أزمة مياه في الشرق الأوسط: دولٌ عربية مهددة بالجفاف قريبًا

في الأحد ٠١ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كما هو معلوم لدى الجميع، نهر النيل هو الأطول في العالم: إذ يُغطي مساحة تقدر بحوالي 3 ونصف مليون كيلومتر مربع، ويمر عبر حوالي 10 دول إفريقية من الجنوب إلى الشمال، حيث ينتهي بمصر التي تُعد أهم تلك الدول التي يمر عبرها.

ومهما كانت درجة الاختلاف مع مقولة المُؤرخ الإغريقي هيرودوت: “مصر هبة النيل”، تظّل الحقيقة التي لا يُختلف عليها هي: أن نهر النيل مصدر اقتصادي قد يكون الأهم بالنسبة لدولة ريعية، يُمثل الإنتاج الزراعي فيها نسبة تزيد عن 15% من إجمالي الناتج المحلي، مع نسبة عمالة في المجال الزراعي تربو على 32% ، وفقًا لآخر إحصائية رسمية أعلنتها الهيئة المصرية العامة للاستعلامات.

لكن، وعلى خلفية العديد من العوامل، يُرجَّح انخفاض تلك النسب خلال السنوات القليلة القادمة. وتأتي الموارد المائية على رأس تلك العوامل، فمن جهة تعتمد مصر بنسبة 97% من الموارد المائية على نهر النيل، ومن جهة أُخرى بات نصيب مصر من مياه النيل مُهدد مع إصرار إثيوبيا استكمال العمل على إنشاء سد النهضة.

ولا يُمكن إنكار ما يُمثله سد النهضة من خطر حقيقي على الأمن القومي المصري من جهة معيشة المواطن المصري ومن جهة الاقتصاد القومي للبلاد، بخاصة وأن ما تحتاجه مصر أصلًا من المياه يصل إلى 119 مليار متر مكعب وذلك بغية تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية. لكن ما يحدث هو أن مصر تحصل على 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل الذي كما ذكرنا يُمثل 97% من موارد مصر المائية.

لمزيد من المعلومات يُمكنك قراءة: كل ما تريد معرفته حول أزمة مياه حوض النيل وسد النهضة

وإن كانت لمصر خصوصية عربية في قضية الموارد المائية واعتمادها عليها وعلى الزراعة بشكل كبير في اقتصادها مُتعدد المصادر. ورغم تلك المخاطر سابقة الذكر التي تُحيق بمواردها المائية، تبقى في حال أفضل من دولٍ عربية أُخرى تحتل مكانًا في قلب دائر الخطر من الوقوع في فخ الجفاف التام.

خريطة الموارد المائية في العالم العربي

بالجملة ثمة أزمة طبيعية في المياه عالمًا، ونقصد بذلك تحديدًا المياه العذبة الصالحة للشرب والاستخدام الآدمي. فمن بين المسطحات المائية التي تغطي 71% من مساحة الأرض، يوجد فقط 3% مياه عذبة. 77.6% من هذه النسبة الضئيلة من المياه العذبة عبارة عن جليد غير مُستفاد منه غالبًا، و21.8% مياه جوفية غير مُستخرجة، بينما يعتمد سُكان العالم الذين تجاوز عددهم 7 مليار وفقًا لإحصاء أمريكي في 2012، على 0.6% فقط من المياه العذبة القليلة أصلًا!

مع هذا، ورغم وجود أنهار النيل ودجلة والفرات وغيرها، إلا أن العالم العربي إجمالًا يقع ضمن قائمة المناطق الأكثر فقرًا في المياه العذبة، بحصة فردية تُساوي 500 متر مكعب من المياه في العام، في حين أن المعدل العالمي لحصة الفرد من المياه ينبغي ألا يقل عن ألف متر مكعب. فضلًا عن هذا فإن نحو 30% من الأرض الصالحة للزراعة في العالم العربي مُعرضة للتصحر أو البوار؛ بسبب أزمة المياه.

 

 

 

 

 

وعلى عكس كثير من دول العالم، لا تأتي أزمة المناخ ضمن قائمة اهتمامات الحكومات العربية، على الرغم من ارتباطها المُباشر بالفقر المائي. فحين تعلم أن المورد الأول للمياه الصالحة للاستخدام في العالم العربي هي مياه الأمطار، ستدرك ما نقصده بالعلاقة بين الفقر المائي والتغيّر المناخي الذي يُؤثر سلبًا في مواسم الأمطار ونسب غزارتها فضلًا عن نقائها من عوامل التلوّث.

وتأتي مياه الأنهار في المركز على قائمة الموارد المائية في العالم العربي. ومع ذلك تُعاني دولةٌ كمصر يجري فيها نهر النيل من أزمة مياه حقيقية، تلك التي سلطنا عليها الضوء في المقدمة. بالإضافة إلى أن الاحتمالات تقود نحو انخفاض في نسب المياه الصالحة للاستخدام في مصر إلى حدود تتباين ما بين 10 إلى 20% خلال 25 سنةً القادمة.

وفي العراق المعتمد بشكل شبه كامل على نهري دجلة والفرات، وتحديدًا الفرات، فيتوقع حصول نقص حاد في مياهه العذبة في غضون العشرين سنة القادمة. نفس الأمر المتوقع لسوريا التي تشترك مع العراق في نهر الفرات، حيث تعتمد عليه بنسبة 90%. أما السبب في ذلك فيعود إلى معدلات الجفاف العالية والسريعة التي تحدث لمياه النهر، فضلًا عن أن كلا البلدين تُعدان من أكثر مناطق العالم اضطرابًا بسبب الحروب.

وفيما يخص المياه الجوفية التي تأتي ثالثًا في قائمة الموارد المائية للعالم العربي، فصحيح أن العالم العربي يمتلك أكبر نسبة موارد مائية جوفية في العالم، إلا أن معظمها يقع في دائرة الاحتياطات غير المتاحة للاستخدام، فضلًا عن كون أكثرها غير مُتجدد.

وبالجملة فإن المُتاح للاستخدام من المياه الجوفية المتجددة في المنطقة العربية لا يتجاوز 40 مليار متر مُكعب، في وقت تعيش فيه منطقة بمساحة تتجاوز 2 مليون و600 ألف كيلومتر مربع على ما يوفره لها جوف الأرض من مياه، وهي منطقة الخليج العربي.

السعودية مثلًا وبعد أن كانت تضع يدها على حوالي 500 كيلومتر مكعب من المياه الجوفية قبل نصف قرن، كشفت دراسة بريطانية عن استهلاكها نحو 400 كيلومتر مكعب من ذلك المخزون، لتصبح واحدةً من الدول المهددة بالجفاف التام خلال العقدين القادمين، على الرغم من استثمارها الضخم في تحلية مياه البحر، إلا أنّ ذلك لا يجدي نفعًا بما فيه الكفاية.

المزيد من التفاصيل في: ما الذي يجب أن نتعلمه من المملكة العربية السعودية

دولٌ عربية على رأس قائمة الفقر المائي

العديد من التقارير والدراسات الدولية، آخرها دراسة أعدها معهد الموارد العالمية، تكشف عن احتلال 5 دول عربية للمركز الأول ضمن قائمة أكثر دول العالم المعرضة للفقر المائي والجفاف التام خلال 25 سنة القادمة. وبالجملة، فإن تلك الدراسة اعتبرت أن المنطقة العربية هي المنطقة الأفقر مائيًا على وجه الأرض، بعد أن تضمنت القائمة التي أعدتها، 15 دولة عربية من أصل 33 على مستوى العالم.

الدول العربية التي جاءت في المركز الأول هي البحرين والكويت وقطر والإمارات وفلسطين. بينما جاءت المملكة العربية السعودية تاسعًا، وعُمان عاشرًا، لتكتمل بذلك دول مجلس التعاون الخليجي، مُسجلةً منطقتها كأكثر منطقة جُغرافية متصلة متعددة السيادة فقيرة مائيًا.

العراق أيضًا ذُكر ضمن القائمة، مُحتلًا المركز 21، رغم مرور نهرين بأراضيه. إلا أن التوترات والاضطرابات على خلفية الحروب المُستمرة في العراق منذ أكثر من 10 سنوات تجعله مهدد في ثروته المائية، فضلًا عن مُعدلات الجفاف السريعة لمياه نهر الفرات؛ لظروف مناخية مُرتبطة بارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وبيئية مُرتبطة بمخلفات الحروب.


وفقًا لهذه الخريطة التي أعدها المعهد، فالعراق مهدد بنقص مياه خلال 25 سنة القادمة قد تصل نسبته إلى 80%، هو ومعظم دول المنطقة العربية

ورغم أن 4 من الدول العربية التي تحتل المركز الأول تقع في منطقة الخليج العربي الأكثر فقرًا في المياه على وجه الأرض، إلا أن معدلات استهلاكها للمياه هي الأعلى عالميًا. الفارق الكبير بين الاستهلاك والإنتاج لصالح الاستهلاك غالبًا ما يُؤدي إلى أزمات عميقة، وهو الأمر الذي عد من عوامل الأزمة المالية التي تضرب دولًا أوروبية كاليونان، حيث كانت مُعدلات الاستهلاك بين اليونانيين ضمن الأعلى عالميًا، بينما الدولة نفسها تنخفض فيها بطبيعة الحال معدلات الإنتاج.

نفس الأمر تكرر مع دول الخليج في المياه؛ حيث تُعد منطقة الخليج من أكثر مناطق العالم ارتفاعًا في درجات الحرارة، وأقلها عُرضة للأمطار، مع شبه انعدام للمجاري المائية السطحية، سوى بعض الوديان والمجاري الموسمية سريعة الجفاف، ورغم ذلك فهي الأكثر استهلاكًا للمياه في العالم.

على سبيل المثال: دولةً كالإمارات العربية المتحدة تستهلك يوميًا ما مقداره 5.6 مليار متر مكعب من المياه سنويًا بمعدل 500 لتر مياه يوميًا لكل فرد، فيما أن المعدل اليومي العالمي لا يتجاوز 350 لترًا. وتعتمد الإمارات على تحلية مياه البحر بنسبة 34%، وهي عملية عالية التكلفة (في 2010 بلغت تكلفة تحلية المياه على الإمارات نحو 12 مليار درهم سنويًا) فضلًا عن اعتمادها بشكل أساسي على النفط كمصدر لطاقة عمل محطات التحلية. يأتي هذا مُصاحبًا لتوقعات بنفاد النفط الإماراتي خلال 50 عامًا، وفقًا لما صرّح به محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد إمارة أبو ظبي في شهر فبراير الماضي.

العلاقة الجدلية بين الصراع العربي الإسرائيلي والفقر المائي

العلاقة بين الحروب والمياه في المنطقة العربية علاقة جدلية، فمن جهة تُمثل الصراعات والحروب إحدى العوامل الرئيسة في الفقر المائي العربي، ومن جهة أُخرى يدفع الفقر المائي إلى مزيد من الصراعات.

وكالعادة تتمثل رأس الأزمة في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي تلعب المياه فيه دورًا محوريًا، إذ تسعى إسرائيل إلى توفير احتياجاتها من المياه الشحيحة بطبيعة الحال في المنطقة التي تشعر وكأنما هي محاصرة فيها بين جيران غير مُرحّبين بها، شعبيًا على الأقل. لذا نجد كثيرًا من التقارير تتحدث عن دورٍ إسرائيلي مُتنامٍ في دول منطقة حوض النيل، يظهر ذلك في تمتين العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول تلك المنطقة منذ قيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية بين إسرائيل ودولٍ كإثيوبيا وأوغندا وإريتريا وكينيا (وجميعها من دول الحوض) تكشف عن طبيعة نظرة إسرائيل إلى نهر النيل وقضية المياه التي تشغل بالها، مع تهديد جفاف موردها المائي الرئيس المتمثل في بحيرة طبرية بالإضافة إلى المياه الجوفية. وقد تحدث دبلوماسي إسرائيلي سابق في إفريقيا عن النفوذ الإسرائيلي في القارة السمراء وبخاصة دول حوض النيل، في كتابه “إسرائيل وإفريقيا”.

 

 

 

 

 

في فلسطين نفسها تتنامى الأزمة، بعد السيطرة شبه الكاملة لإسرائيل على مصادر المياه في الأراضي المحتلة. فرغم اتفاقيات تقسيم المياه بين إسرائيل وفلسطين، إلا أن الاحتلال يُسيطر على نحو 85% من مصادر المياه. وفيما يخص لبنان أيضًا، فلإسرائيل طموح تاريخي في السيطرة على المياه اللبنانية، يعود تاريخه إلى عام 1919 حين أرسل حاييم وايزمن، ممثلًا الحركة الصهيونية، خطابًا لديفد لويد رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، يطالبه فيه تأمين حاجة دولة إسرائيل الموعودة (بعد إصدار وعد بلفور) من لبنان:

نعتقد أنه من الضروري أن تشمل الحدود الشمالية لفلسطين سهل الليطاني لمسافة 25 ميلًا والمنحدرات الغربية والجنوبية لجبل الشيخ (جميعها مناطق لبنانية) لحاجة مناطقنا الشمالية للمياه من أجل الزراعة والصناعة والطاقة

وفي ستينات القرن العشرين سعت إسرائيل نحو بسط نفوذها على مياه نهر الأردن الذي يُمثل مورد المياه الأول لدولة كالأردن، بالإضافة إلى الأراضي المحتلة. كان المشروع الإسرائيلي يستهدف سحب مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب الفقيرة مائيًا بدرجة كبيرة، الأمر الذي استدعى الدول العربية عقد قمة عربية لمناقشة كيفية التصدي للمشروع. وبالجملة فإن الحوادث الشاهدة على سعي إسرائيل نحو مياه المنطقة أكثر من أن تُحصى. ويُمكن تلخيص هذا السعي الإسرائيلي في مقولة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير: “إن المياه بالنسبة لنا بمثابة الدم في العروق”.

اجمالي القراءات 4955