الثورة الإيرانية والإسلام السياسي السبب في تفكك القومية العربية | ||||||||||
|
||||||||||
العرب شيرين الديداموني [نُشر في 07/01/2016، العدد: 10147، ص(7)] | ||||||||||
وقال في حوار مع “العرب” إنه لم تتشكل في الواقع الموضوعي والتاريخي أمة عربية بالمعنى الراسخ لمفهوم القومية، سواء على المستوى العربي الكلي أو حتى على مستوى القومية القطرية، كما في الاستثناء المصري التاريخي ودولة المخزن في المغرب. وأشار عبدالفتاح إلى أن الأزمات الهيكلية لدول ما بعد الاستقلال الشمولية والتسلطية، كانت نتيجة لانفجارات هوياتية وعرقية ومذهبية مسيسة، وفشل اقتصادي وقمع للحريات العامة وانتهاك للحق في الخصوصية. وأضاف أن تلك الدول اعتمدت على الاستراتيجيات القمعية لبناء تكاملها الوطني، من خلال الحديد والنار والدم لفرض اندماجات داخلية بالقوة والإقصاءات والاستبعادات وتسييد عرق ما أو أيديولوجيا ودين ومذهب ومنطقة على غيرها، ومن ثم لم تستطع هذه الدول أن تجدد شرعيتها السياسية وتستكمل مقوماتها البنائية. ورأى المفكر السياسي أن القومية في إيران تشكل العامل الرئيسي حول دولة قوية أيام الشاه أو بعد ثورة الخميني، وتغير طبيعة النظام وشكله لم يؤثر على بعض أساليب الدمج الداخلي من خلال إستراتيجية بوتقة الصهر، فالتغير كان في التحول إلى دولة إسلامية شيعية تحت ولاية الفقيه، لكن لا تزال بعض أشكال الدمج القسري لبعض المكونات العرقية أو المذهبية أو الدينية الأخرى. وأوضح أن تركيا الأتاتوركية هي أساس هذا الاندماج للقومية التركية ثم التطور الاقتصادي الذي تحقق. وفي اعتقاده أن القوميات الفرنسية والألمانية والبريطانية، هي النموذج المثالي الذي استمد منه بعض القوميين العرب، الفكرة القومية العربية، وما يميز هذه القوميات المرجعية، أنها كانت جزءا من تطور تاريخي واجتماعي واقتصادي في ضوء حركة القوميات وتطور الرأسمالية الغربية وتشكل الأمة بالمعنى الحديث كمفهوم وتجسيد في إطار الدولة القومية. فسر عبدالفتاح نجاح حركة القوميات في أوروبا بسبب كونها جزءا من بناء دولة ما بعد وستفاليا، وارتباط ذلك ببناء الأمة في إطار تطور الدولة القومية والرأسمالية وتوسعها الداخلي والخارجي، ويعتبر مشروع الوحدة الأوروبية تطورا متدرجا، وبدأ من خلال اتفاقياتها للتكامل الاقتصادي. أرجع اختفاء الاختلافات العرقية في تلك الدول، إلى نماذج الليبرالية الغربية التي سادت هذه الدول، في إطار دولة القانون وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان أساسا، وثقافة عدم التمييز بين المواطنين. وقال: يضاف إلى ذلك بروز المشتركات الثقافية وحماية التعدد والأصوات المختلفة ووجود تراث ثقافي جامع حول الثقافات الألمانية والفرنسية والإيطالية والبريطانية الأنجلوساكسونية. وضرب الكاتب المصري مثالا بالهند التي استطاعت كما يقول تحقيق ذلك من خلال نموذجها الديمقراطي وتطوره وعدم التراجع عنه وساهم في ذلك التطور الصناعي وانعكاساته الاجتماعية والقاعدة العلمية والتقنية الواسعة ونظام التعليم. القومية العربية كانت أحد أطر تحرك الدولة المصرية ونظامها وأيديولوجيتها التحررية أيام حكم الرئيس جمال عبدالناصر وأوضح أن مفهوم القومية العربية بدا في البداية عاما ومثاليا ومتجاوزا للواقع الموضوعي والتاريخي للدول والمجتمعات العربية، واعتمد لدى البعض على المكون العرقي العربي واللغة العربية والإسلام كديانة للمكون ذي الأغلبية في المجتمعات العربية. وقال: الحركة القومية العربية، ومدارس الفكر والعمل تحت لوائها لم تكن تعبيرا عن تطور تاريخي، وإنما كانت أقرب إلى الفكرة المثالية منها إلى التجسيد النظري والبنائي، ومن ثم ظلت أقرب إلى الحلم منها إلى التحقق. وحول مساهمة التناقضات بين الأنظمة العربية في تراجع تطبيق القومية والوحدة العربية، قال: القومية العربية كانت إطارا أيديولوجيا جامعا رفعت لواءه بعض النخب البعثية في المشرق العربي- سوريا والعراق- يرمي إلى تحقيق إطار يجمع مكونات الدولة والمجتمع المتعددة دينيا ومذهبيا وملليا وعرقيا وقوميا، ومن ثم استخدمت بوصفها إطارا رمزيا جامعا. من جهة أخرى، كانت مادة للتعبئة السياسية لفئات اجتماعية عديدة من الأغلبيات السنية العربية إزاء الاستعمار الغربي ومعارك ما بعد الاستقلال الوطني في إطار حركات التحرر الوطني العربي. لفت الكاتب السياسي إلى أن الصراع على المكانة ساهم في تأجيج المزايدات السياسية والأيديولوجية باسم القومية العربية، بينما الواقع الموضوعي كان يشير إلى أنها اختلاف في السياسات والمحاور الإقليمية، بل وفي كيفية تحقق المفهوم وتجسيداته في إطار العلاقات ما بين الدول العربية ما بعد الاستقلال. وسألت “العرب” نبيل عبدالفتاح عن مدى اعتقاده في وجود مؤامرة غربية لإجهاض الفكرة القومية العربية، فقال: لا أؤمن بنظرية المؤامرة في التحليل السياسي والاجتماعي، لأنها تفسر كل شيء ولا تفسر أي شيء وتؤدي إلى نمط من الاتكالية وروح الهزيمة والانكسار وتوهن العزم السياسي والإرادة السياسية، وتميل النظم والنخب السياسية العربية إلى المؤامرة لتفسير ضعفها وانكسارها على نحو ما نشاهده في سوريا والعراق واليمن وليبيا. أوضح عبدالفتاح أن فكرة القومية العربية نفسها كانت تبدو غائمة في ظل الأوضاع الإقليمية المضطربة، وانهيار الدولة في أكثر من بلد عربي مثل ليبيا واليمن، وظهور اضطرابات سياسية ومذهبية مسيسة في العراق، وفي بناء المحاور الهشة في المنطقة التي تعتمد على الولاءات المذهبية بين الانتماء إلى المذهب السني المصنف كأكثرية والشيعي المصنف كأقلية، لاسيما في المشرق العربي. وقال إنه بسبب هذا النمط من الصراعات البينية اهتزت شرعية بعض الدول العربية على نحو درامي وموحش، خلف وراءه دراما إنسانية. وأضاف أن القومية العربية توارت لصالح مفهوم التضامن العربي الذي تأسس على القبول بواقع الدولة ما دون القومية ونشأ مع دولة ما بعد الاستقلال باستثناء المثالين المصري والمغربي، ومن ثم القبول بشرعية هذا النمط الغالب من الدولة أيا كان نظام الحكم القائم فيها جمهوريا أو ملكيا أو طبيعة النظام السياسي وتوجهاته الاجتماعية، راديكاليا كان أم محافظا.
في تقديره أن الفكرة الآن أصبحت رهينة بعض بقايا الأحزاب القومية المعسورة والمنكسرة، كالناصرية والبعثية وحركة القوميين العرب، والتغير الحاد في التوجهات السياسية من النزعة اليسارية عموما إلى هيمنة الاتجاهات اليمينية ودعوات الإصلاح السياسي والاجتماعي. سطوع وأفول وفشل عندما سألت “العرب” عن ارتباط القومية كفكرة بالرئيس المصري جمال عبدالناصر وتراجعها برحيله، أوضح عبدالفتاح أنها كانت موجودة بالفعل قبل ظهور عبدالناصر كزعامة كاريزمية ملهمة، من خلال روادها الكبار ساطع الحصري وقسطنطين زريق وآخرين، لكنها مع عبدالناصر تطورت لأنها كانت أحد أطر تحرك الدولة المصرية ونظامها وأيديولوجيتها التحررية ودوره في دعم حركات التحرر الوطني العربية وحركة المقاومة الفلسطينية. وعزز تطورها استجابته لمفهوم الدولة القائد التي تحركها القومية العربية، وسعيه لتطوير الجامعة العربية، وفي استجابته لبعض المشاريع الوحدوية، وعلى رأسها الوحدة مع سوريا، ثم الوحدة الثلاثية. لم يستبعد الكاتب المصري أن يكون رحيل عبدالناصر أثر على الفكرة القومية العربية وأفقدها زخمها الأيديولوجي، وكان ذلك سببا في تراجعها مع الأفكار اليسارية والتحررية، لاسيما بعد حرب أكتوبر 1973، وظهور أفكار التضامن العربي كبديل عن القومية العربية والوحدة العربية. وأشار إلى ثورة عوائد النفط وبروز ثقل دوله وقدرتها على فرض بعض سياساتها على المنطقة، بل وفي الجامعة العربية التي تحولت إلى رمز بلا محتوى فاعل، وأدت إلى تواري الفكرة القومية العربية لصالح مفاهيم التضامن العربي والتكامل العربي، كشعارات تحلق في العلاقات العربية. حول فقدان القومية لفكرة قوة الدفع بعد رحيل مفكريها، قال عبدالفتاح إن رحيل بعضهم كان تعبيرا عن تراجع المفهوم القومي العربي سواء على مستوى التنظير للفكرة – المفهوم – أو على مستوى كيفية تجسيدها في الواقع العربي المنقسم. وأضاف أن تراجع الفكرة القومية من أسبابه أيضا الحرب العراقية الإيرانية بعد ثورة الخميني وغزو الكويت من النظام البعثي في العراق، علاوة على أن الثورة الإيرانية وصحوة الأقليات المذهبية الشيعية أدتا إلى صعود المذهبية السياسية. وكشف أن التغيرات نتاج لأزمات الدولة ما بعد الاستقلال، وللحركات الإسلامية السياسية الراديكالية التي أدى استخدام بعضها للعنف الوحشي، إلى تفكيك المفكك وتقسيم المقسم، حيث طرحت نفسها من خلال الفكرة الإسلامية الجامعة كبديل للعروبة وفرض نمط الهيمنة الدينية المذهبية المسيسة. وشدد على أن التجديد في القومية لا بد أن يركز على البعد الثقافي للعروبة والهوية، والتنازل عن البعد الأيديولوجي المعمم الذي كان سائدا في تنظيرات البعث والقوميين العرب والناصريين وتعميماتهم المجنحة، وإغفال بعض المفاهيم المتخيلة، كالهوية والقومية وأنها تتطور وتتحول وليست معطى مسبقا أعطي لمرة واحدة. ثنائية القومية والفكرة الإسلامية شكلت معضلة كبيرة أمام تحقيق حلم القومية العربية، من وجهة نظر نبيل عبدالفتاح المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، وقال لـ “العرب”: لم تستطع النخب الفكرية العروبية أو أنظمة الحكم السعي إلى رفع التناقض في ما بينهما. وأرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها أن الفكرتين تبدوان مفارقتين للواقع التاريخي العربي والإسلامي معا، وكلتاهما شموليتان، الأولى تعتمد على الرابطة الدينية الإسلامية ومفهوم الأمة الإسلامية، في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية، والعرب لم يكونوا جزءا من قيادة هذه الإمبراطورية التي اعتمدت على أقوام وأديان أخرى في إدارة شؤون الولايات الخاضعة لها. غالبية الدول والنظم السياسية العربية تنص على أن ديانة الدولة الإسلام وتوظف الإسلام في العمليات السياسية الداخلية، وفي الصراعات البينية العربية- العربية القومية العربية والإسلام قال عبدالفتاح: إن العرب تراجعوا عن القيادة في القرن العاشر، في أعقاب استعارة نموذج الدولة الوستفالية، دون أسسها التاريخية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في أعقاب الاستقلال وظهور الدول الإسلامية، واختلفت مستويات تطورها وثقافاتها ومكونات هوياتها، سواء في آسيا أو في أفريقيا، ومن ثم لم تعد الفكرة الإسلامية الجامعة تراود هذه الدول. وأضاف: بعض تلك الدول استخدمت الدين رمزا وإطارا لها، كباكستان لأسباب تتصل بالصراع السياسي في شبه القارة الهندية وتوظيف الإسلام كأحد مصادر تشكيل التكامل الوطني الداخلي، وفي التعبئة السياسية والدينية إزاء الهند، إلا أنها تتصرف كدولة لها مصالحها التي تختلف عن مصالح دول إسلامية أخرى، وهذا حال كل أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي حيث تصدر العشرات والمئات من التوصيات التي لا وزن لها. وأكد أن الفكرة الإسلامية الجامعة شكلت تحديا للفكرة القومية العربية الجامعة داخل الإطار العربي، لأن غالبية الدول والنظم السياسية العربية تنص على أن ديانة الدولة الإسلام وتوظف الإسلام في العمليات السياسية الداخلية، وفي الصراعات البينية العربية- العربية، لاسيما الدول النفطية في الخليج وشبه الجزيرة العربية. ومع ظهور الدولة الإسلامية في إيران واعتمادها على مفهوم ولاية الفقيه وتنامي دورها في الإقليم، ودعمها لسوريا وحزب الله وحماس والشيعة في البحرين وفي المنطقة الشرقية في السعودية، بدا الصراع السياسي على قيادة الإقليم من خارجه، إيران وتركيا وإسرائيل، وكأنه صراع مذهبي في ظل التوظيف السياسي للمذهب الديني، هذه النزعة لمذهبة الصراع الإقليمي أدت إلى بروز المذهبية المسيسة باسم الفكرة الإسلامية الجامعة التي تحولت إلى قناع أيديولوجي وليس تعبيرا عن واقع موضوعي. أشار عبدالفتاح إلى التناقض الكبير الذي أظهرته بعض قوى الإسلام السياسي إزاء الفكرة العربية، من خلال استخدام مفهوم الخلافة الإسلامية من قبل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس والسلفيين وتنظيم داعش في العراق وسوريا، وجبهة النصرة وقبلها تنظيم القاعدة، فهي لا تأبه بمفهوم الدولة الوطنية وتعادي مفهوم القومية العربية. ويرى المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية أن محاولات التوفيق بين الفكرة الإسلامية ذات الأساس الديني والفكرة القومية العربية لم تحقق نجاحا ملموسا، بسبب كونها أقرب إلى التلفيق بين مفهوم ديني يعتمد على أولوية الولاء للرابطة الدينية على الرابطة الوطنية والرابطة القومية العربية وهما مفهومان مدنيان. وطالب بضرورة إحياء الفكرة العربية الحديثة لا القومية العربية، من خلال التكامل والتفاعلات الثقافية بين الدول أو المجتمعات العربية الأهلية التي تمارس هذه الفكرة أصلا تفاعلا وتكاملا ربما بما يتجاوز دور الدول العربية ذاتها. وقال إن أفول الفكرة القومية في هذا العالم المعولم وما بعده وما بعد الحديث، يستوجب التركيز على الجامع العروبي اللغوي والثقافي بكل مكوناته الثقافية والهوياتية الداخلية. ولفت إلى أن الاندماج المسيحي العربي في الثقافة العربية مؤثر، ولهم دورهم التاريخي في تأسيس الفكرة العربية وفق معانيها الحداثية، ودورهم في اللغة العربية والترجمة والإبداع الثقافي في المسرح والسينما ومختلف الفنون الآخرى. وفي اعتقاده لا عروبة دون المسيحيين العرب، فغيابهم إفقار لها وتحويلها إلى جزء من المفاهيم الدينية، وتحويل الفكرة العربية من المجال الحداثي المدني إلى المجال الديني. رأى عبدالفتاح أن الفكرة العربية والعروبة هي المخرج لأنها إطار جامع دون قومية لم تتوافر شرائطها الموضوعية، وهي فكرة إطارية تستوعب مكوناتها العرقية والدينية والمذهبية والطائفية. وأوضح أن الاستتباب هنا لا يعني الهيمنة من الفكرة العربية والعروبة على الأمازيغ أو الشيعة أو قبائل إقليم دارفور الأفريقية في غرب السودان، وإنما هي إطار ثقافي جامع في إطار التعدد الداخلي لمكوناته التي يتاح لها التعبير عن ثقافتها وهوياتها المتعددة. أما الصراعات والحروب في الإقليم العربي، فهي لا علاقة لها بالعروبة وإنما لها أسبابها الموضوعية في تركيبة النخب الحاكمة والأنظمة السياسية في بعض البلدان العربية وسياساتها. عندما سألت “العرب” عن مدى إمكانية إحياء الفكرة القومية العربية في ظل تفكك الدولة الوطنية في العديد من الدول العربية، كليبيا والعراق وسوريا واليمن، قال إن إحياء العروبة يحتاج إلى التجديد نظريا، والبحث عن أشكال جديدة للتكامل والتفاعل العربي من داخل الدولة الوطنية، والأهم من خارجها عبر منظمات المجتمع الأهلي وتشبيكاتها والتي تتطور أكبر وأسرع من أدوار الدولة الوطنية العربية لاسيما على الصعيد الثقافي. |