الصوفي، وعبروا عن مخاوفهم وغضبهم»، مشيرة إلى أن السعوديين لم يكونوا الوحيدين الذين عبروا عن غضبهم من مؤتمر غروزني؛ بل إن الإخوان المسلمين عبروا عن أسى عميق من التجمع في الشيشان، واتهموا من شاركوا فيه بزرع نار الفرقة بين المسلمين حول العالم.
ويورد تورفيموف نقلًا عن الخبير حسن حسن، من معهد التحرير في واشنطن، قوله «لم ينظر للمؤتمر على أنه تجمع للمعتدلين ضد السلفيين، بل نظر إليه على أنه تجمع لداعمي للسيسي والإمارات، وذهابهم إلى روسيا، في وقت يتم فيه قصف المدنيين السوريين، ما ترك أثرًا سيئا، ونظر إليهم على أنهم خونة، باعوا القضية».
ويرى الكاتب أن «استلهام تنظيم الدولة بعضا من أفكار محمد عبد الوهاب لا يعني بالضرورة أن التفكير الوهابي متشدد وراديكالي؛ فقد شجب السلفيون والشيعة والصوفية العنف».
ويفيد التقرير بأن السلفية السعودية تؤكد ضرورة طاعة ولي الأمر، وتحظر أي مشاركة في الجهاد إلا بأمر من الحاكم الشرعي، لافتًا إلى أن معظم السلفيين ينتمون للتيار المسالم، ويتجنبون النشاط السياسي، ويتبعدون عن العنف.
وتذهب الصحيفة إلى أنه في المقابل، فإن الصوفية لم تكن دائمًا تعنى بالتربية الروحية، حيث إن الحركة الجهادية ضد المستعمرين الأوروبيين قادها شيوخ الطرق الصوفية، بالإضافة إلى أن الجماعات المتمردة في العراق اليوم تضم جيش الطريقة النقشبندية.
وبحسب تورفيموف، فإن مفتي الشيشان، والد قديروف، أصدر فتوى للجهاد ضد الروس في تسعينيات القرن الماضي، وقاد بنفسه مجموعة من المقاتلين في تلك الحرب، لافتًا إلى أنه في الشيشان اليوم تقوم الدولة بتأكيد الالتزام الديني ومراقبته، حيث يفرض على المرأة ارتداء الحجاب في المكاتب الحكومية، ويمنع بيع الكحول.
وتختم «وول ستريت جورنال» تقريرها بالإشارة إلى قول المحاضر في الدراسات السياسية والأمنية في جامعة إكستر عمر عاشور «ما يجعل الجماعات الصوفية تبدو معتدلة اليوم هي أنها تفضل الوضع القائم، لكن فكرة أنهم معتدلون أكثر من السلفيين تبدو سخيفة، فكلاهما قمعيون وغير ليبراليين، وعلى نحو ما معادين للديمقراطية».