كتاب الله هو الفصل ليس بالهزل,من تركه من جبار قصمه الله,ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله,هو حبل الله المتين,وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم,وهو الذى لاتزيغ به الأهواء ولاتلتيس به الألسنة,ولاتتشعب معه الأراء,ولاتشبع منه العلماء, ولاتمله الأتقياء,ولاتنقضى عجائبه,وهو الذى لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا:أنا سمعنا قراءنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولم نشرك بربنا أحدا)(الجن:2).
فمنا قال به صدق, ومن حكم به عدل,ومن عمل به أجر,ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم,وهو عصمة لمن ي&Eتمسك به,ونجاة لمن اتبعه...
وهو الكتاب المعجز الذى لو اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثله لايأتونا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا,ولغته تختلف عن لغتنا التى نكتب بها أو نتكلم بها فى أنها محكمة لاخطأ فيها ولا نقص ولازيادة...
وقد كثر الكلام عن الآيات الكونية التى تتحدث عن النجوم ومسارتها والأرض وخلقها والحياة وبدايتها..وكيف جاءت العلوم الحديثة بالجديد المبهر من البحقائق خلال مئات السنين التى أعقبت التنزيل القرآنى,فلم تخرق حرفا قرآنيا واحداً,ولم تنقض آية,بل توافقت جميعا مع كلام القرآن وزادته توكيدا..
كما جاء القرآن فى نظم الحكم وفى الأخلاق وفى الأقتصاد وفى حقوق الأنسان والمعامله مع الناس ومجاهدة النفس,وفى الأسرة والزواج والمرأة,والشرائع بالكلمة النهائية الجامعة.
كما أنفرد بذروة البلاغة وقمة البيان وجمال الأسلوب وحسن التعبيروالتفسير لم يطاوله فيه كتاب.
بالرغم من هذا كله إلا أن يظل هناك وجه معجز من وجوه القرآن ربما كان أهم من كل هذه الوجوه ويحتاج إلى وقفة طويلة..وهو مايسمى بالمعمار أو البنية الهندسية أو التركيب العضوى أو الترابط الحى بين الكلمة والكلمة.
والكلمة فى القرآن أشبه بالخلية..فالخلايا تتكرر وتتشابه فى الكائن الحى..ومع ذلك فهى لاتتكرر أبدا.ز وأنما تتنوع وتختلف..وكذلك الكلمة القرآنية فأننا نراها تتكر فى السياق القرآنى ربما مئات المرات,ثم نكتشف أنها لاتتكرر أبداً بالرغم من ذلك, إذ هى فى كل مرة تحمل مشهدا جديدا..وما يحدث أنها تخرج بنا من الأجمال إلى التفصيل..وأنها تتفرع تفرعا عضويا..مثل البذرة التى تعطى جذرا وساقا ثم أغصانا ثم أوراقا ثم براعم ثم أزهارا ثم ثمارا,وهى فى كل مرة لاتخرج عن كونها نبات البرتقال..ولكن عبر هذا التفصيل تعطينا فى النهاية حقيقة نبات البرتقال..ذلك الترابط العضوى أو المعمار الحى..
والكلمة القرآنية تشبه كائنا حيا أو خلية حنينية حية,فهى تتفرع عبر التكرار الظاهر لتعرض مشاهد تكمل بعضها البعض تماما كما تنقسم الخلية لتعطى خلايا القلب والكبد والبنكرياس والعظام والجهاز العصبى إلى أن تعطينا فى النهاية إنسانا كاملا..وقد جاء هذا التنوع من خلايا متشابهة..فذلك هو التفصيل الذى كان محملا فى الخلية الأولى للجنين.
وكمثال نأخذ كلمة(العلم) فى القرآن الكريم.
فنجد أن العلم يأتى فى البداية مجملا بمعنى النظر فى خلق السماوات والأرض..ثم نجد هذا النظر يأتى بعد ذلك مفصلا(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت,وإلى السماء كيف رفعت,وإلى الجبال كيف نصبت, وإلى الأرض كيف سطحت)(الغاشية:2017).
وهذه هى علوم الأحياء والفلك والجيولوجيا والجغرافيا كما نعرفها الآن.
ثم ينقلنا القرآن إلى النظر من نوع آخر.
({أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} (10) سورة محمد
وذلك هو النظر فى التاريخ
ثم تنوع آخر:(قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق).
وذلك النظر فى التطور وعلم الأجناس.
ثم كيف كانت بداية هذا كله.
(وخلق كل دابة من ماء)
(والله خلقكم من تراب)
(ولقد خلقنا الأنسان من سلالة من طين).
ذلك الآمر كما ورد مجملا فى البداية.
ثم جاء بعد ذلك التفصيل.
(من نطفة),(نطفة من منى يمنى).
ثم نرى النطفة تأتى فى أكثر من عشرة مواضع,فنجدها فى كل مرة تأتى بمشهد تفصيلى مختلف فهى(نطفة أمشاج)(الأنسان:2)
أى أخلاط من صفات وخصائص متنوعة.
وذلك مانعرفه بالجينات الوراثية.
ثم يأتينا القرآن بتفصيل أكثربأن النطفة المنوية هى التى تحدد الجنس المولود أن كان ذكرا أم أنثى.({وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى,{مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} (46:45 النجم)
ثم يأتى تفصيل ثالث وهو أن النطفة مقدرة بتركيبها هذا من الخالق وليست شيئا عشوائيا من تدبير المصادفة({مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} (19) سورة عبس)
ثم ينقلنا القرآن إلى مشهد مكانى({ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} (13) سورة المؤمنون
تلك النطفة مستقرها الرحم.
ثم ينقلنا إلى مشهد زمانى,فيضع هذه النطفة فى سياقها التاريخى ويربطها ببدئها الأول السحيق من التراب(فأن خلقناكم من تراب ثم من نطفة قم من علقة)(الحج:5)
ثم يعطينا تفاصيا أكثر بما حدق فى هذا السياق التاريخى..أن النطف كانت فى البداية نطفا غير مجنسة تتكاثر بالانقسام الخضرى بدون تزاوج,قم تنوعت إلى ذكر وأنثى وظهر التكاثر التزاوجى.
تأتى هذه الأشارة فى الأية(والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلناكم أزواجا)(فاطر:11)
فجعل الأزواج متأخرة بعد النطف..مما يدل على أن النطف المقصودة هنا نطف أولية لم يتعين فيها ذكر أو أنثى وهو ما يعرف بالتكاثر اللا تزاوجى.
ثم يعطينا مشهد آخر تفصيلا عن تسلسل النطفة فى سياقها فى مراحل خلق الجنين({ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (14) سورة المؤمنون
ثم ينقلنا إلى مشهد غيبى({أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} (77) سورة يــس
وذلك الأشهاد حدث فى الغيب قبل أن نولد({وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (172) سورة الأعراف
عذا موقف أشهاد حدث للنفوس قبل أن تنزل إلى الأرحام.
ثم مشهد عتاب ومؤاخذة({قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا } (37) سورة الكهف
بعد هذا تكفر بخالقك.
وهكذا تتكرر كلمة النطفة فلا تتكرر أبدا وأنما فى كل مرة مشهد جديدا بحيث تتكمل معناها فى الذهن كما يتكمل كأئن حى من يذرة تنموا شيئا فشيئا إلى نبات كامل.
هذا رد بسيط لاصحابنا أصحاب المذهب السلقى السنى الذين سعوا فى آيات الله معاجزين والذين يتهموا القرآن بالنقص وعدم كماله بالرغم من النص القرآنى القاطع(اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الأسلام دينا)
تعالى ربنا على ذلك الأفك علوا كبيرا
والله هو الموفق ..وهو الهادى