يعيش المحتجزون داخل السجون المصرية أوضاعًا صعبة، تتضمن افتقاد هذه الزنازين للشروط الآدمية بداخلها، إلى جانب سوء الرعاية الصحية بها، وعدم السماح بإدخال الملابس أو الأطعمة لهم، من جانب ذويهم. وتتزامن هذه الأوضاع المعيشية الصعبة للمحتجزين مع انتهاكات أشد، تشمل تعذيبًا جسديًّا ونفسيًّا، ينتهي غالبًا بوفاة المئات منهم.
السجون المصرية: الداخل مفقود
تقف أسباب متنوعة وراء ارتفاع أعداد الوفيات داخل السجون المصرية، منها تكدس المحتجزين داخل الزنازين، بنسب تتجاوز الحد الأقصى للزنزانة الواحدة، وهو أمر يؤكده التقرير الصادر من المجلس القومي لحقوق الإنسان، التابع للحكومة المصرية، راصدًا تعرض السجون والمعتقلات المصرية «لتكدسات مخيفة من المتهمين»، على حد قوله، تكدسات تتجاوز نسبتها الـ160%، بينما تبلغ نسبة التكدس في أقسام الشرطة حوالي 300%، وفقًا للتقرير.
وتقف عدة أسباب رئيسة وراء ارتفاع عدد الوفيات، كتدهور الأوضاع المعيشية والصحية داخل السجون والمعتقلات، فضلًا عن سوء الرعاية الصحية بها، واستخدام التعذيب والعنف والقوة الواضحة.
وتتضمن الصعوبات، التي يواجهها المحتجزون، نقصًا شديدًا في الملابس والأغطية والأطعمة المختلفة، لعدم سماح السلطات بدخول كل ذلك إلا في أحيانٍ قليلة جدًّا، لا تتناسب مع عدد المحتجزين، بالإضافة إلى أنها لا توفرها لهم بداخل السجون.
وينتهي مزيج الأوضاع المعيشية الصعبة داخل الزنازين، وغياب الرعاية الطبية للمحتجزين، وانعدام التهوية، بجانب تكدسهم الشديد، إلى حالات عديدة من الإصابة بأمراض معدية، أبرزها الأمراض الجلدية مثل «الجرب»، وفيروسات البرد أيضًا، وهي الأكثر انتشارًا في السجون، نتيجة تردي ظروف الإعاشة، بجانب تعرض الكثير منهم للإصابة بفيروس الالتهاب الكبدي «C»، وبعضهم لأمراض السرطان، مع معاناتهم أمام الإهمال الطبي، من حيث توفير الأدوية، أو نقلهم إلى المستشفيات لتلقي الإسعافات وجلسات العلاج اللازمة.
تستوعب الزنازين، المتواجدة في أغلب السجون المصرية، أعدادًا تتراوح بين فرد لـ 10 أفراد، كحدٍّ أقصى، بينما يُظهر الواقع عكس ذلك، إذ توضح تجارب محتجزين سابقين، أن عشرات من الأشخاص محتجزون داخل زنازين لا تتجاوز مساحتها ثلاثة أمتار مربعة.
ويوضح هؤلاء المحتجزون السابقون أيضًا مدى صعوبة التهوية بالداخل، حيث تصبح كمية الهواء قليلة مع الأعداد الكبيرة، وعدم وجود منفذ تهوية إلا فتحة صغيرة، يتم غلقها في أحيان كثيرة كعقاب جماعي لمن بالداخل، بجانب عدم توفر أدوات ومواد النظافة، وعدم تلاؤم الملابس التي يرتديها المحتجزون مع المناخ وفصول السنة المختلفة.
كذلك تنضم لقائمة الصعوبات، غياب مراحيض داخل أماكن الاحتجاز، واضطرار المحتجزين للانتظار لفترات طويلة، كي يتمكن المحتجز من استخدام المراحيض بخارج الزنزانة، وصعوبة التريض خارج الزنزانة بالطبع، وعدم تقسيم المساحة في الغرف الجماعية بشكل عادل، وبأسلوب غير تمييزي.
عامان في عهد «السيسي»: 700 حالة تعذيب و474 حالة وفاة
يُظهر توثيق مركز النديم، لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، بلوغ عدد الوفيات داخل السجون، خلال عامين من حُكم الرئيس ذي الخلفية العسكرية، عبد الفتاح السيسي، إلى 474 حالة، من بينهم 137 حالة وفاة داخل مراكز الاحتجاز، و328 نتيجة ممارسات الشرطة العنيفة مع المحتجزين، وبلغت حالات التعذيب 700 حالة موثقة داخل السجون المصرية.
يوضح الرصد التوثيقي كذلك، أن حالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز كان من بينها 81 حالة إهمال طبي، و39 حالة تعذيب، وخمس حالات انتحار، بينما تضمنت وسائل التعذيب للسجناء: الصعق بالكهرباء، والحرق بالسجائر وإطفاءها في أجزاءٍ مختلفة من أجسادهم، والتعليق من الساعدين أو القدمين لساعات طويلة، والهجوم بالكلاب البوليسية، والتعرية، والإغراق في الماء شديد البرودة أو السخونة.
وتنوعت حالات الإهمال الطبي، مما أدى إلى الإصابة بأمراض الكبد والطحال، ونزيف وارتشاح في الرئة، وأزمات صدرية، وأمراض القلب، وضمور الأطراف، وأمراض الكبد والكلى، وانتشار الجرب، والانفصال الشبكي، والانهيار العصبي، والتسمم من أطعمة السجن، والتهاب الزائدة الدودية، والتهاب الغدة النكافية، والتهابات حادة في المعدة، والرئة، والربو الشعبي، والتهاب كبدي، وصفراء، وتوقف العلاج الطبيعي في حالات الكسور والخلع وغيرها من الأمراض والمضاعفات، بحسب التقرير.
بينما ذكر تقرير صادر من منظمة هيومان رايتس ووتش، تعرض 41 ألف شخص لاعتقال أو اتهام أو محاكمة، بناءً على أسباب سياسية، من قبل السلطات المصرية، في الفترة بين يوليو (تموز) لعام 2013، ومايو (أيار) لعام 2014.
وتأتي القيادات المنتمية لأحزاب الإسلام السياسي في مصر، في المرتبة الأولى من حيث تعرض أعضائها لحالات وفاة، خلال العامين الأخيرين، حيث رصد «ساسة بوست» وفاة كلّ من: فريد إسماعيل، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، في شهر مايو (أيار) الماضي، ونبيل الغربي، أقدم سجين سياسي في مصر، ومرجان سالم الجوهري، عضو «مجلس شورى تنظيم الجهاد» في مصر سابقًا، وطارق الغندور، أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية في كلية الطب، بجامعة عين شمس، المتوفى في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، لعام 2014، نتيجة إصابته بنزيف حاد بدوالي المريء داخل السجن، على خلفية اتهامات ذويه لإدارة السجن بالإهمال الطبي، مما تسبب في وفاته.
وخلال العام الماضي توفي أربعة مساجين سياسيين هم: «الشيخ عزت السلاموني»، في سجن طرة، نتيجة الإهمال الطبي، بعد إصابته بانسداد في الأمعاء، وأحمد غزلان، المعتقل في سجن الأبعادية، على خلفية اتهامه بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، ومرجان سالم الجوهري، عضو «مجلس شورى تنظيم الجهاد في مصر» سابقًا، في معتقله بسجن العقرب، بسبب ما وصفه ذووه بـ«الإهمال الطبي».
قصة سجين مصري مات في زنزانة
على مدار ست ساعات متواصلة، كانت قوات الشرطة المصرية قد نجحت في فض ميدان النهضة، من مئات المعتصمين، المُطالبين بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي للسلطة، وتفرقت سبلهم بين من لقي حتفه، جراء طلقات الرصاص، أو من نجا بنفسه فارًا من هذه الاشتباكات، أو من وقع محتجزًا لدى قوات الأمن المصرية.
«علاء عبد الغفار»، 29 عامًا، كان واحدًا ممن انتهى بهم الأمر للاحتجاز، من جانب قوات الشرطة، في زنزانة من ضمن ثماني زنازين، بقسم دار السلام، مُتهمًا بـ«الانتماء لجماعة إرهابية»، و«مقاومة السلطات»، مع 365 شخصًا آخرين، في حين أن الزنزانة تتسع لـ160 فردًا فقط.
ظل «عبد الغفار» حبيسًا في زنزانته عامًا كاملًا، قبل أن يصدر في حقه حكمًا بالحبس، بالتزامن مع تعرضه لمرض التهاب الكبد الوبائي. وتحكي عفاف عبد العزيز، والدة محمد، في تصريحات لـ«ساسة بوست»، وقائع تدهور صحته في الزنزانة: «بدأت تظهر عليه عوارض التدهور الصحي، من اصفرار وجهه وإصابته بإعياء وإسهال دائم».
وتضيف: «تعنتت إدارة السجن في نقل ابني للمستشفى، مع استمرار نفس الظروف الصحية السيئة، من عدم توافر عوامل النظافة الشخصية، واستخدامه أمواس حلاقة مُستخدمة من جانب الموجودين معه، وعجزه عن الحصول على الماء اللازم للاغتسال، وتعرضه للتعذيب الجسدي، وانتهى به الأمر لدخوله في غيبوبة كبد، اضطرتهم لنقله لمستشفى، لم يكمل فيها يومين قبل أن يموت».
ارتفاع أعداد وفيات المحتجزين داخل السجون والمعتقلات، أو أقسام الشرطة، مُعرض للاستمرار في ظل عدم وجود تفتيش دوري، من قِبل جهة محايدة ومستقلة لأماكن الاحتجاز، وعدم وجود آلية عقاب للأفراد المرتكبين لهذه الانتهاكات في وزارة الداخلية، إلى جانب ما يبدو وكأنه «تشجيع السلطة الحالية» لهذا الأمر، واعتبار هذه الانتهاكات «حصانة» لاستمرار وجودها في الحُكم.