يتغول الاختفاء القسري في الدول العربية يومًا بعد يوم، هذه الجريمة التي تعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، أنهكت مئات الآلاف من الشباب العربي، أولئك الذين اختفوا على أيدي جهات في الغالب رسمية، أنكرت اعتقالهم وحرمتهم من حق الإحالة إلى النيابة والقضاء.
الاختفاء القسري الذي أصبح ظاهرة خاصة في دول الربيع العربي، كانت نتاج القمع والديكتاتورية العسكرية التي أخذت تفرض سلطتها على المجتمعات، واستخدم كوسيلة للقمع والضغط وسحق المعارضة في هذه الدول، ولم يفلت منه حتى الأطفال والنساء.
تُعرف منظمة العفو الدولية الاختفاء القسري بأنه: «يحدث إذا ما قُبض على شخص أو احتُجز أو اختُطف على أيدي عناصر تابعة للدولة أو تعمل لحسابها، ثم تنفي بعد ذلك أن الشخص محتجز لديها، أو لا تفصح عن مكانه؛ ما يجعله خارج نطاق الحماية التي يوفرها القانون«.
سوريا.. الاختفاء القسري جريمة وتجارة في يد النظام السوري
في سوريا، ما يزال مصير مئات الآلاف من السوريين مجهول تحت بند جريمة «الاختفاء القسري»، إذ انتهج النظام السوري بالأخص، الإخفاء القسري باعتباره تجارة حركت اقتصاد السوق السوداء، وذلك عندما أخذ يطالب عائلات المختفين برشاوى ضخمة، فاضطرت بعض عائلات الضحايا إلى بيع عقاراتها وتقديم مدخراتها، لتسديد الرشاوى التي كانت تطلب منهم لمجرد معرفة مصير أبنائهم المختفون.
تقول الباحثة في منظمة العفو الدولية «نيكولات بولاند» أنه: «ثمة أدلة كثيرة تؤكد استفادة السلطات السورية من الأموال التي تدفعها العائلات للوسطاء»، وتضيف لـ«وكالة فرانس برس»: «نحن على يقين بأن الحكومة ومسؤولي السجون يستفيدون من المبالغ التي يتلقونها، على خلفية حالات الإخفاء القسري، وفق ما أكده مئات الشهود. تلك الممارسات منتشرة على نطاق واسع، ومن الصعب الاقتناع بأن الحكومة ليست على دراية بها، وهي تتغاضى عنها عبر عدم اتخاذ أي إجراء لوقفها«.
وحسب تقرير «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» الصادر قبل يومين، فإن سوريا تصدرت قائمة الدول التي تعاني من الاختفاء القسري، إذ «بلغ عدد من تعرض للاختفاء القسري، منذ اندلاع الثورة السورية مارس ( آذار) 2011 وحتى أواخر العام الماضي، أكثر من 70 ألف شخص بينهم نساء وأطفال«. من بينهم قرابة 65 ألفًا على يد القوات الحكومية السورية، أي 95% من مجموع الحالات، والبقية على أيدي تنظيمات مسلحة أخرى، كما جاء في تقرير المنظمة.
كما يؤكد تقرير منظمة العفو الدولية، الذي صدر في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) العام 2015 على أن: «المحتجزين تم وضعهم في زنازين مكتظة، حيث تتفشى الأمراض ولا تتوافر الرعاية الطبية، ويتعرضون للتعذيب باستخدام وسائل، مثل الصدمات الكهربائية والجلد والتعليق والحرق والاغتصاب».
مصر.. متابعة الاختفاء القسري أكبر من طاقة هذه المنظمات الحقوقية
استخدم النظام المصري االقائم، الذي تولى الحكم بعد 30 يونيو (حزيران) 2013 الاختفاء القسري باعتباره أداة لقمع وإسكات المعارضة، فقد احتجزت السلطات المصرية الشباب والأطفال في أماكن غير معلنة، ولمدة تصل إلى عدة أشهر، وتعرضوا للتعذيب من جانب جهاز الأمن الوطني، بهدف سحق المعارضة.
يؤكد مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية «فيليب لوثر» أن: «الاختفاء القسري أصبح أداة رئيسية لسياسة الدولة في مصر، فمن يجرؤ على الكلام في مصر هو في خطر«، مشيرًا إلى «تواطؤ أجهزة الأمن والسلطات القضائية المستعدة للكذب، لتغطية آثارهم أو للفشل في التحقيق في مزاعم التعذيب، ما يجعلهم متواطئين في انتهاكات حقوق إنسان خطيرة»، وحسب منظمة العفو الدولية فإن: «الشرطة المصرية متورطة في عمليات أدت إلى زيادة غير مسبوقة في حالات الاختفاء القسري لناشطين منذ بداية العام 2015، لسحق كافة أطياف المعارضة». وتشير المنظمة إلى أن متوسط عدد حالات الاختفاء القسري يبلغ 3- 4 حالات يوميًا. يُلقى القبض علي هؤلاء من منازلهم عبر قوات أمن مدججة بالسلاح.
وفي تقرير خاص بالمنظمة صدر في 13 يوليو (تموز) من العام الحالي، تبين أنه: «منذ بداية عام 2015 اختفى عدة مئات على الأقل من المصريين لمدد أقلها 48 ساعة، ووصلت إلى عدة أشهر في بعض الحالات قبل أن يتم احتجازهم».
من جانبه، يؤكد رئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي، والعلاقات الدولية محمود رفعت، على أن: «الاختفاء القسري جريمة قانونية متكاملة في الشكل والموضوع، تقوم بها أجهزة الدول القمعية في العالم العربي، وهي جريمة تتنافي مع المواثيق الدولية، مثل اتفاقية حقوق السجين 1984، واتفاقيات المحاكمة العادلة الموقع عليها من قبل الدول العربية، وهي جريمة تتناقض مع مبدأ علانية العقوبة، التي تكفلها مواثيق الأمم المتحدة».
ويتطرق رفعت خلال حديثه لـ«ساسة بوست» إلى دور المؤسسات الدولية ويقول أنه في كثير من الأحيان المنظمات الحقوقية الدولية تتغافل عن قضايا هامة بشكل متعمد، لكن في قضايا الاختفاء القسري، تتم متابعة الكثير من القضايا إلا أنه لكثرة الجرائم التي ترتكبها الأنظمة العربية، فإن المنظمات الدولية تاهت من «كثرتها وتعقدها واستمرارها، وجرائم الاختفاء القسري أكبر من طاقة هذه المنظمات»، حسب ما ذكره رفعت.
اليمن.. الحوثيين يحتجزون المئات في أماكن سرية
تعيش اليمن، وتحديدًا محافظات صنعاء وإب وتعز والحُديدة، موجة من عمليات الاختفاء القسري، يُستهدف فيها عناصر المعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، خاصة المنتمين منهم إلى «حزب التجمع اليمني للإصلاح»، المحسوب على الإخوان المسلمين في اليمن.
فمنذ اجتياح «الحوثيين» للعاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر(أيلول) 2014، زادت عمليات الاختفاء القسري، واحتجز الحوثيين المئات، في أماكن سرية كالبيوت والجبال، ووقع هؤلاء تحت تعذيب شديد، وبالطبع حُرموا من الاتصال بعائلاتهم والمحامين. لذلك كان ملف المختفين قسريًا، أحد الملفات في مشاورات السلام التي انعقدت في الكويت ما بين 21 إبريل (نيسان) ـ 6 أغسطس (آب) الحالي، فقد قدمت الحكومة اليمنية، قوائم بنحو 3000 من المعتقلين لدى الحوثيين، كما قدم الحوثيون قوائم بنحو 3700 أسير حرب ومعتقل.
وحسب تقرير «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» الصادر بمناسبة اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، احتلت اليمن مركزاً متقدمًا بين قائمة الدول العربية، التي تعاني من الاختفاء القسري، وحسب تقرير المنظمة فإن: «4011 مدنيًّا على الأقل، تعرضوا للاختفاء القسري في اليمن ، منذ ديسمبر (كانون الأول) 2014، وحتى اليوم، على أيدي جماعة الحوثي والقوات المسلحة التابعة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، منهم 1234 مدنيًا خلال العام الجاري فقط«.
ويعقب نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في منظمة العفو الدولية «جيمس لينش» على الاختفاء القسري في اليمن بالقول: «بدلًا من سجن المعارضين لأسابيع أو شهور، يتعين على جماعة الحوثيين المسلحة، أن تفرج عن جميع الذين اعتُقلوا بشكل تعسفي، وأن تطبق إجراءات وقائية تضمن معاملة المعتقلين معاملةً إنسانية، وأن تصدر تعليمات صريحة مفادها أنه ستتم محاسبة كل من يرتكب انتهاكات من الأشخاص الخاضعين لقيادتها».
العراق.. ميلشيات الحشد الشعبي تتغول في عمليات الاختفاء القسري
الصراعات الطائفية والحزبية التي أنهكت العراق، تسببت في أن يصل عدد المختفين قسريًا فيه إلى 150 ألف شخص، هذا الرقم خاص بالسنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للبلاد مارس (آذار) 2003، مع الإشارة إلى أن ذروة عمليات الاختفاء القسري، كانت خلال حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أما بعد اجتياح تنظيم الدولة للعراق خلال العامين الماضيين، فقد بلغ عدد المختفين قسريًا 41 ألف شخص، يتقاسم التنظيم مسؤولية اختفائهم مع ميليشيات الحشد الشعبي.
العراق الذي شرع قانون «حماية الأشخاص من الاختفاء القسري«، وخصص لجنة أممية لمتابعة ملف الاختفاء القسري، لم يجنِ ثمار هذه التحركات، إذ تشهد المناطق التي تواجدت فيها مليشيات «الحشد الشعبي»، جرائم اختفاء قسري تتزامن مع عمليات الإعدام والخطف والتغيب، التي ترافق المعارك التي تخوضها هذه الميليشيات، خاصة ضد «تنظيم الدولة».
يؤكد الصحفي والكاتب العراقي أحمد الملاح، على أن الاختفاء القسري في العراق شكل وجهًا من وجوه الإرهاب المختلفة في العراق، ووصل إلى ذروته في فترة الحرب الطائفية في العراق٢٠٠٦-٢٠٠٧، ويضيف: «كانت الميلشيات الطائفية تختطف المواطنين، بملابس عسكرية وبغطاء حكومي، ليتم الإخفاء القسري، ثم تظهر جثث مجهولة الهوية في شوارع المدن العراقية. استمرت الظاهرة لتبلغ ذروتها الثانية بعد منتصف ٢٠١٤، حينما دخل تنظيم الدولة للعراق ليكون الوجه الثاني للاختفاء القسري، وظهور مليشيات الحشد الشعبي المتهمة بتورطها في ممارسة الإخفاء القسري«.
ويوضح الملاح لـ«ساسة بوست» أن انعدام الدولة وتغول الميلشيات وانعدام الأمان، كان نتيجته عدم قدرة أجهزة الدولة الأمنية على القيام بعملها بل تورطها في هذه العمليات، مما يمنع الحد من الظاهرة، طالما استمر الوضع على ما هو عليه، كما يقول الملاح.
ليبيا.. الإخفاء القسري على أساس الهوية الاجتماعية والانتماء السياسي
ضحايا كثر للاختفاء القسري أيضًا في ليبيا، يتعرض هؤلاء لانتهاكات جسيمة، ويعيش ذويهم جحيمًا كبيرًا بسبب عدم معرفة مصيرهم. في مدينتي طرابلس وبنغازي بليبيا، المدينتان اللتان تعانيان من القصف، تزيد حالات الاختفاء القسري.
ما لا يقل عن 378 شخصًا من أصل 626، ما زال مصيرهم مجهولًا منذ اعتقالهم بعد العام 2011، وتشير اللجنة الليبية لحقوق الإنسان إلى أن: «ليبيا ما زالت تشهد العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، على مدار الأربع سنوات الماضية، التي تفاقمت منذ مايو (أيار) 2014، في ظل غياب حكومة مركزية وفشل الأطراف المتنازعة في تحقيق الاستقرار المنشود»، وتشدد اللجنة على أن الاختطاف والاختفاء القسري في ليبيا، يتم على أساس الهوية الاجتماعية والانتماء السياسي.
ويؤكد تقرير مشترك، بين بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، على أنه تم «اختطاف عشرات المدنيين في طرابلس وبنغازي، فقط بسبب انتماءاتهم القبلية أو العائلية أو الدينية، الفعلية أو المشتبه فيها، ولا يزالون مفقودين منذ اختطافهم».