منتظري الابن يكشف عن الوجه الداعشي للخميني
الخليفة السابق للمرشد الإيراني يعود اليوم إلى الحياة من خلال مواقفه القديمة ليحارب من جديد النظام الذي لطالما حارب فساده وتسلطه حين كان حياً. | ||||||||||
العرب ثائر الزعزوع [نُشر في 21/08/2016، العدد: 10372، ص(7)] | ||||||||||
واليوم لم تعد جمهورية المرشد قادرة على “حجب الشمس بغربال” كما يقال، إذ لا يكاد يمر يوم دون أن تندفع البلاد الأسيرة تحت حكم الملالي إلى الواجهة، بسبب الأخبار والفضائح المتلاحقة التي ترد من خلف أسوارها الكتيمة. وإذا كانت السلطات الإيرانية قد استطاعت حجب الوقائع والأحداث في سنوات مضت، وقتلت وعلّقت المشانق هنا وهناك دون حسيب أو رقيب، فإنها اليوم غير قادرة على فعل ذلك. باتت خاضعة لسلسلة من الفضائح والفظائع التي ترتكب فيها، لا في حاضرها الدموي فقط، ولكن في ماضيها الذي بدأت دفاتره العتيقة تفتح شيئاً فشيئاً، وبات لزاماً على حكّامها أن يواجهوا في المستقبل سيولاً من الحقائق التي كانت محجوبة لا عن العالم الخارجي، ولكن عن المواطنين الذين عاشوا وعلى مدى عقود أكبر كذبة في تاريخهم، تحت مسمّى الجمهورية الإسلامية التي لم ولن تختلف من حيث بنيتها ومضمونها عن تنظيم داعش الذي تدّعي إيران محاربته والتصدي له. آخر الروائح التي انبعثت من إيران هي القنبلة التي فجّرها منتظري الابن نقلاً عن والده الذي كان يشغل منصب نائب الخميني، وكان المرشح الأقوى لخلافته قبل أن يقع الخلاف بينهما، فقد وصف منتظري الخميني بأنه “كان جزارا وسفك دماء الإيرانيين الأبرياء دون أيّ ذنب ودون أيّ محاكمات عادلة، وأن الإعدامات التي نفّذها الخميني تعدّ أبشع مجزرة تشهدها إيران بعد نجاح الثورة التي جاءت لنصرة المظلومين”. أميركا تسلح إيران تعود هذه الواقعة إلى عام 1988 حين قامت السلطات الإيرانية بإعدام الآلاف من المعارضين السياسيين، قبلها بعام تقريباً كان منتظري قد بدأ حربه ضد السلطات القضائية حين أقدمت على إصدار حكم الإعدام بحق مهدي هاشمي والذي كانت تربطه صلة قرابة مع المرجع حسين منتظري، وكان مهدي هاشمي قد قام عام 1986 بالكشف عن المفاوضات السرية التي كان يجريها الناطق باسم البرلمان الإيراني في ذلك الحين، علي أكبر هاشمي رفسنجاني مع الولايات المتَّحدة الأميركية والتي كانت تنظر إليها إيران بوصفها الشيطان الأكبر. سوف تعرف تلك القضية لاحقاً بفضيحة إيران كونترا. وقد عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان اتفاقاً مع إيران لتزويدها بالأسلحة بسبب حاجة إيران الماسة لأنواع متطورة منها أثناء حربها مع العراق، وذلك لقاء إطلاق سراح بعض الأميركان الذين كانوا محتجزين في لبنان. وجهت لهاشمي تهمة الخيانة والإضرار بمصالح الجمهورية الإسلامية وأعدم مع أربعة عشر موظفًا يعملون معه عام 1987، بتحريض من رفسنجاني نفسه، وقد اعترض حسين منتظري على ذلك. وقتها بدأ التوتر يشوب علاقته مع الخميني، حتى وصلت الأمور إلى ذروتها فحدثت القطيعة بين منتظري وأبيه الروحي السابق الخميني، والذي كان يعتبره قدوته عام 1988، وذلك لأنَّ منتظري استنكر بشدة أحكام الإعدام التي أصدرها الخميني بحقّ جميع المعارضين السياسيين المعتقلين واعتبرها انتهاكاً للقانون والدين. عمليات الإعدام، حسب شهادة منتظري، استمرت لأكثر من خمسة أشهر، وجرت في كافة المناطق الإيرانية، وشملت نساء ورجالا، وقد تم إعدام أكثر من 3800 معارض سياسي، فيما تشير أرقام المنظمات الدولية إلى أن الأعداد أكبر من ذلك بكثير وقد تصل إلى قرابة الستة آلاف عملية إعدام نفذت صيف عام 1988 وحده الخميني يفتي بالمجازر قبل تنفيذ عمليات الإعدام بفترة قصيرة أصدر الخميني سراً فتوى، وذلك لإضفاء الشرعية على تلك العمليات في رسالة وجهها إلى أعضاء اللجنة، تقضي بأن أعضاء مجاهدي خلق “يحاربون الله، وأن اليساريين مرتدون عن الإسلام”. استمرت عمليات الإعدام خمسة أشهر، وجرت في كافة المناطق الإيرانية، وشملت نساء ورجالاً، وذكر منتظري في مذكراته التي كتبها لاحقاً أنه تم إعدام أكثر من 3800 معارض سياسي، فيما تشير أرقام المنظمات الدولية إلى أن الأعداد أكبر من ذلك بكثير وقد تصل إلى قرابة الستة آلاف عملية إعدام نفذت في صيف عام 1988 لوحده. لكن منظمة مجاهدي خلق تقدر العدد بأكثر من ثمانية آلاف، وقد قيل لعائلات السجناء المعدومين عليكم ألا تطالبوا بتسلم جثثهم وألاّ تقيموا الحداد بأيّ طريقة عليهم. قالت السلطات الإيرانية إنها نفذت أحكام الإعدام بحق أعضاء مجاهدي خلق، بسبب شنهم هجوماً على الحدود الغربية لإيران، إلا أن شهادات بعض السجناء الناجين من تلك المذبحة تؤكد أن الخطوات التمهيدية لعملية الإعدام الجماعي بدأت قبل تلك العملية المزعومة بكثير، وتحديداً منتصف العام 1987. فقد قامت إدارات السجون بفرز السجناء السياسيين حسب انتماءاتهم الحزبية ومدة عقوبتهم. وبدأت عمليات الإعدام في الساعات الأولى من صباح يوم الـ19 من يوليو 1988 مع عزل السجناء عن العالم الخارجي فقد أغلقت أبواب السجون وألغيت الزيارات والاتصالات الهاتفية وتلقي الرسائل والطرود البريدية ومنعت حتى الأدوية. اجتمع آية الله حسين منتظري مع أولئك الذين يمكن وصفهم بأعضاء “لجنة الموت” وهي لجنة مكونة من أربعة أشخاص كانت مخوَّلًة باتخاذ قرارات إعدام المساجين السياسيين في الخامس عشر من أغسطس العام 1988 أي بعد قرابة شهر من البدء بتنفيذ عمليات الإعدام. تلك اللقاءات، وكما قال أحمد منتظري، كانت تتم بشفافية، وكان الحاضرون على علم بتسجيل محتواها. وقتها كان منتظري الأب غاضباً، وخاطب اللجنة قائلاً “ما تقومون به أبشع جريمة ترتكب في الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ تأسيس النظام إلى الآن، والتاريخ سوف يديننا وسوف يسجل أسماءكم في قائمة المجرمين”، مضيفاً في التسجيل الصوتي والذي تبلغ مدته أربعين دقيقة “اليوم تقومون بإعدام السجناء دون أن يكونوا قد مارسوا أيّ نشاط جديد، وهذا يعني أن جهازنا القضائي مخطئ برمته”، ويتابع بالقول إن “إعدام الآلاف من النشطاء السياسيين رمياً بالرصاص هو أكبر جريمة ترتكب في تاريخ النظام”. يشغل أعضاء لجنة الموت حالياً مناصب عليا في جمهورية المرشد إذ يشغل مصطفى بورمحمدي منصب وزير العدل في حكومة روحاني، وحسين علي نيري هو رئيس المحكمة العليا، ويعتبر إبراهيم رئيسي المرشح الأوفر حظاً لخلافة خامنئي في منصب المرشد الأعلى نظراً للدعم الكبير الذي يتلقاه من قبل الحرس الثوري الإيراني، لكن الحقيقة تقول إن النظام بأسره كان مشتركاً في تلك العملية بدءاً من الخميني وصولاً إلى رئيس الجمهورية آنذاك علي خامنئي، وكذلك إدارة المخابرات الإيرانية.
ولد آية الله حسين منتظري في نجف آباد التابعة لمحافظة أصفهان عام 1922، برع في العلوم الدينية وألّف مجموعة من الكتب المهمة وأشهرها “كتاب الزكاة”، كان آية الله حسين منتظري يعتبر من أقرب المقرّبين من الخميني الذي حين تم اعتقاله إبَّان الاحتجاجات التي اندلعت ضدّ الشاه محمد رضا بهلوي عام 1963، حشد منتظري رجال الدين في تظاهرة كبيرة طالبت بإطلاق سراحه، وقد أفلح في مسعاه. بعد نفي الخميني صار منتظري ممثله الوحيد في إيران، فاعتقلته السلطات الإيرانية وحكمت عليه بالإعدام عام 1975 ونتيجة للضغوط التي مورست من قبل مؤيديه الكثر في الشارع الإيراني أطلق سراحه بعد ثلاث سنوات أمضاها في السجن. المرجع الرافض بعد نجاح ما يسمّى بالثورة الإيرانية بات منتظري الخليفة المحتمل للخميني، وكان المرجع الديني الوحيد الذي يؤيِّد فكرة ولاية الفقيه، بل إنه سعى لترسيخها في الدستور الإيراني عام 1979 عندما كان يشغل منصب رئيس مجلس خبراء القيادة. كما أنه كان من أشد المناصرين لفكرة تصدير الثورة إلى خارج الجمهورية الإسلامية. وقد انتخب عام 1985 ليصبح نائباً للخميني، ما جعل الطريق مفتوحاً أمامه ليصعد إلى أعلى هرم السلطة في إيران. بعد القطيعة التي حدثت بين حسين منتظري والخميني، عمل منتظري على انتقاد السلطات في بلاده معتبراً أن ما تقوم به السلطة القضائية تحديداً سيؤدي إلى الانحراف عن مبادئ الثورة الإسلامية، وسيقود البلاد بالضرورة إلى خيانة ثورتها، كما أنه انتقد استمرار الحرب العراقية الإيرانية معتبراً أنَّها غير ضرورية وغير مشروعة. بلغ الأمر ذروته من خلال مجموعة من الخطابات والحوارات والمقالات التي كتبها منتظري في الذكرى السنوية العاشرة لقيام الثورة في شهر فبراير عام 1989، ليصدر الخميني بعدها بشهر واحد فقط قراراً يقضي بعزل منتظري من منصبه كنائب للمرشد الأعلى، وفرضت عليه السلطات الإيرانية إقامة جبرية مؤقتة تم رفعها بعد ذلك، وبعد وفاة الخميني وتولي خامنئي منصب المرشد الأعلى، تحول منتظري إلى مرجع أعلى للحركة الإصلاحية في البلاد، والتي استمدت شرعيتها من قيمته الدينية والاحترام الكبير الذي يحظى به لدى الكثير من المواطنين. تصدى منتظري وبشراسة لمحاولات المؤسسة الحاكمة منح خامنئي درجة آية الله العظمى لأن خامنئي لم يكن سوى مرجع ديني من الدرجة المتوسطة، ولأن تدخل السلطات في عمل المؤسسة الدينية سيحوّل تلك المؤسسة بأكملها إلى أداة بيد السلطة. منتظري سرب الأدلة على أن الخميني ليس فقط كان على علم بالآلاف من الإعدامات بل إنه وقبل تنفيذها بفترة قصيرة كان قد أصدر سرا فتوى لإضفاء الشرعية على تلك العمليات في رسالة وجهها إلى أعضاء اللجنة المشرفة تقضي بأن "أعضاء مجاهدي خلق يحاربون الله، وأن اليساريين مرتدون عن الإسلام" ضد ولاية الفقيه رأى منتظري أن المرشد الأعلى لا يمكن أن يحصل على شرعيته إلاَّ من خلال انتخابه من قبل الشعب، وذلك لأنَّ الله قد منح السلطة إلى الشعب ولم يمنحها إلى مرشد الثورة. وهو ما لا يحدث في إيران بطبيعة الحال، إذ أن المؤسسة الدينية باتت خاضعة وبشكل كامل لمؤسسة السلطة، بينما يعتبر المرشد الأعلى علي خامنئي ليس أعلى سلطة دينية فقط بل إنه أعلى سلطة سياسية ولا شيء يمكن أن يحدث في جمهورية المرشد دون إذنه وتوجيهاته. من خلال دعمه للحركة الإصلاحية في إيران شكل منتظري تياراً قوياً نوعاً ما وقد استمر هذا التيار بالصعود حتى عام 2009 وهو العام الذي شهد تنافساً على السلطة بين التيار الإصلاحي الذي كان يتقدمه مير حسين موسوي ومن خلفه آية الله حسين منتظري وبين التيار المتشدد برئاسة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد والذي يقف وراءه علي خامنئي، وشهدت الانتخابات الرئاسية كما هو معروف أحداثاً دموية أدت إلى القضاء على الصوت الإصلاحي داخل إيران، وفرضت السلطات إقامة جبرية ومصيراً مجهولاً على ممثلي الحركة الإصلاحية ومرشحيها. وقال المرجع حسين منتظري وقتها “لم تعد هناك أيّ قيمة للمحافظة على هذا النظام الذي فقد كلَّ شرعيته الإسلامية والديمقراطية، ولم يعد يعتمد إلاَّ على القوة والغش والخداع، ومن واجب جميع المؤمنين وعلى رأسهم رجال الدين المساهمة في سقوطه”. في التاسع عشر من ديسمبر من العام 2009 توفّي منتظري في مدينة قم عن عمر يناهز السابعة والثمانين عاماً بسبب أزمة قلبية. واليوم يعود إلى الحياة من خلال مواقفه القديمة ليحارب من جديد النظام الذي لطالما حارب فساده وتسلطه حين كان حياً، عقب انتشار التسجيل الصوتي، تم استدعاء منتظري الابن إلى المحكمة، وتم استجوابه لثلاث ساعات لقيامه بإفشاء أسرار النظام، لأنّ والده كان يشغل وقت حدوث تلك التسجيلات منصب نائب المرشد الخميني. قال له المحققون إن إفشاء تلك الأسرار يعتبر جريمة. وقامت الاستخبارات الإيرانية بحذف المقطع الذي كان قد أعيد نشره على الموقع الخاص بالمرجع حسين علي منتظري، وبدأت بتوجيه الاتهام لمنتظري الابن بأنه يقوم بمساعدة منظمة مجاهدي خلق، وربما لن ينجو من هذه الاتهامات بسهولة. |