التقوى جوهر الاسلام

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٨ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

التقوى نقطة الفصل بين الاسلام والمحمديين

1 ـ تقوى الله تعالى هى جوهر الاسلام ، وعلى اساسها قامت شريعة الاسلام الحقيقية المذكورة فى القرآن والتى طبقها خاتم الأنبياء محمد عليهم جميعا السلام.
تاريخ المسلمين بفتوحاته وغزواته وامبراطورياته وتشريعاته وتراثه يتناقض فى اغلبه مع جوهر الاسلام ، وبالتالى فان أغلب تشريعات المسلمين تتناقض مع تشريعات الاسلام الحقيقية.

2 ـ فى الدين السنى يقولون ( بنى الاسلام على خمسة : شهادة أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ، واقامة الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا ). ويتعلم الطفل المسلم منذ نعومة أظفاره هذه الأركان الخمسة للاسلام عندهم ، ومن أنكرها فهو عندهم كافرلأن هذه الأركان الخمسة هى جوهر ( اسلامهم )، بينما تكون التقوى عنده مظهرا حسيا يتمثل فى التدين السطحى والاحتراف الدينى ولباس المتقين من اللحية والجلباب والنقاب والمسواك .
وفى ضوء الاسلام الحقيقى فى القرآن فان التناقض بين الاسلام وبين أولئك المسلمين يبدأ بمقولة تلك الأركان الخمسة عندهم ، ليس فقط لأن للاسلام ركنا واحدا وجوهرا واحدا هو التقوى ولكن أيضا لأن الصيغة التى قيلت بها مفردات الاركان الخمسة عندهم تخالف الاسلام.
*. فشهادة الاسلام واحدة وليست إثنتين ، فهى شهادة أنه لا اله الا الله فقط. ومن شهد بهذا فقد آمن بكل الأنبياء دون أن يفرق بينهم ، أو أن يرفع واحدا من بينهم فوق الآخرين. حين يضاف الشهادة بمحمد رسولا فهنا تفضيل له على غيره من الأنبياء وتمييز له عنهم ، وهذا كفر بالاسلام وفقا لما أكده الله تعالى فى القرآن ( البقرة 136 ، 285 ) ( آل عمران 84 ) ( النساء 150 : 152 ) ( الأحقاف 9 ).
ولكن العقيدة الأساسية لديهم إنهم أمة محمد،وأن محمدا هو سيد المرسلين ، وهذا تأليه للنبى محمد يؤكده قيامهم بالحج الى قبره و الصلاة اليه بزعم الصلاة عليه ووضع اسمه الى جانب اسم الله تعالى فى المساجد وفى الأذان للصلاة قبل الصلاة و فى التحيات أثناء الصلاة ،وفى صلاة ركعات السنة له بعد الصلاة، وفى قراءة الفاتحة له ، وفى الاعتقاد الجازم فى شفاعته كأنه المالك ليوم الدين . وكل ذلك كفر عقيدى بالاسلام.
*. بعد الشهادتين يذكرون العبادات ( إقامة الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان والحج ).
وهنا تناسوا فرائض اسلامية أخرى مثل التسبيح وذكر الله تعالى ، وله أوقاته اليومية ( طه 130 ـ الروم 17 : 18 ـ ق 39 : 40 الطور 48 : 49 ) وله طريقته (آل عمران 191 : 194 ـ الأعراف 55 ـ 205 ) وتلاوة القرآن الكريم ( الاسراء 78 ـ النمل 91 ـ 92 ـ فاطر 29 ).
ثم أنهم ذكروا إقامة الصلاة وايتاء الزكاة يريدون تأدية الصلاة وتقديم الصدقات مع اختلاف المعنى بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من ناحية وتادية الصلاة والصدقة من ناحية أخرى . وعندهم فان تأدية الصلاة وتقديم الصدقة والحج والصوم أهداف فى حد ذاتها ، ومن قام بها فقد ضمن الجنة مهما ارتكب من معاص وآثام ، وعليه تكون صلاتهم مشجعا لهم على العصيان و ليس على التقوى وخشية الرحمن .
وليس هذا هو مفهوم اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وفقا للقرآن الكريم ، إذ أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تعنى أن تسفر تأدية الصلاة وسائر العبادات عن الطهارة الخلقية و السمو فى التعامل مع الناس ، لأن مجرد تأدية الصلاة و الصدقة و الحج والصوم وكل العبادات ليست هدفا فى حد ذاتها ولكنها وسائل لهدف أعظم هو التقوى ؛جوهر الاسلام . ولذلك فان أكثر المسلمين تدينا هم أسوأهم خلقا و أشدهم تزمتا وأكثرهم تطرفا ، لأنه تيقن عندهم أنهم طالما يؤدون العبادات فقد أصبح لهم مهمة التسلط على الآخرين.

3 ـ ان للدين الالهى الحق ثلاثة جوانب أساسية تتمثل فى ( التقوى ):
*جانب عقدى قلبى وهو الايمان بالله وحده لا شريك له ولا مثيل ولا ولد ولا زوجة.
* جانب تعبدى شعائرى وهو عبادة الله جل وعلا وحده .
* جانب أخلاقى قيمى وهو التمسك بالقيم العليا الأخلاقية من العدل و الرحمة و السلام و الكرم و التسامح والاحسان ..الخ والبعد عن نقيض التقوى من الظلم والفجور و البغى والفساد والاسراف .
أو باختصار : ايمان حقيقى بالله تعالى وعمل صالح يشمل عبادة الله تعالى وحده وحسن التعامل مع الناس .
أو باختصار أكثر تقوى الله تعالى بحيث لا تؤمن باله سوى الله تعالى و لا تعبد غيره و لا تظلم أحدا من الناس.
وهذه هى التقوى التى غفل عنها معظم المسلمين ولا يزالون.
هذه لمحة عن التقوى تشير للتناقض بين الاسلام والمسلمين ، نتوقف بعدها مع التقوى بالتفصيل .
معنى التقوى :
معنى التقوى عموما :
1 ـ يقول تعالى لبنى اسرائيل (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ )، وهذا يفيد أن معنى التقوى هو الخوف من الله تعالى والرهبة من عذابه بحيث لا يقع الانسان فى معصية ، أو يتوب اذا وقع فى معصية ، ويأتى هذا فى معرض التحذير والإنذار لمن يقع فى المعصية .
2 ـ وقد يحمل مفهوم التقوى معنى الرجاء فى الجنة والأمل فيها ، وهذا ما يحس به المؤمن المطيع لربه جل وعلا ، نستفيد هذا من قوله تعالى يخاطب المؤمنين (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (الزمر 10 ). فالتقوى هنا تحمل فى طياتها وعدا إلاهيا لمن اتقى بأن يعيش فى دنياه وآخرته حياة طيبة مصداقا لقوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ( النحل 97 ).
3 ـ وفى كل الأحوال فإن التقوى هى أن تعلم أن الله تعالى يراقب أعمالك وهو جل وعلا شاهد عليك فتبتعد عن المعصية و تكثر من الطاعات ، وهذا ما أشارت اليه الآية السابقة (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء 1 ـ)
التقوى بمعنى الوقاية والحماية :
1 ـ الأصل اللغوى لكلمة التقوى هو من الوقاية ـ أى الحماية .
2 ـ وقد تكون الحماية والوقاية حسية كأن تتقى البرد والحر وكأن تلبس دروعا لتتقى ضربات العدو فى القتال ، وهذه وظيفة اللباس المشار اليها فى قوله تعالى (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) (النحل 81 ).
3ـ وقد تكون الحماية معنوية ، تعنى الوقاية من الأنانية وهى أم الشرور ، والأنانية فى المصطلح القرآنى تعنى ( الشح ) وقد تكرر مرتين قوله تعالى (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (الحشر 9 ) (التغابن 16)
4 ـ وقد تكون الوقاية من عذاب دنيوى ، فالله تعالى وقى ونجّى مؤمن آل فرعون من مكر الفرعون ـ فى قصة موسى عليه السلام ، قال تعالى عن مكر فرعون بذلك الرجل المؤمن من آل فرعون (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ) (غافر 45 ).
5 ـ وقد تكون الوقاية حماية من الذنوب التى يرتكبها الانسان فتكون سببا فى عذابه ، ولهذا فان الملائكة تدعو الله تعالى وتستغفر للمؤمنين قائلة (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ) ( غافر 7 : 9 ).
6 ـ إلا إن الأغلب الأعم هو الوقاية أو طلب الوقاية من عذاب النار يوم القيامة ، وهذا ما تكرر فى القرآن الكريم ، مثلا : )وَوقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) ( الدخان 56 ) (وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ) (الطور 27 ) (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (البقرة 201 آل عمران ـ 16).
وبالتالى فان الوقاية من الذنوب أو العذاب من ملامح مصطلح التقوى .
التقوى بمعنى الخشية :
تعبير الخشية لا يدل على مجرد الخوف من الله ، ولكنه الخوف الممتزج بالخشوع ، لذا يأتى فى الأغلب مرتبطا بتقوى الله تعالى والخشية منه، كقوله تعالى (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) (النور 52 ).
إن الخشية حالة خاصة من الخوف ينبغى أن يتوجه بها المؤمن التقى نحو الله تعالى فلا يخشى الا الله ، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى للنبى محمد فى معرض التأنيب الحاد (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) ( الأحزاب 37 ) وقوله تعالى لأهل التوراة (فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) ( المائدة 44 ) وقوله تعالى للمؤمنين (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ) وقوله تعالى للمشركين فى مكة : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ ) ( التوبة 13 ، 18).
وبالتالى فان الخشية من علامات القلب الخاشع الذى يخشى الرحمن بالغيب .
التقوى بمعنى الخوف :
وتأتى التقوى بمعنى الخوف من الله تعالى أو من عذابه فى الدنيا كقوله تعالى يحذر المؤمنين من عذابه الدنيوى : (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (الانفال 25 ) أو يحذرهم من عذابه يوم الدين ، يقول جل وعلا (فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) ( التحريم 6 ).
ويأتى الأمر بالتقوى فى معرض نفى الشفاعة البشرية التى يعتقد فيها معظم البشر ، وهنا يكون التخويف مقصودا حتى يتقى الناس وليستعدوا مقدما لليوم الآخر الذى لا مكان فيه لأمانى الشفاعة وأساطيرها ، يقول تعالى ( وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) (البقرة 24 ـ ـ48 ـ 123 ) ففى هذا اليوم لا تنفع نفس بشرية نفسا بشرية ولا شفاعة ولا فدية ولا ينصر أحد أحدا، أو كما تقول سورة لقمان لا ينفع الابن اباه ولا ينفع الأب ابنه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) ( لقمان 33 )
التقوى بمعنى التوبة:
وهذا يستدعى من المؤمن التوبة فتأتى التوبة ضمن معانى التقوى وصفات المتقين ، فاذا أذنب أحدهم بادر بالتوبة وعزم على ألاّ يعود الى العصيان ، يقول تعالى عن المتقين (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (آل عمران ـ 135). وهناك من هو أعلى درجة إذ يتذكر ربه قبل الوقوع فى المعصية وقبل ان يغويه الشيطان فيرفض الوقوع فى الذنب مستعيذا بالله تعالى من الشيطان الرجيم (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) (الأعراف 201 )
التقوى جوهر الدين السماوى للبشر جميعا

1 ـ الاسلام هو دين الله تعالى لكل البشر ، وبه نزلت كل الرسالات السماوية ونطق به كل نبى باللغة التى يتكلم بها قومه ( ابراهيم 4 ) الى أن نطق الاسلام أخيرا باللغة العربية فى القرآن الكريم الذى حمل الرسالة السماوية النهائية للبشر الى قيام الساعة (مريم 97 ) (الفرقان  1 ).

2ـ والتقوى هى جوهر كل الرسالات السماوية ، حيث خاطب الله تعالى كل الرسل فقال (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) ( المؤمنون ـ 52 ). أى أمرهم بالتمسك بالتقوى والعمل الصالح.
ولذلك فكل نبى كان يأمر قومه بالتقوى، وفى سورة الشعراء ـ التى قصّت سيرة كثير من الأنبياء ـ كان كل نبى منهم يقول لقومه : (أَلَا تَتَّقُونَ ؟ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ) وتكرر هذا فى سور أخرى ، يقول تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ؟) (فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ؟ ) (المؤمنون 23 ـ32 ) (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ؟ ) (الاعراف 65 ) (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ اِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ؟) (الصافات ـ 124 ) (..ٍ وَاذكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (الاعراف171 ).
3 ـ وخطاب القرآن بالتقوى لم يشر فقط الى الأمم السابقة وانما امتد به من عصره حتى قيام الساعة.
* فالنبى محمد مأمور بالتقوى شأن كل غنسان فى هذه الدنيا ،يقول له رب العزة : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ) ( الاحزاب 1 ).
* وكذلك الذين آمنوا معه والذين آمنوا بعده (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) ( التوبة 119 ) والصادقون هم مجموع الأنبياء , ويقول تعالى أيضا للمؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الحجرات 1) أى يحرم عليهم المزايدة على الله تعالى ورسوله ، ويحذرهم بأنه ( سميع عليم).
* وفى الرسالة الخاتمة أكّد رب العزة أنه أمر المسلمين وأهل الكتاب بالتقوى فقال (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ : أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ) (النساء131 ). وكرر خطابه لبنى اسرائيل يأمرهم بالتقوى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ , وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ) ( البقرة ـ 41 ).
* وكان مشركو العرب يؤمنون بأن الله تعالى خالق السماوات والأرض وبيده ملكوت كل شىء ومع ذلك يتخذون معه آلهة أخرى ، وفى حوار القرآن معهم اتخذ من ايمانهم بالله تعالى الخالق حجة عليهم فدعاهم لتقوى الله (قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) (المؤمنون ـ 87 ).
* بل ان الأمر بالتقوى يتوجه لجميع الناس :
يذكرهم بماضيهم حيث جاءوا من أصل واحد ولهم اله واحد يراقب أعمالهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء 1 ـ )
أو يذكرهم بالمستقبل حين تأتى القيامة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) (الحج 1 ).
وهكذا ..فكما أن دين الله جل وعلا للعالم بأسره فان الأمر بالتقوى للعالم بأسره.
إن أكرمكم عند الله أتقاكم :
خلافا للدين المحمدى الذى يقسّم العالم الى معسكرين متحاربين فان الله جل وعلا فى دينه السماوى يخاطب البشر جميعا يدعوهم للتعارف والتآلف السلمى كأخوة من أب واحد وأم واحدة ، وأنهم متساوون ،وأن أكرمهم عند الله ليس أغناهم أو أجملهم أو أقواهم ، وإنما هو أتقاهم ،أى لا بد من التحلى بالتقوى ليكون أتقاهم هو أكرمهم عند الله تعالى فى ميزانه الالهى يوم القيامة ، ولهذا فان الله تعالى يخاطب الناس جميعا قائلا ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ( الحجرات 13 ) أى انهم جميعا أخوة وابناء آدم وحواء ، وقد جعلهم شعوبا وقبائل مختلفى العنصر والثقافة ليتعارفوا لا ليتقاتلوا ، وهم جميعا متساوون فى نظر الرحمن ولكن الأفضل منهم يوم القيامة ليس هو الأغنى مالا أوالأكثر جاها وانما هو أتقاهم لله تعالى، وكل انسان يستطيع ـ إذا أراد أن يكون أتقى البشر ليصبح الأكرم عند الله مهما كان وضعه فى الدنيا. ويتحدد من هو التقى يوم القيامة حيث لا يدخل الجنة إلا المتقون ، وبالتالى فلا يحق لأحد فى الدنيا أن يصف نفسه بالتقوى او أن يتاجر بها طلبا لحطام دنيوى أو جاه سياسى أو بالتلاعب بالدين فى دنيا السياسة والثروة . الله جل وعلا وحده هو الذى سيحدد يوم القيامة من هو المتقى ، هذا حق الله تعالى وحده لأنه تعالى العليم الخبير (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
أى لأن التقوى تعامل خاص ومباشر بين الانسان وربه جل وعلا فانه محرم التظاهر بالتقوى وتحويلها الى متاجرة بالدين وخداع للناس، ولذا فان الله تعالى يحرّم تزكية النفس بالتقوى، أى أن يمدح الانسان نفسه بالتقوى، يقول تعالى ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) (النجم 32 ). وطالما أن الله وحده هو الأعلم بالسرائر والأعلم بما تخفيه الصدور والأعلم بالمتقين فلا مجال فى الاسلام لتأسيس كهنوت يزعم أنه المتحدث باسم الله تعالى ويتحكم فى الناس باسم الرحمن مغتصبا سلطة الله تعالى .
شمولية التقوى للعقيدة و الأخلاق و الشريعة
هناك آية قرآنية جمعت ملامح التقوى فى العقيدة و السلوك من أخلاق وعبادات وتشريعات . يقول تعالى : (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ( البقرة 177).
هنا نلاحظ الآتى :
1 ـ أن بداية الاية تنفى التدين السطحى المظهرى والاحتراف الدينى و الكهنوت الدينى ، فليس البر مجرد أداء سطحى للعبادات بالتوجه للقبلة أو لغيرها :(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) ولكن البر إيمان حقيقى وعمل صالح نافع مخلص وسمو اخلاقى . وتختتم الاية بقوله تعالى عمن يتحلى بتلك الصفات (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )ز
2 ـ بدأت صفات المتقين الصادقين بالايمان الحقيقى الخالص بالله تعالى وحده لا شريك له وباليوم الآخر على حقيقته كما جاءت فى القرآن الكريم ، والايمان بالملائكة وكل الكتب السماوية وكل الأنبياء بلا تفرقة بينهم : (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )
3 ـ بعد الايمان يأتى العطاء المالى أى الصدقة للمستحقين ، وأن يكون عطاء الصدقة من أحسن ما يحبه الانسان وليس من مجرد الفائض عنده ،أو من (الزبالة )،فالآية الكريمة تحدد مقدار الصدقة ونوعيتها ونوعية المستحقين بقوله تعالى ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ). أى ينفق المؤمن التقى الصادق فى ايمانه وتقواه من المال مهما بلغ حبه لذلك المال ومهما بلغت حاجته له ، فيعطيه للمستحقين من ذوى قرباه واليتامى و المساكين وابناء السبيل والسائلين المتسولين ، ويعتق به رقاب الرقيق ـ لو كان هناك رقيق..
ومن قال ان الرق قد انتهى فهو واهم . فقد تخفى الرق خلف لحية ( الكفيل ) فى دول الخليج ، وفى استغلال الطبقات العاملة فى معظم بلاد العالم ،هذا عدا تجارة الرقيق الأبيض فى العالم المتقدم والمتخلف على السواء.. ثم ..تلك الشعوب المسلمة التى يسترقها حكامها المستبدون بالارهاب و التعذيب .. أليس هذا أفظع الرق والاسترقاق ؟ عموما هذه قضية أخرى سنتعرض لها بتوسع فيما بعد فى بحث عن (ملك اليمين ).المهم هنا أن من وسائل علاج الاسلام لموضوع الرق هو العمل بكل الوسائل على تحرير الرقيق من خلال الكفارات والصدقات ، ومنها تلك الاشارة فى الاية الكريمة عن ملامح المتقين الصادقين.
4 ـ وبعد العطاء المالى والمادى للمستحقين تاتى المفاجأة بقوله جل وعلا (وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ) فليس المقصود هنا مجرد تادية الصلاة واعطاء الصدقة فقد سبق الكلام بالتفصيل وبايجاز ايضا عن اعطاء الصدقة ، ولكن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تعنى السمو الأخلاقى فى التعامل مع الناس ،أى تكون العبادات كلها وسيلة لتزكية النفوس والسمو بها ، وأن تكون تأدية الصلاة مؤثرة فى تعامل المسلم مع الناس بالخير ،وبأن تمنعه من الوقوع فى الظلم والمعاصى و الفحشاء.
4 ـ ثم تاتى إشارة جامعة للقيم العليا فى التعامل مع الله جل وعلا ومع الناس ، وهى أن يلتزم المتقى بالوفاء بالعهد إذا عاهد الله تعالى وإذا عاهد الناس ، وأن يلتزم بالصبر فى كل أحواله وحياته ، فاذا تعرض للأذى صبر ،وأذا تعرض لمحنة صبر وإذا كان فى معركة يدافع فيها عن حق صبر :(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ ).
هنا تجتمع الشجاعة مع العفو والتسامح والرجولة والشهامة وصدق الوعد والفعل والكلام ..وهنا أيضا يكون الصدق فى الايمان والصدق فى التقوى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
وبعد هذه اللمحة عن شمولية التقوى نأتى الى التفصيل ..
التقوى أساس العقيدة الاسلامية
1 ـ قد يقال ان تقوى الله تعنى الخوف منه و خشيته و العمل على الفوز برحمته وجنته. وليست هذه العبارة صحيحة بهذا الشكل لأن معظم الناس يقولون انهم يخافون الله تعالى ويخشونه ، ولكن يخشون و يتقون مع الله تعالى آلهة أخرى . لذا فالعبارة الصحيحة أن تتقى الله فقط ولا تخشى غيره.

2 ـ لقد كان العرب قبل نزول القرآن الكريم يؤدون الصلاة و الحج ويقوم القرشيون على رعاية البيت الحرام ، ولكنهم أضافوا الى ذلك الحج الى القبور المقدسة و الأوثان ، وارتكبوا المذابح والغارات وكل الفواحش معتقدين أن من يؤدى العبادات فقد غفر الله تعالى له ، وهو نفس الحديث الكاذب الذى اخترعوه ونسبوه للنبى محمد فى الدين السنى والقائل ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) أى رجع بدون ذنوب. ردّ الله تعالى على العرب المشركين فقال (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ) أى ان العبرة ليست بالتدين السطحى المظهرى ومجرد تأدية الحج و الصلاة فى المساجد مع الاستمرار فى الكفر العقيدى و الظلم أو الكفر السلوكى ، ولكن العبرة بالتقوى ، تقول الآية التالية (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ )( التوبة: 17 ـ 18 ). فالمؤمن الحق بالله واليوم الاخر هو الذى يتحقق ايمانه باقامة الصلاة وايتاء الزكاة أى بالسمو الخلقى فى التعامل مع الناس ولا يخشى إلا الله تعالى ، ولذا تأتى الصيغة بالأمر والنهى معا ، أى بخشية الله وعدم خشية غيره (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ) ( المائدة 3 )( البقرة 150 ) أو تأتى باسلوب القصر والحصر كقوله تعالى (وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ) (النحل 52 ) أى هو وحده الذى نتقى ونخشى (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ) (البقرة ـ 41 ).

3 ـ ولتقرير أن الشفاعة لله وحده تقوم بها الملائكة حين تعرض أعمال الناس فان الأمر بالتقوى يأتى أحيانا ليؤكد نفى الشفاعة البشرية حتى ينهمك الناس فى العمل الصالح و يجتنبوا العمل السىء ، يقول تعالى عن القرآن الكريم و الانذار به ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (الانعام 51 ـ ).
4 ـ واذا تمسك المؤمن بالتقوى فى حياته فقد أصبح حسابه يوم القيامة يسيرا (الانشقاق 7 ، 8 ) لأنه حاسب نفسه فى الدنيا وتحكم فى غرائزها ، فاصبح حسابه فى الآخرة هينا :(وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (الانعام 69 ) أى لا بد أن يتمسك بالتقوى ليظل على تذكر بها طيلة حياته الدنيا فاذا جاء اليوم الآخر نجا.

5 ـ ولأن الانذار والبيان لا يكون إلا بالقرآن الكريم المحفوظ بقدرة الله تعالى إلى يوم القيامة فإن هذا القرآن فيه الهدى للمتقين ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) (البقرة 2 ، ) (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) (الحاقة 48 ).

6 ـ وجاء بيان القرآن داخل القرآن نفسه بحيث لا يحتاج الى شروح بشرية تشوه حقائق القرآن كما فعل المسلمون فى تراثهم وتفاسيرهم التى أبعدت المسلمين عن التقوى جوهر الاسلام ، يقول تعالى عن بيان القرآن وتوضيحاته (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )( البقرة 187 ).

7 ـ وجاءت الوصية العاشرة فى القرآن الكريم تأمر باتباع القرآن وحده دون غيره أملا فى تحقيق التقوى (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (الانعام 153 ).

8 ـ وهذا ما لم يفعله المسلمون الذين ابتدعوا لهم أديانا أرضية كالسنة و التشيع والتصوف ، وجعلوا لها وحيا إلاهيا بالكذب والإفتراء .
أهملوا ما فى القرآن من وعيد يهدف الى تربية الاحساس بتقوى الله تعالى (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ) (طه 113 )
وأهملوا ما فيه من أمثال وعظات جاءت بتناسق أملا فى أن يتقوا (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (الزمر ـ 28 ).

9 ـ ومعلوم ارتباط التقوى بالإيمان الحقيقى بالله تعالى ، وهذه صفة أولياء الله تعالى من كل البشر المؤمنين المتقين (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ) (يونس ـ 63 ) ، وهم أصحاب الجنة ( وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ) (يوسف 57 ) ( وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) ( الجاثية ـ 19) بل إن الله تعالى لا يوالى إلا المتقين ( إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ) (الانفال 34 ).
وقبل اليوم الآخر فان الله تعالى يشمل من يحرص على التقوى فى الدنيا بعنايته ورحمته ، وقد أنجى المتقين من الأمم السابقة،وأهلك الظالمين الطغاة (النمل 53 ) (فصلت 18 ).

التقوى فى السلوك الأخلاقى والقيم العليا :
وكما يتقى المؤمن ربه جل وعلا فى عقيدته وايمانه بحيث لا يؤمن بإله سوى الله فانه يتقى الله تعالى فى تعامله مع الناس بحيث يتمسك بالقيم الخلقية العليا ولا يظلم أحدا .
وفى كل تفاصيل التعامل البشرى لا بد من تقوى الله تعالى واجتناب الظلم وهو نقيض التقوى .
يشمل هذا شتى مظاهر التعامل مع الناس ، ومنها :
1 ـ عدم موالاة المشرك الكافر بالمعنى السلوكى أى المعتدى ظلما ، أى عدم مناصرته فى ظلمه واعتدائه إلا اذا اضطر المؤمن لاظهار ذلك خوفا من الاضطهاد (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) (ال عمران 28 ).
2 ـ الوفاء بالعهد مع الأفراد ومع الدول ، لا فارق بين صديق أو عدو لأن الأهم هو فضيلة الوفاء بالعهد : ( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (آل عمران 76) (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ( التوبة 4)
3 ـ فى الصدق والمصداقية أو الصدقية : فى التوصية بالصدق يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) (الاحزاب70 ) فالقول السديد هو القول الصادق المخلص النافع .
ولا بد أن يكون المؤمن صدوقا يتمتع بثقة الناس فيه وتصديقهم له ، وعدم تشككهم فيه ، أى بمعنى أن تكون له (صدقية )أو بالتعبير الشائع ( مصداقية ) ، ولذلك لا يلجأ للحلف والقسم بالله جل وعلا ، فكثرة الحلف دليل على عدم الصدقية ، لذا نهى الله تعالى عن الإكثار من الحلف بالله تعالى والقسم باسمه وجعل ذلك من علامات التقوى فقال : (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (البقرة 224).
4 ـ العفة فى الحديث بين الرجال والنساء بحيث تحتشم المرأة فى حديثها مع الرجال حتى لا يطمع فيها أصحاب الغرض السىء (..إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ) ( الاحزاب 32) . والفاحشة تبدأ عادة بالكلام .. لذا فلا بد من الحشمة فى الكلام بين الرجال و النساء ..وأن يحل محل الكلام الفاحش الكلام الجاد الطاهر العفيف.
5 ـ التناجى سرا بين الناس ، ممنوع أن يكون فى الاثم والعدوان والمعصية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (المجادلة 9 )
6 ـ التعاون على البر والتقوى وليس على الاثم والعدوان (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (المائدة 2 )
7 ـ على إن العدل فى التعامل مع العدو هو أسمى مظهر للتقوى لذا شدّد الله تعالى عليه بتكرار كلمة التقوى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة 8 )
8 ـ فى الصلح بين المسلمين يقول الله جل وعلا : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (الحجرات 10 )
9 ـ وفى التوصية لهم بالصبر يعدهم بالأجر فى الدنيا والآخرة اذا كانوا متقين ، فيقول لهم (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (الزمر ) 10
التقوى هى الهدف الأساس من العبادات:
وليس أعظم فى التشريع الاسلامى من أن تكون عبادة الله تعالى مجرد وسيلة للتقوى ، ومن التقوى حسن التعامل مع الناس. فالذى يصلى ويحج ويصوم ويتصدق ولكن يظلم الناس ويعتدى عليهم لا عبرة بعبادته طالما لم تنعكس عبادته خيرا و احسانا فى تعامله مع المجتمع.
وقد جعل الله تعالى كل العبادات وسائل للتقوى وخاطب بذلك كل الناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة21 ).
* فالصلاة ـ مع قراءة القرآن وذكر الله تعالى ـ هدفها إجتناب الفحشاء والمنكر والبغى (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت 45).
*والصوم حتى نتعلم التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة 183).
* والحج مدرسة نتزود فيها بالتقوى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) (البقرة 197 ).
ولا عبرة بالشكليات السطحية فى تأدية مناسك الحج ولكن العبرة بالايمان والتقوى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (البقرة 189) (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج 32 ).
وفى كل واجبات الحج لا بد من مراعاة التقوى وإلا فان الله تعالى شديد العقاب (البقرة196 ) لذا فان من يعصى الله تعالى فى الحج أو يفكر مجرد تفكير بالعصيان فان الله تعالى يتولى الانتقام منه لأنه حوّل التقوى فى الحج الى عكس المراد منها .( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) ( الحج 25 )
التقوى وتطبيق الشريعة الاسلامية
فى القصاص:
أى اعدام القاتل الظالم المتعمد يقول تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة 179 ) وفى القصاص من العدو المعتدى الذى يهاجم بلدا مسالما يقول تعالى (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )( البقرة 194 )
وفى المعاملات الاقتصادية:
*الوصية قبل الموت واجب محتم على كل المتقين (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ( البقرة 180).
*ولا بد من اجتناب الربا فى الصدقة بمعنى عندما يأتيك فقير جائع يطلب الصدقة ـ وهى حق له ـ فان لم تعطه حقه فى الصدقة فأنت آثم ، فاذا أعطيته قرضا بربا فأنت عدو لله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ).
* وفى حالة الاستدانة لا بد من كتابة الديون مع مراعاة التقوى فى كل مرحلة ومن كل المتعاملين ، ويشمل هذا الشهود و القائمين بالكتابة سواء كان ذلك فى السفر أم فى الحضر ، وفى كل الأحوال فان الله تعالى عليم بما فى الصدور وبما نخفيه وما نعلنه (البقرة 278 : 284)
تشريعات الأحوال الشخصية :
*يقول تعالى عن التعامل الجنسى مع الزوجة يلفت نظر الزوج الى اعطائها حقها الجنسى مراعاة لتقوى الله تعالى :نسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (البقرة223 ).
* وفى حالة الخطوبة للأرملة يجوز لقاء الخطيبين سرا ولكن مع التقوى ومعرفة ان الله تعالى يراهما (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ).
ولا بد من الانتظار لانتهاء عدتها ثم يعقد قرانها بعد انتهاء العدة (وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (البقرة 235) أى ان الله تعالى هو هنا الشاهد الحقيقى قبل المجتمع ، حتى يخشى المؤمن ربه ويتقيه فى خلوته وسره وعلانيته.
* وعن متعة المطلقة يقول تعالى ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة241 ) والمتعة أو المتاع هو قدر من المال يدفعه الزوج لمن طلقها ـ ويتم تقديره بواسطة اولى الأمر فى المجتمع اذا لم يكن منصوصا عليه فى عقد الزواج . و لو طلقها قبل أن يدخل بها فعليه نصف المتعة المفروضة عليه ، (البقرة237 )
* ورضاعة الطفل على نفقة الأب ، وعليه إعالة المرضعة بالمعروف ، ويتم ذلك بالتشاور ولا بد فيه من تقوى الله تعالى حتى لا يظلم أحد أحدا (البقرة 233 ).
* ومن أشد المحرمات الاضرار بالمرأة المطلقة ، وجاء هذا التحذير مرتبطا بتقوى الله تعالى (..وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( البقرة231 ) (.. ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ) (الطلاق 1 : 5 )
الله جل وعلا يحب المتقين
الذى يحقق التقوى فى عقيدته وسلوكه يحظى بحب الله عزوجل ويكون الله تعالى معه برحمته ، فالله جل وعلا يحب المتقين ( آل عمران 76 ) ( التوبة 4 ، 7) وهو مع المتقين ( التوبة 36 123 )..
ولكن متى يتحدد المتقى ؟

الله جل وعلا يقول عن المتقين جميعا (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ( الزمر ـ 33 ) فالذى جاء بالصدق هم الأنبياء وهم طائفة مخصوصة مختارة مصطفاة من البشر، ومعهم يوم القيامة اولئك الذين صدقوا بالرسالة السماوية التى جاء بها الأنبياء والمرسلون من ربهم . والجميع من أنبياء وأتباعهم المخلصين هم المتقون من البشر . وهم أصحاب الجنة التى لا يدخلها إلا المتقون . يقول تعالى عن المعية التى تجمع الأنبياء و الفائزين من المؤمنين : (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ) ( النساء 69 ) . هذا فى الاخرة .
أما فى الدنيا فالوضع مختلف ..
فالانسان طالما يسعى على الأرض فكتاب أعماله مفتوح يقبل الحسنة و السيئة ، يتعرض للوقوع فى الخطأ و الصواب ، وقد يتوب وقد يتمسك بالعصيان. وعند موته يقفل كتاب أعماله وتتحدد درجته هل هو من المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، أم هو من العصاة الفجرة أولياء الشيطان . ( الواقعة 88 : 96 ). هنا يعرف المتقى نفسه ويعرف الخاسر أيضا نفسه

الجنة للمتقين فقط

يوصف أصحاب الجنة بأنهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أى أن الإيمان وحده لا يكفى حتى لو كان إيمانا صحيحا بالله تعالى وحده لا شريك له ولا ولد ولا زوجة ، لا بد من اقتران الإيمان الصحيح بعمل صالح ينشغل به المؤمن بحيث لا يجد وقتا لإرتكاب المعاصى ،أى ان هذا الايمان مع العمل الصالح يساوى كلمة واحدة هى التقوى.
وبالتالى فلا يدخل الجنة إلا المتقون. يقول تعالى (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا ) ( مريم 63 )
ويقول :( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (البقرة 212 ). أى ان الكفرة يسخرون فى الدنيا من الذين آمنوا ، وفى الرد على سخريتهم لم يقل تعالى ( والذين آمنوا فوقهم يوم القيامة ) وإنما قال ( والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ) لأن المتقين فقط من أولئك المؤمنين هم الذين سيدخلون الجنة.
وفى نهاية سورة الزمريقول تعالى عن أهل النار ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) وفى المقابل لم يقل ( وسيق الذين آمنوا الى الجنة ) وانما قال ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) ( الزمر ـ 73 ).
وبهذا فان بالتقوى ـ جوهر الاسلام ـ يفوز المؤمنون بالجنة،وبدونها فهم أصحاب النار.

درجات التقوى :
1 ـ وسيكون الناس يوم القيامة أقساما ثلاثة ؛ قسمان فى الجنة وقسم فى النار ، فالقسمان اللذان فى الجنة هما المتقون السابقون المقربون ، والمتقون من أصحاب اليمين ، أما القسم الثالث التعس فهم أصحاب الشمال. يقول تعالى عن يوم الواقعة أى القيامة : (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) ( الواقعة 7: 10 ). وهذا ما بدأت به سورة الواقعة ، وجاءت تفصيلات نعيم المتقين من الدرجة الألى ( السابقون المقربون ) ثم نعيم المتقين من الدرجة الثانية ( اصحاب اليمين ). وفى نهاية السورة جاء الحديث عن نفس الدرجات الثلاثة عند الاحتضار ، حيث يعرف الانسان عند موته مصيره ، هل هو من السابقين المقربين ،أم من أصحاب اليمين أم من المكذبين الضالين أصحاب الشمال. يقول تعالى : (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) .
2 ـ ليس المتقون درجة واحدة ، بل يختلفون حسب مواقفهم ودرجات طاعتهم ، ويختلفون أيضا حسب موقفهم من المعصية .
عن الاختلاف فى درجة الطاعة يقول جل وعلا عن موقف من مواقف الناجين من الصحابة (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) ( النساء 95 ) . فهنا نوعان من أهل الجنة ، ولكن الفارق بينهما عظيم ، وهو حسب العمل .
والمتقون لهم ـ جميعا ـ موقف حاسم من المعصية ، إذ يرفضونها ويستعيذون بالله جل وعلا من الشيطان الرجيم حين يوسوس لهم ، بينما يستسلم أتباع الشيطان لوسوسته ولوحيه ، يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ ) ( الأعراف 201 : 202 ).
وفى هذا (التذكر ) فان بعض الذين يتقون ( يتذكرون ) متأخرا ،أى يقع فى المعصية ثم يندم ويتوب ، والبعض الآخر يتذكر سريعا ويبتعد سريعا ، وبالطبع فليسوا سواء .. ومن هنا يقول تعالى عن الدرجة الثانية من المتقين : ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) ( آل عمران 133 : 136 ).
فالمتقون هنا إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم تذكروا عقاب الله جل وعلا فسارعوا بالاستغفار ولم يصمموا على الاستمرار فى المعصية .
3 ـ ولكن هناك صنفا أعلى من المتقين ،إنهم أولئك الذين شغلوا أنفسهم بالطاعات وركزوا فيها ليل نهار بحيث لم يبق لديهم وقت أو متسع للتفكير فى المعصية ، وبحيث لو عرضت لهم غواية بالفاحشة او بالعصيان طردوا الخاطر السىء سريعا .. هذا الصنف من المتقين قال عنه رب العزة : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) ( الذاريات 15 : 19 )..فإذا كانوا يقيمون الليل عبادة ويقضون الأسحار فى الاستغفار ويستهلكون المال فى التصدق على السائل والمحروم فما الذى سيبقى لهم من الوقت للتفكير فى العصيان ؟
4 ـ ونحن هنا لا نتحدث عن أشخاص ، والقرآن دائما يتحدث عن صفات الايمان والصلاح و التقوى والاحسان والبر .. وكلها صفات مطروحة أمام الناس جميعا ليتحلوا بها وفق تكافؤ الفرص للبشر جميعا وحريتهم فى تقرير مصيرهم ليكون خلودا فى الجنة أو خلودا فى السعير .
5 ـ ولأن للتقوى درجتين حسب الايمان والعمل فإن الأمر بالتقوى للبشر جميعا يأتى ليعكس هذا التنوع ، بحيث يختار كل انسان لنفسه مكانا فى الجنة فى الصنف الأول أو فى الصنف الثانى ، ولكن المهم أن ينجو من ان يكون من الصنف الثالث التعس الملعون ، ولذا فان الفوز يتحقق لكل المتقين ، إذ يكفى أحدهم فوزا أنه تزحزح عن النار فدخل الجنة ، ولم يقع فى الاغترار بهذه الدنيا وحطامها الزائل ، يقول تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) ( آل عمران 185 ).
عن التقوى يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) ( آل عمران 102 ) . هذه هى الدرجة العليا للتقوى. وبامكان أى إنسان أن يتحلى بها لوشاء . فان لم يستطع فلا أقل من أن يتحلى بالدرجة الثانية من التقوى ،أى يتقى الله جل وعلا على قدر استطاعته ، وهنا يقول جل وعلا (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( التغابن 16 ) . هذا المفلح تزحزح عن النار ودخل الجنة (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) ( آل عمران 185 ).
اللهم اجعلنا منهم.
وأخيرا :
1 ـ تبعا لعمل الانسان و إيمانه يتحدد موقفه يوم القيامة ، هل هو من السابقين المقربين ؟أم من أصحاب اليمين أم من أصحاب الشمال .وطالما أن المتقين فقط هم أصحاب الجنة وطالما أن أصحاب الجنة قسمان حسب أسبقية الايمان والعمل فالمنتظر أن تكون هناك درجتين للتقوى .. درجة عليا ودرجة متوسطة ، والمنتظر أيضا أن يكون الموقف من المعصية حاسما . أى فالمتقى الذى يبتعد من البداية عن المعاصى و الفحشاء يكون فى الدرجة العليا ، وأدنى منه درجة ذلك المتقى الذى يقع فى المعصية ثم يتوي ويؤوب . أما الصنف الشقى التعس فهو الذى لا يتوب ولا يؤوب بل يظل يلتحف المعصية الى أن يموت بها وقد أحاطت به خطيئته (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( البقرة 81 ـ )

2 ـ إن القرآن الكريم لم يكتف بالتفصيل فى موضوعات التقوى ، ولكن لمزيد من التأكيد فقد فصّل الكتاب الحكيم فى الظلم باعتباره النقيض الأكبر للتقوى. وكما أمر بالتقوى فانه نهى عن الظلم.
وكما أن التقوى أساس الاسلام فان الظلم أساس الكفر و الشرك فى التعامل مع الخالق جل وعلا وفى التعامل مع الانسان .

3 ـ وبسبب الظلم السلوكى فى الفتوحات التى قام بها الصحابة فانهم ما لبث أن وقعوا فى الظلم العقيدى لله جل وعلا حين برروا وشرعوا ذلك الظلم السلوكى بأحاديث باطلة تشرع الاعتداء على الغير ، وتحول الجهاد الاسلامى النبيل من مجرد رد العدوان الى شن العدوان وتحت اسم الاسلام .. فأضاعوا التقوى الحقيقية واستبدلوا بها مظهرا سطحيا يرتكبون تحته وبه أفظع الاثام ...
ثم يقولون ( بنى الاسلام على خمس ) ..

اجمالي القراءات 84188