كفاية وأخواتها

محمد منصور في الثلاثاء ١٠ - أكتوبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

أكاديميون تحت الحصار

شهدت الشهور القليلة الماضية تصاعدا فى جبهات الرفض للأوضاع السيئة التى يعانى منها القطاع الأكاديمى فى مصر وهو ما رصدته منظمة هيومان رايتس فى تقريرها حول الحريات الأكاديمية فى مصر حيث ذكر التقرير الذى كان بعنوان "القراءة بين الخطوط الحمراء: قمع الحرية الاكاديمية في الجامعات المصرية في مصر"،ذكر أنه منذ مطلع التسعينيات من القرن العشرين، تعرض عدد من الأكاديميين المصريين للتنديد بهم علناً، ولصدور أحكام قضائية ضدهم، فضلاً عن العنف البدني وغير ذلك من أشكال الترهيب، سواء من جانب مسئولين حكوميين أو أفراد وجماعات غير رسمية، ولاسيما في أوساط الإسلاميين المتشددين. ومن أشهر الحالات في هذا الصدد حالة الدكتور نصر حامد أبو زيد، كما مُنع كتاب دراسي يتناول موضوعات جنسية للدكتورة سامية محرز، الأستاذة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتعرضت للهجوم في الصحافة ومجلس الشعب (البرلمان). أما الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والذي نفذ مشاريع بحثية عن قضايا سياسية ودينية مثيرة للجدل من خلال مركز بحثي مستقل، فقد واجه المحاكمة والسجن على مدار ثلاث سنوات قبل أن يصدر الحكم ببراءته. وبالرغم من مرور سنوات عدة على بعض هذه الأحداث، فإنها لا تزال حية في أذهان الأكاديميين المصريين.
وقد طال القمع الذي تمارسه السلطات الحكومية والجماعات غير الرسمية جميع الجوانب الأساسية للحياة الجامعية، بما في ذلك التدريس، والبحوث، والأنشطة الطلابية، والاحتجاجات داخل الجامعة. فالرقابة تحول دون قيام الأساتذة بتدريس كتب بعينها؛ وتؤدي شروط الحصول على تصاريح لإجراء استبيانات ودراسات مسحية إلى إعاقة البحوث في مجال العلوم الاجتماعية. ويحد مسئولو الجامعات والشرطة من الأنشطة الطلابية خارج قاعات الدراسة؛ وكثيراً ما تتصدى قوات الأمن بعنف للمظاهرات داخل الجامعة. وتفرض الحكومة ضغوطاً إضافية من خلال عمداء الكليات المُعينين والقوانين المقيِّدة كما تتحكم السلطات في تعيين أعضاء هيئة التدريس وترقياتهم، ويؤدي تبني منهج صارم بخصوص التعليم إلى إعاقة الإبداع في مختلف مراحل النظام الجامعي، من امتحانات القبول إلى برامج الحصول على درجة الدكتوراه، كما يحرم الطلاب من الحق في اختيار مجالاتهم الأكاديمية بصورة حرة. وقد أدى القمع المستمر على مدى سنوات إلى خلق مناخ من الرقابة الذاتية في الجامعات المصرية حتى . ويعترف الأساتذة والطلاب بأن هناك قضايا بعينها، وهي أساساً قضايا السياسة والدين والجنس، لا يمكنهم مناقشتها إلا في أضيق الحدود، ويقولون إنهم أحرار في أن يقولوا ما يريدون ولكن بشرط ألا يتجاوزوا أياً من "الخطوط الحمراء" المحرمة. وبالتالى لم تعد الجامعات المصرية مراكز للتفكير الإبداعي فأصبح التعليم العالي يقوم في معظمه على التلقين.
وأدى الإفتقار إلى الإعتمادات المالية الكافية إلى تردي المرافق الجامعية، كما حدا بالأساتذة إلى البحث عن أماكن أخرى للعمل. وقد وضعت وزارة التعليم العالي خطة للإصلاح في المستقبل، ولكن ما زال من المبكر معرفة ما إذا كان لدى الحكومة ما يكفي من الأموال، فضلاً عن الاستعداد لتنفيذها
أما التدخل من جهات غير حكومية، فيأتي معظمه من الإسلاميين المتشددين، الذين يحرك الدافع الديني أنشطتهم السياسية؛ إذ تقوم هذه الفئة بترهيب الأساتذة والطلاب من خلال أساليب شتى، من بينها الدعاوى القضائية والاعتداءات البدنية. وقد اتهم أحد الأساتذة المتشددين الإسلاميين بخلق "مناخ من الإرهاب"، يخشى فيه الباحثون من وصم محاضراتهم وأبحاثهم بالزندقة. وفي بعض الحالات، تغذِّي مصادر اصادر القمع هذه بعضها البعض، إذ يسعى بعض الأكاديميين إلى استرضاء الإسلاميين لخشيتهم من تزايد القمع الحكومي، ويرضون بالقمع الحكومي لخشيتهم من غضب الإسلاميين.
وإلى جانب تسليط الضوء على الحالة المثيرة للانزعاج التي آل إليها المناخ الأكاديمي في مصر، يوضح تقرير هيومن رايتس ووتش ما تنطوي عليه القيود المفروضة على الحرية الأكاديمية من انتهاك للقانون الدولي ؛ ذلك أن مبدأ الحرية الأكاديمية مشتق في أحد جوانبه من الحق في التعليم، وهو حق معترف به دولياً يكرسه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذى صادقت عليه مصر ومن جهة أخرى، ومن ناحية أخرى يجب على المجتمع الدولي إدراك المشاكل العامة التي يعاني منها التعليم العالي في مصر، وإيجاد سبل بناءةً للدفع نحو التغيير؛ ولئن كانت بعض الحالات الجسيمة قد أثارت انتباه العالم الخارجي، فإن الحكومات ووسائل الإعلام الأجنبية لم تقر دائماً بخطورة انتهاكات الحرية الأكاديمية وتفشيها في مصر. ففي تقريرها بشأن حقوق الإنسان عام 2002، على سبيل المثال، نددت وزارة الخارجية الأمريكية بمحاكمة سعد الدين إبراهيم، وما لها من "أثر رادع" على حرية التعبير؛ بيد أنها قالت – وجانبها الصواب في ذلك – إن "الحكومة لم تقيد بصورة مباشرة الحرية الأكاديمية في الجامعات" ولا يكفى أن يقوم المجتمع الدولى بتقديم الدعم المالى لتطوير التعليم ، لأن هذه الأموال سوف تذهب هباءً ما لم تُعالج القيود التي تكبل الحرية الأكاديمية، والأولى بالجهات المانحة الكبرى التي تقدم المعونات لمصر، مثل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، أن تلم بانتهاكات الحرية الأكاديمية في هذا البلد، وتحيط بها علماً، ثم تستخدم نفوذها للمساهمة في وضع حد لها

اجمالي القراءات 11733