إيكونوميست: الليبرالية تخسر في مصر
نشرت مجلة الإيكونومست مقالًا حول الأحزاب الليبرالية في مصر، وعجزها عن المنافسة بقوة في الانتخابات البرلمانية المقبلة ومعارضة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وإليكم نص المقال
إذا كنت تصدق عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية المصري، فإن بلاده ستأخذ الخطوة النهائية نحو الديمقراطية نهاية هذا الشهر، حينما يبدأ الناخبون اختيار برلمان جديد.
البرلمان السابق، المنتخب بحرية والذي هيمن عليه الإسلاميون، حلته المحكمة الدستورية العليا عام 2012. هذه الفترة الفاصلة شهدت ظهور السيسي، الجنرال السابق، الذي أطاح برئيس منتخب، وفاز بالانتخابات ليسحق معارضيه بالعنف والقوانين الصارمة التي يمررها بموجب فرماناته.
وخلافًًا لخطاباته، فإن السيسي عاد بالديمقراطية المصرية للوراء. فالقوى التي وقفت وراء الثورة المصرية عام 2011، حينما أطاحت بالرجل القوي حسني مبارك في ثورة شعبية، أظهروا في أحيان كثيرة قدرة ضئيلة على الحفاظ على المسار الديمقراطي في البلاد.
وأيد معظم ما يسمون بالليبراليين في مصر، الإطاحة بمحمد مرسي، الرئيس السابق، في عام 2013 على أساس أن جماعة الإخوان المسلمين تقوض الديمقراطية.
وبينما تذبح قوات السيسي المحتجون الإسلاميون، بقي أغلبهم صامتًا.
وبعد أن شوههم التاريخ، وعصف بهم الصراع الداخلي وانخفضت جاذبيتهم الواسعة، أصبح الليبراليون الآن عاجزين عن منع عودة مصر إلى النظام الاستبدادي.
الرثاء المشترك لليبراليين هو وجود الديمقراطية مع الحفاظ على "الانقلاب"، وبعدها خنق السيسي أصواتهم.
في الحقيقة، تعرض النشطاء الليبراليون والسياسيون للملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية، وشّهرت بهم وسائل الإعلام وقيدتهم الحكومة بقوانينها، بشأن التظاهر ومنظمات المجتمع المدني.
النظام غالبًا ما يبرر القمع لأسباب أمنية في حين يقوم ببعض المبادرات التجميلية مثل الإفراج عن 100 مسجون سياسي بينما يقبع الآلاف في السجون.
معظم السجناء السياسيون أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين والتي حظرها نظام السيسي، ولكن هذا لا يساعد الليبراليين والمتوقع ألا يحققوا نتائج إيجابية في الانتخابات، ويعود ذلك للقانون الذي يحكم التصويت، حيث إن ثلاثة أرباع المقاعد فردية، وأغلب المرشحين لهذه المقاعد من الأغنياء وأصحاب العلاقات القوية المخلصة للنظام ويقدرون على شراء الأصوات. 20% أخرى ستأتي من القوائم الحزبية، وهي نفس الطريقة التي اختير بها البرلمان السابق، السيسي هو الآخر سوف يعين 5% من الأعضاء.
النتيجة المتوقعة هي أن يكون (البرلمان) غرفة شكلية، قريبة من تلك التي كانت تحت حكم مبارك.
ليس خطأ السيسي وحده
لكن حتى في ظل قواعد أكثر ملاءمة في الانتخابات البرلمانية السابقة في 2011-12 . حصلت الأحزاب العلمانية المؤيدة للديمقراطية على أقل من ثلث الأصوات بمشاركة الشباب وقليلوا الخبرة الذين تفوق عليهم الإخوان المسلمون لامتلاكهم تاريخ طويل في تقديم الخدمات وتعبئة الناخبين.
قال "حينها" خالد داوود، المتحدث باسم حزب الدستور الليبرالي “هذه الدولة لم يكن فيها أحزاب ليبرالية حقيقية لمدة 60 عامًا، لذلك نحن مازالنا نتعلم كيفية بنائها".
وبينما تميزوا كمعارضة، فشل الليبراليون المصريون في التوحد خلف منصة أو زعيم.
في الانتخابات التي جلبت محمد مرسي للسلطة، فتتوا أصواتهم بين مجموعة من المرشحين من اتجاهات سياسية مختلفة، ولم يصلوا للمرحلة الثانية للتصويت. وعكست هذه النتيجة الانقسامات الكبيرة داخل الحركة الثورية.
ومن بين هؤلاء الذين ذهبوا لمترايس (الشرطة) للإطاحة بحسني مبارك كان الطلاب، وأعضاء النقابات والإسلاميون، كل بحسب أجندته.
الأحزاب التي ظهرت بعد ذلك لم تختلف فقط في حميتها الدينية ولكن في النظرة الاقتصادية والحماس للديمقراطية.
واستخدمت كلمة الليبرالية لتصف المعارضة العلمانية، ولكن الأحزاب حولت الدفة من الاشتراكية إلى الأسواق الحرة. كان هناك القليل من الجهد لسد هذه الفراغات، حتى أن الأمل بتوحد القوى الثورية جميعها تحت ائتلاف انتخابي واحد للتصويت القادم لم يأت بشيء.
لدى الأحزاب الليبرالية الفردية ما يكفي من المشاكل التي تدمرهم، فهناك من عصفت به الخلافات الداخلية. في أغسطس، هالة شكر الله، رئيس حزب الدستور، استقالت من منصبها معللة بأنهم يعيشون في”دائرة مفرغة من الخلافات والتعقيدات".
الحزب، الذي أسسه محمد البرادعي عام 2012، خاض جدالًَا حول توقيت وهيكل الانتخابات الداخلية، وموقفهم من السيسي، وإن كانوا سيشاركون في الانتخابات المقبلة (وسوف يشاركون).
في الآونة الأخيرة، حاول محمد أبو الغار الاستقالة من منصب رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي بسبب "الاستقطاب والعديد من المشاكل الأخرى"، وتم اقناعه بالبقاء، في حين أن أعضاء قياديين في حزب الوفد، أقدم حزب في مصر وصاحب المركز الثالث في انتخابات 2011-2012، اتهموا رئيس الحزب السيد البدوي إساءة استخدام سلطاته. ويقول ديفيد أوتاواي، الباحث في مركز ويلسون الأمريكي :”الليبراليون أفسدوا أنفسهم بغرورهم".
الأحزاب تمتلك أشياء آخرى مشتركة: مشاكل مالية، اعترف قيادي في حزب الدستور بأن السجلات المالية غير متوازنة (هناك عجز بين الإيرادات والواردات)، ولمح أبوالغار لصعوبات مماثلة، في حين اتجه رجال الأعمال الأغنياء إلى الأحزاب الجديدة التي ظهرت عقب الثورة، وفي الفترة الأخيرة حافظوا على مسافة بعيدة عن السلطة تجنبًا لغضبهم. فهناك حزبين من المتوقع استحواذهم على أغلبية المقاعد في البرلمان مؤسسين من قبل كبار رجال الأعمال.
لكن المال وحده لا يفسر سبب فشل الليبراليين في توصيل رسالتهم. الكثير من النخبة الليبرالية، المتحضرون والمتعلمون، يتحدثون بلغة مختلفة عن أغلب المصوتين في السياسة والاقتصاد. الدولة سيطرت على الاقتصاد لفترة طويلة، لذلك فإن من امتلك مشاريع حرة تعرض للانتقاد.
سياسيًا، تحديد سلطات الحكومة (على الاقتصاد) فكرة أجنبية. وهذه الأحزاب بذلت مجهودًا ضئيلًا للتواصل مع المصوتين في المناطق الريفية لأجل معالجة مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والتي جعلتهم ينزلون إلى الشوارع في 2011.
دعم الليبراليين للديمقراطية يبدو الآن بلا معنى، لأن معظم المصريين مرتاحين لوجود السيسي لجلبه الشعور بالاستقرار بعد سنوات من الاضطرابات. وبسبب وجود معارضة غير مجدية، يناقش المؤيدون للدولة تعديل الدستور لتقليل صلاحيات البرلمان.
الليبراليون لا يمتلكون القوة لإيقاف هؤلاء المؤيدين، وكما قال خالد داوود :”نحن نحارب لأجل البقاء، لو تمكنا من البقاء سويًا، سيكون انتصارًا في حد ذاته".