عامل مصنع يعمل في وظيفة ثانية ليلًا، في بيع كروت الشحن للاتصالات في عربات المترو، سباك يقوم بإصلاح وتركيب إحدى المواسير المكسورة في منزل، محل بقالة في أحد الأزقة يبيع السلع للجمهور، سائق يقود «ميكروباص» متهالكًا، يعمل على طريق يصل بين اثنين من أحياء القاهرة العشوائية، أو حول المدن، أو في القرى، أو بين محافظتين، عربة فول تقف بشموخ على إحدى النواصي، تُقدم خدماتها للزبائن الجوعى، ومبرمجٌ منهمك أمام شاشة الحاسوب، لينتهي من تصميم أحد المواقع الإلكترونية لصالح بعض العملاء، أو تاجر مخدرات يدس إحدى اللفافات في يد زبون، مقابل مبلغ مالي، على ناصية شارعٍ ما.
هذه بضع صور لأشكال كثيرة من المعاملات الاقتصادية التي تحدث بشكل لحظي، في طول البلاد وعرضها، وتندرج تحت ما يُعرف بـ«اقتصاد الظل»، أو الاقتصاد غير الرسمي، أو الاقتصاد الخفي، أو الاقتصاد المُوازي، فما هو إذًا «اقتصاد الظل»؟ وما حجمه داخل مصر، وبعض دول العالم؟ ولماذا هُناك أصلًا مُعاملات تحدث في الخفاء رغم أن منها ما هو مشروع؟ وما تأثير هذا الشكل من الاقتصاد على الاقتصاد الرسمي؟
ما هو اقتصاد الظل؟
يشير مُصطلح الاقتصاد غير الرسمي، أو اقتصاد الظل؛ إلى الأنشطة الاقتصادية «غير القانونية» التي تحدث بمنأى عن أعين السلطات الحكومية، ولا تخضع للتسجيل في سجلات الأجهزة الرسمية. بمعنى أنها أنشطة غير خاضعة للضريبة ولا الضمان الاجتماعي للعاملين فيها، ولا يجري مراقبتها بأي شكل من الأشكال الحكومية، ولا تُضمّن في الناتج القومي الإجمالي (GNP)، ولا الناتج المحلي الإجمالي (GDP).
تضم هذه المعاملات جميعَ الأنشطة، سواء كانت مشروعة، مثل الدُخُول غير المبلغ عنها نتيجة إنتاج وتقديم السلع والخدمات، سواء كانت المعاملات تحدث بالنقد أو المقايضة؛ أو غير المشروعة منها، مثل تجارة المخدرات، والدعارة، والاتّجار في البشر أو الأعضاء بصوره، كالرقيق، والاتجار في الأعضاء البشرية، أو تجارة السلاح غير المرخصة.
وليس بالضرورة أن تنجم هذه المعاملات عن مؤسسات غير رسمية، فربما صدرت عن شركات ومؤسسات رسمية أيضًا، مثل العمالة غير الخاضعة للضريبة، وعمليات تهريب البضائع لتجنب الرسوم الجمركية.
ويقول الخبير الاقتصادي، محمد دشناوي، في حديث لـ«ساسة بوست»؛ إن اقتصاد الظل «من الموضوعات الشائكة دائمًا؛ بسبب تشابك تأثيره مع الكثير من جوانب الحياة الاقتصادية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة».
ويعتبر دشناوي أن نمو الاقتصاد الموازي في مصر الآن هو حالة طبيعية، بسبب ما تمر به البلاد من ظروف تحولات اقتصادية وسياسية بعد الثورة، فطبقًا لإحصائية قام بها صندوق النقد الدولي عام 2002 على 84 دولة، كانت نتائجها أن الاقتصاد غير الرسمي يمثل من 35 إلى 44%، وأن الاقتصاديات في مراحل التحول الاقتصادي يزداد فيها اقتصاد الظل بنسب أكبر من المعدلات السابقة، إذ تنشط الأعمال والأنشطة الممنوعة مثل التجارة في السلع المسروقة والمهربة والمخدرات، بالإضافة إلى الأنشطة غير المبلغ عنها وتعمل في الخفاء، وتزداد في مصر بصفة خاصة عمليات البناء غير المرخص.
ويتطور اقتصاد الظل بشكل مستمر؛ بسبب محاولات التكيف مع المتغيرات في النظام الضريبي، والتشريعات الحكومية، وكان أول من أشار إلى مصطلح القطاع غير الرسمي في الأدبيات الأكاديمية هو كيث هارت، في مطلع السبعينيات، وهو أحد علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية.
ولا يقتصر وجود اقتصاد الظل على مصر فقط، وإنما معظم بلدان العالم تقريبًا لديها اقتصاديات ظل بنسب متفاوتة، وبخاصة الدول النامية.
حجم اقتصاد الظل في مصر وبعض دول العالم
تُصنَّف مصر واحدةً من الدول المكتظة بالسكان في العالم، وتزاحم إثيوبيا على المركز الثاني بعد نيجيريا، من حيث أكبر عدد للسكان في القارة السمراء، وكذلك هي الأضخم في عدد السكان في المنطقة العربية برمتها، بتعداد تجاوز 90 مليون نسمة خلال عام 2016، وهي ثالث أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية بعد نيجيريا وجنوب أفريقيا. كما تعتبر مصر من البلدان النامية، التي يمثل اقتصاد الظل أو الاقتصاد غير الرسمي فيها نسبة ضخمة من الناتج المحلي الإجمالي.
ليس من السهل تحديد حجم اقتصاد الظل بالضبط رغم وجوده أينما التفتنا يمينًا أو يسارًا، إلا أن تنوعه وتشعبه، وبذل المشاركين فيه قصارى جهدهم ليتجنبوا الكشف عن أنشطتهم، واحتواءه على أنشطة في الأصل غير قانونية، وبالتالي من سماتها السرية الشديدة؛ كل ذلك يجعل تقدير حجمه الكلي بدقة من الأمور الصعبة، لذا نجد تفاوتًا في التقديرات حول حجمه كما أن وسائل قياسه نفسها متنوعة ومختلفة.
ويُعد تقدير حجم اقتصاد الظل من القضايا الهامة؛ لأن صناع القرار والقائمين على الإدارات الحكومية، يحتاجون إلى معلومات دقيقة حول عدد الأشخاص العاملين في هذا الاقتصاد، وكيف تتم أنشطتهم، ومقدار هذه الأنشطة، حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات المناسبة بشأن تخصيص الموارد وإصدار التشريعات الملائمة، واتخاذ القرارات الاقتصادية المؤثرة سواء في نطاق السياسات الاقتصادية المالية والنقدية أو السياسات الاجتماعية. من أجل ذلك أوجد خبراء الاقتصاد والإحصاء مجموعة متنوعة من العمليات الحسابية لقياس مدى ضخامة اقتصاد الظل.
وفقًا لدراسة قام بها المركز المصري للدراسات الاقتصادية (ECES) في عام 2014، فإن حجم القطاع غير الرسمي في مصر يتراوح بين 1.2 إلى 1.5 تريليون جنيه مصري، وما يساوي ما بين 65 و70% من حجم الاقتصاد الرسمي، وأن اقتصاد الظل يتكون من 18 مليون مؤسسة، منها 40 ألف مصنع.
كما قالت الدراسة، إن حجم أنشطة الاقتصاد غير الرسمي ارتفع بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير، نتيجة غياب الجهات التي تراقب الأنشطة الاقتصادية، وتزايد انعدام الأمن. وأن العمالة الرسمية قد انخفضت بنسبة 5% في القطاع الصناعي، و8% في قطاع التشييد والبناء، و15% في قطاع الخدمات في العام 2013 وفي الوقت نفسه زادت العمالة غير الرسمية بنسبة 40% في عام 2012 وبنسبة 45% في عام 2013 مقارنة بنسبة 30% في عام 1998. ووفقًا للدراسة أيضًا فإن الاقتصاد غير الرسمي يُهدر على الحكومة حوالي 300 مليار جنيه في الضرائب المحتملة.
أما عن تقدير عدد الباعة الجائلين، فتشير الإحصاءات الموجودة داخل محافظات الجمهورية إلى أن عدد الباعة الجائلين يقترب من ثمانية ملايين مواطن، يعملون في أسواق عشوائية تزداد يومًا بعد آخر، حيث إن هناك ما يقرب من 120 سوقًا في جميع أرجاء الدولة، وكلها تقريبًا تتعامل بالأموال السائلة.
في تقرير للبنك الدولي نُشر في يونيو (حزيران) 2014، عن أوضاع العمالة في مصر، بعنوان «الأولوية في مصر: توفير وظائف أكثر وأفضل»، جاء فيه أن معدلات التوظيف في القطاعات غير الرسمية في مصر تُعد مرتفعة، وفقًا للمعايير العالمية والإقليمية، فيما تتجه سوق العمل في مصر نحو التحول إلى القطاعات غير الرسمية، رغم أن باقي دول العالم قد بدأت تنحو صوب المزيد من التوظيف في القطاعات الرسمية.
وأورد التقرير بعض الأرقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية بخصوص العمالة في مصر، إذ إن 56% من الذكور العاملين في المجالات غير الزراعية في مصر يعملون في القطاعات غير الرسمية. كما أن العمالة غير الرسمية قد قفزت من 30.7% عام 1998 إلى 40% عام 2012.
وفي ندوة نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بالتعاون مع اتحاد الصناعات المصرية، بعنوان «أهمية تقنين أوضاع القطاع غير الرسمي»، في مايو (آيار) 2014، جاء فيها أن 8.2 مليون شخص يعملون بشكل غير رسمي في مصر، منهم 68% يعملون في منشآت غير رسمية، مقابل 22% في منشآت رسمية، و10% يشتغلون بأنشطة البيع الجائل وما شابهها. وتشير التقديرات كذلك إلى أن 92% من ممتلكات المواطنين المصريين العقارية يتم حيازتها بدون صكوك ملكية رسمية، وتقدر قيمة استبدالها بنحو 360 مليار دولار أمريكي.
وفي ورقة بحثية صدرت عن مجموعة بحوث التنمية بالبنك الدولي، عام 2010، تحت عنوان «اقتصاد الظل في جميع أنحاء العالم: تقديرات جديدة لـ162 دولة في الفترة من 1999 إلى 2007»، وضحت حجم اقتصاد الظل بالنسبة إلى حجم الاقتصاد الرسمي، وفي الجدول أدناه، اخترنا عينة من الدول مرتبة حسب درجة حجم اقتصاد الظل فيها، مع التركيز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال أعوام 1999 و2003 و2007.
لماذا يتجه الأفراد إلى اقتصاد الظل؟
ولكن، ما الذي يدفع الأشخاص في مصر لممارسة الأنشطة الاقتصادية بعيدًا عن أعين الحكومة، كما تشير جميع الأدلة إلى ازدياد حجم اقتصاد الظل في مصر وسرعة نموه؟ إذا ما سألنا ماسح الأحذية في الشارع أو صاحب عربة كبدة عن ذلك، فحتمًا سيشيح بوجهه عنا متبرمًا من فرط سذاجة السؤال، وربما في أحسن الأحوال سيجيب بسؤال آخر و هو: «ولمَ أعمل تحت رحمة وعين الحكومة؟»، ربما هو على حق في ذلك، لكن بالنسبة إلينا، لابد أن نتطرق إلى هذه الجزئية، كونها المدخل الأهم لوضع تصور حول كيفية جذب القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي.
في الواقع، البلدان التي لديها معدلات ضرائب منخفضة نسبيًا، وقوانين ولوائح قليلة وغير معقدة، وقواعد قانونية راسخة؛ تميل إلى أن تكون اقتصاديات الظل فيها أصغر حجمًا عما سواها من البلاد.
وترجع العوامل الرئيسية الدافعة لنمو اقتصاد الظل لدى أرباب العمل، بالنسبة إلى العاملين لديهم؛ إلى الضرائب، واشتراكات الضمان الاجتماعي، والخضوع لقانون العمل. كما تشير العديد من الدراسات إلى وجود دليل قوي على أن النظام الضريبي يؤثر على اقتصاد الظل. كما أن القوانين، واللوائح، والقرارت الحكومية مثل متطلبات الترخيص، ولوائح قانون العمل، والحواجز التجارية، والقيود المفروضة على عمل الأجانب؛ تدفع أصحاب العمل إلى اقتصاد الظل.
تميل اقتصاديات الظل إلى أن تكون أصغر في البلدان التي تكون فيها مؤسسات الحكومة قوية وفعالة. في الواقع، قد وجدت بعض الدراسات أنه ليس ارتفاع معدلات الضرائب في حد ذاتها هي التي تزيد من حجم اقتصاد الظل، ولكن التطبيق السيء وغير الفعال للنظام الضريبي، واللوائح الكثيرة والمعقدة والمتشابكة من قبل الحكومات، هي التي تدفع الأشخاص إلى اقتصاد الظل. لذا فاقتصاد مليء بالقيود، مع إدارة ضعيفة وغير عادلة، وغير حازمة في تطبيق القانون؛ هو اقتصاد يوفر بيئة خصبة لأنشطة الظل، وهي أيضًا نفس الظروف التي ينمو ويزدهر فيها الفساد.
الفساد واقتصاديات الظل
هناك بعض الدراسات التي تربط بين حجم اقتصاد الظل والفساد، إذ إنه في البلدان التي لديها معدلات فساد مرتفعة؛ يزداد فيها نسبيًا أنشطة اقتصاد الظل، إذ إن الفساد في الأساس هو إساءة استخدام السلطة العامة من أجل المنفعة الخاصة.
ويرى الخبير الاقتصادي، محمد دشناوي، أن الدولة لها تأثير كبير في ازدهار هذا القطاع، وفي زيادة نسبته، فالاقتصاد الموازي لا ينتعش ولا يعيش إلا في الدول الضعيفة والحكومات غير الباسطة يديها على موارد الدولة بالإضافة إلى الفساد والبيروقراطية، فهما شريان الحياة لهذا الاقتصاد؛ فكلما زاد الفساد زاد الاقتصاد الموازي، وكلما ضعفت الدولة زاد الاقتصاد الموازي، وكلما زادت البطالة زاد الاقتصاد الموازي.
كما أن دخول نطاق الاقتصاد غير الرسمي سهل ويسير، فأي شخص لديه النية للعمل بعيدًا عن الجهات الرسمية، يمكنه أن يجد أي نوع من العمل يؤدي إلى تحقيق ربح نقدي في الحال.
انعدام الثقة في الحكومة
من الأسباب التي تدفع الأفراد إلى الابتعاد عن أعين الحكومة أيضًا، هي أسباب ناجمة عن دوافع نفسية بالأساس، مُخضتها انعدام الثقة في الأجهزة الحكومية، وافتراض سوء النية دائمًا في الحكومة، فالعاملون تحت عباءة الاقتصاد الخفي يرون أن الدولة لا تؤدي لهم الخدمات العامة كما ينبغي، كما أنهم يتلقون معاملة سيئة من الموظفين الحكوميين.
بالإضافة إلى الموروثات القديمة المحفورة في أذهانهم حول المنظومة الضريبية في مصر؛ فقديمًا كانت الضرائب تعد بمثابة السيف المسلط على عنق من يسجلون منشآتهم رسميًا عن طريق التقديرات الجزافية التي كانت تصل إلى مبالغ خيالية لا تمت للواقع بصلة، لينتهي الحال بالشخص إلى السجن والتشرد إذا ما عجز عن سداد هذه المستحقات. ويبدو أن هذه الصورة الكئيبة لم تغِب حتى الآن عن أذهان الجميع، ما يدل على فشل الحكومة في تغييرها حتى بعد صدور قانون الضرائب الجديد القانون 91 لسنة 2005 الذي يعتبر ثورة في تشريعات الضرائب إذا ما تم مقارنته بالقوانين السابقة في مصر.
كما أن البطالة في القطاع الرسمي تدفع الأفراد أيضًا إلى البحث عن فرص عمل في القطاع غير الرسمي. انخفاض المستوى التعليمي وانخفاض مستوى التدريب للعديد من العمال يؤدي إلى استبعادهم من القطاع الرسمي. الافتقار إلى الفرص الاقتصادية المربحة في المناطق الريفية يؤدي إلى زيادة الهجرة إلى المراكز الحضرية، وهذا بالتالي يؤدي إلى زيادة الطلب على الوظائف الرسمية في المدن الكبرى، والتي لديها بطبيعة الحال قدرة محدودة على استيعاب هذا التدفق الكبير من العمال.
تأثير اقتصاد الظل على الاقتصاد الرسمي
1- الأنشطة الاقتصادية تحت نطاق اقتصاد الظل لا تدفع الضرائب
كما ذكرنا سابقًا أن المبلغ المفترض دفعه للضرائب 300 مليار جنيه وفقًا لدراسة، هو بالطبع مبلغ ضخم يقترب من الإيرادات الضريبية المحصلة بالفعل في الموازنة العامة للدولة عن العام المالي 2015/2016 وهي 362 مليار جنيه تقريبًا.
عدم تحصيل هذا المبلغ المفترض يؤدي إلى تقليل العوائد الضريبية ومن ثم يساعد في تفاقم عجز الموازنة، ويقلل من قدرة الدولة على القيام بالأعباء المنوطة بها. كما أنه عندما تنخفض الإيرادات الضريبية قد تضطر الحكومة إلى رفع معدلات الضرائب على القطاع الرسمي ما يؤدي إلى إحداث ضرر بالغ بالقطاع الرسمي، وهو ما يقود في النهاية إلى ازدهار اقتصاد الظل.
2- خلل القرارات وعدم نجاعة السياسات
ازدهار اقتصاد الظل يجعل الإحصاءات الرسمية مثل معدل البطالة، وقوة العمل الرسمية، والدخل، والاستهلاك؛ لا يمكن الاعتماد عليها، وبالتالي فإن السياسات والبرامج التي صيغت على أساس هذه الإحصاءات تكون غير مناسبة، وتؤدي إلى نتائج عكسية مما يفاقم من المشاكل الاقتصادية أكثر.
يقول دشناوي، إنه بالإضافة إلى أن الاقتصاد الموازي يخفض دخل الحكومة وبالتالي يخفض الخدمات المقدمة للمواطنين، فإنه يؤدي إلى فشل الدولة في الوصول إلى إحصائيات اقتصادية دقيقة، ويقلل من قدرة الدولة على توجيه الاقتصاد وتحفيزه، وذلك بخلاف الأثر السلبي الآخر بعدم قدرة الدولة على تطوير العاملين بهذا القطاع لزيادة الإنتاجية والمنافسة، وتقديم المزيد من الائتمان والموارد لتوسعة الأعمال.
3- منافسة غير عادلة
بسبب عدم خضوع الأنشطة الاقتصادية لاقتصاد الظل لأي التزامات حكومية، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف التشغيلية لإنتاج السلع والخدمات، وبالتالي تقدم هذه المنتجات بأسعار أقل من نظيرتها في الاقتصاد الرسمي، وهو ما يعد انتهاكًا صارخًا لقواعد المنافسة الحرة، مما يؤثر على كفاءة وتنافسية وجودة السلع والخدمات التي يقوم القطاع الرسمي بإنتاجها.
4- جذب القطاع الرسمي إلى القطاع غير الرسمي
من أخطر الآثار المترتبة على استفحال اقتصاد الظل هو زيادة قدرته على جذب القطاع الرسمي بسبب ما يتمتع به من مزايا وما لديه من حوافز، فحتى تستطيع المؤسسات والشركات العاملة تحت عباءة الاقتصاد الرسمي المنافسة في بيئة يغلب عليها العمل في الظل، فإنها تضطر إلى التحايل على القوانين واللوائح إلى أن تنتقل رويدًا رويدًا هي الأخرى إلى القطاع غير الرسمي لتتساوى مع نظيرتها في السوق المحلي.
5- سلبيات اقتصاد الظل على العمالة
العمالة غير الرسمية لديها العديد من السلبيات بالنسبة للعمال، مثل انعدام الأمن الوظيفي، وعدم تغطية الضمان الاجتماعي بما في ذلك الحصول على الرعاية الصحية، والمعاشات التقاعدية، وعدم وجود حقوق قانونية يستطيع العامل بها الحصول على حقوقه في مواجهة صاحب العمل. كما يتم التمييز ضد النساء في هذا القطاع في كلٍّ من التوظيف والدخل.
ويشرح دشناوي فيقول إن تكلفة العمالة في اقتصاد الظل تقل بكثير عن نظيرتها في الاقتصاد الرسمي، إذ إن تكلفة الأجور في القطاع الرسمي تكون مرتفعة نظرًا لجذبها للكثير من العمالة رغم قلة المعروض منها، خاصة أن القطاع غير الرسمي لا يدفع ضرائب، ولا يشترك للعاملين في برامج التأمينات الاجتماعية.
7- استيلاب موارد الدولة
ويُوضح دشناوي، أن اقتصاد الظل يحصل على موارد الدولة ويحرم منها القطاع الرسمي رغم عدم تحمله أي عبء عن ذلك، ويعمل في الخفاء، ويجعل الموارد أكثر ندرة نسبيًا.
يستدرك دشناوي قائلًا إن اقتصاد الظل لا يعتبر كله مساوئ، ولكن له العديد من الإيجابيات أيضًا؛ فالقطاع غير الرسمي يسهل الحصول على لقمة العيش والهروب من الفقر المدقع، كما أن ازدهاره يحفز على الإنفاق العام مما يدعم الاقتصاد غير الرسمي، ويدفع معدلات النمو العام للدولة، خاصة وأنه أكثر تنافسية من الاقتصاد الرسمي، كما أن ثلثي إلى نصف الدخل المكتسب منه تقريبًا يوجه إلى الإنفاق في الاقتصاد الرسمي مما يزيد من نمو الاقتصاد بشكل عام ويدفع عوائد الضرائب بشكل غير مباشر، كما أن اقتصاد الظل هو حيلة المواطنين للهروب من بيروقراطية الحكومة في فتح الأعمال وانتشار الفساد في الجهاز الحكومي.
على صناع السياسة في مصر أن يقللوا من تكلفة دخول الاقتصاد الرسمي، من خلال معالجة المسائل التي تمت إثارتها في السطور السابقة، كما ينبغي وضع تصور أشمل لوضع العاملين في القطاع غير الرسمي، ولا يقتصر الأمر على النظرة الضيقة التي ينظر بها المسئولون الحكوميون في مصر إلى اقتصاد الظل باعتباره منجمًا ينبغي اقتحامه من أجل زيادة العوائد الضريبية، فالموضوع أكثر تعقيدًا وتشابكًا من مجرد بائع يقف على طاولة لبيع الملابس في الشارع، بالتالي ينبغي شن الغارات عليه من قبل ما يسمى البلديات، ولكن ينبغي أولًا معالجة الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى العمل تحت مظلة اللارسمية.