إلى أي مــدى نحن مستجيبون في واجب التدبر ؟
* (( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) سورة رقم 47 الآية رقم 24.
* (( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)) سورة رقم 4 – الآية رقم : 82.
* (( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الْأَوَّلِينَ)) . سورة رقم 23- الآية رقم 68 .
إن التمعن في هذه الآيات كا&;اف ليجعلنا مقتنعين بأن في الأمر جدية وأن الله العلي القدير يأمر وبإلحاح إلى الأهم وهو واجب تدبر حديثه المنزل ، أي تدبر القرآن كله ولا شئ غيره ، أي تدبر أي موضوع تناوله الله والتحديق فيه وتأصيله ( وبلا حرج وبلا رأفة إن جاز هذا التعبير ) .
وعليه فستصبح في غير محلها تلك الملاحظات التي تأتي من حين لآخر متسائلة ومستغربة وتكاد تكون مستنكرة لتساؤلات يسألها الشخص كانت في عداد المواضيع المسكوت عنها أو حتى في عداد ( الطابوهات ) المحرمات .
نعم كثيرا ما يحدث أن يحكم على تلك التساؤلات بأحكام مسبقة متهمة المتدبر أو حتى السائل المحتار بكل ما يؤدي إلى جعله يلعن لسانه الذي تجرأ على النطق بما طرأ عليه ، وفي نفس الوقت لا ينج ذلك المعلم أو الفقيه أو الواعظ المغرور بمركزه أو بمنصبه من مغبة الجرم أو العصيان الذي اقترفه ألا وهو إثم الظن . ((
ولذلك فإن الحقيقة المرة التي لا مفر من التصريح بها هي أن ثقافة الخوف من التصريح والبوح بما يخطر بالبال ما زالت ومنذ القرون الأولى هي السائدة ، وجعلت السواد الأعظم يعبر عن أمنية في قرارة نفسه مفادها يا ترى يأتيك يوم تزدهر فيه الحياة حتى تصبح تلك الثقافة الملجمة المرهبة هي البائدة ؟
وفي حالة ما إذا كان هناك متشككون في هذا الطرح فلعلهم يغيرون رأيهم في حالة ما إذا تجشموا عناء التسلح بقلم وورقة ليسجلوا عليها وبدون ترتيب تلك المواضيع التي تخطر على البال التي تحسب في عداد المحرمات والمسكوت عنها رغم أنف الآيات القرآنية الصريحة ، ومنها تلك التي وردت في صدر هذا الموضوع المتواضع .
نعم إن تلك التساؤلات كثيرا ما يحكم عليها مسبقا متهمة المتدبر المتسائل بأنه يدعو إلى كذا أو كذا مما لا يروق للمتسرع في الحكم ، متناسية أن موقف ذلك المتسائل يبقى مجرد سؤال بقطع النظر عن ميوله هو . مثل تلك التساؤلات حول الموت والقبر ؟ وما يحدث فيه من نعيم أو غيره ؟ أو نفي ذلك أو استبعاده ؟ أو ظاهرة الختان للذكور ؟ متى فرضت وعلى من ؟ أو تعدد الزوجات ؟ أو الجواري التي ورد كثيرا عنها حديث الرحمن في القرآن لاسيما قضية العلاقة الجنسية بينها وبين من ملكت يمينه منهن ؟ أو صلاة الجمعة المفروضة بصريح العبارة على الذين آمنوا وكيف حدث أن أقصيت المرأة منها ؟ وعن الحدود التي وضحها الله في رسالته وكيف تدخل الإنسان وبأي حق تدخل ليتهم رسول الله بأنه غير فيها إن زيادة أو تقصانا ؟ وتلك التهمة المشهورة التي وصمت بها المرأة بأنها ناقصة دين ؟ وناقصة عقل ؟ وكونها خلقت من ضلع أعوج بدون التحرج بأن هذا الزعم يمكن أن يعتبر هجاء لله عز وجل بأنه عجز عن خلق المرأة سوية كاملة هي الأخرى مثل الرجل ؟ وعن منع المرأة عن الصلاة أثناء فترة الحيض ؟ والجواز لها أو الفرض عليها في أن تصوم ؟ ومنع المرأة كذلك في أن تصلي في المسجد متى أتيح لها ذلك بدعوى أن الصلاة في منزلها هي الأصل وأن غير ذلك هي البدعة بل العصيان ؟ وذلك التساؤل الذي ما زال حائرا مترددا منتظرا جوابا شافيا كافيا مطمئنا عن كيفية الاستجابة لله الذي صلى على عبده النبي هو وملائكته فقط ولم يسلموا ( حسب المفهوم من ظاهر الآية ) ثم أمرنا نحن على أن نصلي عليه ونسلم تسليما ؟ وعن محاولة تنزيه محمد بن عبد الله ورسوله مما يتهم به مما يندى منه الجبين مع عدم الغفلة بأن المتهمين للرسول ليسوا أعداء الله الملحدين أو من أهل الكتاب المغرضين لا ليسوا من هذا الصنف أبدا بل هم من الذين يحلو لهم أن يصفوا أنفسهم ويتظاهروا بالمسلمين الذين تلقوا القرآن وكثيرا ما يصوتون بمناسبة وغير مناسبة أنهم يحبون محمدا عبد الله ورسوله ، وإن كتب ( الصحاح ) وما تعج به من ظلم لشخص عبد الله ورسوله خير شاهد لمن له مثقال ذرة إنصافا وخشية وطمعا في أن يتحول إلى من وصفهم الله بالذين جاهدوا فيه .(( الاية التي تقول الذين جاهدو فينا لنهدينهم سبلنا ) وهكذا فالقائمة تمتد وتطول في المسكوت عنها من المواضيع والتساؤلات كما قد يتبادر إلى القراء الكرام .
والظاهر والمفهوم أن الله عندما أمر عبده بالتدبر ، إنه أي الخالق يعلم يقينا أن التدبر لا يؤدي إلا إلى الخير مهما جاءت حصيلة كل متدبر مغايرة لغيره ، شريطة أن لا يغتر كل متدبر بما وصل إليه ولا يبخس الرأي المقابل أو يحكم عليه أو يحاول إقصاءه .
وعليه فإن المخرج يكمن في واجب كل متدبر هو إحاطة حصيلة غيره المتدبر المقابل بكل احترام وصبر وسعة صدر مهما كان هو في قرارة نفسه فرحا بما لديه ميالا إلى تنزيه رأيه أو حتى مرتكبا خطأ تزكية نفسه ، جاعلا نصب عينيه تلك الآيات الأخرى حيث يعد الله فيها عباده بأنه سينبئهم فيما بعد في ما كانوا فيه مختلفين .(( الاية )