تقرير التنمية العربية

محمد منصور في الثلاثاء ١٠ - أكتوبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

يطرح هذا التقرير معالجة متعمقة لنقص الحريات والحكم الصالح فى الوطن العربى فقد أضحت أزمة التنمية فى الوطن العربى من التعقيد لدرجة جعلت اى حل جزئى ليس كافيا ومن ثم فإن الاصلاح الشامل فى البلدان العربية لم يعد يحتمل التأجيل ، ويبدأ التقرير برصد مجموعة من مبادرات الاصلاح سواء الرسمية والتى تمثلت فى بيان مسيرة الاصلاح والتطوير الصادرة عن القمة العربية او المبادرات الاهلية التى من اهمها مبادرة اعلان صنعاء ووثيقة الاسكندرية أو المبادرات الخارجية التى تمثلت فى مشروع الشرق الاوسط الاوسع الذى وضعت له اهدافا اقل طموحا بعد اعتراض الدول العربية على مشروع االشرق الاوسط الكبير وقد ادى تنامى الضغوط الداخلية والخارجية على الدول العربية الى ان تقوم بخطوات للتغلب على النواقص الثلاث فى المعرفة والحرية وتمكين المرأة الا ان هذه التطورات الايجابية مازالت جنينية ومتناثرة ولا ترقى فى مجملها لمستوى القضاء على مناخ كبت الحرية المستقر .
حال الحرية والحكم الصالح
يتدنى مستوى التمتع بالحرية فى جميع البلدان العربية بدرجات متفاوته والحريات فى الوطن العربى مستهدفة من سلطتين الاولى سلطة الانظمة الديكتاتورية وسلطة التقاليد المتسترة بالدين احيانا ، وشملت انتهاكات حرية الرأى والتعبير الاعتداء على الناشطين السياسيين والناشطين الحقوقيين ، كما انتهكت حرية تكوين الجمعيات وانصبت معظم الاجراءات السلبية على المنظمات الاهلية العاملة فى مجال حقوق الانسان اما بالنسبة للحكم الصالح فلا توجد فى البلدان العربية انتخابات رئاسية تنافسية حرة فقد عانت كل تجارب الانتخابات – اذا وجدت – من تزييف إرادة الناخبين وتدنى مستوى تمثيل المعارضة وبالتالى اعادت السلطات الحاكمة انتاج نفسها فى كل الحالات ، وبالتالى واجهت كل الدول العربية ازمة غياب الشرعية وبالتالى لجأت النظم العربية الى الاستناد الى شرعيات تقليدية( دينية/ قبلية ) او ثورية ( قومية / تحريرية ) بيد ان الفشل فى التصدى للقضايا القومية او الوطنية المحلية نزع الشرعية عن بعض الانظمة مما جعلها تتجه الى اعتماد شرعية الابتزاز لتبرير وجودها وتتمثل هذه الشرعية فى كون هذا النظام بعينه اهون الشرين( الاستبداد الأصولى ، انهيار الدولة)
انتهاك حقوق الاقليات
أن انتهاك حقوق الانسان فى الدول العربية يتحول الى انتهاك ابشع فى حالة الاقليات العرقية او الدينية او اللغوية وفى هذه الحالة يكون القهر الممارس على الاقلية مزدوج من السلطة والأكثرية وقد حدث هذا القهر المزدوج لكل من البدون والمتجنسون والعمالة الوافدة ( دول الخليج ) ، الدارفوريون (السودان)، الأكراد المحرومين من الجنسية (سوريا )، الأخدام ( اليمن )، الحراطين ( موريتانيا)
المرأة والاقصاء المزدوج
تعانى المرأة بشكل عام من التمييز السلبى على المستوى القانونى والعملى ويمكن اجمال المجالات التى تعانى المرأة فيها من التمييز السلبى فى : المشاركة السياسية وقوانين الاحوال الشخصية وعدم توريث المرأة جنسيتها لأبنائها والعنف الذى يمارس ضد المرأة فى الوسط العائلى والمجتمعى والذى يبلغ ذروته فى مناطق الصراعات المسلحة
البنى المعوقة للحرية

أن الصورة القاتمة للحريات فى الدول العربية تثير عدد من التساؤلات لعل أهمها هو لماذا بقى العرب الأمة الاقل تمتعا بالحرية بين مختلف دول العالم وما الذى يفرغ المؤسسات الديمقراطية العربية من مضمونها الاصلى الحامى للحرية وبعيدا عن الاجابات العنصرية لهذه الاسئلة فقد حدد التقرير مجموعة من الاشكاليات التى تعوق نمو الحريات فى الوطن العربى اهمها التناقض بين الحرية فى البلدان العربية ومصالح القوى المهيمنة عالميا التى تعاملت حتى وقت قريب مع مسألة الحريات بمعايير مزدوجة طبقا لاتجاهات مصالحها وكان ان استثمرت الدول العربية لجوء بعض الدول الغربية للقيام ببعض الممارسات القمعية لمواجهة الارهاب ، فقامت السلطات العربية بقمع المنظمات الحقوقية المدنية قانونيا ودعائيا كما عانت قضية الحرية من عدم وجود الحركات السياسية الجماهيرية التى تناضل من أجلها فالتيارات الجماهيرية العربية مثل التيار القومى والاسلامى أوليا اهتماما اكبر بمبادئهما الايدولوجية كما لايمكن اغفال تذرع السلطة الحاكمة ببعض الحجج للتنصل من الالتزام بحقوق الانسان وللأسف فقد نجحت فى اقناع قطاع كبير من الشعوب العربية بهذه الحجج مثل التذرع بالخصوصية الثقافية وان الديمقراطية ضد الاسلام أو أن تطبيق الديمقراطية سيؤدى الى وصول الاسلاميين الراديكاليين الى الحكم إلا أن أهم الاشكاليات المعوقة للحريات فى الدول العربية هى اشكالية البنية القانونية للتشريعات العربية حيث تحمل بعض الدساتير العربية فى صميم نصوصها صياغات ذات طبيعة ايدولوجية او دينية تتعارض مع حقوق الانسان او ان يأخذ الانتهاك الدستورى لحقوق الانسان صورة الانحياز الايدولوجى الذى لا يمنح للمخالفين فى الانتماء السياسى حق الوجود حيث ينص الدستورالسورى مثلا على قيادة حزب البعث للمجتمع والدولة ومن اخطر صور الانتهاكات التشريعية لحقوق الانسان سماح المشرع العربى للسلطة التنفيذية باللجوء الى فرض حالة الطوارىء بإفراط حتى اصبحت حالة الطوارىء قاعدة فى الحياة السياسية فى دول مثل مصر والسودان وسوريا . وحتى اذا قام المشرع بصيانة حقوق الانسان فى الدستورفإنه يحيل تنظيم ممارسة الحريات الى قوانين تقيد هذا الحق وتصادره احيانا حيث تغلب اعتبارات الامن واستمرار النظام الحاكم على قيم الحرية واحترام التعددية وفى النهاية ينتفى استقلال القضاء فى الدول العربية خاصة مع وجود المخصصات المالية للقضاء فى يد السلطة التنفيذية التى تتدخل ايضا فى تعيين وعزل القضاة
.
دولة الثقب الاسود

شبه التقرير سيطرة السلطة التنفيذية على باقى السلطات بظاهرة الثقب الاسود الفلكية التى تبتلع ما يقابلها فبالإضافة الى الصلاحيات المطلقة المركزة فى يد السلطة التنفيذية فإن هناك آليات أخرى تتيح للحاكم مزيدا من تركيز السلطات له مثل ما يسمى بالاحزاب الحاكمة التى هى فى الواقع مؤسسات تابعة لرئيس الدولة الذى يعتبر أيضا رئيس الحزب اضافة الى ذلك فان السلطة التنفيذية فى الدول العربية تستخدم القضاءالعادى والاستثنائى لاقصاء وتحجيم الخصوم السياسيين وحتى بعض الاتباع المتمردين مستخدمة بذلك ما يمكن تسميته الفساد المسكوت عنه حيث يستخدم سلاح تطبيق القانون فقط لضمان استمرار ولاء الاتباع للنظام اما بالنسبة للمجتمع المدنى فتسعى السلطة التنفيذية الى الهيمنة عليه عن طريق استراتيجية ثنائية تقوم على القمع والاحتواء ويترتب عن الممارسة القهرية لدولة الثقب الاسود استمرار العجز التنموي، كما يترتب عنها تعريض الأقطار العربية للضغوط الخارجية

بدائل المستقبل العربى

حدد التقرير ثلاثة مسارات من الممكن ان يتخذها مسار المستقبل العربى هى
مسار الخراب الاتى
وفيه يستمر التدهور فى الحريات ومعدل التنمية بما يعمق الصراع المجتمعى ليفتح الباب لحدوث صراعات اهلية تغذيها النعرات الطائفية لتدخل البلاد العربية فى النهاية الى سلسلة من الانقلابات العسكرية .
مسار الازدهار الانسانى
وفيه يتم تداول سلمى ديمقراطى للسلطة من خلال تبنى جميع فئات الشعب لعملية الاصلاح وبالتالى يتم إعادة توزيع السلطة والثروة فى المجتمع بما يعمل على اقامة نسق الحكم الصالح
مسار وسط : الاصلاح المدفوع من الخارج
يرى التقرير انه فى المنظور الواقعى انه قد يتبلور المستقبل العربى على مسار ما بين هذين البديلين الاخرين بحيث تستفيد موجة الاصلاح الداخلى من ثمار الضغط الخارجى على النظم الديكتاتورية الحاكمة
اجمالي القراءات 14109