عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، صدر للمحامى السورى باسيل يوسف باسيل دراسة بعنوان: سيادة الدولة فى ضوء الحماية الدولية لحقوق الانسان وهى دراسة جيدة تناولت العديد من النقاط الهامة المرتبطة بالقيود على سيادة الدول فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وبالطبع هناك أوجه قصور تتعلق بكون الدراسة ظهرت عام 2001 أى قبل أحداث 11 سبتمبر، وهى التى تعد نقطة فاصلة فى حرب دولية جديدة على الإرهاب لها قواعدها وتجاوزتها أيضا فيما يتعلق بموضوع سيادة الدول، وخاصة وأن مبدأ تهديد الأمن والسلم الدوليين لم يعد مرتبطا فقط بالدولة ذات السيادة وانما تعدى ذلك إلى الجماعات الإرهابية والأيدلوجيات عابرة الحدود، والجماعات المسلحة المنظمة والتى تمثل دولة داخل دولة مثل حماس وحزب الله، وكذلك خطورة الدول الفاشلة على الأمن والسلم الدوليين ومسئولية المجتمع الدولى عن السيطرة على هذه الدول الفاشلة حتى لا تكون منطلقا لتهديد السلم الدولى، وحتى لا تتحول إلى مغناطيس جاذب للجماعات الإرهابية الدولية.
يوضح باسيل فى دراسته أن الجذور القانونية لحقوق الإنسان نشأت بعرف دولى تجسد منذ عام 1864 ثم فى اتفاقية لاهاى لعام 1907 ثم ما تلتها من اتفاقيات جنيف عام 1949 والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977.
وجاءت حقوق الإنسان كأحد المقاصد الأربعة لميثاق الأمم المتحدة وهى: حفظ السلم والأمن الدوليين، وانماء العلاقات الودية بين الأمم على اساس أحترام المبدأ الذى يقضى بالمساواة بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها، وحفظ حقوق الإنسان، وأخيراً جعل منظمة الأمم المتحدة مرجعا لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.
وقد تم تقنيين حقوق الأنسان حيث نشأ ما أطلق عليه " القانون الدولى لحقوق الإنسان " والذى يضم مجموعة من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، والتى بلغ عددها خلال خمسين عاما أكثر من مئة صك بين إعلان واتفاقية.وقد نشرت مجموعة الصكوك الدولية لحقوق الانسان من قبل الأمم المتحدة فى آخر طبعة عام 1993 بمناسبة عقد المؤتمر العالمى لحقوق الإنسان فى فيينا.ويعتبر تدويل المسئولية الفردية أول اختراق لسيادة الدول وصميم سلطانها الداخلى. وقد تأسست اتفاقية الإبادة على فرضية أن هناك حقوق إنسان دولية لا يمكن انتهاكها بالسيادة الوطنية.
وجاء القانون الدولى لحقوق الإنسان غير العرفى ليمثل قوة الزامية للدولة فى مواجهة السيادة التقليدية، وقد حصل شبه توافق فقهى دولى على القوة القانونية الإلزامية للإعلان العالمى لحقوق الإنسان على الصعيدين الوطنى والدولى.
وقد خاطب ميثاق الأمم المتحدة الفرد فى الديباجة، حيث أشار إلى كرامة الفرد وقدره، كما استخدم الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تعبير الفرد أو الشخص فى معظم مواد الإعلان، ونصت المادة 29 صراحة على علاقة الفرد بالجماعة من ناحية الحقوق والواجبات، وقد جاءت آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان لتعزز المركز القانونى للفرد فى القانون الدولى بصيغة المتمتع بالحقوق والمسئول عن إنتهاكتها.
وتعرف الدراسة الحماية الدولية لحقوق الإنسان بمجموعة الإجراءات التى تتخذها الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة لدراسة أوضاع حقوق الإنسان فى بلد ما، بهدف بيان مدى إلتزام سلطات هذا البلد بقواعد القانون الدولى لحقوق الانسان، والكشف عن الانتهاكات المرتكبة ووضع مقترحات لوقف هذه الانتهاكات، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان فى البلد موضع الدراسة، أو معاقبة مرتكبى انتهاكات حقوق الإنسان بإحالتهم إلى محاكم جنائية دولية، أو الرصد الدولى لمدى تطبيق الدول عمليا لصكوك دولية معينة أو حقوق محددة من حقوق الإنسان.
وبموازاة الحماية الدولية تقع الحماية الوطنية الداخلية التى تعود إلى سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية بتوفيق التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان.وتطبيق أحكامها عمليا وحمايتها من قبل القضاء الوطنى. وهناك بالطبع الحماية الاقليمية فيما يتعلق بالاتفاقيات الإقليمية لحقوق الإنسان.
والأصل أن تكون بواعث الحماية الدولية مبنية على وقوع انتهاكات خطيرة ومنهجية وثابتة لحقوق الإنسان الأساسية كما جاء فى قرار لجنة حقوق الإنسان رقم 8 لسنة 1967. ويقصد بالانتهاكات الخطيرة تلك التى تمس الحقوق الإنسانية مثل الحق فى الحياة والإعدامات دون محاكمة والتعذيب والاختفاءات القسرية والتمييز العنصرى أوالمبنى على الدين أو المعتقد بين المواطنين. كما يقصد بالانتهاكات المنهجية التى تشكل منهجا سياسيا فى الدولة، فى حين يقصد بالانتهاكات الثابتة تلك المبنية على المعلومات جديرة بالثقة.
إن انضمام الدولة إلى النظام القانونى الدولى يعنى انتقاص من حريتها واستقلالها فى العمل خارج القانون تتحدد وتتقيد بهذه المواثيق، فزمن السيادة المطلقة والمستمرمنذ اكثر من ثلاثة قرون ومنذ معاهدة ويستفاليا عام 1648 قد تقلص كثير، وجاءت العولمة واتساع دور منظمات المجتمع المدنى الدولى لتقلص هذه السيادة عمليا وبدرجة كبيرة، فالعولمة هى تغيرات اجبارية فى العلاقات الدولية أدت بشكل تلقائى إلى تأكل ما يسمى بسيادة الدولة نتيجة إحتكار الدول غير الديموقراطية للمعرفة والاعلام فى بلادها، بل سلطة التحقيق ذاتها، فالمجتمع المدنى اصبح سلطة تحقيق موازية لسلطة الدولة تصدر تقاريرها والتى لها مصداقية أمام المجتمع المدنى الدولى ومؤسسات العدالة الدولية اكبر من تقارير وتحقيقات القضاء المحلى، ولهذا أصبح المجتمع المدنى مصدراً للمسئولية الدولية مما قلص كثيراً من السيادة بمعناها التقليدى.
كما أن منظمات المجتمع المدنى الدولى تعمل جاهدة لتقليص السيادة إلى حدها الأدنى عند النظم المستبدة، فالنظم القمعية والمستبدة لا تتمتع بأى مشروعية أخلاقية على المستوى الدولى، رغم إنها تتمتع بمشروعية داخلية شكلية منتزعة من مواطنيها عبر إنقلابات ثورية أو انتخابات مزيفة.
وهناك أيضا الحماية الدولية المتعلقة بحقوق الاقليات وهو موضوع طويل يحتاج إلى تفصيلات فى مقالة مستقلة.
إننى متفائل بالنسبة لمستقبل الحماية الدولية لحقوق الإنسان، فحتى ولو كان هناك قصور حالى فى الادوات التنفيذية للحماية الدولية لحقوق الإنسان فإن المستقبل جدير بتفعيل هذه الآليات، فالمجتمع المدنى الدولى يعمل بكل طاقته لمحاصرة الدكتاتوريين والمستبدين من أجل تعزيز كرامة وحرية الإنسان وحقوق الإنسان والتى هى أهم بكثير من سيادة الدول.