مرة أخرى
جمال البنا يكتب عن القرآنيين

في الأربعاء ١٨ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

قبضت السلطات أخيرًا علي مجموعة أطلقت عليهم «القرآنيين» تمهيدًا لمحاكمتهم بتهمة ازدراء الأديان.

وقد ظهر «القرآنيون» في مصر في العقد السابع من القرن الماضي وكان صاحب الفكرة هو الدكتور أحمد صبحي منصور، وهو مفكر، وأزهري متمكن، يؤمن أن القرآن الكريم يكفينا، وانتهي به اجتهاده إلي أن ما يطلق عليه السُـنة ليس هو السُـنة، وإنما الأحاديث، أما السُـنة فهي عمل الرسول، لأن كلمة سُـنة تؤدي هذا المعني، ولا يمكن أن تكون بمعني الأحاديث، وأن السُـنة العملية، أي الطريقة التي كان الرسول يصلي بالمسلمين بها،

أو الطريقة.. إلخ، هذا كله مسلم به معروف ومجمع عليه ولا خلاف فيه، ولكن الخلاف هو الأحاديث التي اصطنعها أعداء الإسلام وأصحاب المصالح، ودق علي الأسلاف رغم جهودهم البطولية الإلمام بها، وكانت بعض هذه الأحاديث الموضوعة سببًا في تخلف المسلمين، ولما أعلن الدكتور صبحي منصور عن فكرته تعرض لمضايقات عديدة، خاصة بعد أزمة مركز بن خلدون، فهاجر إلي أمريكا، واستقر بها.

وقد ظن بعض الناس أني ــ من كثرة دعوتي لتنقيح السُـنة وتطهيرها مما ألحق بها من موضوعات من «القرآنيين» الذين ينكرون السُـنة، ولما كان هناك فرق، فقد كتبت في مجلة «ابن خلدون» وكان يؤوي بعض منكري السُـنة مقالاً بعنوان «قرآنيون.. ومحمديون أيضاً» بينت لهم أن تجاهل السُـنة (القولية) كلية لا يمكن أن يستقيم، وأن المهم هو ضبطها بمعايير من القرآن.

بعد كتابة هذا المقال فوجئت بأن نشر موقع إلكتروني «شفاف» أو «إيلاف» مقالاً كبيرًا تحت عنوان «قرآنيون فقط مع كل الاحترام للأستاذ جمال البنا» باسم مستعار «الزياني القرآني» جاء فيه:

«القرآنيون أو أهل القرآن لم يظهروا علي مسرح الأحداث فجأة أو في العصر الحديث، كما قد يفهم من قولكم «ظهور القرآنيين»، بل كان وجودنا متواصلاً في المجتمع الإسلامي منذ اليوم الأول للإسلام، فيجب التفريق بين من يدعو اليوم للأخذ بالقرآن فقط نتيجة قرار شخصي توصل إليه بناء عن قناعة شخصية، وبين أهل القرآن الذين تلقوا المذهب عن مشايخ نقلوه عمن سبقهم من مشايخ وعلماء لأهل القرآن جيلاً بعد جيل،

وأنا من تلك الفئة الأخيرة، فقد تلقيت علم المذهب القرآني علي يد مشايخ أجلاء من أهل القرآن، توارثوا المذهب جيلاً بعد جيل من العلماء والمشايخ، وقد درست علي أيدي أولئك المشايخ الأجلاء، في لقاء أسبوعي يدوم من ثلاث إلي أربع ساعات متواصلة لمدة ٥٢ أسبوعاً في العام، دون عطلة ولمدة أربعة أعوام بالإضافة إلي وجوب المتابعة والنظر في النصوص خلال باقي أيام الأسبوع،

وقد أُجِزتُ، بضم الهمزة، من قبلهم في المشورة والاجتهاد، واليوم بجانب عملي في حقل تخصصي التقني، فإنني أيضا أتولي تعليم المذهب القرآني لمجموعة صغيرة تزيد علي المائة بقليل من رجال ونساء، فضلا عن مشاركتي في التباحث وتبادل الآراء مع بعض علماء أهل القرآن، وتقوم زوجي أي زوجتي بلغة اليوم، بجانب عملها التقني في مجال تخصصها، بتعليم العديد من الفتيات والسيدات، أحكام المذهب القرآني، مما يسمح لي بالتعليق علي مقالكم القيم.

إننا كقرآنيين، نرفض رفضاً تاماً الحديث النبوي، أي حديث، لأسباب لا مجال لذكرها هنا قد تسبب إحراجا للبعض وتوترا لا ضرورة له بيننا وبين أهل الحديث من السُـنة والوهابية والشيعة والإباضية والصوفية وأهل الظاهر وغيرهم، ونحن لا نريد توترًا، خاصة أن بعض أهل الحديث يعدون العنف مع من خالفهم أمراً مشروعًا، وقد تلقيت شخصيا تهديدات بالقتل علي بريدي الإلكتروني، وما حدث مع الأسرة المصرية المسيحية في الولايات المتحدة ليس ببعيد، والتي ذبح جميع أفرادها بوحشية تقشعر لها الأبدان،

فقط لأن الوالد كان يدخل في نقاشات ساخنة مع بعض أهل الحديث في «البالتوك»، وقد علمنا مشايخنا الأجلاء أن نخفي مذهبنا اتقاء للقمع الذي كان فيما مضي قمع السلطات الحاكمة، أما اليوم فإنه قمع مزدوج من السلطات التي تهادن الجماعات الأهلية المتطرفة، ومن المتطرفين، فـ«التقية» حلال بنص القرآن، وأنا شخصيا أعلمها لتلامذتي من النشء القرآني، حتي يحفظوا علي أنفسهم حياتهم .

كما لا أريد أن أحرج أحداً من القائمين علي أمر هذا الموقع الرائع، لأن الحديث عن الحديث النبوي وأسباب رفضنا لـه علي الإطلاق، أمر يدخل في صلب إسلام أهل الحديث، ورفضُهُ يهدم الجزء الأكبر من مذاهبهم .

علي أن هذا لا يمنعني من أن أعلق علي بعض النقاط في المقال، فقد ذكرتم في المقال رأي المعتزلة، ومع تقديرنا للمعتزلة فإننا لا نتفق معهم، ولسنا منهم وليسوا منا، كما أن الخوارج أو الشراة، ليسوا بأهل القرآن، بل إنهم من أهل الحديث أيضا، وإن انبثقوا عن أهل القرآن وخرجوا منا، إلا إنهم انحرفوا عن جادة الصواب والحق ولزموا طريق الحديث وتبنوا العنف الذي يرفضه أهل القرآن تماما إلا أن يكون دفاعا عن حياة المرء فقط، ونقول فقط، فلا حروب مقدسة عندنا، فنحن أهلُ سلمٍ بناءً علي نص القرآن، سواء كنا في حالة ظهور أو حالة تقية الأمر سيان لدينا، السلم السلم، وقد عشنا أكثر من ألف وأربعمائة عام دون أن نؤذي أحداً أو نسفك دماء مسلمٍ مخالف أو غير مسلم، لذا فإن الخوارج ليسوا حجة لدينا.

إننا نرفض الحديث والسيرة والتفاسير، بل وعلم النحو والصرف السيباوي ونأخذ فقط بظاهر النص القرآني دون اجتهاد أو تفسير باطني، ولا نتفق مع سيادتكم في الأخذ ببعض الحديث ورفض البعض الآخر، لأن قبول حديث واحد، هو كقبول الباقي، لأن المعيار مطاط، فما قد تراه سيادتكم مرفوضاً مرذولاً، قد يراه غيركم حسناً مقبولاً، إن قبول حديث واحد في رأي مذهبنا، هو كحصان طروادة، الذي سيجرنا إلي أن نصبح من أهل الحديث، وهو أمر لا نقبله مع احترامنا لهم، وهو الأمر ذاته الذي حدث مع الخوارج أو «الشراة» عندما بدأوا في تبني أحاديث قليلة ثم توسعوا في الأمر حتي عُدّوا عندنا من أهل الحديث وخرجوا عن صراط الحق.

كذلك فإننا نختلف معكم في قولكم، فلا يمكن استبعاد السُنة تماماً كما يتصور القرآنيون، نقول بل يمكن، وقد عشنا أكثر من ألف وأربعمائة عام دونها، والقرآن في معتقدنا وافٍ وكامل بنص القرآن، والمجال لا يتسع لذكر النصوص الدالة علي ذلك.

إننا نختلف عنكم يا أهل الحديث في كثير من الأمور، وسأذكر أمثلة: نحن نرفض الحجاب للمرأة، والمرأة مطالبة فقط بستر عضوها التناسلي، بشرط ألا تستخدم تلك الرخصة لإثارة الغرائز، ولنا في كيفية الحكم علي إثارة الغرائز رأي لا مجال لذكره، ولا عورة للرجل علي الإطلاق.

ونحن نرفض قطع يد السارق بنص القرآن، ولا يوجد زني علي الإطلاق، ولسنا كالبعض الذين يرون أن الجــلد هو العقاب القرآني للزني، بل لا يوجد زني في القرآن، ويحرم البعض من أهل القرآن الزواج بأكثر من زوجة، ويحلُّ جميع أهل القرآن زواج المتعة، ونحل الوهب، وملكية اليمين التي استفاض في شرحها أهل القرآن كوجهٍ من وجوه المعاشرة بين الرجل والمرأة، وليس كنوع من العبودية، ولنا آراء في موضوع العدة، ورأي البعض من أهل القرآن أنه لا تحريم للحم الخنزير والخمر،

ورأي الجميع أنه لا عقوبة علي الجنس بين الذكور، ولا تحريم للتخنث ولا تحريم للمثلية الجنسية بين الإناث، وغير ذلك من الأمور التي تشغل الرأي العام هذه الأيام سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا والولايات المتحدة، ويساوي بعض أهل القرآن بين المرآة والرجل في الميراث، ولا نرفض ولاية المرأة، ولا عقوبة لَتارِكِ الإسلام، ونرفض القول بأن غير المسلم ذِمّي، بل هو مواطن كامل له نفس حقوق المسلم دون انتقاص، كما عليه نفس واجباته في المجتمع المدني .

أما الصلاة فإن شرحها يطول، وهناك أمور كثيرة لا مجال لشرحها هنا سواء لأن الموقع ليس موقعاً دينياً، بل موقع تبادل للآراء المستنيرة، وأيضًا حتي لا نتعرض للهجوم أو القتل، لأن الكثير مما قلناه ومما لم نقله يخالف تمامًا أهل الحديث من سائر المذاهب.

مع العلم أن قرآننا هو قرآن أهل السُــنة من أهل الحديث وليس قرآناً مختلفاً، بل إن مصاحفنا التي نستخدمها في التعليم مطبوعة في المملكة السعودية.

إننا كقرآنيين ننظر للمستقبل بتفاؤل كبير، ونري أن المستقبل في الإسلام هو للمذهب القرآني، فبزيادة التعليم والاستنارة بين الأجيال الجديدة، يصبح المستقبل للقرآن، مثلما يحدث اليوم للبروتستانتية في أمريكا اللاتينية والتي يزداد اعتناقها مع انتشار الحرية والتعليم والتحسن الاقتصادي، وكان خطا المنحني بين الليبرالية والبروتستانتية متلازمين، والمذهب القرآني مشابه للبروتستانتية في تمسكه بالنص المقدس فقط دون تقاليد متوارثة أو قوانين شفوية، ولكن هو الأقدم، فالمستقبل لنا، وكما صمدنا أكثر من ألف وأربعمائة عام في طي الكتمان، فسوف نستمر إلي النهاية، ولكن في العلن، فالحرية بدأت تطرق أبواب الشرق الأوسط» انتهي.

أثار هذا الرد دهشتي وكتبت ردًا علي «الزياني القرآني» أستوضحه بعض النقاط، ولكنه لم يرد .

القرآنيون بهذا المعني لا يوجدون فيما أعلم ــ في مصر ــ والرجل يتكلم عن مجموعة لا تـُعرف مقارها، كما أنه من الصعب التسـليم بكل ما جاء في كلامه، أما الذين أطلق عليهم «القرآنيون» في مصر فإنهم يسلمون بالسُـنة الفعلية عن الرسول ونكرانهم للسُـنة يتركز حول الأحاديث التي تخالف القرآن أو العقل أو المروية عن كعب الأحبار أو المنقولة عن الإسرائيليات، وهم لا يتجاوزون أصابع اليدين وفكرتهم رغم شذوذها ليس فيها شيء من ازدراء الأديان، وهناك فتوي معروفة أصدرها الشيخ عبد الله المشد رئيس الفتوي في الأزهر «بأن من أنكر حجية السُـنة فإنه لا يكون كافرًا لأنه أنكر أمرًا مختلفاً فيه»، لأن السُـنة ظنية الورود، وبالتالي فلا يمكن القطع بها، وقد أوردنا في بعض كتبنا نص هذه الفتوي .

علي أنه لو كان لمنكري السُـنة في مصر آراء أخري ــ وهو ما أنفيه ــ لما كان هذا يسوغ القبض عليهم وحبسهم وتقديمهم للمحاكمة، فالفكر حر، ولا يرد علي الفكر بالسجن والعقوبات، ولكن بالحجة والبرهان، ونحن نحاول من ثلاثين عامًا منذ أن ظهر أول مشروع قانون للردة تفنيد دعوي حد الردة، وكل صور الإكراه في مجال الفكر دون جدوي، فلا إعمال للعقل ولا تفكير، ولكن التسليم المطلق لما ألفينا عليه آباءنا .

 

اجمالي القراءات 14961