وثيقة مُسربة: الإمارات تُخطط لحكم مصر مقابل أموالها

في الأحد ٢٢ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

وثيقة استراتيجية حصلت عليها ميدل إيست آي تظهر أن محمد بن زايد ليس راضيًا عن السيسي، وأن هناك إحباطًا إماراتيًا من الجانب المصري بعدما أنفقت الإمارات ما يقرب من 25 مليار دولار لدعم مصر.

كشفت الوثيقة شديدة السرية والتي أعدها حاكم أبو ظبي الأمير محمد بن زايد آل نهيان أن دولة الإمارات بدأت تفقد إيمانها بقدرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على خدمة مصالح الإمارات وتحقيق رغباتها.

هذه الوثيقة التي كتبها بن زايد بتارخ 12 أكتوبر تحتوي على تصريحين هامين يصفان مدى إحباطه من السيسي والذي دعمت الإمارات إنقلابه العسكري في يوليو 2013 بقوة عن طريق ضخ مليارات من الدولارات بالتعاون مع المملكة العربية السعودية. أول هاتين الجملتين يقول فيها بن زايد “يجب أن يعلم هذا الرجل بأنني لست ماكينة صراف آلي”. ما يمكننا إستنتاجه من هذه الجملة أنه إذا استمرت الإمارات بدعم نظام السيسي فيجب أن يكون هناك فاتورة سياسية يدفعها النظام المصري لصالح الإمارات؛ لذا يمكننا القول بأن الاستراتيجية القادمة للإمارات لن تتمحور حول دعم الحكومة المصرية أو محاولة التأثير عليها فحسب، بل سيتطلب الأمر سيطرة إماراتية علي مفاتيح الأمور؛ ما يعني: “إذا كنا سنعطيك مجددًا فسيكون بشروطنا الخاصة. إذا أعطينا، فنحن من سنتحكم.”

مصر التي تعاني حاليًا من أزمة تتعلق بسعر العملة المصرية وانخفاضها مقابل الدولار، تعتمد بشكل رئيسي علي الدولارات التي تدعم بها الإمارات الحكومة المصرية والتي تعد حاليًا إحدى أكبر مصادر الدخل والاستثمار الخارجي في مصر. في المؤتمر الإقتصادي الذي انعقد في شرم شيخ في مارس الماضي، أوضح رئيس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن الإمارات قد تبرعت بالفعل لمصر بمبلغ قدره 13.9 مليار دولار وأنه يتم الإعداد لضخ مبلغ آخر مقدراه 3.9 مليار دولار. الدعم الذي حصل عليه السيسي من الإمارات بدءًا من يوليو 2013 يصل حتى الآن إلى قرابة 25 مليار دولار وهو ما يعادل نصف الدعم الخليجي الذي وصل لمصر منذ هذا التوقيت.

وفق تصريح لميدل إيست آي، صرح مسئول رسمي مصري إشترط عدم الإفصاح عن إسمه بأن مقدار هذه الأموال هو 16.4 مليار دولار، بالإضافة إلى 2.5 مليار دولار في صورة سبائك من الذهب أما الباقي فكان في صورة قروض وهذه المبالغ لا تكفي لاستيراد السلع والبضائع الأساسية لشهرين فقط.

الوثيقة السرية التي حصلت عليها ميدل إيست آي حصريًا ربما تطرح تساؤلًا هامًا وهو: هل يحصل محمد بن زايد على العائد المناسب من استثماره أم لا؟ كما تكشف أيضًا عن سخط الجانب الإماراتي من بعض المسئولين الرسميين المصريين، حيث ظن الإماراتيون أن ولاء هؤلاء للإمارات أكثر من مصر، وهو ما لم يكن حقيقيًا.

تقول الوثيقة أيضًا بأنه في المستقبل يجب أن تقوم الإمارات بإختيار شركائها في مصر بعناية أكبر. بالرجوع إلى الحملة الإعلامية الشرسة حاليًا التي يشنها الإعلام المصري ضد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وابنه محمد بن سلمان بسبب موقفهم من الصراع السوري والدور الذي يلعبه الجانب السعودي في سوريا بالإضافة إلى زعمهم ولمحاولتهم التدخل في الشأن المصري، ترى الوثيقة بأنه يجب إيقاف هذه الحرب الإعلامية لأنها تعود بالضرر على الإمارات كذلك.

المراحل الثلاث

حددت الوثيقة أيضًا ثلاث مراحل للاستثمار في مصر والذي سيبدأ في مطلع العام المقبل، في المرحلة الثالثة تسعى الإمارات أن تتحول من مجرد ممول إلى شريك كامل. ستقوم الإمارات هذه المرة بتمويل المؤسسات الفكرية والبحثية والجامعات والمنصات الإعلامية، كما ذكرت الوثيقة أن هذه الاستثمارات المباشرة ستمثل استراتيجية ورؤية أكثر وضوحًا كما ستوفر للإمارات فرصة التحقق من أن كل إستثمار في أحد هذه الجوانب يعطى النتيجة المرغوبة أم لا. الوثيقة تكشف بشكل كامل رغبة الإمارات في السيطرة على مفاتيح الأمور في مصر، هذه الرغبة تتضح في القسم الخاص بمراحل الاستثمار بالوثيقة والذي وضع فيه ثلاث شروط أساسية لاستمرار دعم حكومة السيسي.

الشروط الثلاث المذكورة هي: رفع الدعم عن الوقود على مدار السنوات الثلاث المقبلة تدريجيًا برفع 30% في العام الأول ثم 30% في العام الثاني ثم 40% في العام الثالث؛ وضع الإمارات لاستراتيجية تسعير الجنيه المصري أمام الدولار والذي سيكون بمثابة السيطرة على السياسة النقدية في مصر؛ بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على النظام البيروقراطي. هذه الشروط الثلاث تتركز حول سياسات الدولة داخليًا.

الوثيقة توضح أيضًا مدى الإحباط الذي أصيب به ممولو السيسي، يرى أحد المحللين الذي عكف مؤخرًا على دراسة تدهور العلاقة بين مصر والإمارات بأن هذه الإنتقادات توضح عدم رضا الإمارات عن السيسي وما يقدمه للإمارات في مقابل هذا التمويل الضخم، ما ترغب به الإمارات ومحمد بن زايد هو أشبه بالحكم الفعلي لمصر وبأنه أيا كان من في السلطة فيجب أن ينفذ مطالبهم.

قلق حقيقي

يمكننا أن نلخص أسباب هذا القلق الإماراتي في ثلاث نقاط:

  • أولًا، قناعة الإمارات بأن الحرب الإعلامية التي اندلعت بين مصر والسعودية تضر بمصالح أبو ظبي بشكل مباشر. في الشهر الماضي ذكرت صحيفة اليوم السابع المصرية أن خلافًا كان قد نشب بين رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام للإعلام الحكومية أحمد السيد النجار وبين السفير أحمد قطان سفير السعودية في مصر، انتهى بأن تقول جريدة الأهرام أن بعض مباني القاهرة أقدم من المملكة السعودية بأكملها. إبراهيم عيسى، الصحفي والإعلامي المؤيد للحكومة المصرية، اتهم السعودية بتمويل المجموعات الإرهابية في سوريا ودعا الرئيس السيسي أن يكون حليفًا للسعودية، مضيفًا أن مصر يجب عليها أن تتحرر من شعورها بالجميل تجاه المملكة السعودية.
  • ثانيًا، الإمارات تشعر بالغضب من عدم وفاء السيسي بوعوده بإرسال قوات عسكرية على الأرض للمشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، والتي تشاركفيه الإمارات أيضًا بقوات عسكرية إضطراريًا. السيسي اعتاد أن يستخدم مصطلحه الشهير “مسافة السكة” في تعبير عن أنه في حال ما احتاج له أحد حلفائه في الخليج فلن يفصله عنه سوى قطع المسافة بينهم فقط. على الرغم من ذلك، لم تشارك أي قوات برية مصرية في هذه الحرب حتى الآن.
  • ثالثًا، تشكو الإمارات من أن السيسي لا يستمع إليهم عندما يطلبون إعادة هيكلة سياسية أو إدارية أو عندما يطلبون منه تأسيس دولة مستقرة عن طريق الإدارة الرشيدة.

من وجهة نظر أبو ظبي، فإن السيسي لم يقم بهذه الهيكلة المطلوبة، ولم يقم بوضع استراتيجية لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري، فكل الخدمات تعاني من مستوى متردي، لذا فهم يعتقدون بأن السيسي لا ينفذ ما ترغب به الإمارات كما يرى المحلل الذي تحدث لميدل إيست آي والذي طلب أن تبقى هويته مجهولة، كما يقول أيضًا “في المرحلة القادمة، والتي ستبدأ مطلع العام المقبل، تسعى الإمارات لتطبيق هذه الحملة واسعة النطاق، ليس بهدف الابتعاد عن السيسى، فهو مازال رجل الإمارات أيضًا، ولكنهم ليسوا راضين عمّا يقوم به، إنهم يهدفون إلى خضوع تام وأن يكونوا هم من يسيطر علي مفاتيح الأمور.”

العلاقات مع الرياض

علاقات السيسى مع الرياض شهدت تراجعًا كبيرًا أيضًا خاصة بعدما علم بتواجد أحد جنرالات الجيش المصري المنافسين للسيسي في المملكة العربية السعودية منذ أسبوعين وقيامة بمحادثات خاصة هناك.

الكثير من المصادر المقربة من داخل السعودية تؤكد بأن المخابرات المصرية أرسلت لتسأل السعودية عن سبب تواجد سامي عنان –الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش المصري سابقًا- داخل السعودية، وكان الرد بأن عنان قد جاء إلى السعودية في زيارة خاصة بشكل فردي وأنه ليس لحكومة الرياض أي علاقة بهذا الأمر.

عنان الذي كان الرجل الثاني في الجيش المصري بعد المشير محمد حسين طنطاوي بعد خروج مبارك من السلطة في 2011، في حين تم استبعاده بواسطة الرئيس الأسبق محمد مرسى عقب توليه الرئاسة في 2012. ولكن بعد إسقاط مرسي بانقلاب عسكري بعد عام من الحكم، أظهر عنان رغبته في الحكم بإعلان ترشحه للرئاسة، الرجل يبلغ من العمر 70 عامًا وهو مقرب من واشنطن، وكان قد تواجد في الولايات المتحدة أثناء ثورة 25 يناير.

وفقًا لمصادر سعودية مطلعة، فإن عنان هو أحد ثلاثة أسماء تفضلها السعودية كبدائل للسيسي، الآخران هما أحمد شفيق –وزير الطيران ورئيس الوزراء سابقًا- والذي انتقل ليعيش في الإمارات، بالإضافة إلى مراد موافي المدير السابق للمخابرات المصرية والذي تم استبعاده بواسطة مرسي أيضًا، في الحين الذي يُعد فيه كلًا من شفيق وموافي مقربين جدًا للإماراتيين.

في حديثه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يخفِ الملك سلمان رغبته بأن يبقي نظام الحكم في مصر عسكريًا، حيث تعتبر الرياض هذا الأمر صمام أمان بالنسبة لها يضمن استقرار البلاد، وأن ما يهم الرياض حقًا هو الاستقرار وليس الديموقراطية. على الرغم من ذلك فإن هذه الحسابات قد تغيرت على مدار الشهور الثلاث الأخيرة إلى درجة أن الملك سلمان لم يعد يعتبر السيسي رئيسًا يضمن استقرار مصر، بل ويعتقد أن دور السيسي قد انتهى لذا فإن عليهم أن يتأكدوا من أن الشخص المناسب من داخل مؤسسة الجيش يمكنه تولى المسئولية بالإضافة إلى التواصل مع شرائح المعارضة المصرية.

ترى السعودية في عنان الشخص الأنسب لتحقيق مصالحها، حيث يعتبر شخصًا هادئًا يفضل تجنب المخاطر دائمًا، لديه ما يؤهله لأن يكون في الواجهة ولكنه في الوقت ذاته يمثل أحد أكبر أعداء المعارضين في مصر الذين بالتأكيد لم ينسوا فترة حكم المجلس العسكري والتي كان عنان من أهم وجوهها. تلك الفترة شهدت الكثير من عمليات قمع المتظاهرين وسالت فيها دماء الكثير منهم في ميدان التحرير والميادين الأخرى. كما صرح أحد أعضاء المعارضة المصرية “إذا كانوا يرغبون في شخصية عسكرية فإن عنان هو الاختيار الأمثل، ولكن هذا الاختيار ربما لن يتقبله الغالبية، هنا أعتقد أنها المشكلة الأكبر.”

اجمالي القراءات 2480