اعادة اختراع العجلة

محمد حسين في الخميس ١٤ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

ذات يوم كنت أتناول الحديث مع صديق لى من رواد اهل الموقع الكريم ، وفى غمار حديثنا وجدته يبادرنى متسائلا "اراك تكتب كثيرا عن الحرية" محيطا بى بثنائه الذى اعتز به ، ثم مستطردا فى تساؤله "لكنى اجدك مقصر فى كتابتك عن القرآن والدين".
بطبيعة الحال توقفت للحظة بداخلى فى حين كنت احاول اجابته ، لكنى بين اعتراضى "لحاجة فى نفسى اعلمها" وموافقتى وجدت نفسى اقول له اننى سوف احاول ذلك ، هذا على ما اتذكره من ردى على صاحبى الذى كان يحاورنى.
ففكرت جليا ثم عقدت العزم ان أجس النبض بمقالة ما ، وبداخلى عزم ليس بالشديد ، على ان اقتطف على استحياء ثمرة من شجرة افكارى ، فأرى على حينها ان كانت ستجد مكانا على مائدة النقاش ام لا.
فرحت اخط المقالة حتى اوشكت على الانتهاء منها ، وقد وجدت نفسى وانا على مقربة من الانتهاء تريد ان تسكب بشئ فى نهاية المقال ، فراح قلمى يخط ما يجول بخاطرى من فكرة ، مترجما صورة فى مخيلتى على هيئة كلمات ، تلك الصورة كانت لراسل ومرسول اليه ، وبطبيعة الحال حامل رسالة اطلقت عليه لفظ "الساعى".
ودون الدخول فى تفاصيل قد يمل منها القارئ ، وجدت هجوما فى صيغة تقويمية على تلك الصورة ، وهذا الهجوم لم اكن لاعارضه ايمانا منى ان كل شخص يؤتى الشئ من زاوية لا يعلمها الا هو ويستحسنها. وايمانا ايضا بأنه لن يجتمع عشرة افراد على فكر كاتب ما. فمن الطبيعى ان نختلف ونتفق طالما اننا لا نأخذ هذا الاختلاف الى وجهة اخرى يشوبها الشخصنة قافزين به اعلى درجات سلم الهجوم ، فيتم تبادل الهجوم ، والذى غالبا –ان لم يكن دائما- ينتهى بالمتحاورين الى خصام شخصى دون فهم الفكرة ، فيسبحون بعيدا جدا الى درجة تضيع فيها الفكرة وكأنها شجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار. وانا شخصيا اجد ضياع الفكرة اشد وطأة من الخصام.

المهم ، كنت اقرأ مقالا للسيد الفاضل زهير الجوهر ، وهذا المقال عنوانه "السنة والشيعة والقرآنيون" ، وازعم اننى انتهيت من المقال وقد نجحت فى استقاء الفكرة التى تدور حول عدم اهمال ما بحث فيه السابقون ، والاستفادة قدر الامكان منه ، لأنه من وجهة نظره يمكن ان نقبل منه ما لا يتناقض مع القرآن الكريم ، وتحليل ما ناقض ومعرفة الاسباب الدافعة لذلك للمعلومية "ويعنى الاستاذ الكريم التناقض بين الجزء المناقض من تراث السابقين والقرآن الكريم". وما ان انتهيت بدأت قراءة التعليقات التى فى مرحلة ما بدأت تنحو منحى الهجوم والدفاع والتحدى ، او بدا لى وكأنه قد اصطبغ بتلك الصبغة.
وسوف اقدم ما أراه بطريقة تكاد تكون عامة على المقال لاحقا "كوجهة نظر بحتة" ، لكن قبل ذلك احبذ ان اعيد واكرر شيئا كنت قد ناشدت به من قبل ، وهو اننى اتمنى ان يتسع صدر الموقع ورواده وكتابه لأفكار بعضهم البعض ، ايا كانت تلك الافكار ، دون اللجوء للهجة التحدى والشخصنة. وليعرض كل وجهة نظره حول الفكرة حتى لا يقع بعضنا "على اختلاف المنحى الفكرى" فيما وقع فيه الاخرون من الشطحات التى اخذتهم بعيدا ، بل بعيدا جدا عن الطريق والهدف المراد. والذى اراه "الله" فى حالة معظمنا هنا ، ان لم يكن كلنا.

بداية اقول ، ان المنطلق العام فى اى ايمان "بفكرة كانت او كينونة" ، تأتى على مراحل ، ايا كان المؤمن "بكسر الميم" وايا كان المؤمن به "بفتح الميم". تلك المراحل تختلف فى معظم الاحيان فى سبلها وصياغاتها ووسائلها ، ولكنها تتفق فى النهاية فى المعنى العام. بمعنى آخر ، يبدأ الفكر عموما بالفكر نفسه ، يقوده فى الغالب الحاجة والاحتياج ، فأنا احتاج شيئا ما فأفكر فى الوسيلة المثلى التى تقودنى الى ما سيفى تلك الحاجة ويرضيها. ومن ثم تتحرك عجلة الفكر نحو الهدف. ولا يمكن بأى حال من الاحوال ان توجد الوسيلة او يتم استنباطها ذلك اتسائل الى اى هدف تقودنى؟. والهدف لا يعلق فى الفضاء ، فالهدف يكون بداية لما بعده ، وما بعده دائما يكون ما وصلت للهدف من اجله. فليس منطقى ان اهتدى الى الهدف ثم افكر فى أى شئ استخدم هذا الهدف!.
فعلى سبيل المثال ، ومثالنا هو التلغراف الذى كان هدفا ، قام على اساسه السيد صمويل موريس بالتفكير فى اختراع شيئا "الذى سماه فيما بعد التليغراف" ليسهل عمليات كثيرة فى الاخباريات السريعة. فقام بالمعادلات والتجارب "الوسيلة" ، وفشل ثم فشل جزئيا ثم نجح جزئيا حتى نجح تماما فى ايجاد الوسيلة المثلة لاختراع التلغراف. وعندما اخترع التلغراف لم يتوقف عند هذا الحد ليهرش فى رأسه متسائلا "فى اى شئ سوف استعمل هذا الشئ؟" ، بل اخترعه وهو يعلم ان متسخدموا هذا الاختراع سوف يستخدمونه لحاجاتهم فى ارسال الرسائل السريعة التى قد تساعد فى نجاة سفينة ما قد تغرق ، او اعلام شخص ما بمرض قريب او عزيز فيلحقه ، او مسافر يصل فى القريب العاجل ... وهكذا.
فكان التلغراف فكر فتفكير ففكرة ، ثم تحديد الهدف ، ثم البحث والتحليل "الوسيلة" ، حتى الاهتداء الى الغاية "الهدف" ، والذى لا بد ان ستم استخدامه فى سد احتياج او حاجة ما بصورة مثلى.

فالبحث اذا والفكر هو احد المعايير الرئيسية ، يبدأ دائما بالاهتداء الى الشك نفسه. اشك فى الشئ من ناحية امكانية الوصول اليه ام لا ، فتقوم نظريتى. فأجرب ، وعند التجربة تتم صياغة المعادلات والوسائل والحلول ، ويتم الفشل اوالنجاح فى تحقيق النظرية واقعيا ، وساعتها اتأكد من فشل النظرية اونجاحها ، او امكانية تحقيق الهدف اساسا من عدمه.

ولأقفز محاولا الحد من الاسترسال قاصدا ما نحاول ان نتعامل معه هنا ، الا وهو الدين. وان ما نفعله عموما عندما نتعامل مع الاديان وفكرة الله اننا نتعامل معها وهى قائمة على الموروث لا على البحث ، الاديان برمتها ، ندخل عليها بفرضية صحتها مسبقا ، بل بوجوب صحتها لنكون واقعيين. ودائما ما يتحكم فى ذلك سلاسل الرعب والخوف التى يبثها رجال الدين "مع تحفظى على هذه التسمية المنيلة" لتحيط بالعقل فتشل تفكيره بصورة كبيرة ، فتقيده حتى تقوضه. فلا أنا افكر ولا أنا اشك ، فأنا آلة ، عبثية المنحى لا وظيفة لى فى تلك الحياة الا ان أولد فأرث المفاهيم واقبلها كما هى "مع شئ من الخوف" حتى اموت فيضعوا على وسادتى "قرآنا او صليبا او نجمة داوود ...الخ" ، وكان الله بالسر عليما.

بل ومن المثير للعجب اننا فى تعاملنا مع الاديان نتخذ خطوات غريبة ، فعندما يتم اختراع شئ ما اهتدى اليه العلماء والباحثون بعد بحث شاق يكاد يأكل اعمارهم ، يظهر احدهم من المتخصصين فى تلك "الخصلة السودة" ليلقى بظلال اية ما على هذا الاختراع ، ويخطفه بطريقة جهنمية عبثية لصالح تلك الاية حتى يثبت بصورة ما "اشك انها لنفسه والعامة" ان هذا القرآن لا يأتيه الباطل لا من الامام ولا من الخلف ابدا. وهذا جميل. ولكن والحق اكاد اشك انه يثبت لنفسه شيئا كان شكا يقبع فى داخله لفترات حتى ظهر هذا الاختراع ليهدى سره به "وهو جاهل". منطق غريب! كهذا الاختراع الذى ظهرت بشائره بالامس القريب ، والذى اسموه العلماء "سترة الاخفاء" ، وتناولت الجرائد العالمية هذا البحث المثير بعناوين تتحدث عن اسماء المخترعين والاختراع ، الا عندنا ، وحتى على موقعنا هذا ، فقد وجدت عنوان الخبر كالتالى "فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون"! ويصفق المصفقون على المواقع "حدانا" ويزمر المزمرون خلفية لهذا الاكتشاف الذى كان كل دورهم فيه انهم "لزقوا" هذا الاختراع بتلك الآية. والذى فيما بعد سوف نستورده لنطلق عليه ال "..." الاسلامى. مثله مثل العربة الاسلامية والهاتف الاسلامى. وانا اتسائل ، هل معنى ذلك ان اصحابنا هؤلاء "اى المزمرين والمطبلاتية" كانوا مؤمنين "واعنى تلك الكلمة بحذافيرها ومنطقها" بتلك الاية قبل هذا الاختراع. انا شخصيا لا اجد هذا يحدث الا مع ال .... ولا بلاش.

وحتى لا استرسل فى "التهتهة" ، اريد القول لكل باحث ومفكر "كالسيد زهير الجوهر وغيره على سبيل المثال" ان المسألة يا سادتى ليست مسألة اعادة اختراع العجلة ، فالانسان يولد جاهل ضال ، بلا ايمان معين ، كل انسان على حدة يوجد له عقل يختلف بدرجة كبيرة عن عقل صاحبه فى التفكير ، ولا تتشابه العقول الا اذا تم الغائها بواسطة الامرة على الفكر ، وغالبا عن طريق الموروث والعادات ، فيخيل لى اننا اشبه بقطيع منساق خلف او امام تلك الفكرة ، التى هى فى الاصل عصا.

ولن يتحقق الايمان الا بالبحث ، وفى حالتنا تلك ليس التراث فقط محل بحث ، بل القرآن نفسه يجب ان يخضع للبحث والشك "على الاقل بالنسبة لى" ، ويتم التعامل معه بمنطق الاكتشاف والاستكشاف ، فما يدرينى انه من الله الا اذا بحثت وتوقفت عند كل اية منه ، بل وكل كلمة ، فاغرقها بحثا دون ان اكون وارثا لمفهوم ، او اخذا لخلفية تجلعنى فارضا صحة الشئ موضع البحث عند البحث. والا فسأكون كمن يحاول الاخذ من جزء فى النهر "بكوز" لالقيه فى الجزء الاخر بنفس "الكوز".
الله موجود ، او ايا كان المسمى ، ولكن هناك من يتحكم فى هذا الكون الهائل ، فبعد الاكتشافات المذهلة والعلاقات الرياضية الرهيبة والمعقدة التى تربط بين كل جزئ وجزئ فى هذا الكون الشاسع ، يجب ان يكون محرك لهذا كله ، فنحن فى القرن الواحد والعشرين نكون مجانينا ان افترضنا ان هذا الكون المعقد الدقيق فى تكوينه بلا محرك "مع احترامى الشديد لكل من يعتقد ذلك". ولكن السؤال يبقى ، هل تلك الكتب التى بين ايدينا هى من الله؟ فالله موجود ، ولكن هذا لا يعنى بالضرورة اننا اوتينا "الانجيل او التوراة او القرآن او الزبور ... الخ" منه. ولن يسع لنا ان نكون صادقين الا بعد البحث والتأكد وعرض البحث على العقول ، والتى بعض منها سيتلقاه ويقتنع به ، والبعض الاخر سيعرض عنه ، والبعض الاخر لن يهتم ، والبعض الاخر سيجادل ويشكك. ويجب قبول كل هذا بلا استثناء والا تألهنا فيما بيننا.

ابراهيم كلم ربه ولم يذهب عنه الشك بصورة مطلقة ونهائية ، وكان الشك نسبيا فيما قال له ربه بنفسه حتى وجد نفسه يخاطب الله قائلا فى ادب "رب ارنى كيف تحيى الموتى" ، وكان هذا بعد بحث شاق قطع اشواطه ابراهيم نفسه فى بحثه عن الرب الذى يدير هذا الكون وخالقه. وبدأ السير فى سبيل الوصول الى الله حتى امسك الله يده فى نقطة ما فى هذا الطريق ، وكان على موعد مع الهدى ، ولكن بات الشك ولو نسبيا يؤرقه. حتى حانت لحظة البحث الذى لم يبخل الله عليه به ، التجربة العقلية ، التجربة الحية مع الطيور التى اعاد بعثها الله عز وجل. وهكذا كان الحال مع موسى عندما ذهب فى مناجاته ربه طالبا رؤيته ، مع انه كلمه مباشرة ايضا. وهلم جر!

عندما نعيد اختراع عجلة الايمان يا صاحبى فإننا نعيد اختراعها لانفسنا ، كل على حدة فردا. فأنا اخترعها لنفسى ولايمانى انا. فأنا وحدى "وانت وحدك" تعلم مدى ايمانك بالله ، والله وحده يعلم ايمان كل منا على حدة ، والله من وراءنا محيط. 

واذا فكرنا فى كل العلوم والنظريات ، وان اتسع لها عقلنا ، فلن يقودنا هذا الا الى الله.
والشك هلاك لابد منه ، والايمان هو الحل الوحيد لانقاذنا من هذا الهلاك.

****

كنت اتجادل مع احدهم يوما وقد شرعت اضرب حديث الردة بمبدأ الشك ، وقد هممت بالقول له انه من غير الممكن ان اسلم ان هذا أتانى رأسا من الرسول الا اذا "هريته" –اى الحديث- بحثا وتنقيبا. والبحث لن يكون ابدأ بمعيار القرآن ، لأنه لو اتفق القرآن مع ذلك فسوف اكون اول القائلين بأنه يستحيل ان يكون هذا من الله ، فالله لا يأمر بقتل احدهم على ضميره. فمعنى هذا انى اسلم بعجز التعامل بين العبد وربه لدرجة القتل عندما يفشل العقل!. فوجدته وقد شابت نبرته الحدة يبادرنى سائلا "اذا كنت انت تشك فى الحديث ، وبالتالى كتبه ، وتقول انك غير مقتنع انها وصلت من الرسول رأسا الا بعد التأكد ، اذا فكيف لك ان تقنعنى بأن القرآن لم يتم كتابته بأيدى البشر وانه من عند الله". وقد بدت عيناه وفيهما بريق يحدثنى بزهوه لاعتقاده انه تحدانى وقارعنى بحجته فهزمنى. ولكنه صعق عندما حملته مسئولية نفسه واقتناعه مجيبا اياه "فلتبحث بنفسك" وبدون توقف عاجلته قائلا "الم يقل القرآن نفسه: افلا يتدبرون القرآن؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا". فما كان من محاورى الا انه اتهمنى بالزندقة لكفرى من وجهة نظره ، وولى.

(رب ادخلنى مدخل صدق واخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا)

اجمالي القراءات 15083