فرنسا أكثر الدول الأوروبية استهدافًا بالعنف: لماذا؟

في الإثنين ١٦ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

منذ حادثة الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، تصاعدت العمليات «الإرهابية» في القارة الأوروبية من قبل «متشددين» محسوبين على جماعات إسلامية متطرفة. فمنذ أحداث سبتمبر شهدت القارة الأوروبية 12 عملية إرهابية من قبل متشددين إسلاميين، وقعت خمسٌ منها في فرنسا وتحديدًا في عاصمتها باريس.

وفي أعقاب الهجمات الدامية التي شهدتها باريس يوم الجمعة الماضية، عادت التساؤلات عن السبب وراء استهداف باريس بشكل متكرر دونًا عن العديد من العواصم الأوروبية الأخرى.

(1) أكثر تدخلًا: عمليات فرنسا في الشرق الأوسط وإفريقيا

قالت الكاتبة الصحفية «هاريت أليكساندر» في تقرير لها بصحيفة تيليغراف البريطانية، يوم 14 نوفمبر الماضي، أن هناك العديد من الأسباب وراء استهداف الإرهابيين لفرنسا وباريس تحديدًا من بين العواصم الأوروبية الأخرى.

أحد هذه الأسباب يكمن في أن فرنسا تقوم بمحاربة «الإرهاب» في عدة مناطق حول العالم، والمقصود هنا هو محاربة «المتطرفين» الإسلاميين. وبعيدًا عن الدوافع الحقيقية للحكومة الفرنسية، فنحن نلاحظ أن فرنسا من أكثر الدول الأوروبية التي تدخل عسكريًا في مناطق ودول لتحارب من تصفهم بـ«المتطرفين» المسلمين.

آخر التدخلات كانت مشاركة فرنسا في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش. في يوم 27 سبتمبر الماضي شنت القوات الجوية الفرنسية أولى غاراتها ضد مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وكانت فرنسا قد أعلنت أيضًا أنها ستقوم بتوسيع نطاق ضرباتها الجوية ضد التنظيم في العراق أيضًا. وقد أعلن الرئيس الفرنسي في إطار ذلك عن نية بلاده نشر حاملة طائرات فرنسية في الخليج العربي للمساعدة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي عام 2011، شاركت فرنسا مع عدد من الدول الأخرى في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا بين معمر القذافي وبين قوات المعارضة المسلحة، حيث قامت بضرب أهداف تابعة لقوات القذافي، والتي كان لها دور بارز في وقف تمدد قوات القذافي باتجاه الشرق وتحديدًا مدينة بنغازي. ورغم التردد الفرنسي حيال قيامها بعملية تدخل عسكري في ليبيا حاليًا، إلا أن التقارير والمؤشرات تشير إلى تدخل سياسي للفرنسيين في الحرب الدائرة في ليبيا، هذا التدخل من الواضح أنه مؤيد للحكومة الليبية في طبرق، ومعارض لحكومة طرابلس التي تضم إسلاميين في صفوفها.

في مالي أيضًا تدخلت فرنسا عسكريًا إلى جانب الحكومة المالية في مواجهة من تصفهم بـ«المتشددين» الإسلاميين المنتمين لتنظيم القاعدة في منطقة المغرب العربي في مناطق شمال مالي، والذين كانوا قد أعلنوا استقلال إقليم أزواد. فرنسا شنت حربًا مباشرًا ضد الإسلاميين في الشمال بطلب من الحكومة وتمكنت من إعادة فرض السيطرة على المناطق المستقلة عام 2013.

أفريقيا الوسطى هي إحدى الدول التي شهدت تدخلًا عسكريًا مباشرًا من قبل الفرنسيين في مواجهة المجموعات الإسلامية المسلحة المضادة للحكومة المسيحية القائمة هناك. وتتعرض أفريقيا الوسطى لمعركة طائفية بين المسلمين والمسيحيين بشكل بشع ليأتي التدخل الفرنسي إلى جانب المسيحيين ليزيد من غضب المسلمين ضد فرنسا.

أشارت الكاتبة الصحفية إلى الكلمة التي قالها أحد الانتحاريين للرهائن في حوادث باريس الأخيرة بأن “هذا لأجل سوريا” قائلةً إن بدلًا من سوريا كان من الممكن أن يقول الإرهابي العراق أو ليبيا أو مالي، في تأكيد على أن هذه الحوادث يعود السبب الرئيسي لها إلى التدخل العسكري الفرنسي المضاد للمجموعات الإسلامية المتشددة في هذه المناطق، وهذا التدخل تبرزه فرنسا بكل فخر ودون أي خجل أو تحفظ.

وكان «ويل ماكانت» الخبير في شئون الجماعات المتطرفة قال في تصريح لموقع بيزنس إنسايدر أن الهجوم الأخير الذي شهدته باريس يمثل تحذيرًا من تنظيم الدولة الإسلامية لفرنسا لوقف عملياتها ضد التنظيم في سوريا والعراق، فالرسالة بسيطة؛ إذا ما واصلت قنابلكم السقوط على مواقعنا فسنرد عليكم بالمثل، فمن الأفضل لكم أن تغادروا وإلا مات مواطنوكم في قلب عاصمتكم”.

جدير بالذكر أن هناك حوالي 10 آلاف جندي فرنسي منتشرين حول العالم منهم 3000 في غرب أفريقيا و2000 في وسط أفريقيا و3200 في العراق.

 

(2) الإقصاء: التشدد ينشأ في السجون؟

وفقا لمراقبين، فإن الدولة في فرنسا علمانية التوجه إلى أقصى حد، تصل لحد القوانين التمييزية في بعض الأحيان. فبين حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة والمدارس، مرورًا بالعدد القليل من المسلمين الذين يتبوؤون مراكز رفيعة رغم نسبتهم المرتفعة من عدد السكان، وصولًا إلى قوة الجبهة الوطنية الفرنسية والتي لم تعمل مطلقًا على تخفيف حدة التوتر بين الجاليات والأقليات المختلفة في فرنسا، أدى ذلك إلى وجود إحساس متزايد لدى المسلمين بالإقصاء والتمييز.

مثال على هذا كان مطلق النيران في مدينة تولوز الفرنسية عام 2012 والذي عانى من تنشئة صعبة بأحد الأحياء السيئة وذهب إلى السجن، مما جعله مادة خام جيدة للعنف والكراهية تجاه الدولة الفرنسية.

أيضًا هناك الأخوان كواتشي اللذان كانا وراء هجمات باريس العام الماضي، عانا من قلة الفرص ودخلا السجن حيث تحولا فيه إلى متطرفين وكارهين للدولة.

وكان تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عام 2008، ذكر أن حوالي 70% من المحبوسين في السجون الفرنسية هم من المسلمين، وهو أمر يظهر بوضوح مدى عدم قدرة العديد من المسلمين على التعايش في الدولة الفرنسية وقلة الفرص أمامهم ليصبحوا مواطنين صالحين، مما يجعل غالبيتهم يتجه للجريمة. لتأكيد هذا لاحظ أن نسبة المسلمين في السجون الإنجليزية لا تتجاوز 14% من إجمالي السجناء.

وقد أشارت صحيفة تيليغراف البريطانية في تقرير سابق لها بعد أحداث تشارلي إيبدو، كيف أن السجون الفرنسية مليئة بالفكر الراديكالي المتشدد نتيجة قلة عدد الأئمة المستخدمين لتوعية السجناء، وللنقص الكبير في برامج مجابهة الراديكالية. هذا الأمر عبَّرَ عنه سابقًا وزير العدل السابق بأن فرنسا لا تقوم بما يكفي لمجابهة التشدد الإسلامي في السجون.

 

(3) جالية مسلمة كبيرة

الإسلام هو ثاني أكبر الديانات انتشارًا في فرنسا بعد المسيحية الكاثوليكية. ويمثل المسلمون حوالي 5-10% من إجمالي عدد السكان البالغ 66 مليون نسمة تقريبًا. هذا الأمر يجعل عدد المسلمين في فرنسا هو الأكبر على مستوى جميع دول أوروبا الغربية. ويشكل المسلمون السنة غالبية الجالية المسلمة بفرنسا، مع ملاحظة انتشار تدريجي كبير للفكر «الوهابي السلفي» هناك نتيجة لأموال بعض الدول الخليجية طبقًا لما ذكره تقرير لموقع فرنس 24 الإخباري.

طبقًا لبعض التقارير، فإن عدد المسلمين في فرنسا يبلغ تحديدًا 4 ملايين و155 ألف نسمة، من بينهم 100 ألف مسلم فقط فرنسيين تحولوا للإسلام، فيما البقية هم مسلمون مهاجرون من دول أخرى أبرزها الجزائر والمغرب وتونس وتركيا ودول جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية.

في إحدى الدراسات التي تم إجراؤها عام 2010، أوضحت أن فرصة المسلمين في فرنسا في الحصول على مقابلة عمل أقل مرتين ونصف من الفرنسيين المسيحيين. كما أن المسلمين لا يحظون بتمثيل ملائم لعددهم في البرلمان الفرنسي الذي يتكون من إجمالي 920 مقعدًا في غرفتيه النواب والشيوخ. البرلمان الفرنسي بغرفتيه لا يحتوي سوى على 5 مسلمين فقط لا غير، وهو ما يعني نسبة أقل من 0,5%.

 

(4) تربة خصبة للتنظيمات المسلحة

ذكر المدعي العام الفرنسي فرانسوا مولينز أن أحد الانتحاريين المسئولين عن الهجمات التي شهدتها باريس يوم الجمعة الماضي هو فرنسي، وتطرف داخل البلاد وتحديدًا في منطقة الضواحي الجنوبية للعاصمة باريس، وسبق أن اعتقل 8 مرات ماضية وله سجل إجرامي.

تحتل فرنسا المركز الأول بالنسبة لدول أوروبا الغربية تزويدًا لتنظيم الدولة الإسلامية بالمقاتلين الأجانب، كما تحتل المركز الخامس على مستوى العالم. هناك أكثر من 1550 مقاتلًا في صفوف تنظيم الدولة من فرنسا، من بين إجمالي 5000 مقاتل أوروبي في صفوف التنظيم.

وكان جون شيندلر، محلل الأمن العسكري في مجلة نيويورك أوبزيرفر؛ قد نشر تغريدة تفيد بعدم اندهاشه من العملية التي تمت في باريس مؤخرًا وتبناها تنظيم الدولة، قائلًا أنه إذا كانت مجموعة جهادية تملك سلاحًا قليلًا من منطقة البلقان قامت بعملية مسلحة في فرنسا عام 1995 فلماذا الناس مندهشة من عملية باريس الأخيرة، وذلك في الإشارة إلى قوة تنظيم الدولة الإسلامية وكميات السلاح الكبيرة التي يملكها وإمكانياته العالية في التجنيد.

(5) سهولة تدفق السلاح

ومن بين الأسباب الرئيسية التي تسهل القيام بعمليات إرهابية في فرنسا هو سهولة دخول السلاح عبر المنافذ الحدودية للدولة الفرنسية. هناك عدة مناطق حول فرنسا يمكن من خلالها الحصول على السلاح، وليس فقط السلاح العادي بل السلاح الثقيل مثل قاذفات الصواريخ والرشاشات الثقيلة. بلجيكا إحدى هذه الدول التي أشارت تقارير إلى سهولة الحصول على أسلحة مختلفة منها خلال ساعات قليلة. هناك أيضًا منطقة دول البلقان التي تعتبر سوقًا مميزًا للعديد من أنواع الأسلحة المتبقية في أعقاب حرب البلقان.

أمر آخر هو أن تنظيمًا أثبت أنه يملك درجات عالية من الاحترافية، سواء في إدارة الحرب داخل سوريا والعراق، أو في قدراته التجنيدية المميزة، ما يجعله قوة “دولية” لا يستهان بها. كما سبق للتنظيم أن نفذ عددًا من العمليات خارج سوريا والعراق في المناطق التي يملك فيها متعاطفين معه مثل مصر وليبيا وأوروبا والولايات المتحدة والسعودية ولبنان.

أشار خبراء للتليفزيون الفرنسي إلى أن تزايد العمليات التي يقوم بها التنظيم خارج سوريا والعراق في الآونة الأخيرة (الطائرة الروسية في سيناء – تفجيرات الضاحية الجنوبية في بيروت – أحداث باريس) تعود بشكل أساسي إلى أن التنظيم يريد أن يبرز قدراته في تصدير الحرب إلى الخارج.

اجمالي القراءات 2430