هل يمكن أن يكون القران من عند غير الله؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك أسئلة يطرحها الإنسان في مرحلة ما من عمره تخص الوجود بصفة عامة وتدور حول مسالة من أين جئنا ولماذا خلقنا وأين نذهب وماذا يحصل لنا بعد الموت. وتصب هذه التساؤلات في بحر الألوهية أو القوة العظمى التي تتحكم في الكون عامة والإنسان خاصة.
والأجوبة التي لا يستطيع أن يجيب عنها العلم نجدها في العقائد والديانات وتكون وراثية وهناك من يقبلها وهناك من يرفضها .وهذه الديانات تتفق عموما على مسالة الخير والشر وحقوق الإنسان وترجع أمور الحكم على الأفعال البشرية إلى قوة عظمى تتحكم في الكون وتحدد مصير كل واحد منا. أما الاختلاف فهو في اسم هذه القوة والطريق التي تقرب الإنسان منها للحصول على مستقبل جميل في الدنيا و بعد الموت.
وبما أن موضوعنا عن القران فسنركز اهتمامنا على الذين يؤمنون بوجود هذه القوة العظمى أي يسلمون بوجود اله يسير الكون بما فيه.
في نفس سياق التفكير والتساؤل الوجودي لا بد وفي مرحلة ما من العمر لمن يبحث عن الحقيقة من المسلمين أن يتساءل عن مدى صحة الموروث الذي أخذه عن آبائه وعن محيطه والمتمثل في وجود اله بعث لنا القران عن طريق رسول اسمه محمد عليه السلام وان هذا القران كلام الله سبحانه خالق الكون بما فيه ويجب التصرف بقواعده إذا أردنا أن نضمن مستقبل زاهر.
ومن بين الطرق التي يعتمدها المسلم والتي هدفها الاطمئنان على أن الطريق الذي ورثه هو الصحيح أن يقارن مثلا بين ما ذكر في القران من أمور علمية وما توصل إليه العلماء خارج الديانات. ويفرح عندما يجد تطابق بين الاثنين كمسالة تكوين الجنين أو مسالة الحواجز بين البحار أو المساءل الفلكية وغيرها.و تكون الفرحة اكبر عندما يكون القران ذكر أشياء قبل اكتشافها بألف أربع مائة عام مثل نظرية BIG BANG أو اتساع الكون التي ذكرت كحقائق في القران ولم يتوصل إليها العلم إلا حديثا.
وباختصار لننظر إلى المسائل التي تتطرق إليها القران:
- مسائل علمية: الذرة – الجنين – الفيزياء-الكيمياء-علم الفلك-علم البحار- الموارد الطبيعية من معادن وبترول و أمطار وزراعة – وغيرها كثير
- مسائل سياسية: قوانين الحرب والسلم – المواثيق بين البلدان- الشورى أو الديموقراطية وغيرها
- مسائل اجتماعية: تخص العلاقات بين الناس عموما من زواج طلاق صدقات تجارة صناعة عقود وغيرها وبطرق شدة في الدقة مثل الميراث –العلاقة بين الأباء والأبناء بين الجيران الأصدقاء- الأمور الجزائية وغير ذلك.
- مسائل جغرافية: مثل سيناء-مكة-يثرب-مدين-مصر-هذه بالأسماء وهناك مناطق أخرى بالإشارة مثل أدنى الأرض أو أين ينحتون الجبال ويتخذونهم بيوتا ونرى ذلك في بترا في الأردن
- مسائل تاريخية: من شخصيات منها إبراهيم عيسى موسى سليمان داود شعيب وغيرهم من الرسل عليهم السلام أو فرعون وهامان وقارون وأبو لهب وحتى الهات كانت تعبد مثل سواعا وصقرا واللت العزة منات .
- و أخيرا وليس اخرا مسالة الألوهية والوجودية والتي تجيب على أهم أسئلة تعترض الإنسان مثل من خلقنا ولماذا وماذا يحصل بعد الموت والديانات بصفة عامة كالمسيحية واليهودية الصابئة وموضوع الجنة والنار والعقاب والجزاء والبعث الجديد في عالم آخر .
وكل هذا إلا جزء من المواضيع التي ذكرت في القران ففي كل مسالة أشرت إليها هناك معلومات اكثر و أدق واعمق إذا أردنا سردها كلها فيجب أن نخصص لها مقال خاص أرجو من هم اكثر مني اختصاص أن يقوموا به لنزيد استفادة وثقافة.
الآن وبعد هذه المحاولة لذكر ما في هذا الكتاب الذي بين أيدينا من معلومات متنوعة وفي جميع المجالات التي تخص ليس الأرض وما فيها من بشر وحيوانات ومعادن وفلاحة ولكن الكون بنجومه وكواكبه وسماواته من المعقول أن نرجع إلى تاريخ القران أي أين ظهر ومن قدمه للناس؟
ظهر القران في مكة في عصر الظلومات في القرن السابع ميلادي عن طريق محمد عليه السلام وهو في الأربعين من عمره. ودام تبليغ القران وكتابته 23 سنة.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف استطاع محمد عليه السلام أن ينجز هذا العمل المتنوع بنفسه في ذلك العصر وفي تلك المنطقة؟ كيف يمكن لإنسان في سن الأربعين أن يأتي بكل هذا الكم من المعلومات التي بينا جزء صغير منها في بداية المقال وهو لم يدرس لا في مدرسة ولا في جامعة إذ لم يكن هناك تعليم أكاديمي أصلا ولم يكن هناك موسوعات وطرق اتصال مثل اليوم. وحتى بوجود أماكن التعليم فمنطقيا يتعلم الإنسان طول عمره منذ الصغر ثم يحدث الناس بما تعلمه وفي اختصاص معين وليس العكس أي لم يتعلم قط وفي الأربعين يصبح يعلم الناس في جميع الاختصاصات.
يقول قائل تعلم من عند أشخاص أعجميين أو يهود أو مسيحيين. ولكن نتساءل هنا لماذا لم يعرفوا بأنفسهم ويأخذوا هم الشهرة والعزة والكبرياء بكل هذه المعرفة؟ هل تعلم عنهم ثم قتلهم ليكون له الكبرياء لوحده؟ وهل كان له أستاذ علوم طبيعية وأستاذ تاريخ وأستاذ سياسة أخر في الرياضيات أخر في التربية الدينية وواحد في علوم الغيب إلى غيرهم أم أستاذ واحد عالم خبير ملم بكل هذه الميادين؟
وإذا كان الذي علمه مسيحي فلماذا يأتي بما يخالف المسيحية في أهم مسالة وهي ألوهية عيسى عليه السلام ومن أين أتى بمعلومة كلامه في المهد ولماذا يلعن ويتوعد كل من يقول بتلك المعتقدات؟ مع الملاحظة أن المعلومات الموجودة في القران غاية في الدقة في حوادث حصلت قبل 600 سنة من ذلك الوقت وعلى بعد آلاف الكيلومترات من تلك المنطقة ونخص منها بالذكر قصة مريم وزكريا ويحي والحواريون عليهم جميعا السلام والمائدة والصلب وغيرها.
نفس الشيء بالنسبة لليهودية كيف عرف محمد عليه السلام بقصص موسى وسليمان وداود وإسحاق ويعقوب ويوسف وهارون عليهم السلام وطالوت وجالوت وغيرهم بما في هذه القصص من دقة عجيبة وغريبة ؟ وكيف يلعن الأحبار الذين يخالفون ما انزل الله وهو يتعلم منهم؟
والجواب المقنع والمنطقي هو أن الذي علمه القران ليس لا يهودي ولا مسيحي ولا غيرهم ويعترف محمد نفسه بان الذي علمه هو العليم الخبير بأسمائه الحسنى كلها وهو الله. و محمد عليه السلام لم ينسب أي شيء موجود في القران لا لنفسه ولا لغيره ومع كل هذا الكنز من المعلومات ولمدة 23 سنة يقول بكل بساطة وتواضع انه رسول يقوم بوظيفة التبليغ فقط.
أليس هذا بشيء غريب؟ أممكن لشخص لم يدخل مدرسة قط أن يأتي في سن الأربعين ويتحدث في ميادين متنوعة وصعبة تخص الكون وما فيه قبل خلقه وبعد نهايته. وفي نفس الوقت يكون عائلة ويحكم أمة ويحارب لمدة 23 سنة.؟
والغريب في الأمر لماذا لم يستطع أحد من بعده أن يقوم بهذا العمل أو جزء منه بالرغم من التحدي الموجود في القران من الإتيان بسورة مثله وليس كله؟ والتحدي مازال قائما. وما زلنا نكتشف كل مرة وفي أزمان مختلفة إعجازات جديدة وآخرها الإعجاز العددي المتعلق بالأرقام 19 و7 وغيرها وكذلك عدد بعض الكلمات في القران ونعطي مثال صغير عدد كلمة عيسى أدم هو نفسه 25 مرة وعدد كلمة شهر12 مرة إلى غير ذلك من الغرائب العددية التي لا يمكن أن تكون وضعت عن طريق الصدفة.
بعد كل هذا لا يمكن أن يبقى لدارس القران إلا أن يعترف أن القران ألف من طرف عليم وخبير بكل مجالات الكون التي نعرفها والتي لا نعرفها والذي عرفنا بنفسه في الكتب السماوية كلها وهو الله عز وجل وهذا يعطينا يقين بوجوده ويحملنا اكثر مسؤولية أمامه لأننا لم يبقى لنا عذر للشك في وجوده له ولا في صحة القران.
خلاصة:
أردت فقط بهذه المحاولة المتواضعة التي أتمنى أن يحسنها ويعمقها أحد الاخوة أو الأخوات أن أبين أنه من المستحيل أن يكون القران من تأليف بشر وخاصة محمد عليه السلام الرسول الكريم النزيه عن كل الأكاذيب التي حدثت في شانه وفي شان الخالق ونسبت إليه ظلما وعدوانا. و الفت نظر المسلمين أن التركيز يجب أن يكون كله لخالق محمد عليه السلام وخالق القران وخالق الكون الله سبحانه وتعالى الذي لولاه لعرفنا لا هداية ولا قران ولا إسلام وان نسير على خطى محمد عليه السلام والرسل من قبله بعبادة الله وحده ولا نشرك به أحد ولا شيء لنزيل العواقب التي جعلت من الدين الإلهي الواحد أديان بشرية متعددة ومتفرقة.
والى الاخوة من الديانات الأخرى الذين يسبون محمد عليه السلام ويستهزئون بالقران أننا كلنا خلقنا اله واحد بدين واحد وهو التسليم بوجوده وألوهيته وحده وان لا نسويه لا بمحمد ولا بعيسى ولا بموسى ولا أي شخص آخر ولا أي شيء آخر. وادرسوا ما في القران الذي فيه ذكركم وتحققوا بأنفسكم هل من الممكن أن يكون من صنع البشر أم انه من لدن الله سبحانه الذي خلقنا وخلقكم. واعلموا أن الهدف يجب أن يكون النجاة من عذاب الآخرة وان الوقت يمر بسرعة وساعة الحساب لا يقبل فيها الأعذار الزائفة فهي ساعة الحقيقة أمام الحق سبحانه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
علي الصاقصلي