نجاة بلقاسم» من ريف المغرب إلى أول وزيرة للتعليم في فرنسا

في الأحد ١٣ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

“كانت أمي تقول لي لا تقلقي إن بالحياة خيالا وأحلاما أكبر مما تتصورين”، هكذا تتذكر نجاة فالو بلقاسم كلمات والدتها، التي قالت عنها: إنها كانت دائما تشجعها لاستكمال دراستها وعلى الاستقلال بذاتها، استطاعت نجاة ـ التي لا تفارق الابتسامة محياها ـ أن تشق طريقها نحو قصر الإليزيه وهي في بداية الثلاثينات، بعدما كانت في يوم من الأيام خلال طفولتها راعية ماعز في قرية بائسة، لا تصلها سيارة إلا لماما.

البداية: من ريف المغرب

في بلدة تدعى “بني شيكر” بمدينة الناظور بمنطقة الريف شمال المغرب، المنطقة التي لا تفوقها منطقة في العالم ـ ربما ـ في تصدير شيئين: المهاجرين والحشيش، هناك ارتأى القدر أن يكون مولدها بقرية ريفية يغلفها الفقر من كل جانب، بدأت طفولتها بمرافقة جدها وهو يرعى الماعز على سفوح الجبال التي تحيط قريتها في عزلة تامة عن العالم، وتجلب الماء مع أختها الكبرى من الساقية، حينها تحكي أنها لم تكن تشاهد على الطريق غير المعبد سوى سيارة واحدة في كل شهر.

بعد أن بلغت الخامسة من عمرها، التحقت نجاة بلقاسم مع والدتها وأختها الكبرى بالأب، الذي كان يعمل في قطاع البناء بفرنسا، والدها كان واحدا من بين القرويين البسطاء الذين استقدمتهم فرنسا لإعمار أرضها، بعد أن خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة تماما، انتقلت أسرة بلقاسم إلى حي متواضع بمدينة أبيفيل شمال فرنسا قبل أن تتحول مرة أخرى إلى مدينة أميان لتبدأ حياتها !

تقول نجاة إن أباها كان صارما معها، ولم يكن ليسمح لها بالخروج إلى غير المدرسة أو بمقابلة الشبان، ومن ثمة كانت الكتب ودراستها بالنسبة لها هي الملاذ الوحيد لتشبع خيالها ورغبتها في الاكتشاف، ما إن بلغت الثامنة عشر حتى أنهت فتاة الريف البسيطة مرحلة الثانوية وحصلت على الجنسية الفرنسية، وأصبح لها خمسة أشقاء بالإضافة إلى أختها الكبرى.

التعليم

“كانت المدرسة ـ بحق ـ العنصر الأساسي في تكوين شخصيتي ورسم مسيرتي الحياتية، لقد سمحت بإثراء ذاتي وتعلم الكثير”، لا تضيع “نجاة” الفرصة في كل لقاء صحفي لتقدر النظام التعليمي الفرنسي وتحكي كيف أن المدرسة سمحت لها أن لا تقبل بوضعها كفتاة خاضعة تعيش على الهامش، ولا سيما أنها ذات أصول مهاجرة من أصول عربية أمازيغية قروية


تقول إنها كانت لتكون ـ لولاها ـ الآن ربة بيت منحصرة في حدود بيتها فقط، أو عاملة بسيطة في مصنع بئيس في أحسن الأحوال، لقد أمدتها المدرسة كما تقول بالقوة اللازمة لكي لا ترضى أن تعيش مستبعدة، أو تستسلم لخطاب الضحية كما يفعل الكثير من أبناء المهاجرين.

دخلت نجاة كلية الحقوق وتحصلت على شهادة الباكالوريس، ثم حظيت بالقبول بالدراسة في معهد الدراسات السياسية بباريس، المدرسة الولود للنخب الفرنسية المتعاقبة على مراكز القرار بدء من فولتير إلى فرانسو هولاند، هناك ستلتقي زوجها الفرنسي بوريس فالو الذي أنجبت منه توأمين، وتعرفت هناك أيضا على شخصيات النخب الفرنسية، التي ستكون المفتاح لشق طريقها فيما بعد.

في غمار السياسة

عملت كمستشارة قانونية بمكتب محاماة في مدينة ليون، حينها لم تكن تفكر “بلقاسم” في دخول غمار السياسة، فقد كانت وجهة نظرها في البداية أن طبيعة شخصيتها الخجولة والمتحفظة لا تناسب الخوض في المجال السياسي، بالإضافة إلى أن أسرتها كان آخر ما قد يشغلها هو الحديث في السياسة.

لكن بدأت نقطة التحول بالنسبة لنجاة بلقاسم في انتخابات 2002، عندما تمكن المرشح الرئاسي للجبهة اليمينية المتطرفة من اكتساب أصوات تخول له المرور إلى جولة الإعادة في مفاجئة غير مسبوقة بالمشهد السياسي الفرنسي، حينئذ أصابت لعنة السياسة خريجة كلية الحقوق، وقررت الانخراط في الحزب الاشتراكي الفرنسي على أمل أن تحدث فرقا، قائلة عن تلك الفترة الحاسمة في حياتها: “عندها أقسمت على نفسي بأن ألتزم مدى الحياة بمحاربة الظلم الاجتماعي والعنصرية والتمييز وعدم المساواة، وكان ذلك هو السبب وراء كوني يسارية حتى النخاع”.

باشرت بلقاسم بشغل مسئوليات محلية بمكتب الحزب الاشتراكي، وسرعان ما تسلقت درجات المسئولية حتى صارت كاتبة وطنية للحزب، إلا أن ذلك لم يكن الشيء الكثير، ولم يشكل إنجازا سياسيا بالنسبة لها.

 

 

 

 

 

وفي إحدى الأيام وهي تسافر على متن الطائرة من مدينة بورتو إلى باريس، التقت بلقاسم صدفة المرشحة الرئاسية بسيغولين رويال، وعرضت عليها حينئذ قيادة حملتها الانتخابية لرئاسيات 2007، كانت تلك هي الفرصة الأولى التي سيسطع نجمها في سماء السياسة الفرنسية، خسرت المرشحة رويال بفارق طفيف أمام نيكولا ساركوزي، لكن رغم ذلك فقد ربحت نجاة سمعة جيدة في الأوساط السياسية والإعلامية، إذ أظهرت أمام وسائل الإعلام كفاءة خلال الدفاع عن برنامج المرشحة رويال، فكان ذلك بالنسبة للكثيرين مدعاة للفخر، وفتح أمامها الباب على مصراعيه نحو المشهد السياسي الفرنسي.

” إنها تفور حيوية، وتبدو سعيدة بدفء الناس، لا يطالها الإجهاد أو الهستيريا”، هكذا كانت تخبر سيغولين رويال فرانسو هولاند قبل ولوجه قصر الإليزيه، فقد كانت المرشحة رغم خسارتها ممتنة لأداء نجاة بلقاسم خلال حملتها الانتخابية.

كان هذا كافيا لفرانسو هولاند لكي يقترح على الشابة المغربية الأصل إن كانت مستعدة لتكون متحدثة باسمه في حملته الانتخابية خلال رئاسيات 2012، فقبلت فورا، معلقة على قرارها ذاك “لقد كانت أولوياته هي نفسها أولوياتي، الشباب والتعليم والعزم على السير بفرنسا قدما نحو الأمام“.

هذه المرة نجحت في مهمتها، وأخذ فرانسو هولاند كرسي الرئاسة من ساركوزي، فعينها كوزيرة لحقوق المرأة ومتحدثة باسم الحكومة، لتجد نجاة نفسها تلعب في قلب المشهد السياسي الذي لا يرحم، أمام وسائل الإعلام الراصدة والمعارضة اليمينية المتطرفة والأقلام الحادة.

 

كانت البداية صعبة بالنسبة للوزيرة الجديدة حينها، فلم يكن مرحبا بها من قبل الجميع، لقد كانت تماما مثل قطعة حلوى بين مطرقة وسندان، فمن جهة، اليمين المتطرف يهاجمها على أساس أصولها المهاجرة والدينية، حتى أنه صورها في غلاف إحدى مجلاته بـ”آية الله الخميني”، واتهمتها الأصوات اليمينية المتطرفة بأنها تسعى “لأسلمة المجتمع الفرنسي”، ومن جهة ثانية أيضا كانت الجالية المسلمة بفرنسا التي تنتمي إليها تتهمها بـ”اتباع الخط العلماني وتشجيع الفجور”، لكن ما كان يهم نجاة بلقاسم أكثر، كما تقول، هو العمل على أساس القيم الليبرالية التي تضمن حقوق وحريات الجميع على قدم المساواة كما يجسدها برنامج الحزب الاشتراكي.

عينت عقب التعديل الحكومي في أبريل 2014 كوزيرة للمرأة والشباب والرياضة، ثم بعدها أودعت إليها وزارة التعليم في حكومة مانويل فالس الحالية، فأصبحت أول امرأة في تاريخ الجمهورية الفرنسية تتقلد هذا المنصب الثقيل، ساعدتها في الوصول إلى ذلك خبرتها التي راكمتها طوال سنوات الدراسة والعمل السياسي، بيد أن وسائل الإعلام ترجع نجاح مسيرتها الوزارية إلى جاذبيتها والأناقة التي تتحلى بها الشابة علاوة على براعتها في الإقناع. وأيا ما كان فيبدو أن ما حققته من شعبية تحسد عليها جعل نجمها يسطع بقوة في المشهد السياسي الفرنسي، حتى أن صحيفة “لوفيجارو” وصفتها بـ”التلميذة المتفوقة ضمن تلاميذ فرانسو هولاند!”، كما ألف الصحفيان فيرونيك برنهايم وفالنتين سبيتز كتابا يحكي قصتها بعنوان “نجاة فالو بلقاسم: غزالة في بلد الفيلة“.

لم تكن لتنسى “بلقاسم” أصولها فقد تطوعت لشغل منصب مستشارة بمجلس الجالية المغربي، ولازلت تتردد على قريتها، وتتحدث اللهجة “الريفية” في جلسات العائلة كما تذكر.

تقول وزيرة التعليم بفرنسا معلقة على نزعة التطرف والعنف التي انتشرت في أبناء المهاجرين هناك، إنها نفسها كانت معرضة للنشأة وسط مشاعر السخط والغضب بسبب التهميش والاستبعاد في بداية حياتها، مضيفة: “كنت لأرضى بتقمص دور الضحية، بيد أن ذلك لم يكن ليجدي نفعا، إن بعض التمييز في بلاد المهجر لا يمنع النجاح، لذا أدعو أطفال المهاجرين ألا يتخلوا عن أحلامهم“.

اجمالي القراءات 3477