الطبقة الحاكمة بالبحرين تمارس سياسة التطهير ضد الشيعة
الطبقة الحاكمة بالبحرين تمارس سياسة التطهير ضد الشيعة

في الأحد ٢٦ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

اتهم مدير مركز البحرين لحقوق الإنسان الطبقة الحاكمة في البحرين بممارسة سياسة التطهير ضد أبناء الطائفة الشيعية. ونفى نبيل رجب في حوار خاص مع "آفاق" أن يكون الخلاف القائم في البحرين خلاف عقائدي بين السنة والشيعة، مؤكدا أنه خلاف بين الشيعة وهم الجزء الأكبر من السكان وبين النظام الحاكم في البلاد.

وجدد رجب تحذيره من أن تؤدي سياسة التهميش إلى مزيد من التوتر وأعمال العنف. وأشار إلى تجاهل السلطات لكل التحذيرات والمناشدات والتوصيات الدولية. وأعرب عن قلقه من مضي الدولة قدما في سياسة التهميش التعليمي والاقتصادي والسياسي والثقافي، التي قال إنها تسير "بوتيرة أسرع".

وعن أسباب طرح المركز لملف التمييز في البحرين في هذا الوقت قال رجب "إن طرحنا هذا التقرير نتيجة إدراكنا لخطورة الوضع الحالي في البحرين، واحتمالية تحوله إلى نزاع عنيف في أي وقت".

وقلل رجب من شأن المزاعم التي تتحدث عن ولاء الشيعة البحرينيين لإيران قائلا "إذا كانت هذه المزاعم صحيحة فيعني أن نظام الحكم في البحرين يعاني من أزمة شرعية، إذ أن 70% من السكان في البحرين غير موالين له، لكن القصة ليست كذلك".

وأضاف "الطبقة الحاكمة تعمل على الاستفادة من الخلافات الدولية لتكريس ظلمها للشيعة، والآن تعمل على الاستفادة من العلاقات المتوترة بين إيران والولايات المتحدة لتسوق موضوع مولاة الشيعة لإيران، ولكن إلى متى ستتغذى السلطة على تلك الخلافات والتناقضات الدولية، لتكريس ظلما لشعبها؟ وهل هناك من يضمن بأن خريطة العلاقات الدولية والإقليمية ستكون كما هي دائما؟".

ولمح رجب إلى إمكانية أن يلجا بعض الشيعة إلى إيران في حال استمرار سياسة التمييز وقال "إن كنا لا نريد الأمور أن تسير بهذا الاتجاه فعلينا إصلاح بيتنا الداخلي، الآن وليس غدا، فالوقت في ظل المتغيرات الدولية صار يداهمنا".

وفيما يلي نص الحوار:
آفاق: هل هناك خلاف شيعي سني في البحرين؟
رجب: أولا لابد أن ن أوضح أن الخلاف القائم ليس خلاف شيعي سني مذهبي أو عقائدي على الإطلاق، وإنما خلاف بين الشيعة وهم الجزء الأكبر من السكان الأصلين وبين النظام الحاكم في البحرين، بسبب سياسته في التمييز والتهميش والفصل الطائفي. تحاول السلطة جاهدة أن تصوره وكأنه نزاع بين الشيعة والسنة بل إنها تدفع به ليكون كذلك إلا أن الواقع غير ذلك تماما، وأن أبناء الطائفتين واعيين ولا يرغبون في الانسياق لذلك .

إن المجتمع البحريني يمتلك درجة عالية من التسامح الديني والتعايش بين جميع مكوناته على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والاثنية، بل اننا نفتخر بهذا المزيج من المعتقدات والتجانس الاثني الذي ساهم وأثرى في بناء الحضارة والثقافة السائدة في البلاد مند مئات السنين.

آفاق: ما هو موضوع تقرير مركز حقوق الإنسان وما هي أهم نتائج هذا التقرير؟
رجب: هذا هو تقرير التمييز الطائفي لسنة 2008، أي الثاني، وقبله كان هناك تقريرنا الأول في سنة 2003. أما عن أهم النتائج التي احتواها تقريرنا الثاني، فهي حقيقة أنه في حين أن الشيعة يشكلون حوالي 70% من مجموع السكان إلا إنهم يتسنمون 13% فقط من الوظائف العليا في البحرين، واغلبها في الوظائف الخدمية أو المؤسسات غير السيادية، وفي الكثير من تلك المؤسسات الحكومية يشكل أبناء الشيعة ما نسبته صفر في المائة من الوظائف العليا، فعلى سبيل المثال لا الحصر يشكل الشيعة نسبة صفر في المائة في الوظائف العليا للوزارات والمؤسسات التالية:

1- مجلس الدفاع الأعلى 2- ووزارة الداخلية 3- الحرس الوطني 4- المؤسسة العامة للشباب والرياضة 5- وزارة الدفاع 6- الديوان الملكي 7- ديوان ولي العهد 8- وزارة شؤون مجلس الوزراء 9- الجهاز المركزي للمعلومات 10- جهاز المساحة والتسجيل العقاري.

كما لوحظ أن أبناء الطائفة الشيعية يشكلون 5% فقط من السلك القضائي و 16% من السلك الدبلوماسي 7% في وزارة المواصلات و18 % من المحكمة الدستورية و% 10 من وزارة المالية و 6% في وزارة الإعلام.

أما بخصوص الحقائب الوزارية فلا يوجد الآن في الحكومة الحالية سوى خمسة وزراء من أبناء الطائفة الشيعية من بين 25 وزيرا وثلاثة من هؤلاء الخمسة بدون وزارات أو مكاتب وإنما وزارات شكلية فقط. وهذه اقل نسبة للشيعة في أي حكومة ومند استقلال البحرين.

ويعتبر المجلس الأعلى للدفاع أعلى هيئة أمنية بالبلاد معنية باتخاذ القرارات أثناء الأزمات، ويتشكل هذا المجلس من 14 عضوا من أفراد الأسرة الحاكمة، يرأسهم ملك البلاد ويضم في عضويته رئيس الوزراء وولي العهد ورؤساء الوزارات السيادية. وبناء على تقريرا صدر بعام 2006 من قبل المستشار السابق في حكومة البحرين الدكتور صلاح البندر، أن المجلس الأعلى للدفاع مسؤول عن تأسيس خطة أمنية سرية تعتبر أن الشيعة خطرا على النظام الحاكم، وبناء عليه تم تأسيس شبكة سرية من أجل تهميش الشيعة في جميع أوجه أو مظاهر الحياة.

آفاق: ألا تعتقد بأن النسبة المتدنية مرتبط بعامل الكفاءة ومستوى التعليم؟
رجب: كانت السلطة تنفي وجود التمييز تماما في بادئ الأمر، إلا أن التقرير الذي أصدره مركز البحرين لحقوق الإنسان في عام 2003 قد شكل صدمة للشارع البحريني لما احتواه من معلومات عن التمييز. ومند ذلك الحين دأبت السلطة الى تغيير إستراتيجيتها الدفاعية في هذا الصدد، فبعد أن كانت تنفي وجود التمييز أصلا صارت تحاول تثبيت مقولة نقص الكوادر والكفاءات بين أبناء الطائفة الشيعة وتدني مستوياتهم التعليمية. هذا ما تحاول السلطة تمريره مؤخرا لزوارها من الأجانب والمؤسسات الدولية.

وفي حين إننا لا نقبل هذه الأعذار والحجج المنافية للمنطق إلا إننا بحثنا في ذلك أيضا ووجدنا أن نسبة أبناء الشيعة في لوائح شرف المتخرجين من مدارس الثانوية لعام 2006 و2007 تعادل حوالي 78%، وهذه نسبة عالية تفوق نسبتهم من السكان أيضا، والجدير بالذكر أن تقرير الخارجية الأمريكية بأن 70% من طلبة الكليات هم من أبناء الشيعة.

إذا هناك خلل واضح وفراغ كبير في نسب وأعداد المتفوقين والمتعلمين من الشيعة وبين اشغالهم في المؤسسات الحكومية. وأضيف أن أوجه التمييز في البحرين متعدده ولا تقتصر على ما ذكرنا، فهناك تهميش في توزيع البعثات الدراسية، وفي بناء دور العبادة، وفي التعامل مع ملف البدون، حيث لازال هناك الكثير من البدون الذين لم يحصلوا على الجنسية البحرينية، علما بأنهم ولدوا وترعرعوا في هذا البلد في وقت تقوم فيه السلطة بجلب آلاف من قبائل الأردن وسوريا واليمن وبلوشستان وباكستان، ومن ثم توزيع الجنسيات عليهم وتوظيفهم في أجهزة الأمن المختلفة رغم عدم استحقاقهم، في الوقت الذي يتم حرمان المواطن البحريني من سكان البلاد الأصلين من هذه الوظائف والامتيازات.

آفاق: ما هي أسباب طرح ملف التمييز الآن؟
رجب: أصدر مركز البحرين لحقوق الإنسان في سنة 2003 تقريرا يتحدث عن التمييز الطائفي وحذر فيه من انجرار الساحة إلى العنف إذ لم تضع السلطة حدا لهذه السياسة، وفي سياق متصل بالموضوع، أصدرت مجموعة الأزمات الدولية ومقرها في بروكسل تقريرا حذرت فيه من خطورة الوضع، إلا أن الحكومة أغلقت مركز البحرين لحقوق الإنسان وتجاهلت كل تلك التحذيرات. وها نحن اليوم نشهد ما حذرنا منه من مصادمات ومواجهات شبه يومية بين رجال مكافحة الشغب والذين ينحدرون من أصول قبلية جلبوا من دول أخرى وبين أبناء القرى الشيعية أو سكان البلاد الأصليين.

والآن وبعد خمس سنوات من إصدار التقرير الأول أصبح من الواضح أن الحال قد ساء جدا، وان نسبة أبناء الشيعة آخذة في التدني والانحدار أيضا في وظائف البلد العليا، فبعد أن كانت 18% في عام 2003، أصبحت النسبة 13% في عام 2008.

إن ما يقلقنا هو ذلك الوضوح الذي نرى به السلطة وهي ماضية قدما في سياسة التهميش التعليمي والاقتصادي والسياسي والثقافي، وبوتيرة أسرع متجاهلة كل المناشدات والتوصيات الدولية بما فيها تلك الصادرة من الأمم المتحدة.

إن طرحنا هذا التقرير نتيجة إدراكنا لخطورة الوضع الحالي في البحرين، واحتمالية تحوله إلى نزاع عنيف في أي وقت. إننا نتابع وبأسف بالغ الإصرار والاستمرارية التي تعمل بها الطبقة الحاكمة في سياستها الرامية الى تطهير جميع مؤسسات الدولة أو تلك المملوكة للدولة من أبناء الطائفة الشيعية، وفي سياسة الفصل الطائفي وتهميش وعزل واضطهاد الشيعة في جميع الميادين، الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتعليمية والمدنية والدينية.

ولم يعد هناك تبرير مقبول بعد الآن لكل الأفراد والمؤسسات للسكوت على ما يحصل من جريمة منظمة وممنهجة. ونحن هنا نتساءل: هل المطلوب أن ننتظر أن تتحول البحرين إلى منطقة نزاعات وحروب أهلية كما هو الحال في دارفور أو سريلانكا أو رواندا حتى نبدأ التحرك؟. سياسة التطهير التي تمارسها الطبقة الحاكمة في البحرين اليوم تضع الأساسات والقواعد والوقود لهذه النزاعات والحروب الأهلية فهل يجدي الصمت.

آفاق: لماذا لا يطرح الموضوع في البرلمان البحريني وإنما في الولايات المتحدة؟
رجب: كان ذلك هو الأمل الذي يحدونا في هذه المؤسسة، ولهذا السبب شاركنا ودعونا للمشاركة في عملية التصويت لهذا البرلمان، إلا إنه وبعد تجربة عدة سنوات قد تأكد لنا بان هذا الجسم البرلماني الضخم، لا يمكن الاعتماد عليه كأداة وحيدة في أي عملية جدية نحو الإصلاح السياسي والحقوقي، ولذلك نحن نعتقد انه بات من الضروري على المعارضة الموجودة في البرلمان التفكير الجدي في استخدام آليات أخرى ضاغطة إلى جانب المؤسسة البرلمانية مثل الآليات الدولية والإقليمية أو تلك الموجودة في بعض الدول الصديقة لحكومتنا.

إن اعتماد جمعية الوفاق في السنوات القليلة الماضية على الآلية البرلمانية فقط، قد جعلها مقيدة، وقد انعكس ذلك في عدم رضى وتلملم قاعدتها الشعبية فأبعد عنها البعض من مناصريها وجعلها هدف سهلا تتلاعب به السلطة وهو موضوع تنبهت له جمعية الوفاق مؤخرا وهذا جيد، وفي هذا السياق، جاءت مبادرة الوفاق الأخيرة في التمرد على الخطوط الحمراء التي وضعت لها من قبل السلطة، وتمثل ذلك في إقامة ندوة بالخارج وهي مبادرة جدية وجديدة يجب العمل على تطويرها والاستفادة منها.

آفاق: يشتكي البعض في السلطة من عدم ولاء الشيعة لدولتهم وإنما لإيران. هل لهذا الادعاء علاقة بالتمييز ضد الشيعة؟
إذا كانت هذه المزاعم صحيحة فيعني أن نظام الحكم في البحرين يعاني من أزمة شرعية، إذ أن 70% من السكان في البحرين غير موالين له. لكن القصة ليست كذلك وإنما تعمل الطبقة الحاكمة على الاستفادة من الخلافات الدولية لتكريس ظلمها للشيعة، والآن تعمل على الاستفادة من العلاقات المتوترة بين إيران والولايات المتحدة لتسوق موضوع مولاة الشيعة لإيران، ولكن إلى متى ستتغذى السلطة على تلك الخلافات والتناقضات الدولية، لتكريس ظلما لشعبها؟ وهل هناك من يضمن بأن خريطة العلاقات الدولية والإقليمية ستكون كما هي دائما؟

ثم أن قصة التمييز ضد أبناء الشيعة ليست وليدة اليوم، بل بدأت مع مجيئ حكام البلاد إلى البحرين وحكمهم قبل أكثر من قرنين من الزمان، وليس لها علاقة بإيران التي تشكلت دولتها الحديثة في الثلاثين عام الماضية.

لقد ساعد وجود البريطانيين المستعمرين في الحد والتقليل من سياسة التمييز ضد الشيعة في بداية القرن الماضي، إلا انه ومند استقلال البحرين في أوائل السبعينات ورجوع الحكم كاملا للسلطة الحاكمة بدء التمييز والتهميش مرة أخرى ضد هذه الطبقة بشكل تدريجي، بل أصبحت هذه السياسة أكثر منهجية وتنظيما وبوتيرة متسارعة مند مجيء الملك الحالي حمد بن سلمان آل خليفة.

آفاق: هل يهدد الشيعة نظام الحكم؟
لا توجد حتى الان أي قوى سياسية في البحرين اليوم شيعية أم سنية تهدد النظام الحاكم في حكمه، وكل المطالب تنحصر في طلب العدالة في الحكم، والمواطنة المتساوية ونبد الفرقة وتجريم التمييز بجميع أشكاله وتكافؤ الفرص وإشراك الناس في اتخاذ القرار واحترام حقوق الإنسان، لكن الاستمرار بهذه السياسة الظالمة ربما يدفع بعض المجموعات من الناس إلى التطرف في المطالبات أو ربما يدفع مجموعات أخرى إلى اللجوء لطلب المساعدة من دول أخرى لا تحبذها البحرين مثل إيران أو غيرها.

وان كنا لا نريد الأمور أن تسير بهذا الاتجاه فعلينا إصلاح بيتنا الداخلي، الآن وليس غدا، فالوقت في ظل المتغيرات الدولية صار يداهمنا.

اجمالي القراءات 6492