العرب حاولوا إسكات ياسر عرفات من خلال حافظ الأسد!
العرب حاولوا إسكات ياسر عرفات من خلال حافظ الأسد!

في الأحد ١٩ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

قصة (الختيار) الذي حقق انتصاراته عبر التلفزيون فقط (2/6) العرب حاولوا إسكات ياسر عرفات من خلال حافظ الأسد!


عرفات إختبر قوة الإعلام.. فترك الجنسية الكندية!

زيد بنيامين من دبي: في مايو من العام 1964 قررت مصر التي كانت تدفع العديد من الانظمة العربية الحاكمة في ذلك الوقت لتأسيس حركة التحرير الفلسطينية باشراف الجامعة العربية باعتبارها الجبهة الامامية للدول العربية فقط، وقد ترأسها في البداية ( احمد شقيري ) وهو بيروقراطي فلسطيني عاش طويلا في مصر ولم يحمل في حياته مسدساً، وهو ما اثار استياء عرفات وبقية اعضاء حركة فتح معتبرين المنظمة ورئيسها ( اعداءً ) لحركة التحرير. ويفسر هذا الامر انتظار حركة فتح حتى عام 1964 لتبدأ غارتها الاولى على القوات الاسرائيلية، وهو نفس التاريخ الذي ترك فيه عرفات الكويت التي اسس فيها حركة فتح رسمياً، وحاولت المنظمة ان تقول انها مختلفة عن المنظمة التي اسسها العرب وخصوصا عبد الناصر وانها كانت صورة بينها كانت فتح هي من تمتلك الميدان اصلاً.

قاد عرفات العملية الاولى في تلك الفترة وكانت تخريب محطة لضح المياه ويصفها عرفات بـ "المرحلة التجريبية" حيث كانت فتح تقول بغارة واحدة اسبوعياً في محاولة لاختيار التقنيات التي تعلمتها في حرب العصابات بين الفترة والاخرى "كنا نحاول اختبار ردة الفعل الشعبية خلال تلك الفترة"، بحسب احد ابرز مساعدي عرفات في ذلك الوقت، حيث كانت الحركة تحاول اكتساب التعاطف الشعبي من اجل ضمان الحماية من قبل الناس وعدم الابلاغ عن اعضاءها "لم يكن لدينا جمهور، وبدون جمهور يسمع لنا، لم يكن لدينا بحراً نخوض فيه، وبالتالي كنا نشبه سمكة بلا اوكسجين".

نسخة في إيلاف ديجيتال
تحول عرفات فعلاً الى خطر، حيث حاول القادة العرب اسكاته وكانت ابرز اداة تنفذ هذا الامر هي  وزير الدفاع السوري حافظ الاسد الذي اعتقل عرفات بتهمة جريمة قتل شهدتها العاصمة السورية رغم ان الكثير من الشهود اكدوا ان عرفات لم يتم مشاهدته في الغرفة التي تمت فيها جريمة القتل، وقد حاول الاسد اعدامه لكنه سرعان ما تفاجأ بجماهيرية عرفات التي انقذت عنق الاخير.

ولم تستمر هذه الحركة الشكلية طويلاً خصوصا مع الهزيمة المنكرة والمهينة التي تلقاها العرب خلال حرب 1967، حيث تحول عرفات الى بطل في عالم عربي يائس يبحث بأي طريقة عن ابطال، ولكن رغم ذلك احتاج (ابو عمار) عامين ليتولى السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية، حيث قدم الشقيري استقالته في ديسمبر 1967 الى (الشعب العربي الفلسطيني) وقد قبلت اللجنة التنفيذية تلك الاستقالة، وعمل عرفات على ابعاد الاعضاء اللذين تم تعينهم من قبل القادة العرب ليسجل بصمته المعهودة فما بعد في التفرد بالقرار.

كانت استفادة فتح من حرب 1967 غير مسبوقة، حيث استخدمت البدو اللذين استقروا في الاردن وسيناء والجولاء وقامت بجمع الاسلحة منهم بعد ان جمعوها من المخلفات التي تركتها القوات العربية والاسرائيلية في المناطق المحاذية لجبهات القتال على مدى اسبوعين بعد وقف النار وقامت بنقل الاسلحة الرئاسة والبنادق والقنابل اليدوية والبازوكا الاسرائيلة على ظهور الجمال كما تم خلال هذه الفترة الحصول على اربع شاحنات ثقيلة من الاسلحة في الجولان وقام البدو بتزويد الحركة بتلك الاسلحة ايضاً وكانت تشتري الاسلحة بضعفي سعرها المعروض والحصول ايضاً على طائرة هيلكوبتر سورية ولكن لم تمتلك الحركة طياراً لنقلها لذلك تم تدمير الطائرة كما تم ايجاد 8 اطنان من المتفجرات كانت كبيرة على نقلها في صحراء سيناء "لم يكن لدينا ما نحمله بها، لهذا تركناها هناك امانة" بحسب عرفات.

فتح نفسها لم تشارك في الحرب ولهذا لم تطالها اي خسائر بعكس الجيوش العربية التقليدية والحكومات ليقود جنوده هجمة في الحادي والعشرين من مارس  (اذار) 1968 داخل العمق الاسرائيلي قتل على اثرها 28 حندي اسرائيلي مقابل 100 مقاتل فلسطيني، ولكنه كان (انتصاراً) على اية حال ساهم في رفع شعبية عرفات في وقت كان الاعلام العربي يظهر خسائر العدو، ويسكت عن خسائره.

وهناك مصادر اخرى تقول ان القوات الاسرائيلية هي التي بدأت بالهجوم على قرية الكرامة (مقر عرفات) في تلك الحادثة ووسط اصرار من عرفات على جنرالاته بعدم الانسحاب، وافقت اسرائيل على ترك القرية وقام بتنظيم عدد من الاحتفالات المخطط لها حول عدد من الدبابات الاسرائيلية المدمرة وتم ارسال العديد من ممثلي الحكومات العربية الى الاحتفال والعديد من رجال الصحافة والاعلام في محاولة لصنع انتصارات في تلك الفترة.

وصف عرفات ذلك الانسحاب بانه "اول انتصار يحققه العرب على اسرائيل" وانتقل ابو عمار بفضله ليكون الشخصية المركزية للقضية الفلسطينية على المستوى العربي، وزاد مستوى الدعم المادي والمعنوي الذي تلقاه وبدأت معسكرات التدريب بالاتساع لتشمل لبنان، الاردن، العراق، واصبحت فتح الحركة الرئيسية في المشهد العسكري الفلسطيني.

سجل اول ظهور اعلامي لياسر عرفات في الغرب  عام 1968 بظهوره على غلافة مجلة (التايم) الامريكية الشهيرة بتاريخ 13 ديسمبر، وكان ذلك الظهور الغربي قد سبقه ظهور عربي مدعوم عبر اذاعة فتح التي غالباً ما استخدمت الرسائل المشفرة لتوصيل رسائلها "العصفور قد عاد الى القفص" و "انتباه ايها الاسود الخضر: الهدية تم تلقيها" وهنا كان عرفات قد تولى فعلياً رئاسة المنظمة بعد ان كان متحدثها الاعلامي فقط.

اتخذ مسار منظمة فتح شكلا اخر، حيث بدأت تنتقل عبر نهر الاردن على شكل جماعات تعبر النهر على عوامات مصنوعة من اطارات الجرارات الزراعية يحمل الرجال فيها بنادق الكلاشينكوف الروسية الصنع بشكل مخفي خلال الليل للهجوم على الدوريات الاسرائيلية، او القاء قنبلة يدوية في ظل تضائل الفرصة في العودة الى الضفة الامنة من نهر الاردن، حيث ضبط او قتل كثيرون على يد قوات الامن الاسرائيلية التي كانت تعرض مكافأت كبيرة للحصول على هولاء المقاتلين.

كانت الاجواء التي ولدت فيها قيادة عرفات للمنظمة غير صحية بالمرة، فالقوات العربية كانت تبنى من جديد بمساعدة سوفيتية قوية، وكان الرئيس المصري جمال عبد الناصر يعرف جيداً انه غير قادر على ضرب اسرائيل خلال السنوات القليلة القادمة التي تلت نكسة 1967 اما الملك حسين والذي دعمت وجوده وصول القوات العراقية من بغداد لحماية الاردن من اسرائيل، فأنه كان يخاف من تلك القوات الموجودة على ارضه اكثر من خوفه من اسرائيل.

بدأ اغلب القادة العرب بالالتصاق بياسر عرفات في محاولة للخروج من الخيبة، حيث كان الكثيرون ينتظرون منه شكر اي منهم ليمثل صك البراءة بالنسبة لهم امام شعوبهم باعتباره المتحدث باسم المنظمة ورئيسها، وكانت الكثير من الصحف العربية تلقبه بصلاح الدين العرب الذي يقف بوجه الصليبيين الجدد المتمثلين في الاسرائيليين ويصف احد قادة فتح تلك الفترة بالقول "كانت انتصار الاسرائيليين على العرب قد تسببت في تسليم الشعب العربي لنا على طبق من ذهب!".

وفي جو من محاولة نسيان الواقع عاش عرفات واحدة من ابرز محطات الاهتمام في حياته، الطلبة يتركون مقاعدهم من اجل التطوع في حركته، الاطباء يتركون عملهم في بيروت والقاهرة من اجل الذهاب الى الاردن ومعالجة اعضاء الحركة، رجل اعمال عربي يقدم مالاً من اجل شراء الاسلحة للفدائيين، وحكومتا الكويت والسعودية تقدمان اموالاً من خزائنهما تحول الى الفدائيين لتصل الى الخزينة الاردنية بشكل غير مباشر فيما بعد، وقدمت الالاف من المساهمات الفردية المالية التي بدأت تتدفق على عمان من جميع الدول العربية بلا استثناء منها تبرع بمبلغ 4500 دولار من زوجة العاهل السعودي الملك فيصل اعلنت عنها الصحف الرسمية، فيما قام عدد من الشباب العرب ببيع الطوابع التي تحمل شعارات فتح في المقاهي البيروتية تضم صورة طفل محروق وكلمتي (سلام) و (نابالم) في اشارة الى استخدام القوات الاسرائيلية للاسلحة المحظورة خلال هجمة على مدينة السلط الاردنية تمت في خلال تلك الفترة.

اجمالي القراءات 7993