77) بسم الله الرحمن الرحيم
أوسع عصيان لأطول آية في القرآن
(( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فلبملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ول&Ccedidil; تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم .(282) وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم (283) – لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير .(284) )) - البقرة -
الظاهر أن الآية رقم -282- هي أطول آية في القرآن العظيم أو هي من بين الآيات الطويلة . وإن الملفت فيها هي كونها جاءت مفصلة ومؤكدة أهمية أهم معاملة اقتصادية اجتماعية ، وقد يجوز أن يفهم منها كذلك الدعوة إلى التحلي بصفة من الصفات التي ينبغي أن يتميز بها المؤمن من حيث استثمار نعمة ، أو آية من آيات الله ، وهي الكتابة والحساب والضبط والإحصاء والتدقيق في كل كبيرة وصغيرة ، وبذل قصارى الجهود لإزاحة أي أثر لأدنى شك أو ظن أو ارتياب . ولأمر ما ذكر الله أن الإلتزام بكل هذه التعاليم يرقى بالمؤمن إلى أرفع درجات العدل والإنصاف حيث قال : (( ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا يرتابوا )) .
ومن المتوقع أن الجميع واعون هذا ومتفقون وراضون به وأنهم يرون من المنطقي أن عدم الإلتزام بهذه التعليمات الربانية وعدم ترجمتها إلى الحياة والواقع ، وأن الإكتفاء فقط بتلاوتها ثم هضم حقها بتركها حبرا على ورق ، أن كل ذلك يعتبر تقصيرا خطيرا وعصيانا وفسوقا ونقصا فادحا في التقوى .
وعلى الرغم من ذلك فإن الواقع المؤسف والذي لا يمكن لنا أن نتجاهله هو أننا ما زلنا نفتقر إلى العزم الكافي لبذل الجهد المخلص لتنفيذ فحوى وروح هذه الآية القرآنية رقم (282) ، وما زلنا تحت تأثير العاطفة وإظهار الثقة التي لا محل لها من الإعراب ، والاعتماد عليها والتوكل بدون عزم سابق . وأما عن المخالفات التي نرتكبها في حق هذه الآية العظيمة الهامة والجادة والضابطة فحدث ولا حرج ، وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر ما يلي :
01) نتداين بمبالغ كبيرة أو صغيرة ، ونكتفي بترديد أقوال وتمتمات مشيرة إلى الثقة والحرص على رعايتها ومراعاتها والخوف من مساسها وخدشها إن نحن طالبنا وألححنا على وجوب كتابة الدين لاسيما عندما يكون الأمر متعلقا بأقارب وأصدقاء أو حتى معارف على أمل أن يتحولوا في يوم ما إلى أصدقاء بفضل الثقة التي توضع فيهم المتمثلة في التنكر لما أمر به الله ، وبشتى أساليبنا التسويفية الإرتجالية الإستخفافية ، تلك التي نقصد من خلالها التعبير بأن لنا كامل الثقة في المدين أو الشريك أو المتعاقد .
02) مخالفة أخرى وهي الإكتفاء بالعقد الشفاهي والاكتفاء بشهادة شاهدين بدون أية كتابة وبدون أن نتصور عرض ذلك الباب الذي نكون فتحناه على مصراعيه ليغمرنا منه كما يمكن توقعه أو عدم توقعه من الوهم والشك والنسيان والخطإ والخلط .
03) قد نلجأ إلى كتابة ما ، لكن بكيفية ارتجالية مختصرة ومحتشمة لا تسمن ولا تغني من جوع وتفتقر إلى المعلومات الكاملة الدقيقة الصحيحة من حيث ضبط الآجال والمبالغ والإلتزام بشهادة شاهدين اثنين وما إلى ذلك من ألوان التقصير ومنها الإكتفاء بذكر لقب واسم الشاهد بشكل ناقص أو خاطئ أو حتى باسم مستعار يعرف به ذلك الشاهد لأننا لم نكلف نفسنا عناء تأمل ما هو وارد رسميا في بطاقة هويته ، والأدهى والأمر بدون استشارته كشاهد أو اطلاعه على الموضوع وبدون أخذ موافقته أولا ثم بدون الحرص على وضع بصمته وتوقيعه ، وإن لسان حالنا يقول إن قضية الشاهدين هي مجرد إجراء شكلي لا يقدم ولا يؤخر .
04) وعلى ذكر الشاهدين الإثنين فهناك تصرف يمكن اعتباره بالطامة الكبرى لأننا لم نكتف بالتنكر في الغالب لهذه الآية الكريمة جملة ، فإننا نتنكر لها تفصيلا . وإن مواقفنا تدل في الغالب على ما يلي وتلمح إليه وتصرفاتنا تقول :
إذا كان الله الخالق الرحمن الرحيم أخبرنا قائلا : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ))
رقم 13- سورة الحجرات – وإذا كان الخالق أمرنا في آية الدين المشهورة بوجوب اللجوء إلى شهادة امرأتين اثنتين عند الإقتضاء وعدم بخس قيمتهما ، فاننا نحن من خلال تصرفاتنا وأفعالنا وردود أفعالنا نقول له أي للخالق : بل إننا قد اهتدينا إلى ما هو أحسن وأنسب وأمثل وهو أننا استنتجنا من الآية نفسها أن المرأة ناقصة عقل وحتى ناقصة دين ( بجر حرف الدال طبعا ) وبأننا استثمرنا كل ذلك إلى التنكر لهذا المخلوق الذي يقال له – امرأة – وتجاهلناه تجاهلا مطبقا سواء في أداء واجب الشهادة أو في غيرها وقررنا أن قضية الثقة في شهادة امرأتين اثنتين غير واردة أصلا ولا يمكن أن نستسيغها - كما هو حالنا في عدة مواضيع أرادها الله وقررها لنا في حديثه المنزل على عبده ورسوله - وهذا ما يعبر عنه السواد الأعظم من المؤمنين حسب اعتقادي ، بل ولعل تجهيل المرأة والنظر إليها بريبة انطلاقا من المهد إلى اللحد ، وبأنها مصدر الخير والشر وأنها متهمة أصلا إلى أن يحدث الإستثناء النادر الحدوث وتثبت براءتها . وكم أتمنى أن أكون مخطئا في هذا التصور .
وهنا فرض تساؤل نفسه حول القضية الجوهرية وهي الآية القرآنية رقم -282- بسورة البقرة والسؤال كما يلي :
إذا فرضنا أن امرأتين اثنتين تداينتا بدين إلى أجل وحرصتا على تنفيذ تعليمة الخالق فاتجهتا إلى مكتب التوثيق مثلا فتولت الموثقة - الأنثى - نفسها كتابة الإعتراف كما علمها الله في حديثه المنزل فتم العقد وتمت الشهادة كما أراد الله لكن عوض أن يكون هناك شاهدان ذكران اثنان ، اقتضت الضرورة أن تقدمت أربعة نساء فأدت كل امرأتين الشهادة واكتمل العقد .
وهل يوافق القراء الكرام أن هذه العملية تمت كما أوحى الله وأوصى به في آية كتابة الدين ؟
وهكذا فإننا نلاحظ أن حالتنا وواقعنا يفيد بأننا ما زلنا غير مهتمين بما فيه الكفاية في تأمل الآية رقم - 282- في سورة البقرة وما زلنا لم نهضمها ، وبالتالي ما زال هناك منتشرا وسائدا أوسع عصيان لأطول آية قرآنية . ثم بعد ذلك لا نتورع ونحتار لماذا يقع الناس في ما لا تحمد عقباه من اختلاف وخلاف ونزاع وخصومة ومحاكم وهضم للحقوق ونقض للعهود ودوس لحقوق الأرامل واليتامى ؟