نعم بالفعل، القارة الأسترالية تتحرك بالتوازي مع خطوط الطول ودوائر العرض، نتيجة إزاحة تحدث لها بمقدار مترين كاملين تقريبًا، مطلع العام المقبل.
أستراليا تتحرك بمعدل حوالي سبعة سنتيمترات باتجاه الشمال والشمال الشرقي في كل عام، بسبب حركة الصفائح التكتونية للأرض. لكن هذا يعني وجود فجوة بين موقع القارة بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض، كما هو مبين على الإحداثيات المحلية، والتي تتحرك مع القارة المحلية، وبين الإحداثيات العالمية التي لا تتغير.
خطوط الطول والعرض التي تقدمها أنظمة الأقمار الصناعية الحديثة الخاصة بالملاحة العالمية، مثل نظام تحديد المواقع، ثابتة بالنسبة للعالم كله، وعلى هذا النحو فإنه يمكنها ملاحظة وتعويض الانجرافات القارية التي تحدث مع مرور الوقت، مثل الانجراف القاري في الصحيفة التكتونية الخاصة بالقارة الأسترالية.
النظام المحلي للإحداثيات في أستراليا والذي يسمى (The Geocentric Datum of Australia) كان آخر تحديث له في عام 1994. يتضح الآن أن أستراليا ابتعدت بحوالي متر ونصف المتر نحو الشمال والشمال الشرقي. وقال دانيال جاكسا، من مركز أستراليا للإحداثيات، وهي الهيئة المسؤولة عن رسم خريطة القارة، لصحيفة الغارديان البريطانية، إن أستراليا ستعالج النقص بين النظامين مع التحديث القادم المتوقع.
وأضاف جاكسا «نحن نعمل على إعادة تموضع أستراليا بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض لتعكس موقعها الحقيقي في العالم الآن».
تغيير الموقع
وسوف تقوم أستراليا بتغيير موقعها، بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض، بمقدار 1.8 متر يوم الأول من يناير (كانون الثاني) 2017، في اتجاه حركة صفيحتها التكتونية، وهو ما يعني إفراط في تصحيح الإحداثيات المحلية والعالمية، لتلائم الموضع الحقيقي الذي ستكون عليه بحلول عام 2020. وكانت تصويبات مماثلة قد وقعت في أعوام 1966 و 1984 و 1994.
وذكر جاكسا أن هذه هي المرة الرابعة، التي يقومون فيها بهذا الأمر في السنوات الـ50 الماضية، وأضاف: «الشيء المختلف فيما نفعله هذه المرة، هو أننا نضع خطوط الطول والعرض باتجاه الشمال والشمال الشرقي، إلى حيث ستكون أستراليا في يناير (كانون الثاني) عام 2020». هذا يعني أن التحديث الحالي سيبقى موجودًا لفترة أطول.
كل دولة تجري مثل عملية الإحداثيات هذه، لكن أستراليا تقع على الصفيحة التكتونية الأسرع حركة، وهو ما يعني المزيد من النشاط المنتظم. وقال جاكسا إن حقيقة كون الإحداثيات العالمية لا تعكس الحركة التكتونية، يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية على أي تكنولوجيا تستخدم تلك البيانات، على سبيل المثال في المستقبل، السيارات ذاتية القيادة.
وأوضح أن الإحداثيات الخاصة بتكنولوجيا تحديد المواقع العالمية (GPS)، التي نجدها في أستراليا، هي في الواقع مختلفة عن تلك الإحداثيات المحلية. وأضاف «إنها مشكلة بالنسبة لنا عندما نريد أن ندمج المعلومات ونرسم الخرائط المحلية مع النظم العالمية، مثل خرائط «جوجل»، أو خرائط «أبل» المستخدمة في الهواتف الذكية».
وقال «إنها ليست فقط السيارات ذاتية القيادة، ولكن أيضًا آلات الجر ذاتية القيادة، ومعدات التعدين، والطائرات بدون طيار، وحتى عمليات تسليم البيتزا، كل هذه الأمور يجري الآن تطويرها». وأضاف أن هذه الخرائط ليست مجرد رسومات على ورق، لكنها تعكس أمورًا دقيقة، تحدث في كل دقيقة حول العالم اعتمادًا عليها.
وأعرب عن أمله في أن يكون تعديل 2017، هو التحديث الأخير من نوعه، إذ يهدف مركز علوم الأرض في أستراليا – في نهاية المطاف – للانتقال إلى نظام ديناميكي يقيس إحداثيات العالم الحقيقي، باستخدام سرعة تحرك نقاط معينة في القارة.
الانجراف القاري وحركة القارات
في القرن السادس عشر، ظهرت لأول مرة نظرية الانجراف القاري، التي تشير إلى أن القارات تتزحزح عن بعضها البعض عبر المحيطات. بعد ذلك تم تعديل هذه النظرية إلى نظرية الصفائح التكتونية، التي تفترض وجود صفائح تكتونية على قاع المحيطات، والتي تتحرك ببطء لتفصل القارات عن بعضها البعض.
تدل نظرية الانجراف القاري، على وجود حركة نسبية لقارات الأرض في اتجاه بعضها أو ابتعادًا عن بعضها البعض، لتبدو كما لو أنها تتزحزح عبر قاع المحيطات. فكرة هذه النظرية جاءت نتيجة لملاحظات عدد من العلماء في القرون السادس عشر والثامن عشر والتاسع عشر، بأن شكل القارات على جانبي المحيط الأطلنطي، وبخاصة قارتي أمريكا الجنوبية وإفريقيا، تبدو كما لو كانت متطابقة. وقد افترض أورتيليوس أن القارتين الأمريكتين قد انفصلتا عن كل من أوروبا وإفريقيا، عن طريق زلالزل وفيضانات ضخمة.
وقد افترض عالم الجغرافيا البريطاني، ألفرد راسل والاس، عام 1889، أن هناك اعتقاد عام شائع بين علماء الجغرافيا وعلماء الجيولوجيا، بأن الشكل العام لسطح الأرض قد تعرض لتحولات مستمرة، وأن مواقع القارات والمحيطات العظمى قد تبدلت لمرات متعددة.
وكان العالم ألفريد فيغنر، قد قدم في السادس من يناير (كانون الثاني) 1912، فرضية جديدة إلى الجمعية الجيولوجية الألمانية، تقول إن جميع القارات كانت قارة واحدة عملاقة، قبل أن تنقسم وتنجرف إلى مواقعها الحالية. ورغم أن فيغنر اعترف بأنه اعتمد في نظريته على ملاحظات وأقوال علماء سابقين له، إلا إنه كان أول من قدم هذه النظرية بشمولية واسعة، وكان هو أول من استخدم مصطلح «الانجراف القاري».
فيغنر تمكن من تقديم الكثير من الأدلة على حدوث عملية الانجراف القاري وتزحزح القارات عن بعضها، إلا إنه لم يتمكن من تقديم تفسير مقنع لآلية التغيير، والعمليات الفيزيائية التي قد تكون قد أدت لهذا الانجراف.
الصفائح التكتونية
هي نظرية علمية، تصف الحركات الكبرى لغلاف الأرض الصخري (يشمل القشرة الأرضية والجزء العلوي من طبقة الوشاح)، والتي اعتمدت على مفهوم نظرية الانجراف القاري.
وتقول النظرية إن الغلاف الصخري للأرض، ينقسم إلى عدد من الصفائح التكتونية (وهي مشتقة من كلمة يونانية قديمة تعني بنيوي)، وهناك سبع أو ثمان صفائح كبرى، إضافة إلى العديد من الصفائح الصغرى. عندما تلتقي هذه الصفائح فإن حركتها النسبية تحدد نزع الحدود بينها، إذا ما كانت تقاربية أو تباعدية.
يذكر أن الزلازل والبراكين وتشكل الجبال والخنادق المحيطية، جميعها يحدث على حدود الصفائح التكتونية. وتتراوح الحركة النسبية لهذه الصفائح في المعتاد بين 0 إلى عشرة سنتيمترات سنويًا.
وتتشكل هذه الصفائح من غلاف صخري محيطي (قاع المحيط)، وغلاف صخري قاري أكثر سمكًا (اليابسة)، يعلو كل منهما قشرة أرضية خاصة بكل منهما.
وعلى طول الحدود، التي يحدث عندها تقارب بين صفيحتين، تغطس الصفائح إلى طبقة الوشاح، ويتم تعويض المادة المفقودة عبر تكوين قشرة محيطية جديدة، بين صفيحتين يحدث تباعد بينهما، وبالتالي تبقى مساحة الكرة الأرضية ثابتة لا تتغير.
القدرة على تحرك الصفائح، يأتي نتيجة لأن الغلاف الصخري للأرض أقوى من الغلاف الموري الذي ترتكز عليه (الغلاف الموري يمثل إحدى طبقات الوشاح الذي يمتد على عمق بين 100 إلى 200 كيلومتر تحت سطح الأرض، وهي طبقة صلبة لكنها سهلة التشكل، وتعتبر الطبقة الأضعف في الغلاف الصخري للأرض).
هناك العديد من العوامل، التي يعتقد العلماء بأنها السبب وراء حركة الصفائح التكتونية، مثل حركة قيعان المحيطات بعيدًا عن الرصيف القاري، نتيجة التغير في كثافة القشرة الأرضية بسبب تيارات الحمل، وبسبب المقاومة المائية وعمليات الشفط أسفل مناطق اندساس الصفائح. والبعض يحيل تفسير هذه الحركة إلى القوى المختلفة، التي تنتج عن دوران الكرة الأرضية وقوى المد والجزر الخاصة بالقمر والشمس.
لكن لم يتمكن العلماء حتى الآن، من تقديم تفسير واضح للسبب وراء هذه الحركة وسبب بدايتها من الأساس.