عيد بأى حال عديت يا عيد"، لم يدرِ المتنبى عندما قالها، إنها ستكون لسان حال اﻷهالى فى القرن الحادى والعشرين، الذى يأتى عليهم العيد وأحد ذويهم خلف الأسوار، ويبقي المحبوس بالداخل لا يملك إلا تخيل قضاء العيد مع أقرانه وأهله، والآخر حبيس بالخارج يتوارى من الناس، يحمل بين أضلعه قلبا يئن من الأسى والحزن، هكذا هو العيد بالنسبة للمحبوسين وأهاليهم.
محاولات داخل السجون لرسم جو من البهجة داخل زنزانة قد لا تتجاوز مساحتها تسعة أمتار لكنها في الغالب لا تنجح، فحتى من خرج منهم مازال يحمل أسى التجربة بداخله،لا يستطيع الشعور بفرحة العيد.
زنازين مغلقة
سمر إبراهيم، أحدى المفرج عنهن في قضية تظاهرات الإتحادية، تصف العيد في السجون بساعتين تريض فقط في الصباح الباكر، وإغلاق باب الزنازين عليهن طوال الأيام التالية.
تشير سمر إلى أن الزيارة خلال أيام العيد لم تكن تتعدي 10 دقائق، لتبدأ بعدها شد وجذب مع إدارة السجن بسبب قصر الوقت لكن الحجة دائما كانت رغبتهم في إنهاء الزيارة والإنصراف من السجن، بحد قولها.
تتابع سمر :”العيد اللي في السجن إنك تسمع تكبيرات العيد من بعيد اوي ويبقي نفسك تخرج تصلي بس تفتكر إن الباب مقفول".
بنحاول نمثل
“معتقدش حد كان جوه السجن وخرج هيقدر يعيش العيد ده بصورة طبيعية"، هكذا وصف أحمد مصطفى، حاله بعد أن قضى العيدين الماضيين داخل السجن، وينتظر قضاء هذا العيد وسط أهله، فأحمد استقر داخل الزنزانة لمدة عام و3شهور، وذلك بعد القبض عليه فى 24 يناير 2014، أثناء مروره بالقرب من مسيرة قامت قوات الأمن بفضها، وفى النهاية حفظت النيابة القضية لعدم كفاية الأدلة.
"بنمثل على نفسنا" بتلك الكلمات رسم أحمد وضع المعتقلين مع حلول العيد ، حيث يحكى، أنه فى أول عيد مر عليه داخل زنزانته استيقظ مبكرا، وأدى صلاة العيد، إضافة إلى محاولة خلق جو احتفالى بمشاركة رفاق السجن بترديد أغانى العيد وتقديم التهنئة لبعضهم البعض.
رفض أحمد بحلول العيد الثانى عليه داخل زنزانته أن يستمر فى التمثيل على نفسه- حسب قوله- قائلا :" مش همثل على نفسى وأقول إنى فرحان"، مشيرا إلى أنه قضاه نائما فى محاولة للهروب من إحساس التمثيل على نفسه أنه سعيد فى الوقت الذى يشعر أن كل شىء حوله مقيد وليس حريته فقط.
دائرة كبيرة يفكر بها المحبوسين تحول كافة المناسبات المبهجة إلى ألم يعتصرهم، فاﻷمر حسب قول أحمد، لا يقتصر على قضائهم العيد داخل السجن بعيدا عن ذويهم، والتفكير فيمن يرتبطون بهم فى الخارج، وأنهم لا يشعرون بالفرحة لأنه مسجون، موضحا أن عيدهم بالسجن يحرمون فيه من كل شىء حتى ساعة التريض المتنفس الوحيد لهم ، ويصبح عيدهم بزنازين مغلقة، وكبت وقهر، وسط أجواء من التوتر لا يعلمون أسبابها، تفرضها عليهم إدارة السجن وتمنع عنهم الزيارة.
ينهى أحمد حديثه:” خرجت، بس سايب ناس جوة تعيش نفس الإحساس اللى عشناه العام الماضى، والاختلاف الوحيد أننى لست معهم، وأى احتفال منى بالعيد سيكون خيانة".
عيد بالتأديب
أيمن موسي، أحد الطلاب المحكوم عليهم بالسجن 15 عاما في قضية أحداث الأزبكية، لم ترو رسائله عن العيد سوي قضائه في زنزانة التأديب الإنفرادية، واصفا الزنزانة :”المكان مظلم كروحي، ضيق كأنفاسي، قذر كجسدي الذي لم يمسه الماء منذ أيام".
لم يكن العيد يمثل لأيمن سوي يوما مضي، لم يسمع شيئا سوي أذان تيقن من أنه أذان الفجر عندما تلته تكبيرات العيد، متابعا :” فاضت عيناي من الدموع كفيضان الأنهار، أسمع التكبيرات بوضوح من بعيد، من العنابر المجاورة، من عند زملائي.. زملائي الذين صاروا عائلة أخرى لي.. حرمت من عائلتين هذا العيدـ، "عيد سعيد" ناجيت بها روحي.. قبل أن تُعدَم".