الفلسفة العربية الاسلامية (المقولات الاسلامية)
اول الفلاسفة العرب والمسلمين وهو فيلسوف الاسلام كما لقبه المستشرقون الكندي ، ورغم أن للكندي ممارسات ابداعية في مختلف العلوم الطبيعية والرياضية والطب.إلا أنه غلبت عنده النزعة الفلسفية على سائر النزعات والمؤثرات وسلك المسلك الفلسفي الذي انطبع به تفكيره بوجه عام ، وظهرت به الفلسفة العربية في اول تجلياتها خارج اطار علم النص الديني ، وفي هذه المقالة سنتجول في عالم الفلسفة الاسلامية للوقوف على معالجتها &aaaacute;لمشكلات الفكرية في عصره .اولى المشاكل التي واجهته انذاك هي
مشكلة المعرفة:
كانت هذه المشكلة في مقدمة المشاكل الفكرية التي كان على الكندي ،تخطي أطر النص الديني الذي ساد انذاك منذ عصر المعتزلة ،حيث ان الصراع الفكري والمسمى علم الكلام عالج موضوع المعرفة لكن بمنهجية كلامية قامت على معارضة مدرسة اهل الحديث والتي حصرت المعرفة في مصدر واحد هو الدليل النصي أو السمعي ،كما كانوا يسمونه (نصوص القرآن والسنة)،وتهمل المصدر الأخر العقل .وحين حاول المعتزلة توسيع نطاق المعرفة،لم تخرج محاولتهم عن نطاق المنهج الديني النصي ..أي أنهم حصروا المعرفة فقط بالبحث في العلاقة مابين علاقة هذا العالم بالله عز وجل.ولم يتطرقوا الى علاقة الانسان بالطبيعة مثلاً.
اما الكندي فهو اول مفكر عربي وضع قضية المعرفة في مجال أوسع مما كان من قبل ،وفتح امام الفكر العربي أفاق المعرفة الفلسفية بمعناها الاشمل ،وافاق المعرفة الطبيعية،النظرية والتجريبية ،دون ربطها مع النص الديني، وابرز ما يظهرفي هذا المنهج تحديده للفلسفة بانها(علم الاشياء بحقائقها بقدر طاقة الانسان) وخرج علم الفلسفة من الاطار النصي الى البحث في حقائق الاشياء التي هي حقائق عامة للوجود .وقسم المعرفة الى ...المعرفة الحسية (عالمها العالم المحسوس أي المادي)..... المعرفة العقلية ( ومجالها الامور التي لاتدرك بالحس ،ولا يمكن الوصول اليها إلا بالطرق الاستدلالية وبالعقل مثل موضوعات العلم الرياضي والكليات). المعرفة الآلهية (وموضوعها الله والشريعة )ويسميها الكندي "علم الربوبية"
هذا التقسيم الثلاثي ،حصره الكندي حسب المصدر الى نوعين من انواع المعرفة .العلم الآلهي ،والعلم الانساني . العلم الآلهي هو الصادر عن الله عز وجل ووصل الينا بطريق الانبياء والرسل الذين جاؤا "بالاقرار بربوبية الله وحده" وهذا العلم هو العلم الذي يوصلنا الى حقائق الغيب وغيره من الحقائق التي يعجز الانسان بامكانيته وطاقته واستعداده عن الوصول إليها . اما العلم الانساني ،هو العلم الذي يصل إليه الانسان بطاقته ويشمل علم المحسوسات وعلم الامور العقلية (هذا العلم الذي تجاهلته الامة ،ووصلت الى ما وصلت إليه من التخلف والجهل).
ملاحظة هامة جداً جداً : بعض المستشرقين فسروا تقسيم الكندي المعرفة الى العلم الآلهي ،والعلم الانساني بانه حصر معرفة الله عز وجل في العلم الآلهي فقط وهذا نوع من الدس على فيلسوفنا الكبير.لكن الحقيقة أن الكندي قام بهذا التقسيم لغرض أخر ،هو التفريق بين طريق الدين الى معرفة الله عز وجل ،وطريق الفلسفة الى هذه المعرفة .فالدين يصل إليه بطريق الانبياء،والفلسفة بطريق معرفة العلة (علة وجود العالم )أي بطريق فلسفي محض. وكما ألمحت في المقالة السابقة بأن علم العلة هو مايسمى بالفلسفة الاولى وفقا للتسمية الارسطية ،وهي "اشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة" لأنها علم الحق الاول الذي هو علة كل حق" ولإن علم العلة اشرف من علم المعلول.وهذا العلم يتطلب من الإنسان إعمال العقل والتفكر وطرح الاسئلة والبحث عن الاجوبة للوصول الى الجواب اليقيني نسبياً .ولهذا تعتبر نظرية العلة الثانية في الأهمية في ترتيب المقولات الفلسفية الاسلامية .
نظرية العلة :
في هذه المشكلة يتناول الكندي مفهوم العلة على أساس فلسفي ،لا على اساس كلامي (معتزلي) ،ونظام العلة عند الكندي هو نظام صارم مترابط الحلقات من العلل والمعولات في جدلية هابط من الاعلى الى الادنى،أي من العلة الاولى(في المصطلح الفلسفي للكندي تعني العلة الاولى الله عز وجل ،وهو ما سماه ارسطو السبب الاول ،واستخدم الكندي مصطلحات أخرى تعبر عن الله عز وجل مثل "الحق الاول". " الفاعل الحق الاول التام" ."المطلق" ."االازلي" .) الى سلسلة من الكائنات العلوية والكائنات المادية يؤثر السابق منها في اللاحق دون العكس مطلقاً. فالسابق علة واللاحق معلول . والعلة أرقى من المعلول في مراتب الوجود .وما هو أرقى يؤثر في ما هو ادنى منه ولا يتأثر به. فكل حلقة في سلسلة هذا النظام هي فاعلة من حيث هي علة لما بعدها،ومنفعلة من حيث عي معلةلة لما قبلها .....سوى العلة الاولى ،فهذه وحدها فاعلة غير منفعلة .أي أن الله عز وجل هو فاعل وغير منفعل .ومع ذلك واجه الكندي قضية من أعقد القضايا الفكرية أنذاك ،من قبل الذين أرادوا للأسلام أن يحجر في نطاق تفكيرهم القاصر،والذين رفضوا التعامل مع الفكر الانساني بحجة الخوف على ضياع الاسلام ،لكن الواقع كان الخوف على ضياع مصالحهم .لهذا كانت قضية الموقف من الأخر أو من فلسفة الاوائل هي إحدى القضايا التي كان لابد للكندي من ان يبدي رايه الصارم والواضح كما سنورده في الفقرة اللاحقة
مشكلة الموقف من فلسفة الاوائل:
هذه المشكلة تأتي في الدرجة الثالثة بعد مشكلة المعرفة والعلة .فقد كان للتراث الفلسفي العالمي القديم تأثيراته العميقة في الفكر العربي ،والموقف منه انذاك ولد مشكلات جديدة على صعيد الصراع الاجتماعي الايديولوحي . مثلاً مشكلة خلق القرآن (التي سنتطرق إليها من منظور أخر ،مغاير لما طرقه بعض الأخوة من على هذا الموقع) . حيث عاصره الكندي في مرحلتيه . وفي هذا السياق تجلى موقف الكندي الاصيل من التراث حيث ،كان موقفه موقفاً عبر عن منهجية فلسفية سليمة ، تجلى ذلك في نظرتين.نظرة الى التراث الفلسفي الذي فهمه الكندي بانه نتاج عالمي مشترك اسهمت في صنعه في مئات العصور ،الاف العقول من مختلف القوميات والشعوب.. ونظرة الى رجال فئة رجال الدين الذين يضعون أنفسهم في موضع الممثلين للايدولوجية المسيطرة باسم الدين . اما نظرته الاولى فقد عبر عنها بطريقة علمية رائعة ،لأنها تقوم على رؤية واقعية لمفهوم التراث البشري الفكري ،ولإنها بريئة من التعصب العرقي والتعصب الديني .فهذا الموقف انذاك وفي ذلك العصر أعتبره موقفاً ثورياً وتقدمياً ،وجريئاً. وقد لخص موقفه بقوله:
"فانهم( الفلاسفة الاوائل) لولم يكونوا ،لم يجتمع لنا مع شدة البحث في مددنا كلها هذه الاوائل الحقية التي بها خرجنا الى الاواخر من مطلوباتنا الحقية .(ويقصد بها المبادئ المعرفية الحقيقية التي اصبحت لدينا بمثابة مبادئ أولية بديهية . والاواخر يقصد بها المعارف الأخيرة التي يحصلون عليها في عصره .كان ذلك انما اجتمع في الاعصار السالفة المتقادمة،عصرا بعد عصر الى زماننا هذا،مع شدة البحث ولزوم الدأب وإيثار التعب في ذلك.وغير ممكن أن يجتمع في زمن المرء الواحد،وان اتسعت مدته،واشتد بحثه ،ولطف نظره وآثر الدأب،ما ا جتمع بمثل ذلك من شدة البحث والطاف النظر وايثار الأب في اضعاف ذلك من الزمان الاضعاف الكثيرة" وهذا الموقف يتطابق وموقف ارسطو الذي قال:" ينبغي أن نشكر لآباء الذين آتوا يشيء من الحق ،إذ كانوا سبب كونهم (أي سبب وجودهم) فضلاً عن انهم سبب لهم ،وإذ هم سبب لنا الى نيل الحق".
اما انفتاح رؤيته وفكره فقد عبر عن ذلك بقوله الرائع "ينبغي لنا أن لانستحي من استحسان الحق من أين اتى ،وأن أتى من الاجناس القاصية عنا والامم المباينة لنا ،فأنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق,وليس ينبغي بخس الحق ،ولا تصغير بقائله ولا بالآتي به،ولا أحد بُخس بالحق،بل يشرفه الحق"
وفي هذا المقام يحضرني قول ريتشارد فالتزر استاذ الفلسفة الاسلامية في جامعة أكسفورد حيث علق على قول الكندي من موقفه من التراث بقوله: " وهذا يعني أن الكندي لا يعبر فقط عن الفكر اليوناني باللغة العربية ،وإنما يدعي لنفسه شيئاً من الاصالة الفكرية "
اما موقفه ونظرته الى رجال الدين .الذين تحاملوا على الفلسفة ،وقذفوا المشتغلين بها بتهمة الكفر والزندقة فكان الكندي جزاه الله خيراً أول من كشف القناع الذي يكمن وراء موقفهم هذا بقوله "ذبا عن كراسيهم المزورة التي نصبوها لأنفسهم من غير استحقاق ،بل للترؤس والتجارة بالدين،وهم عدماء الدين،لأن من تجر بشيء باعه ،ومن باع شيئاً لم يكن له ،من تجر بالدين لم يكن له دين. ويحق أن يتعرى من الدين من عاند قنية علم الاشياء بحقائقها( يقصد الفلسفة) وسماها كفراً،لأن في علم الاشياء بحقائقها علم الربوبية،وعلم الفضيلة ،وجملة كل علم نافع ،والسبيل اليه،والبعد عن كل ضار ،والاحتراس منه " مشكلة العلاقة بين الشريعة والفلسفة :
كانت احدىمشكلات العصر في تلك المرحلة ،حيث تم التطرق فيها الى مشكلة الايمان والعقل. وتعتبر هذه المشكلة بشكلها الجديد انذاك (شكل الصراع بين الدين والفلسفة) وهي امتداد للصراع الايديولوجي الذي ميز ذلك العصر في مقولاته المعروفة . من هنا كان تحديد الموقف الحاسم في مشكلة العلاقة مابين الدين والفلسفة،لا ينفصل عن تحديد الموقع الحاسم في جبهة الصراع الايديولوجي . ورغم دفاعه المستميت عن الفلسفة والمنهج الفلسفي الذي تكون لديه من جملة مؤثرات معرفية وتجربية في العلوم الطبيعية والرياضيات. ومع ذلك بقي ارتباطه الوجداني بالمسلمات الايمانية ،وارتباطه بالايدولوجية الدينية قويا . هذا التداخل وضع الكندي في وضع لم يوفر له القدرة على حل مشكلة العلاقة بين الدين والفلسفة ،فبقيت العلاقة بينهما،في مجمل منظومته الفكرية،علاقة ازدواج وتداخل،ولكن ضمن اطار منهجية فلسفية تعتمد مقولات الفلسفة ومفاهيمها بوجه عام . ومن هذا الوضع نشأت ثنائية الحقيقة عند الكندي .أو في الفكر العربي الاسلامي . وأقصد بثنائية الحقيقة ،الحقيقة الدينية ـوالحقيقة الفلسفية . وهنا لابد ان نؤكد أن هذا الانتقال هو الحركة التاريخية الفارقة بين مرحلتين ،مرحلة علم الكلام المعتزلي،ومرحلة الفكر الفلسفي المستقل.او بالأحرى قد اسس لافتراق خطين ،خط علم الكلام السني ،وخط الفلسفة حيث يدأعصر ثنائية الحقيقة
ماهي ثنائية الحقيقة عند الكندي ....حتى لايذهب بنا الخيال الى وجود حقيقتين في العالم.ابداً...فالكندي عبر عن ذلك بقوله .إن كلتا الحقيقتين الدينية والفلسفية حق. أي هناك علاقة انسجام وتطابق ،لا علاقة تعارض او تناقض. ومن هنا كان نقد الفلاسفة المادين والمستشرقين لفلسفة الكندي كونها حسب رأيهم فلسفة توفيقية .
المقارنات مع الفلسفة اليونانية.
غايتي من هذا القسم الرد على المستشرقين الذين ،لم ولن يعترفوا بمساهمة العقل العربي والاسلامي في الحفاظ على التراث البشري ،ومن ثم تهذيبه بالفكر الاسلامي التوحيدي. الرد على الذين قالوا أن فلسفة الكندي هي الفلسفة اليونانية بلغة عربية .وسوف نبدأ بالمقارنة في موضوع المبدأ والمصير. وكان السؤال الاهم في هذا السياق هو:
هل العالم قديم (أزلي) أم حادث ، أو هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ وإذاخلق هل خلق من عدم (من شيء ام لا شيء.
هنا أطلب من شباب أهل القرآن أن يمعنوا الفكر ،في هذه الاسئلة وكيف تمت معالجتها بروح فلسفية أيمانية ،بمقولات فلسفية استفادت من علوم الأخرين وهذبتها اسلامياً .وأقول للشباب ،أن علم الفلسفة لم ينتهي بانتهاء الفلسفة اليونامية ،والوسيطة الاسلامية ،هذا العلم كل يوم يتجدد ،ونحن بأشد الحاجة الى تهذيبه باستمرار ، لأننا سنتطرق الى تأثير علم الفلسفة على الحضارات بشكل عام إن شاء الله .
الله عز وجل مابين ارسطو والكندي.
اساس الاختلاف مابين ارسطو والكندي في مفهوم الله. هو اختلاف منطلق كل منهما
ارسطو ينطلق من نظرة عقلانية لمفهوم الأله،ويعالج القضية بطريقة عقلانية ، الله في مذهبه ..عقل نظري ،وليس الله الديني ...هو عقل صافي محض ..لذا لايمكن فهمه الا بطريق العقل.وهو صورة الصور.اي صورة لكل صورة محتملة التحقيق في الوجود.ونستطيع القول أن ارسطو انطلق في هذه القضية من الخاص الى العام..اي من العالم المادي الى العالم المجرد .
موقف الكندي من مفهوم الله .انطلق الكندي من المسلمات الدينية ، نشوء العالم من لاشيء ،أو نشوء الوجود من العدم ،وأن الله هومنشيء كل شيء من لاشيء .هنا نستطيع القول أن موقف الكندي من هذه القضية هو موقف ديني أكثر منه فلسفي. اما الجانب الفلسفي منه يقتصر على اشكال الاستدلال.
مقارنة مع افلاطون:
وكما كان الكندي مختلفا في مفهومه عن الله ،كان مختلفا أيضا مع افلاطون .وخاصة في موضوع العلاقة مابين الله والعالم. حيث أن افلاطون حسب نظرية المثل كان يعتقد بوجودات حقيقية أزلية متكثرة بقدر كثرة الانواع والاجناس والاشياء في العالم الحسي التي هي ظلال أو أشباح ل المثل الازلية القائمة في عالم الافكار . بينما الكندي في مفهومه عن العالم والله ،كونه لايعترف بوجود حقيقي أزلي غير وجود الله الواحد خالق كل شيء من لاشيء.وكانت وجهات الاختلاف تتلخص
من جهة تعدد الوجودات الازلية عند افلاطون،ووحدانيتها عند الكندي .... من عدم الاعتراف بوجود حقيقي في العالم الحسي عند افلاطون ،والاعتراف بوجود حقيقي موضوعي لهذا العالم عند الكندي ..... من جهة أنه لاشيء في العالم الحسي مخلوق من لاشيء عند افلاطون ما دامت أشياء هذا العالم وانواعه ليست سوى انعكاسات لما يطابقها في عالم الافكار فهي إذن ناشئة عن الافكار وليست ناشئة من لاشيء ،اما عند الكندي فكل شيء في عالمنا من لاشيء......من جهة أن سبب وجود الاشياء متعدد في عالمنا عند افلاطون لأن لكل منها سببا هو "المثال" المطابق لها في علم الافكار. في حين أن سبب كل شيء في هذاالعالم واحد أحد هو الله ،عند الكندي.... من جهة أن الله الفكرة عتد افلاطون جوهر العالم .فالعالم إذن ليس خارج الله ،والله ليس مفارقاً للعالم أي أن افلاطون بنتهي بذلك الى القول بألوهية العالم .وينفي الازدواجية بين الله والطبيعة. اما عند الكندي فإن الله،بما انه خلق العالم ،هو خارج العالم مفارق له،أي هناك ازدواجية بين الله والعالم.
المقالة التالية . مقارنة مع الافلاطونية الجديدة ، وبعض المقولات الاساسية لتكملة الموضوع.