«ميدل إيست بريفينج»: الدلالة الخفية لهجوم «داعش» بشمال سيناء
ستكون عواقب هجوم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والذي استهدف عشر نقاط عسكرية ومركزًا للشرطة في شمال سيناء مؤخرًا بعيدة المدى، ليس فقط داخل مصر، حيث يمر الوضع السياسي بفترة حرجة، ولكن أيضًا في الشرق الأوسط ككل. الهجوم كان له دوي إقليمي ودولي باعتباره خطوة أكثر جرأة في سلسلة الهجمات الإرهابية في تونس والكويت وأماكن أخرى.
دفع الهجوم قضية مواجهة داعش في شمال سيناء لتتصدر الأجندات الشعبية والرسمية في مصر. وأعقبه على الفور حملة عسكرية في سيناء. احتجاجات جماعة الإخوان المسلمين بمناسبة الذكرى الثانية لإسقاط الرئيس السابق محمد مرسي كانت قد قوبلت بغضب شعبي. أثار الهجوم موجة من الوطنية المفرطة وأغلق جزءًا كبيرًا من الفجوة التي كانت تنشأ ببطء بين السيسي والشعب. من جانبهم، أظهر المصريون قليلًا من التسامح مع جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الذي شاهدوا فيه بلادهم تتعرض للهجوم، مع صور من سوريا وليبيا في أذهان الجميع.
ومع ذلك، فإن ما حدث في شمال سيناء يتم تفسيره في القاهرة بطريقة مختلفة تمامًا عما يظهر في أي مكان آخر. الافتراض هو أن داعش نسقت مع مموليهم في الظل لمهاجمة سيناء في اللحظة التي جرى فيها تعبئة الإخوان المسلمين للتظاهر في الذكرى السنوية الثانية لإسقاط الرئيس السابق محمد مرسي.
هجمات مماثلة في 2013 و2014 من قبل أنصار بيت المقدس، والتي أصبحت فيما بعد جزءًا من داعش، سببت زلزالًا سياسيًّا في القاهرة. تم استخدام تلك الهجمات سواء من قبل المعارضين لأي دور سياسي للقوات المسلحة، أو مؤيديها، للدفاع عن قضيتهم. على مستوى أضيق، استخدمت تلك الهجمات في محاولة لتسوية المعارك السياسية على قمة الهرم الحاكم. لعبة اللوم التي أعقبت هذه الهجمات دائمًا ما يكتنفها عواقب سياسية.
تؤدي محاولة الإجابة على السؤال: لماذا هاجمت داعش الشرطة ونقاط الجيش في شمال سيناء في الأول من يوليو، إلى بعض الافتراضات المثيرة للاهتمام. فمن الواضح أن التنظيم لم يكن يعتقد أن بإمكانه الحفاظ على بلدة الشيخ زويد الواقعة تحت سيطرته لفترة طويلة. أرادت داعش الوصول إلى نقطة الشرطة المعززة بشكل كبير في مركز الشيخ زويد، واتخاذ ما يعتقد أن يكون كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر المخزنة، ورفع علمها على القمة وإعلانها عاصمة لولاية سيناء، أو إمارة سيناء. من غير المرجح أن تكون داعش قد اعتقدت بأن بإمكانها السيطرة على المدينة لفترة طويلة. ولكن الأثر النفسي المدمر قد تحقق على أي حال.
لا يزال هذا السيناريو لا يجيب على السؤال عن توقيت العملية. الافتراض في القاهرة هو أن العملية، مثل سابقاتها، كانت تهدف لتحريك موجة من الانتقادات ضد السيسي وطريقته في التعامل مع الأشياء. كان من المفترض أن تُظهر للمصريين أن الجيش غير قادر على حماية البلاد، فضلًا عن كونها ذريعة للحجة الدولية للضغط على السيسي لاستيعاب جماعة الإخوان “المعتدلة” من أجل صد داعش المتطرفة.
من المفترض أن السيسي الضعيف سيكون أكثر عرضة للضغوط الخارجية التي تهدف إلى إيجاد وسيلة للتوصل إلى اتفاق بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، فشلت العملية في تحقيق أي نتائج إيجابية لداعش ولجماعة الإخوان المسلمين على حد سواء. في الواقع، أدت إلى عكس ذلك تمامًا. ظهر السيسي أكثر شعبية وقوة، وأصبحت جماعة الإخوان أكثر عزلة وتضاءلت آفاق الصفقة بين النظام والإخوان المسلمين بشكل أكبر.
على المستويات الإقليمية وما ينبغي توقعه هو حدوث زيادة طفيفة في التوتر الخفي بين القاهرة وبعض اللاعبين العرب. تعتبر القاهرة أن هؤلاء اللاعبين ليسوا سعداء مع السياسات الإقليمية والمحلية للسيسي. القاهرة قررت إرسال سفيرها إلى قطر في منصب دبلوماسي في الهند بدلًا من إعادته مرة أخرى إلى الدوحة. استدعي السفير إلى مصر قبل عام تقريبًا. وكان في انتظار تعليمات للعودة إلى منصبه إذا نجحت المحاولات لتحسين العلاقات.
ركز المعارضون للنظام، على سبيل المثال، على حالة عدم وجود وزير الدفاع صدقي صبحي مع الوفد المرافق للسيسي في زيارة الرئيس لسيناء بعد الهجوم. هناك قصص معممة عن بعض الاستياء بين الضباط على مستوى عالٍ نظرًا للمشاركة العميقة للقوات المسلحة في الحياة السياسية في البلاد تحت حكم السيسي. ومع ذلك، فليس فقط أنه لا توجد علامات لهذا الاستياء، بل إن من الواضح أيضًا أن السيسي يتمتع في الواقع بشعبية كبيرة. هذه الشعبية تلقي بظلالها على توازن القوى بين السيسي وأي معارضة، حقيقية أو متوهمة.
أفضى هجوم داعش الأخير في سيناء لنتائج عكسية على جميع المستويات. دور أكثر نشاطًا للقاهرة في الأمن الإقليمي هو أقل احتمالًا الآن مما كان عليه قبل بضعة أشهر. بات السيسي أكثر شعبية، وباتت جماعة الإخوان أكثر عزلة. وداعش حاليًا تتعرض لهجوم عسكري لا هوادة فيه من قبل القوات المصرية. لم يكن الأول من يوليو يومًا سعيدًا لداعش وجماعة الإخوان المسلمين في مصر.