من هم الكاتمون الحقيقيون لما أنزل الله ؟
(( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم )) 159 + 160 – البقرة .
(( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون )) 75 – البقرة .
(( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا ممe;ما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين )) 13 – المائدة –
(( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم )) 15 +16 –سورة المائدة .
عندما يفهم أن هناك من يكتمون ما أنزل الله من الحديث الواضح المبين الذي لا يختلف فيه اثنان محاولة منهم التنصل من الواجب .
وعندما يفهم أن هناك من يحاول تحريف كلام الله المنزل .
وعندما يفهم من الآيتين ( 15 + 16) سورة المائدة أن من أهل الكتاب من فوجئوا أيما مفاجأة وانبهروا ( في قرارة أنفسهم ) بالحديث الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والتسليم ، ذلك القرآن الذي فضحهم ويبين لهم ما يخفون على الرغم من أنه نور يخرج من الظلمات إلى النور .
نعم عندما نفهم ونعلم أن كل ذلك حدث ، ويحدث لغرض التهرب من الإلتزام بتعاليم الله وأن أولئك الفاعلين أوصلوا أنفسهم إلى ذلك الدرك الأسفل الذي لا يحسدهم عليه حاسد لاسيما وهم الذين شملتهم لعنة الله ولعنة اللاعنين إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا .
كل ذلك بالنسبة للكاتمين والمحرفين ، لأنهم فعلا وحقا كتموا وحرفوا .
وأما نحن المسلمين الذين تلقوا حديث الخالق فيحق لنا أن نقول ونعتقد أننا بريئون ، وأننا لم نفكر في أي تحريف للقرآن العظيم ولا في أي كتمان لما أنزل الله .
وإذا كان الله في الآيتين ( 15 و 16) من سورة المائدة تصدى لأهل الكتاب ليقيم عليهم الحجة وهي حجة القرآن المنزل الذي جاء مسلطا الضوء الكاشف الفاضح لما كانوا يخفونه أو يحرفون .
نعم إذا كان ذلك كذلك .
فكيف يا ترى يكون موقف المسلمين الذين تلقوا القرآن العظيم قصد إخراج الناس كل الناس من الظلمات إلى النور ، نعم كيف يكون موقف أولئك المسلمين الذين كثيرا ما يحلو لهم وبزهو وفرح مبالغ فيه أن يسخروا بغيرهم ويوجهوا لومهم إلى من سبقهم من أهل الكتاب بدعوى أنهم متصلبون بما بين أيديهم وهو محرف في مجمله ورافضون أن يفتحوا صدورهم وقلوبهم لذلك الحديث المنزل في ليلة القدر المؤيد لهم ولما بين أيديهم مما لم يصب بالتشويه .
نعم نحن المسلمين المتلقين القرآن العظيم ، في مواقفنا العديدة نلوح بالقرآن كحجة دامغة موجهة صوب أهل الكتاب ، ولكننا في نفس الوقت ندير ظهورنا لهذه الحجة الدامغة عندما نهدأ وتسكت عاطفتنا ، ولأن إظهار أو التظاهر بالتمسك بالقرآن من جهة ، وعدم العمل بما جاء فيه أو به مما هو واضح ومبين من جهة أخرى لا يمكن أن يوصف هذا التناقض إلا بأوصاف الكتمان والتحريف ، ألا نخشى أن تكون العاقبة هي اللعنة ؟ ما دامت هذه الصفة مخصصة للكاتمين والمحرفين ؟
وهنا تظهر طائفة أخرى وهم أولئك الذين يبذلون ما في وسعهم حتى لا يكتموا ما أنزل الله من البينات والهدى وما بينه الله للناس ، وهل يجوز أن توصف هذه الطائفة الأخيرة من الذين يعملون ويجاهدون في الله وسبيله أن ينجوا من لعنة الله ولعنة اللاعنين ، ألا يجوز أن يوصفوا من الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ومن الذين تشملهم رحمة الله التواب الرحيم عندما يتنصلون من ظاهرة وضع الثقة العمياء في ما تحمله بطون الأمهات ، تلك الأسفار التي لا تلد في الغالب إلا ما هو متصادم ومتناقض لهدي الله ومهين لعبده ورسوله محمد ؟ نعم من هم الكاتمون الحقيقيون لما أنزل الله ؟