لماذا معظم «إرهابيي أوروبا» مغاربة؟

في السبت ٢٦ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

منذ 6 ساعات، 26 مارس,2016

الأربعاء، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، الرابعة فجرًا، تشن فرقة مكونة من 100 عنصر من قوات النخبة الفرنسية، المختصة في مكافحة الإرهاب، مداهمة بمدينة «سان دوني»، شمال ضاحية العاصمة باريس. تقتحم الفرقة إحدى الشقق السكنية، بغرض الوصول إلى عناصر مسئولة عن أحداث باريس الواقعة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. بعد مواجهة نارية شرسة، انتهت العملية بالقبض على خمسة أشخاص، ومقتل رجل، ونسف امرأة لنفسها.

كانت المرأة التي فجّرت نفسها، هي الفرنسية ذات الأصول المغربي، «أسماء بولحسن»، أما الشخص الذي قتل على يد قوات النخبة الفرنسية، فكان البلجيكي المغربي، عبد الحميد أباعود، الرأس المدبر لأحداث باريس الدموية، التي راح ضحيتها 130 شخصًا وأصيب 350 آخر.

«متطرفون» بين مغاربة أوروبا

لم تكن تلك المرة الأولى التي يتورط فيها مهاجرون ذوو أصول مغربية، في أحداث توصف بـ «الإرهابية» على الأراضي الأوروبية، فلطالما يتصدر المنحدرون من المغرب شاشات التلفاز، في كل مناسبة تقع فيها هجمات مُسلحة بإحدى الدول الأوروبية. وكانت الصحافة الأوروبية، مشغولة طوال الأسبوع الماضي، بخبر القبض على صلاح عبد السلام، المسئول الثاني عن هجمات باريس، بعد عبد الحميد أبا عود، والآخر مغربي الأصل أيضًا.

بالطبع لم تخرج تفجيرات بروكسيل الأخيرة، عن خط القاعدة، إذ لا يزال البحث جاريًا حتى الآن عن الانتحاري الثالث، الذي فشل في تفجير حزامه الناسف داخل المطار، وهو نجم العشراوي، البلجيكي ذو الأصل المغربي. كما يجري حاليًا الحديث عن عناصر أخرى، تنحدر من أصول مغربية، ساهمت بدورها في الدعم اللوجيستي لتنفيذ هجمات بروكسيل، ولا تزال طليقةً حتى الساعة.

في نفس السياق، أعدّ مركز ألف بوست بدراسة حول «إرهابيي المغرب»، ليجد أن ما بين9% إلى 11% من «إرهابيي» العالم مغاربة الأصل، أي ما بين ألفين و2500 عنصر مشتبه، من أصل قائمة تضم 25 ألفًا مطلوبين على قوائم الإرهاب في العالم، حسب معطيات الإنتربول، التي قدمها في مؤتمر إشبيلية، بداية نوفمبر/تشرين الثاني من العام المنصرم. وهو رقم ضخم بالمقارنة مع نسبة عدد سكان المغرب بين باقي جنسيات العالم.

وسبق للمغرب، أن كشفت أن قرابة 1122 من مواطنيها، قد توجهوا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، و«جبهة النصرة»، بينما يقدر عدد المغاربة الحاملين للجنسية الأوروبية، والذين انضموا لتلك التنظيمات، ما بين 1500 و 2000.

كما يوجد ما بين 150 إلى 200 مغربي معتقل في السجون الأوروبية، بتهمة «الإرهاب»، محتلين بذلك المرتبة الأولى ضمن الجنسيات المعتقلة في هذا الجانب. من جانب آخر، يتصدر المغاربة أعداد المطرودين من أوروبا، بتهم تتعلق بـ«التطرف والإرهاب»، طوال السنتين الأخيرتين. بعد أن اتجهت العديد من البلدان الأوروبية في الآونة الأخيرة نحو سحب الجنسية ممن يشكلون خطرًا على أمنها القومي.

 

ولا يجدر بنا إغفال ذكر حي مولمبيك في العاصمة بروكسل، الذي يتكرر اسمه بشكل مستمر في القضايا المرتبطة بـ«التطرف والإرهاب»، حيث يعتبر القاعدة الخلفية التي تنطلق منها العمليات المسلحة نحو أوروبا، ومنه جاء عبد الحميد أباعود، وصلاح عبد السلام، علمًا بأن 40% من سكان هذا الحي من أصول مغربية.

أمام هذه الشواهد، لا يسعنا سوى التساؤل بشكل ملح، عن سبب تورط المنحدرين من المغرب في معظم الهجمات الجهادية داخل أوروبا.

لماذا يتورط مغاربة أوروبا في «الإرهاب» أكثر من غيرهم؟

تبلغ أعداد الجالية المغربية في أوروبا، أربعة ملايين ونصف، أي ما يعادل مجموع سكان النرويج تقريبًا، 80% منهم يقطنون كلًا من فرنسا وأسبانيا وإيطالياوبلجيكا وهولندا وألمانيا، وجلهم يملكون جنسيات مزدوجة، أي جنسية البلد التي يُقيمون فيها بالإضافة إلى الجنسية المغربية.

بالتالي، فإن احتمال تورطهم في أعمال عُنف داخل أوروبا، سيزيد أكثر من أية دولة إسلامية أخرى، نظرًا لتواجدهم الكثيف هناك، كما يعني ذلك أيضًا ارتفاع احتمال أن يكونوا ضحايا هجمات أشقائهم في الموطن الأصلي، وبالفعل هم كذلك، فحادثة بروكسل الأخيرة مثلًا، كان من بين ضحاياها مقتل مغربيتين، بالإضافة إلى إصابة خمسة آخرين، فضلًا عن فقدان ثلاثة حالات، لا يعلم مصيرها حتى الساعة.

لكن كثرة تعداد الجالية المغربية بأوروبا، لا يقدم تفسيرًا كافيًا لتشبع العديد منهم بأفكار توصف بـ«التطرف»، إذ إن الجالية التركية كذلك، لها تعداد كبير في أوروبا، يفوق أي جنسية أخرى، غير أن تورطهم في أعمال العنف المُسلح، أقل كثيرًا، مقارنة بمغاربة أوروبا.

هناك إذن عوامل أخرى، خاصة بالمواطنين ذوي الأصول المغاربية، والمغربية بشكل خاص، تقف وراء انجرارهم وراء التنظيمات المُسلحة المتشددة.

في الواقع، بدأت القصة منذ ستينات القرن الماضي. فبعد أن خرجت بلدان أوروبا من الحرب العالمية الثانية مدمرةً اقتصاديًا وديموغرافيًا بشكل شبه كامل، عزمت حينها لتعيد بناء اقتصاداتها ومجتمعاتها من جديد، ومع الوتيرة المتسارعة للنمو بعد سنوات معدودة فقط، كانت في حاجة ماسة لليد العاملة لمواكبة توسع اقتصاداتها، ماجعلها تتوجه إلى بلدان أخرى لجلب العمالة، كانت تركيا ودول المغرب العربي الممثلة في المغرب والجزائر وتونس الوجهة الأولى لسياستها تلك.

وبما أن أوروبا، كانت تحتاج حينها إلى اليد العاملة القوية أكثر من الماهرة، للعمل في البناء والسكك والأوراش الشاقة، فإن أغلب المهاجرين كانوا ينحدرون من الأرياف والقرى، تطغى عليهم الأمية والثقافة القروية. بعد وصولهم أرض المهجر، عاشوا في تجمعات عمالية في معزل عن المجتمع الفرنسي وثقافته الحداثية، غير أنهم لم يُمثلوا أي مشكلة لأوروبا، رغم عدم اندماجهم.

خلال الفترة ما بين التسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة، بدأت الأجيال الجديدة في الظهور، ممثلةً مزيدًا من أعباء التأطير الثقافي. في نفس الفترة، سعت المملكة العربية السعودية لتصدير «الفكر السلفي الوهابي» نحو أوروبا، مستفيدة من أجواء الحريات هناك، فبدأت تمول الجمعيات وتبني المساجد الكبرى، وترسل دعاتها لتأطير الجالية الإسلامية بالديار الأوروبية، التي كان جلها قادمًا من شمال إفريقيا. ولا يزال هذا الأمر قائمًا حتى الآن، فلم يكن الأمر غريبًا، عندما قال «سيغمار جابرييل»، نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد، نهاية العام الماضي إن «المساجد المتشددة في جميع أنحاء العالم، ممولة من السعودية»، داعيًا الأخيرة إلى وقف تمويلها للمساجد الخاصة بالأصوليين.

ولأن المغرب لم يكن مهتمًا في البداية بإدماج مواطنيه في أوروبا، وتأطيره مطبقًا لأصول التدين المغربي، القائم على المذهب المالكي، والمُشبع بروحانية التصوف، فقد كان من السهل استقطاب كثير من المغاربة المهاجرين هناك، من قبل الفكر الوهابي، لاسيما أن علمنا أن معظمهم ينحدرون من أوساط أسرية قروية وأمية، كما بينا سابقًا.

في هذا الصدد أيضًا، تحضر خاصية ثقافية مرتبطة بالإنسان المغربي تحديدًا، ممثلة في قدرته على الجمع بين العقلية والممارسة المتناقضتين في انسجام تام، عبر عنها السوسيولوجي جاك بيرك بعد دراسته المجتمع المغربي بـ«الفصام غير المَرضي»، وهي خاصية أكدها علماء اجتماع آخرون، منهم بول باسكون، الذي درس المغرب عقودًا من الزمن، وانتهى به الحال إلى وصف المجتمع المغربي بـ«المجتمع المركب المركب» وسماه أيضًا بـ«المجتمع المزيج»، ونفس الشأن مع محمد جسوس، كبير السوسيولوجيين المغاربة، عندما قال: إنّه «لو خُيّر للمغربي التصويت بين الدولة الإسلامية والدولة العلمانية، لصوت للدولة الإسلامية وذهب للعيش في أرض العلمانية».

 

 

 

 

في هذا الفهم إذن، تبقى العقلية المجتمعية المغربية، موغلة في التقليدية، بالرغم من تطبيعها مع الممارسات العصرية «التي لا تتفق مع مضمون العقلية التقليدية»، أو التظاهر بالانفتاح، وبالتالي ليس من الغريب، أن نجد ـ على سبيل المثال ـ المغربية أسماء بولحسن، التي كانت تقبل على الملاهي مع الشباب، وتهتم بالموضة، وترتدي أزياء بعيدة عن النقاب، الذي يتفق مع نظرة «تنظيم الدولة» للزي الشرعي، وتشرب الكحوليات، حسبما وصف أصدقاؤها، طبقًا للصحف الفرنسية، كانت في الوقت نفسه لا تخفي لهم رغبتها بالانضمام إلى «تنظيم الدولة»، وإعجابها بالفكر السلفي، ومثل هذا الأمر لوحظ في العديد من الحالات الأخرى على هذه الشاكلة.

أوروبا تستعين بالمغرب للقبض على متشدديه

كانت العملية التي نفذتها قوة مكافحة الإرهاب الفرنسية في سان دوني، نتيجة مباشرة لمعلومات استخبارية نقلها المغرب إلى السلطات الفرنسية، تفيد بتواجد عبد الحميد أباعود، مدبر أحداث باريس. ليتقدم الرئيس الفرنسي بعدها بالشكر علنًا للملك محمد السادس على تعاون بلاده الأمني.

 

 

 

 

ثم توالت طلبات بلدان أوروبية أخرى، كبلجيكا وألمانيا، لتعزيز التعاون الأمني مع المغرب في قضايا «التطرف والإرهاب»، بحكم أنه الأقدر على تتبع مواطنيه، فكما يقال «أهل مكة أدرى بشعابها»، فالمغرب لا يتأذى بنار «متشدديه»، بالرغم من النسبة العالية للمغاربة المتورطين في أعمال عنف مسلح، حيث يلعب التدين الصوفي التقليدي، بالإضافة إلى الخبرة الأمنية، دورًا هامًا في الحد منه داخل البلاد.

وتماشيًا مع هذا الأمر، بدأت العديد من دول الاتحاد الأوروبي بالاستعانة بأئمة مغاربة، بالتنسيق مع وزارة الشئون الإسلامية المغربية، لتأطير الشأن الديني لدى الجالية المغاربية، في محاولة منها لقطع الطريق أمام أي أفكار مُتشددة.

وإذا كان هناك حضور مغربي قوي بين من يوصفوا بـ«إرهابيي» أوروبا، فإن هناك أيضًا حضورًا قويًا لكفاءات مغربية، استطاعت أن تحجز لها مكانة مشرفة داخل المجتمعات الأوربية، ويكفي أن الحكومة الفرنسية الحالية تضم ثلاث مغربيات من وزرائها.

اجمالي القراءات 3729