قانون إزدراء الأديان.. عصا لضرب المثقفين في مصر | |||||
|
|||||
العرب محسن عوض الله [نُشر في 03/02/2016، العدد: 10174، ص(13)] | |||||
ورغم اتفاق الجميع على نبل فكرة احترام الأديان وتقديسها، إلا أن هلامية تفاصيل القانون أعطت الحق لأي إنسان بمقاضاة أي شخص بدعوى ازدرائه للأديان، ومع عدم وضوح معايير هذا الازدراء تحول الأمر إلى عبث باهظ التكلفة على سمعة مصر والمجتمع في الأوساط الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرية الإبداع، وبدأت المسألة تأخذ شكل محاكم تفتيش، شبهها البعض بما كان يحدث في أوروبا خلال فترة القرون الوسطى. وفي هذا السياق تؤكد آمنة نصير أستاذة الفلسفة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر لـ”العرب”، أن القانون بوضعه الحالي أصبح مثل المصيدة للمثقفين والمفكرين، خاصة أنه لا يحدد معنى الازدراء. وكشفت نصير، وهي عضو بمجلس النواب المصري، عن نيتها في المطالبة بتعديل القانون لمخالفته الدستور، فضلا عن أنه لا يصح سجن شخص لمجرد زلة لسان أو استخدام عبارة بلاغية يسيء البعض فهمها. وأوضحت أنها ستطلب من البرلمان تقنين إعادة تعريف المادة ووضعها في إطار محدد وربطها بنصوص معيّنة وسد ثغراتها لمنع أصحاب الهوى والشهرة من التلاعب بها واستغلالها لغاية الانتقام والتربص بأي مثقف أو مفكر. وتنص الفقرة “و” من المادة 98 بقانون العقوبات المصري على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه (نحو 75 دولارا) ولا تتجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأي وسيلة أخرى لأفكار منطوقة بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي. الأديان لا تحتاج لمن يحميها والمقدسات مصانة بطبيعتها، فهي التي تحمي الإنسان وليس العكس ولعل أبرز مثال يمكن أن نسوقه في هذا المجال هو حالة المفكر والباحث الإسلامي الراحل نصر حامد أبوزيد الذي صدر حكم بالتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس عام 1995 بدعوى ارتداده عن الإسلام عندما أعد بحثا بعنوان “نقد الخطاب الديني” للحصول على درجة الأستاذية أمام لجنة ضمت عددا من أساتذة جامعة القاهرة أبرزهم عبدالصبور شاهين الذي اتهمه بـ”إنكار المصدر الإلهي للقرآن والعداء الشديد لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما”. وكما كان متوقعا فقد تم تأويل اتهامات شاهين شعبيا بأن أبوزيد ارتد عن الإسلام، وتعالت أصوات السلفيين ودعاة الفتنة وطلاب الشهرة للنيل منه وقتله، ما دفعه للهجرة إلى هولندا برفقة زوجته، حيث أقام هناك 15 عاما وعاد لمصر عام 2010 قبل نحو أسبوعين من وفاته. وقبل ذلك بعقود واجه الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي نفس التهمة عام 1926 عقب صدور كتابه “في الشعر الجاهلي”، حيث تم تحويله للنيابة والتحقيق معه بدعوى الزندقة وإنكار إلهية النصوص القرآنية، ما دعاه إلى الاعتذار عما كتبه. ومن المثقفين الذين واجهوا تهما مشابهة الكاتبة نوال السعداوي والكاتب سيد القمني، كما شهدت مصر خلال الأيام الماضية أحكاما قضائية بحبس الباحث إسلام البحيري والكاتبة فاطمة ناعوت. واللافت للانتباه، أنه في الوقت الذي صمت فيه مجتمع المثقفين تحديدا على حصار نصر حامد أبوزيد وغيره من الباحثين الإسلاميين الجادين بمعرفة دعاة الظلام، انتفض هؤلاء الآن للمطالبة بإلغاء قانون ازدراء الأديان، عقب صدور حكمين بحبس كل من الإعلامي إسلام البحيري والكاتبة فاطمة ناعوت، بدعوى مخالفتهما لنصوص الدستور المصري التي تكفل حرية الرأي والتعبير لجميع المواطنين دون تمييز. ويرى العديد من المثقفين أن المادة أصبحت تستخدم في غرض غير الذي أعدت من أجله، وأن الهدف الأساسي من إعدادها كان مواجهة إرهاب الجماعة الإسلامية ضد الأقباط بصعيد مصر، لكنها أصبحت تستخدم لمواجهة أي دعوة تجديد أو فكر تنويري أو رأي حر بين المسلمين. فاطمة ناعوت الصادر بحقها حكم بالسجن أخيرا بسبب سخريتها من فكرة ذبح الأضحية في الإسلام أكدت لـ“العرب”، أن المشكلة في سوء استخدام حق التقاضي الذي سمح لأي فرد مهما كان مستوى تعليمه بمقاضاة أي كاتب أو مفكر. ووفقا للدستور المصري، فإنه يحق لأي مواطن رفع دعوى ازدراء أديان ضد أي شخص مع احتفاظ النيابة العامة بحق الاستمرار في الدعاوى من عدمه بعد التأكد من جديتها. وبسؤالها حول كيفية حماية الحريات مع الحفاظ على المقدسات واحترام الأديان، أكدت ناعوت أن الأديان لا تحتاج لمن يحميها والمقدسات مصانة بطبيعتها، فهي التي تحمي الإنسان وليس العكس. وشددت على أن الأديان لا تزدرى والإسلام ليس فيه كهنوت ولا يحتاج إلى أحد للدفاع عنه أو أن يجعل نفسه حاميا للدين أو وسيطا بين الله وعباده. |