شهد عام 1927 أول عرض لفيلمين صامتين في السينما المصرية، فيلم قبلة في الصحراء، و فيلم ليلى، وعام 1932 شهد أول عرض سينمائي للفيلم المصري الناطق أولاد الذوات، وشهد عام 1935 إنشاء «ستوديو مصر» ليبدأ الاهتمام بالسينما المصرية أكثر، وتتوالى صناعة الأفلام بعد ذلك. لكن للأسف الشديد تاريخ السينما المصرية الذي بدأ منذ العشرينات، أصبح شيئًا من الخيال ليس لهُ وجود، والسبب في ذلك هو صفقات البيع التي حدثت لهذا التراث مُنذ زمنٍ طويل، ولم يحاول أحد وقف صفقات البيع هذه، حتى أصبح التراث السينمائي والغنائي المصري في مهب الريح.
بداية قصة بيع التراث السينمائي المصري
بدأت قصة بيع تراث الأفلام، بعد قرار تأميم السينما المصرية، في ذلك الوقت أعُلن في مزاد علني عن بيع أكثر من ألف فيلم من إنتاج الأربعينات والخمسينات، كانت هذه الأفلام ملك ستوديو مصر، وكان سعر بيع نيجاتيف الفيلم الواحد لم يتعد 200 جنيه، وكان السبب وراء ذلك شخص يدعى الدكتور «حسن الجزيري»، كان المسئول العام عن التراث السينمائي في ستوديو مصر؛ لتصبح البداية الأولى لبيع التراث السينمائي المصري. وتأتي البداية الثانية: والتي كانت السبب في ضياع التراث السينمائي للأبد، بسبب نظام «الاحتكار»، الذي كان يتبعه التلفزيون المصري، وهو احتكار الفيلم الواحد لمدة 99 عامًا من الورثة بسعر 5 آلاف جنيه، وهذا الأمر جعل ملاك وورثة هذه الأفلام يقاضون التلفزيون، ليكون حكم القضاء بتقليص مدة الاحتكار 49 عامًا.
لم ينته الأمر على هذا، إذ سعى التلفزيون لفرض سلطته الرقابية لحذف مشاهد من بعض الأفلام، ومنع عرض أفلامٍ أخرى؛ مما أدى إلى غضب الورثة التي ارتأت، بأن هذه الأفلام كنزًا كبيرًا يعود بأموالٍ كثيرة عليهم، في حال عرضها، وما تزال الانتهاكات مستمرة من جانب التلفزيون؛ إذ تعرض نيجاتيف الأفلام المملوكة للدولة لعملية تخريب، بسبب وضع النيجاتيف، في أماكن غير صالحة؛ مما أدى إلى تلفه، كل هذا أدى إلى ظهور جهات تطلب شراء نيجاتيف هذه الأفلام للحفاظ عليه وترميمه، والاستفادة منه لتبدأ مرحلة جديدة لبيع التراث السينمائي.
امتلاك رجل الأعمال السعودي «صالح كامل» لنيجاتيف ألفي فيلم
بسبب نظام الاحتكار الذي كان يفرضه التلفزيون المصري، ونتيجة لتلف نيجاتيف الكثير من الأفلام تتولى شركة شراء هذا التراث من الورثة مقابل 20 ألف جنيه للفيلم الواحد، هي شركة «سانيلاند» القبرصية، وكان رئيس مجلس إداراتها رجل الأعمال اللبناني «محمد ياسين»، يذكر أن شركة «سانيلاند» القبرصية لم يكن لها رخصة مزاولة للمهنة في مصر، ولم تسجل في سجل الاستثمار، ولا في سجل المصدرين.
في عام 1993، بعد ظهور راديو وتلفزيون العرب أيه آر تي، يتضح أن شركة«سانيلاند» القبرصية هي إحدى شركات رجل الأعمال السعودي
صالح كامل، وكان الهدف هو شراء نيجاتيف، واحتكار عرض الأفلام المصرية، بالإضافة إلى شراء كل الأفلام، التي قامت زوجته الفنانة صفاء أبو السعود بالتمثيل فيها، وقد أصدر قرارًا بحذف كل المشاهد التي تظهر فيها زوجته بطريقة غير مناسبة؛ لكن الغريب في الأمر أن «صالح كامل»، باع حقوق عرض أفلام زوجته لقنوات الأوربت بدون حذف أي مشهد!
وقد منع عرض بعض الأفلام لأسباب دينية مثل فيلم خالد بن الوليد لـ«حسين صدقي»، وفيلم بلال مؤذن الرسول لـ«يحيى شاهين»، وقد منع عرض فيلم عماشة في الأدغال الذي اشتراه بـ 50 ألف دولار، بسبب ظهور زوجته بالمايوه في أحداث الفيلم، ويقال إن لهذا الفيلم قيمة تاريخية كبيرة، إذ استطاعت المخابرات المصرية عن طريقه نقل المعدات الحربية لعملية الحفار الشهيرة.
ويبلغ عدد الأفلام المصرية التي يمتلكها صالح كامل ألفي فيلم: ألف وخمسمائة فيلم قديم، و500 فيلم جديد. حسب موقع أخبار اليوم. وقد امتنع التلفزيون المصري عن حضور مزاد بيع هذه الأفلام، بحجة عدم وجود ميزانية تكفي لشراء هذه الأفلام، لتقوم شركة «سانيلاند» بشراء هذه الأفلام، في عهد المهندس «أسامة الشيخ» رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون.
وقد تم بيع جزء من حصة «صالح كامل» من الأفلام بعد ذلك، إلى «الوليد بن طلال»، لكن لم يذكر عدد الأفلام التي تم بيعها.
«الوليد بن طلال» و«مردوخ» وشراكة سعودية- يهودية للتراث الغنائي والسينمائي
في عام 2000، تأسست الشركة القابضة «فنون»، لصاحبها رجل الأعمال الأردني «علاء الخواجة»، وتحت إدارة زوجته الفنانة إسعاد يونس، ورجل الأعمال المصري أحمد هيكل، والذي كان شريكا أساسيًّا في شركة «هيرمس» القابضة، وكانت شركة «فنون» من ضمن مجموعة شركات «هيرمس»، واشترت الشركة نيجاتيف عدد كبير من الأفلام، بعضها من الورثة، وشركات قطاع عام، وشركات خاصة أعلنت إفلاسها، وباعت الشركة بعد ذلك 850 نيجاتيف فيلم لرجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال، يشار أن عدد الأفلام المصرية التي يمتلكها الوليد هو ألف وثلاثمائة فيلم تقريبًا، منهم أفلام مصرية قديمة سبق واشتراها قبل ذلك، وأفلام جديدة شاركت روتانا في إنتاجها.
لم تنته صفقة الوليد بن طلال عند شراء الأفلام المصرية؛ إذ قام بشراء جزء من التراث الغنائي المصري القديم والجديد أيضًا، ويبلغ 11 ألف دقيقة من الحفلات الغنائية للمشاهير من المطربين من أمثال: «أم كلثوم»، و«عبدالحليم حافظ»، و«محمد عبدالوهاب»، وقد بيع سعر الدقيقة الواحدة للأغنية بـ10دولارات، وهذا سعر قليل جدًّا؛ إذ تتراوح سعر الدقيقة من 500 إلى 600 دولار، ومن الممكن أن تصل إلى 1000دولار، طبقًا للائحة الأسعار الخاصة بالتلفزيون المصري، يشار إلى أنه لم يتم تحديد مدة زمنية لحق استغلال هذه الأغاني عند البيع، وتركت مدة استغلالها مفتوحة.
وقد أحال وزير الإعلام في ذلك الوقت أنس الفقي، صفقة بيع التراث الغنائي بهذا الثمن البخس للنائب العام، للتحقيق في هذا الأمر، لكن بلا فائدة، وأعلنت روتانا أنها اشترت هذا التراث من أحد الموظفين في التلفزيون المصري بهذا السعر، والغريب هنا عدم وجود اعتراض على عملية بيع التراث، وإنما كان الاعتراض على بيعه بثمن أقل من الأسعار المقررة للائحة التلفزيون. في عام 2010 عقد الوليد بن طلال شراكة مع رجل الأعمال اليهودي روبرت مردوخ، حيث تمتلك مجموعة «نيوز كورب»، الإعلامية التابعة لمردوخ نسبة 14.53%، في مجموعة شركات روتانا للصوتيات والمرئيات.
هل يعود التراث السينمائي لمصر مرة أخرى؟
لا نعرف هل تستطيع مصر بالفعل إعادة التراث السينمائي أم لا؟ لأن الذي حدث سيجعل من الصعوبة عودة هذا التراث مرة أخرى، لأنه من غير المنطقي أن تقوم دولة ببيع نيجاتيف الأفلام الخاصة بها؛ لأن المسموح فقط هو بيع حقوق عرض الأفلام، وليس النيجاتيف، «لأن النيجاتيف حق أصيل للمنتج الأصلي، والملكية العامة باعتباره أثرًا» حسب موقع أخبار اليوم.
وقد أشار الموقع نفسه أيضًا بأن عقود شراء تراث السينما المصرية، معظم بنودها غير قانونية إذ «ينص أحد هذه العقود، بأن الطرف الأول الذي قام بعملية بيع النيجاتيف، عند توقيع العقد يقر بتنازله التام عن ملكية نيجاتيف الفيلم، والتنازل عن كافة حقوق استغلال، وتوزيع وعرض وبث الفيلم، في جميع أنحاء العالم دون استثناء لمدة تسعة وأربعين عامًا تجدد تلقائيًّا لمدد أخرى مماثلة ومتكررة، وبدون الرجوع للطرف الأول القابل بذلك اعتبارًا من تاريخ التوقيع على هذا العقد، وبذلك يصبح الطرف الثاني الذي قام بعملية الشراء، هو المالك الوحيد لنيجاتيف الفيلم، ولكافة حقوق استغلاله في جميع أنحاء العالم»، كل هذا يؤدي إلى صعوبة عودة التراث السينمائي المصري.
يذكر أيضًا أنه لا يوجد لهذه الأفلام أصول في وزارة الثقافة، أو المركز القومي؛ لعدم وجود أرشيف للأفلام المصرية، وعندما تولى فاروق حسني وزارة الثقافة أعلن عن إنشاء مبنى «سينماتيك ومكتبة أفلام» لتكون أرشيفًا للأفلام المصرية، لكن لم ينفذ، وتم تخصيص المبنى للمجلس الأعلى للترجمة، يشار أن عدد الأفلام، التي أنتجتها السينما المصرية 4500 فيلم، لا يوجد منها سوى 250 فيلمًا ملكًا لشركة «محمد فوزي»، و200 فيلم ملك لشركة «مصر للصوت والضوء» التابعة لوزارة الثقافة المصرية.