خرج أشهر مقدمي البرامج التليفزيونية في الإعلام المصري، الذين كشفت وثائق مُسرَّبة لـ«ويكيليكس» وصول أموال سعودية إلى بعضهم، ومنذ إثارة قضية تنازل مصر عن جزيرتي «تيران» و«صنافير» الواقعتين في البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية؛ محاولين في البداية تكذيب مثل هذه الأخبار، مؤكدين أن الرئيس عبد الفتاح السيسي «لا يمكن أن يفرط في حبة تراب واحدة من أرض مصر».
ولكن ومع وضوح الرؤية خلال أيام زيارة العاهل السعودي الملك «سلمان» إلى القاهرة، وبعد بيانات وزارة الخارجية المصرية التي توضح فيها صحة إعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حسب الوزارة، بدأ الإعلاميون ذاتهم في تبرير هذه الخطوة بأكثر من طريقة، محاولين إثبات سعودية الجزيرتين، واستشهدوا في ذلك بتقارير ودراسات وزير الدولة للشئون القانونية والدستورية الدكتور «مفيد شهاب»، التي يثبت فيها سعودية تيران وصنافير بالوثائق التاريخية.
ومن الإعلاميين من ذهب إلى الإقرار بحق السعودية في استرجاع الجزيرتين، لكنهم انتقدوا تجهيل الحكومة للرأي العام المصري، وعدم توضيح حقيقة الجزيرتين للشعب المصري قبل مفاجأته بإعلان ترسيم الحدود المصرية – السعودية.
وبينما يتهم هؤلاء الإعلاميون المعارضين لقرار السيسي بالتنازل عن تيران وصنافير، بإثارة البلبلة، وبالمزايدة على وطنية الجيش المصري والسيسي، وربَّما بالعمالة، فإن موقع «ويكيليكس» قد نشر في يونيو (حزيران) الماضي، وثائق مسربة من الخارجية السعودية تحمل طلبات بعض الإعلاميين بالتمويل المباشر، وبعضهم يقدم التقارير التحليلية عن الاوضاع المصرية.
وإليكم مجموعة من الإعلاميين طالبي التمويل، وآرائهم حول تنازل السيسي عن الجزيرتين تيران وصنافير لصالح المملكة.
1- عادل حمودة
ليس من الغريب أن يؤكد الكاتب الصحفي عادل حمودة على تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، خاصة وأنه طلب في يناير (كانون الثاني) 2013 مقابلة وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير «سعود الفيصل»، وذلك بحسب الوثائق المسربة التي نشرها موقع ويكيليكس في يونيو (حزيران) الماضي.
وجاء في الوثيقة التي بعث بها سفير المملكة لدى القاهرة «أحمد قطان» إلى وزير الخارجية السعودي إبلاغ الأخير بـ«طمع» حمودة في مقابلته لمدة ربع ساعة، وذكر قطان أنه استطاع تغيير نهج حمودة ورؤيته عن المملكة، مؤكدًا أن صحيفة الفجر – التي يرأسها حمودة – تخلو من أي انتقادات للمملكة.
ووافق الفيصل على المقابلة، ويتضح ذلك من خلال وثيقة أخرى رفعتها الخارجية السعودية إلى الوزير بأنه، بعد موافقة الأخير على لقاء حمودة، فإن كلًا من «مصطفى بكري»، ورئيس تحرير صحيفة الأهرام، تقدما بالطلب ذاته.
وأيّد عادل حمودة قرار مصر بتبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، موضحًا صحة ذلك وفقا للقانون الدولي، مؤكدًا أنهما وضعتا تحت الحماية العسكرية المصرية بعد احتلال إسرائيل لإيلات عام 1949.
وقال حمودة خلال مداخلة هاتفية يوم السبت الماضي في برنامج «هنا العاصمة» المذاع على قناة «سي بي سي»، أن لديه نسخة من تقرير يعود إلى فبراير (شباط) 1990 قدمه وزير الخارجية المصري حينها «عصمت عبد المجيد» إلى رئيس الوزراء المصري «عاطف صدقي» آنذاك، ويحمل توقيع الدكتور «مفيد شهاب»، يفيد بأن مصر «احتلت» الجزيرتين إبان المواجهة العسكرية مع إسرائيل عام 1950، وحينها أيد الملك السعودي نزول قوات مصرية إلى تيران وصنافير.
كما ادعى بكري أن الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» كان يعلم جيدا حقائق التاريخ التي تؤكد سعودية الجزيرتين، لكنه أكد على عكس ذلك في خطاباته؛ لاعتبارات الظرف التاريخي حينها، واحتمالية المواجهة مع إسرائيل.
واستشهد بكري خلال مداخلته الهاتفية في برنامج «صباحك عندنا» المذاع على قناة «المحور» بما كتبه الصحفي الراحل «محمد حسنين هيكل» عن سعودية الجزيرتين في كتابه «سنوات الغليان»، كما ادعى أن كل من يتحدث عن مصرية الجزيرتين فهم مزايدين على وطنية الجيش المصري، ويحاولون افتعال أزمة بين مصر والسعودية.
- مصطفى الفقي
تعاون الدكتور «مصطفى الفقي» البرلماني السابق، وسكرتير الرئيس السابق «حسني مبارك» مع المملكة العربية السعودية بشكل وثيق، وذلك ما تظهره عددا من الوثائق المسربة، وهي عبارة عن برقيات بين السفارة السعودية في القاهرة وبين الخارجية السعودية وبين الملك السعودي بشخصه، ويظهر فيها إعداد الفقي تقارير تحليلية عن الأوضاع في مصر عقب ثورة يناير، وتقديمها إلى السفير السعودي أحمد قطان.
وحملت بعض التقارير التي وردت في الوثائق عناوين «أزمة التصريحات القديمة للرئيس مرسي»، «إعادة محاكمة مبارك»، «عام جديد على الثورة المصرية»، وغيرهم. ولم تقتصر التقارير التي أعدها الفقي على الأوضاع في مصر إنما امتدت للعالم العربي؛ إذ أعد تقارير بعنوان «مستقبل نظم الحكم في دول الربيع العربي»، و«الإخوان وقضية فلسطين».
ويكون بذلك من المتوقع أن يخرج الفقي بتصريحات تفيد تأييده لقرار مصر بالتنازل عن تيران وصنافير؛ إذ كتب أستاذ العلوم السياسية أن الجزيرتين «وديعة سعودية» تركتهما المملكة في يد مصر لتتمكَّن من مواجهة إسرائيل.
وفسر الفقي ردود أفعال المصريين الغاضبة، خلال حوار له نشرته جريدة «الوطن» المصرية أمس الثلاثاء، بأنها نتيجة للمفاجأة، حيث كان من الأفضل «التمهيد» للرأي العام المصري حول حقيقة الجزيرتين، وأكد أن المملكة ستوفي كافة الالتزامات المصرية تجاه إسرائيل على أرض الجزيرتين.
يذكر أن للدكتور الفقي برنامج تلفزيوني يعرض على قناة «النهار» المصرية بعنوان «سنوات الفرص الضائعة» الذي يحكي فيه عن فترة عمله في الخارجية المصرية ومؤسسة الرئاسة.
4- محمد شردي
أما الإعلامي محمد مصطفى شردي «الوفدي» بالوراثة والبرلماني السابق، وبحسب وثائق الخارجية السعودية المسربة، فإن المملكة أبرمت مع شردي اتفاقًا، في أوائل عام 2012 لـ«استقطاب» مجموعة من الإعلاميين المصريين «المميزين» للعمل في مكتب إعلامي تابع للسفارة السعودية بالقاهرة، على أن يتم استبدال بهم آخرين سعوديين، وهو ما رأى السفير قطان أنه أمر «صعب».
ونشر موقع «مدى مصر» وثائق حصل عليها من «ويكيليكس» تتضمن المبالغ التي حصل عليها «شردي» من المملكة مقابل عمله في هذا المكتب الإعلامي، خلال عام 2012 فقط إلى 200 ألف دولار أمريكي.
وزعم شرد يتأكده من هوية جزيرتي تيران وصنافير السعودية بحكم سفره باستمرار إلى هذه المنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي، مؤكدًا وجود «حرس حدود» سعودي عند «المنتصف الخلفي» للجزيرتين منذ زمن، كما أيد الرأي القائل بأن الجزيرتين أراضي سعودية أودعتها المملكة لمصر لمواجهة إسرائيل.
وطالب شردي الإعلاميين المصريين خلال برنامجه «يوم بيوم» المذاع على قناة النهار بألا يصنعوا «بطولات» على حساب أمن مصر القومي.
- حمدي رزق وحلمي النمنم
تجمع دار الهلال بين هذين الاسمين، إذ كان «حمدي رزق» رئيس تحرير مجلة «المصور» التي تصدرها الدار، بينما كان «حلمي النمنم» رئيس مجلس إدارة الهلال، وتجمع وثائق ويكيليكس بينهما بصفتهما ممثلي «دار الهلال» التي تلقت مبلغ 68 ألف دولار أمريكي من المملكة العربية السعودية؛ لنشر حلقات أسبوعية، خلال موسم حج 1432هـ (2012)، توضح انجازات المملكة في توسعة الحرمين.
ونشر موقع «مدى مصر» برقية من رئيس الشئون الإعلامية في سفارة السعودية في القاهرة بعثها إلى وزير الثقافة والإعلام يؤكد له تسلم «الجهة المستفيدة»– أي دار الهلال – للمبلغ المحدد، كما يرجح أن تلك الحلقات هي التي نشرت في مجلة المصور في تلك الفترة.
والآن أصبح النمنم وزيرًا للثقافة في حكومة «شريف إسماعيل» أي أنه ممثل للحكومة واتجاهها وآرائها، بما فيها تلك التي تخص التنازل عن الجزيرتين للسعودية. أما الكاتب الصحفي «حمدي رزق» الذي يقدم برنامج «نظرة» على قناة «صدى البلد»، فعبر من خلال مقال له نشر في جريدة «المصري اليوم» الأحد الماضي، بعنوان «في الفارق بين المعارض والأراجوز» عن استيائه من الحكومة؛ لأنها لم تعلن منذ فترة عن إقدامها على خطوة ترسيم الحدود مع المملكة، واعتبر ذلك «تجهيل بالكلية للرأي العام»، ولكنه يؤكد أن ذلك كله لا ينفي الحقيقة التاريخية بأحقية السعودية بهاتين الجزيرتين متفقًا في ذلك مع رأي الدكتور «عمرو حمزاوي».
6- أسامة شرشر
أما العضو البرلماني الحالي عن دائرة «سرس الليان» – منوفية فلم يتوان عن طلب التمويل المالي من السعودية، إذ جاء في إحدى الوثائق المسربة، والتي بعثت بها الخارجية السعودية إلى سفارتها في القاهرة تطلب منها موافاتها بمعلومات عن السيد «أسامة شرشر» رئيس تحرير صحيفة النهار المصرية، نظرًا لطلبه الحصول على دعم مادي من المملكة مقابل إعلانات، والسماح له بتوزيع الصحيفة في السعودية.
ولكن لم ترد ضمن الوثائق التي نشرها ويكيليكس أية معلومات إضافية حول رد السفارة السعودية بالقاهرة على الخارجية.
ولكن النائب البرلماني شرشر هاجم في مقاله المنشور في جريدته «النهار» أمس الثلاثاء تحت عنوان «تيران والإخوان وأردوغان»، كل من روج لخبر تنازل مصر عن تيران وصنافير للسعودية، ووصفهم بـ«كتائب الإخوان الإلكترونية».
وقال شرشر في مقاله: «لكن من الواضح أن هناك محاولات أردوغانية إخوانية؛ لافتعال أزمة واتهام مصر ورئيسها الوطني عبد الفتاح السيسي بأنهم تنازلوا عن جزء من الأراضى المصرية (…) فإن الخرائط والوثائق وشهود هذا العصر، وعلى رأسهم (محمد حسنين هيكل) يعترفون بأن الجزيرتين سعوديتان تمت إدارتهما من خلال الحكومة المصرية لحقبة من الزمن».