الخطاب الديني المسيحي يحتاج تحديثا مثل الخطاب الإسلامي | |||||||||||
|
|||||||||||
العرب شيرين الديداموني [نُشر في 11/12/2015، العدد: 10124، ص(12)] | |||||||||||
ونوّه زاخر، في حواره مع “العرب”، إلى أن الخطاب الديني يحتاج إلى تحديث وليس تجديد. فالدين، بمعناه المقدّس، ثابت ولا يدخل عليه جديد، ولكن الفكر هو الذي يتم تحديثه بما يتواكب مع تطورات الواقع. وهذا التحديث لا يجب أن يقتصر على الخطاب الديني الإسلامي فقط، إنما أيضا تحديث الخطاب الديني المسيحي حتى يتماشى مع العصر، منوها إلى أن تقويم الخطاب القبطي الأرثوذكسي تحديدا، بات وجوبيا. واعتبر أن المطالبة بتحديث الخطاب الديني دون الالتفات إلى تحديث الفكر الديني، تصبح غير ذات معنى؛ فالخطاب لا ينطلق من فراغ لكنه نتاج فكر ديني سائد، ومن ثم يصبح المطلب الحقيقي هو تجديد الفكر الديني، والذي يعني قراءة الأسس الفكرية للدين وصياغتها في أطروحات معاصرة تستطيع أن تجد قبولا لدى متلقّ مختلف، في ظل معطيات التواصل الاجتماعي والمعرفي التي تتيح له معارف عديدة. وفي ما يتعلّق بالخطابي المسيحي، بالخصوص، بيّن زاخر، أنه لا يمكن تحديث أو تجديد الخطاب الديني بقرار أو اتفاق الإرادات داخل المنظومة الكنسية، إنما هناك حاجة لرؤية متكاملة توفر المراجع التي يستند إليها الخطاب والمعاهد الأكاديمية التي تتولى مهامه. وأرجع زاخر ظاهرة التطرف إلى الانغلاق الثقافي والفكري لأعضاء تلك الجماعات، بالإضافة إلى اعتناقهم ثقافة الموت، التي كانت في الأصل شعارا لجماعة الإخوان “الموت في سبيل الله أسمى أمانينا”. وشرح ممثل التيار العلماني أن المتطرف لا يرى نفسه متطرفا، لكنه يعتقد أنه ينقذ الناس ويعيدهم إلى الدين كما يتصوره، بالتالي يلعب على التناقضات لتحقيق هدف سام من وجهة نظره. وشدّد المفكر القبطي على تماسك النسيج المصري بين المسيحيين والمسلمين، مشيرا إلى أن المتطرّفين قلّة لا يمكنها اختراق الشعب المصري، ولهذا يعترض على مطالبات البعض (في وقت سابق) بتدويل القضية القبطية، إذا نال منهم المتطرفون بأعمالهم التخريبية، محذرا الأقباط من أن يكونوا مخلب القط نحو لبننة مصر أو الدب الذي يقتل صاحبه. واستطرد قائلا إن الوطن بأكمله، وليس المسيحيون، فقط يعاني من الجماعات المتشددة، خاصة أن مصر تحولت من دولة “المنبع” إلى دولة “المصب” في جني ثمار التطرف، فالتفجيرات والاغتيالات والمخاطر تنال من كل المصريين، مسيحيين ومسلمين. واعتبر مؤسس التيار العلماني أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة عكست بشكل كبير إيمان المصريين بفكرة المواطنة، مشيرا إلى أن نجاح 36 قبطيا في الحصول على عضوية مجلس النواب، هي النسبة الأعلى في تاريخ الحياة النيابية للأقباط في مصر. وأرجع فوز الأقباط بهذا العدد من المقاعد إلى انخفاض ظاهرة التصويت الطائفي. وقال إن هناك دوائر فاز فيها الأقباط بأصوات المسلمين، بما يعتبر ترسيخا حقيقيا للتلاحم الوطني وانحيازا لفكرة المواطنة لضرب وإجهاض مخطّطات اللعب على وتر الفتنة الطائفية ومحاولة تفتيت النسيج الاجتماعي. تجديد الفكر الديني يعني قراءة الأسس الفكرية للدين وصياغتها في أطروحات معاصرة وأوضح زاخر أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أول من أرسى قاعدة “مشاركة المسلم للمسيحي في الفرح والحزن”، عندما كسر التقاليد والأعراف السياسية وذهب إلى الكاتدرائية في قداس عيد الميلاد 2015، ليس لدغدغة مشاعر الأقباط، بل لإعادتهم إلى مربع الوطن مرة أخرى. وحول الاتهامات الموجهة للكنيسة بتنامي دورها السياسي عبر انخراط بعض الأساقفة، مثل الأسقف العام السابق الأنبا أراميا وأسقف طنطا الأنبا بولا في حوارات مع وسائل الإعلام في بعض القضايا السياسية والانتخابية، طالب زاخر رجال الدين المسيحيين بتنقية المشهد الكنسي من شبهة تعاطي السياسة، والتفرغ لمسؤولياتهم الدينية لأنهم سيقدمون شهادة إبراء ذمة أمام المجتمع والوطن بتطبيقهم مبدأ “لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين”.
ودعا الكنيسة إلى الانتقال من نسق الفرد إلى المؤسسة، لتكون متّسقة مع تكوينها بحسب الإنجيل والآباء، وتصل برسالتها إلى مستحقيها من الأجيال الجديدة التي لم تعد تحت سيطرة المجتمع الأبوي التقليدي. وعن استعانة الكنيسة بالوسائل التكنولوجية للتواصل مع الجمهور القبطي، أوضح زاخر أنه على غرار دار الإفتاء المصرية، رفعت الكنيسة شعار “من حق الشعب أن يقابل راعيه” وأعلنت عن خدمة جديدة بعنوان “أنت تسأل والبابا يجيب”، توفر للقبطي عندما يقابل ما يصعب عليه فهمه أو كانت لديه شكوى متعلقة بالأمور الروحية أو العقائدية أو الشخصية، أن يرسل استفساره في رسالة إلى الصفحة الرسمية للمركز الإعلامي الذي يتولى جمع تلك الاستفسارات وعرضها على البابا ليقوم بالإجابة عليها في يوم مخصص يذاع على القنوات الفضائية. تقارب كنسي أثار المفكر القبطي في حواره مع “العرب” قضية زيارة البابا تواضروس الثاني إلى القدس المحتلة، منذ حوالي أسبوعين، والتي أثارت جدلا كبيرا في الساحة المصرية والعربية، بين منتقد يرى في هذه الزيارة تطبيعا، ومؤيّد يعتبرها ضرورية وجزءا من أسلحة دعم القدس والقضية الفلسطينية. ويقف كمال زاخر في صفّ المؤيدين، حيث انتقد معارضي زيارة البابا تواضروس الثاني إلى القدس، للصلاة على مطران الكرسي الأورشليمي، معتبرا أنها كشفت ما تضمره التيارات المتصادمة، رغم السكون الظاهر على السطح. وعلى الرغم من تأكيد الكنيسة على أن الزيارة ليست مبادرة سياسية بل حدث كنسي فرضته واقعة قدرية لا تخضع لحسابات أو ترتيب، انطلقت دوامات القاع لتحاصر البابا وتتناوله برؤى بعضها يستحضر الأيديولوجيا، وبعضها يصفي حسابات معلقة، سواء مع الكنيسة أو عبرها مع تيارات سياسية أخرى، دون أن يكلف هؤلاء أنفسهم قراءة الحدث في ظرفه الزماني، أو حتى البحث في أسبابه. وحول التقارب بين التيار العلماني والكنيسة في عهد البابا تواضروس قال زاخر إن هذه العلاقة الجديدة هي تتويج لما يسعي إليه التيار العلماني، منذ تأسيسه عام 2006، بتقديم رؤى تساعد الكنيسة في تقويم مسارها الإداري. وأشار إلى أنهم قدموا توصيات للبابا فور توليه المسؤولية، وقد رحّب بها وعكف على دراستها، واتخذ خطوات على الأرض لتنفيذها في دوائر الرهبنة والتعليم وتنظيم اللجان الكنسية بعدما آمن أنها تحقق صالح الكنيسة. وزاد عليها مبادرات جريئة، كطرق أبواب الكنائس الأخرى إقليميا وعالميا لتذويب الجفاء المتوارث والمتراكم وتدشين حلم الوحدة المسيحية، كل هذا أثار أصحاب المصالح، في ظل ما كان سائدا، فكان من المنطقي مساندة التيار العلماني للبابا بقوة. وأكد زاخر أن البابا تواضروس رجل المرحلة الحالية لانتمائه لجيل ثورة المعلومات، وامتلاكه مقومات التعاطي مع اللحظة، سواء روحيا أوكنسيا أوأكاديميا أوإداريا، وهو ما انعكس على أدائه في الأعوام المنصرمة، وسط أجواء ضاغطة، سواء على المستوى الوطني أو الكنسي، رافضا مقارنته بسلفه البابا شنودة، لأنه غير محمل بأعباء سياسية أو دينية كسلفه. ورأى أن الأزمات التي تواجهها الكنيسة، وظهور حركات معارضة لها مثل حملة “تمرّد” للمطالبة بعزل البابا تواضروس، على خلفية الصراعات الدائرة بين الكنيسة والأقباط المُتضررين من قضايا الأحوال الشخصية، تنطوي على عدم إدراك لطبيعة المؤسسة الدينية القبطية في مصر، لأن التعاطي معها لا يتم بنفس أدوات التعامل مع المؤسسات السياسية. وقال إن الكنيسة المصرية لها قواعد تُنظم حركتها، وتخضع إلى موروث ديني، والتغيير يتم وفقا لقواعد مستقرة. وبالتالي فإن استخدام تعبير “التمرد” يكشف أن من يستخدمه لا يعرف شيئا عن قوانين الكنيسة. المتطرف لا يرى نفسه متطرفا لكنه يعتقد أنه ينقذ الناس ويعيدهم إلى الدين وفق نظره هو لهذا الدين ويعتقد زاخر أن الدوافع الكامنة وراء الحملة تتجاوز فكرة المطالبة بحقوق الأقباط، في ما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية، مرجّحا أن تكون هناك جبهة داخلية تنتمي للكنيسة توجّه مثل هذه الدعوات لممارسة ضغط معنوي على البابا، بهدف إعاقته عن المضي في عملية الإصلاح التي يقودها داخل الكنيسة. استكمال البناء يستشرف الكاتب القبطي مستقبل مصر بقوله “مصر عصية على الانكسار”، ومن يتعمق في دراسة التاريخ المصري يصبح متفائلا على الدوام، لأنه يعرف جيدا أن الدولة أقوى من أي جماعات تستهدفها، فالإرهاب من وجهة نظره “جملة اعتراضية” في سياق سطور الوطن الممتدة إلى آخر المدى. واعتبر أن 2015 من أهم الأعوام التي مرت على مصر، فهو عام استكمال خارطة الطريق التي رسمتها الثورة في 30 يونيو، بانتخاب البرلمان الجديد وافتتاح مشروع قناة السويس وأفول نجم الجماعات الإرهابية واندثارها بإجماع القوى الوطنية وتكاتف مؤسسات الدولة ووحدة الشعب والجيش والشرطة والسير في طريق التنمية والخروج بالوطن من نفق طال. ويعوّل زاخر على دور البرلمان الجديد في ضبط إيقاع المشهد السياسي وإعادة الثقة إلى الشارع، موضحا أن مجلس النواب مكلف بمراجعة غابة من التشريعات المتراكمة والمتشابكة إلى حد إعاقة الانطلاق في مسارات التنمية وتأكيد الحريات وتجفيف منابع الفساد وإطلاق طاقات الشباب، ولديه قواعد دستورية تدعمه في ذلك. وفي تقدير المفكر القبطي تحتاج مصر إلى الاقتراب من مهام البرلمان المقبل في سياق التأسيس لدولة المواطنة التي غابت طويلا، ولعل البداية تتطلب التعامل مع الحقائق بعيدا عن التنظير. |