هل القضاء والقدر من أركان الإيمان

خالد حسن في الأحد ١٣ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أخوتي رواد موقع أهل القرآن وكتابه ومشرفيه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد عرف الجميع أن مصدر العقائد والأحكام يجب أن يكون قطعي الثبوت قطعي الدلالة لا مجال فيه للشك , وأن يكون واضحا لا لبس فيه , فيجب أن يكون في آيات واضحات قاطعات دالات على العقائد والأحكام و خاصة إذا كانت هي أركان الإيمان التي يبنى عليها الإيمان فدعونا نتعرف على أركان ديننا الحنيف كما جاءت في القرآن الكريم , قال تعالى موضحا لأركان الإيمان :

(( آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة ))

وقال عز وجل في آية أخرى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) النساء ))
في هذين الآيتين يخبر الله عن المؤمنين ويحدد لهم أركان الإيمان وهي الإيمان ب :

1- الله
2- ملائكته
3- كتبه
4- رسله
5- اليوم الآخر

فنجد أن أركان الإيمان الموجودة في القرآن الكريم هي خمسة وهو القطعي الدلالة القطعي الثبوت , ومن بين هذه الأركان الخمسة هناك ركنين أساسيين يجب الإتيان بهما لكي تضمن النجاة يوم القيامة وهما :

الإيمان بالله و الإيمان باليوم الآخر .

فلقد ذكر الله في كتابه العزيز أن أصحاب العقائد المختلفة إن جاؤوا بهذين الركنين بالإضافة للعمل الصالح سيكون مصيرهم النجاة , قال تعالى
(( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة ))
وقال تعالى
((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة ))

فلقد بين الله أن أهل الكتاب ( اليهود والمسيحيين ) والصابئين و أضيف إليهم المؤمنين(في الآية الأولى أعلاه) وعدهم الله بالنجاة يوم القيامة إذا آمنوا به وباليوم الآخر

فإذا أركان الإيمان خمسة , ولهذه الأركان الخمسة قطبين رئيسين وهما الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر

أركان الإيمان : الإيمان ب الله / الملائكة /  الكتب السماوية /  الرسل الكرام / اليوم الآخر

فالسؤال الآن أين ركن الإيمان بالقضاء والقدر من ذلك كله ؟؟ وأين ثبت ؟؟؟

دعونا نتعرف أن ركن الإيمان بالقضاء خيره وشره وجد في أحاديث الآحاد الظنية الثبوت فقد جاء في صحيح مسلم : الإيمان (8) , الترمذي : الإيمان (2610) , النسائي : الإيمان وشرائعه (4990) , ابن ماجه : المقدمة (63) ما نصه :

 (( أن جبريل لما جاء إلى -النبى صلى الله عليه وسلم- في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام، قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا". قال: "فما الإيمان؟"، قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره". قال: "فما الإحسان؟" قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" ثم قال في آخر الحديث: هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم فجعل هذا كله من الدين. ))

وفي حديث آخر جاء في صحيح مسلم

((عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِى عَنِ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ». قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ». قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ « مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ». قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ « أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِى الْبُنْيَانِ ». قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِى « يَا عُمَرُ أَتَدْرِى مَنِ السَّائِلُ ». قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ». ))

عند قراءة هذين الحديثين نجد أن هناك ركن جديد قد أضيف إلى أركان الإيمان وهو الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره وقد ثبت هذا الركن في هذه الأحاديث الظنية , فهل نؤخذ ركن من أركان الإيمان من أحاديث ظنية ؟؟

لقد كان السبب في تأليف الروايات هو ترسيخ العقيدة الجبرية في نفوس المسلمين , فبعد اغتصاب قريش للحكم من جديد متمثلة بدولة بني أمية فكان لزام على الماكينات الإعلامية أن تباشر دورها المنوط بها , فقد بدأت هذه الفرقة بتوزيع أحاديث الرسول بالمجان لتثبيت دعائم بني أمية وترسيخ أن هذه الدولة قد جاءت برعاية الله وقدر الله فكان لزام عليها - بعدما فقدوا الأمل بوجود ما يثبت دعائمهم في القرآن- أن تختلق أحاديث نبوية غير شريفة ضد من يثور على بني أمية ويتهمهم باغتصاب الحكم فقد جاء في صحيح مسلم حديث عن ابن عمر يحكي سياق ذكره لحديث جبريل المشهور، أنقله من صحيح مسلم كما هو مكتوب فيه:

 "حَدَّثَنِى أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ - وَهَذَا حَدِيثُهُ - حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِى الْقَدَرِ ( أي نفى القدر والجبر وآمن بالحرية ) بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِىُّ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِى الْقَدَرِ فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلاً الْمَسْجِدَ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِى أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِى سَيَكِلُ الْكَلاَمَ إِلَىَّ فَقُلْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ - وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ - وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لاَ قَدَرَ وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ (( الأمر أنف يعني رغم الأنف يعني : اغتصب بني أمية السلطة والحكم عدوانا ورغم عن الأنف )). قَالَ فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّى بَرِىءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّى وَالَّذِى يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ ........ ))

فنلاحظ كيف تم اختلاق هذا الحديث لغايات سياسية بحتة وزج موضوع الإيمان بالقضاء والقدر بين الأركان الخمسة لجعل أمر القضاء والقدر مستساغا لجمهور المسلمين ويقبلوا بدولة بني أمية بأن هذه هي مشيئة الله.

فالناظر الآن يعلم أن مسألة الإيمان بالقضاء والقدر هي مخالفة لما جاء في القرآن الكريم وهي تكرس الجبر وتبعث على الكسل والرضا بالظلم تحت مسمى الإيمان لكن قد يقول قائل : 
أليست الحتميات الأربعة هي من القضاء والقدر ( الولادة, المصائب, الرزق, الموت ) ؟؟
فنقول له إن المتبصر في الكون يعلم حرية الاختيار التي وهبها الله للإنسان فالحتميات الأربعة تدخل أيضا ضمن الأسباب التي يأتي بها الإنسان.

اجمالي القراءات 35659