الأخوة الاعزاء.
قرأت بتمعن مقالة الأخ العزيززهير جوهر ،وكل التعليقات عليها ،رغم أن الموضوع قد اشبع نقاشاً ،وتضاربت الاراء فيه، وهذه القضية كانت مثار نقاش مستمر في تراثنا الاسلامي .وستبقى!!!!!
في هذه المقالة لن أناقش الموضوع ،من خلال الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة ،لكن كما أكتب دائما ،أن أصدق الكتابات هي التي تعبر عن تجربة شخصية مر بها الانسان ،ولهذا ،وقد ترددت كثيراً في كتابة تجربتي ،لكن على ما يبدوا ،وكان هاجساً في دواخلي دفعني للجلوس ،والشروع بكتابتها علهاl; تكون جوابا للسؤال المطروح وهي حق لكل إنسان في أن يستنبط منها العبرة.
شخصياً مررت بهذه التجربة الأليمة ،حيث كنت في مرحلة من مراحل عمري ،قد تعاطيت شرب الخمر والكحول ،ولا أستطيع أن أقول إلا الحمد لله الذي ساعدني في التخلص من هذه العادة ،وذلك بعد أن عدت الى رشدي وهداني الله الى الايمان ،واتبعت تعاليم ديني الحنيف ،كل ذلك كان له الدور الكبير بإقلاعي عن تلك العادة السيئة أو المرض الخبيث الذي اصبت به والعياذ بالله .يومها كنت أناقش الغير بأن الخمر والكحول ،لم تحرم شرعاً ،وكنت أستند ايضاً الى بعض الاقوال " ما أسكر كثيره فقليله حرام" وكنت دائم الترداد ..ما هوالقليل هل هو كأس ،أم كاسين ام زجاجة ..الخ ،وأخيرا اتفقنا نحن عصبة الخمر على أن شرعنا يقول ،القليل هو مقدرة الانسان على الشرب ،حتى لايفقد عقله ،واستدنا بذلك الى تأويل بعض الايات ، وخاصة قوله عز من قائل "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر...." أي حسب شرع العصبة ،المشكلة فقط في أن لاتقع العداوة فيما بيننا بالشرب ،وكنا بما توصلنا إليه فرحين .لأننا وجدنا مخارج تعفينا من المسؤولية والمسائلة الجزائية .في الحقيقة الانسان يبحث دائما عن المبررات لما يعمل ،ويسال ليحصل على الفتوى التي تطابق مقاسه وما يقوم به من فعل هو لايستحبه ضمنا ...حتى يرتاح نفسياً ، وما أكثر علماء الشيطان الذين يفتون متبعين الاهواء....
ما أسهل أن يقع الانسان في عادة شرب الخمر والكحول ،أو مايدور في فلكهما من الاثام ،وكلنا يعرف قصة الكأس الاولى ،التي تجر الثانية حتى تجر في النهاية الزجاجة والزجاجات ،وتستحكم العادة ،عندها لايمكن للإنسان الافلات منها ومن شباكها المعقدة ،في المسكرات متعة لمن اعتاد عليها ،لاتضاهيها متعة أخرى ،والمتعة في الحيقة ليست استساغة هذا المشروب أو ذاك ،بقدر ما هي سيطرة شياطين الجن والأنس على الإنسان ،من خلال مايسمى بلغة عصبة الشرب " الجو" الإنسان لا يتمتع بشرب هذه الاثام لوحده ،إلا أذا أصبح كما يقال عبدا ،مدمناً فاقداً لعقله متحولاً الى جسد بدون عقل .وهذه أصعب مراحل هذه العادة ،كون الانسان يسقط في ما يسمى السكر الدائم والعياذ بالله .بحيث لو انقطع عنها لحظات يصاب بحالة من الرجفان في اليدين والجسم ...وكأنه مفارق الحياة ...تكفيه جرعة لتعود له الحياة من جديد ..وهكذا ,هذا ما يسمى بأرذل مراحل الشرب .
أعود الى تجربتي الشخصية. الحمد لله أني لم أصل الى مرحلة أرذل الادمان .لكني مع ذلك مازلت أذكر الكثير من الحوادث التي مررت بها وكدت بسببها أفقد حياتي .وحتى لاتبقى الامور في أطارها النظري ،سأسرد عليكم تجربة واحدة تلخص كل التجارب .كنا طلاب في الجامعة ،حيث كانت طريقتنا للاحتفال بانتهاء الفحوص، هي دعوة الطالب لأصدقائه ،لمشاركته هذه الفرحة ،وذلك باحتساء الخمرأو الكحول الامر سيان والنتائج واحدة. في الحقيقة ومن خلال تجربتي ،هناك عاملين يدفعان الإنسان الى فعل هذه الممارسة ،كون الكحول بحد ذاته لاطعم مستساغ له بعكس العصير مثلاً ....العصير يشرب برغبة الشرب ،لكن الكحول يشرب وكأن الانسان يقاوم في داخله عادة هذا الشرب ،كونه غير مستساغ لهذه الدرجة إلا بعد الادمان تصبح القضية عادة وحاجة جسدية مرضية... العامل الأول هو وسوسة الشيطان للإنسان ،وأقسم على ذلك ،حتى أنه كان يزين لي ما لم استسيغه وكأنه مشروب أهل الجنة ،ويدخل في هذا العامل الشيطان الانساني البشري ،أي الاصدقاء أو الصديق الذي يزين لك الجو ،والمائدة وكل توابعها ...وكلها مغريات صعب على الذي لم يتعمق في وجدانه الايمان وفي فؤاده من أن يقاوم ،العامل الثاني ...النفس الامارة بالسوء. هذه النفس من لم يقاوم رغباتها من الصعب جداً أن يستقيم .وهناك عامل نفسي أسميه المنافسة الغير شريفة بالشرب ، حيث أن الشارب في مجموعتة أو عصبتة ،يصاب بهذا المرض ،ويحاول جاهدا أن يثبت مقدرته ورجولته في كونه يحتسي أكبر كمية ممكنة وبسرعة وخلال فترة زمنية قصيرة ،وكل ذلك ليثبت فوزه أو ليحصل على شرف "الشارب العظيم".
دعانا أحد الاصدقاء ،كا لعادة ....فلبينا النداء فوراً ،وبدأنا نحتسي المنكر ..الى ساعات متأخرة من الليل ...وكنا نجلس في مكان بعيد عن مدخل المطعم ،وأذكر انني ألتجأت الى الله يومها داعياً ومستعيناً به ...بأن يجعلني عند خروجي متوازنا حتى لا أسقط على الارض ،ويشمت بي الجميع ،"طبعا هناك كرامة للشاربين" لقد كانت الارض في نهاية الجلسة تدور بي وكأني في أرجوحة العيد .والاقياء كان على قاب قوسين أي على وشك الحدوث. ومع ذلك تساعدنا ،وكنا نميل على بعضنا وسند واحدنا الأخر حتى خرجنا من المطعم ،فاقدي العقل والقوى ...والله يعلم كم سقطنا على الأرض حتى وصلنا بيت الطلبة ،وهناك حدثت المآسي ،دارت بي الارض وأنا مستلقي على السرير بملابسي ،وكنت أتقيأ وانام على ما تقيأت عليه ،الى أن دعتني الحاجة الى المرحاض، ...عندها لم أعد اذكر شيئا سوى انني استقيظت على صوت المنظفة وهي تصرخ بي ،حيث سقطت في الليل على الارض ،ونمت على البلاط ..وظنت أنني من الميتين . اعتذرت منها وطلبت إليها أن تساعدني بتنظيف هذه المآسي ،ودفعت له أجرا كبيرا حتى لاتفضحني ..وبيقت مدة ثلاثة أيام وانا اعاني من الصداع القوي في راسي ، كان علي أن اداويه بالحكمة القائلة عند عصبة الكحول "وداويها بالتي كانت هي الداء" أي أن تشرب فورا ، ..صديقي نقل الى المستشفى حيث أصيب بتسمم كحولي ،وكاد يفارق الحياة ......لكن كيف بدأت ؟
صدقوني بكأس صغيرة أو شفة من الكأس ،وصديق شيطاني .ونفس امارة بالسوء ،تحولت الكأس الى كأسين وهكذا... ،لكن ما شعرت يوماً بعد تعودي على الشرب أنني أستسيغ هذا المشروب ،لكنها العادة ونسبة الكحول في الدم ،مثلها مثل النيكونين في الدم ايضاً .وزادت هذه العادة وتمكنت مني كوني عشت في اوربا حيث الكحول يعتبر من الفكلور الشعبي. موجود في كل مكان.
ما ذكرته هو حادثة ..من حوادث كثيرة عشتها ،وحوادث عشتها لأصدقاء لي ومآسي كبيرة ،رأيتها وقد انعكست على صحة بعض الاصدقاء ، فارقوا الحياة بسببها ..... شباب ما زلت اذكرهم رحمة الله عليهم . وانعكست على حياة البعض الاجتماعية والعائلية . مآسي ....جعلتني ،ودفعتني في العودة السريعة الى خالقي ،عدت إليه منادياً بصدق ،عدت إليه نادماً مستغفرا ،عدت وكان رجائي أن يساعدني ويقبل توبتي ...من أثم كاد يدمرني ... عدت لأقول له صدقت يارب العالمين ، صدقت يا آله المؤمنين ،أن في الخمر منافع للناس ...لكن فيها اثم عظيم ..جربته وأنا نادم على ما فعلت ...منافع للناس ،لايمكن ان تعني شربها ..لإن الله لايريد السوء لأحد ... بعد تجربتي هذه ..هل من إنسان يمكنه يقنعني أن في شربها فائدة ... وانه لا أثم على شاربها ايضاً محال.
والآن وحتى أنهي القصة ،لابد لي من ان اذكر كيف تخلصت من هذه العادة.
لإيماني وعودتي الى الله قصة كبيرة ..سأنشرها إن شاء الله في وقتها. لتكون عبرة للذين قست قلوبهم ،عنداً وكبراً ،وتكبراً !!! عدت الى الايمان من خلال تجربة شخصية أو محنة أرادها الله أن تكون الفيصل في حياتي. سبقتها مراحل تحضيرية من التأمل والدراسة ،بعد ذلك ساعدني ربي ،وصرت متمسكاً بعقيدتي وديني ،وقناعتي اصبحت راسخة بصحة هذا الدين الحنيف . وقد امتلأ قلبي حباً لله ،ما بعده حب ،توقفت عن شرب الخمر بشكل نهائي ،لاعودة إليه أبداً ،ولولا إيماني ،وعودتي إليه ،لما ساعدني لكي اتخلص من هذه العادة وغيرها ،الايمان بالله وقوة الايمان هما الدواءاء الناجع إن شاء الله .التجئت إليه ولم ألتجيء لغيره ،وكان لي وسيبقى هو المعين و المستعان.
وحتى لايعتقد البعض أن الايمان بشكله المجرد هوالذي كان السبب في عودتي الى رشدي ،وتخلصي من الاثم...ابداً اقسم لكم أنها الصلاة بعد الايمان .الصلاة ،ثم الصلاة ،ثم الصلاة ،ثم الصلة بالله .كيف هذا ؟ الصلاةهي خمسة فروض + النوافل .تبدأمن صلاة الفجر ...من الصعب جداً على مدمن الخمر أن يبدأ شربها من الفجر ،إلا إذا كان في أرذل مراحله. يبدا الضحى وإذا صلى الإنسان نافلة الضحى لابأس ،حيث قبل الظهر تبدأ النفس الامارة بالسوء بالأغراء لشرب الخمر ،ويبدأ الشيطان بفرش الطريق المؤدية الى الشرب بالورود وألأماني الكاذبة. عندها بيدأ الصراع الداخلي ...لكن الايمان يدفع الانسان الى ان ينظر الى الساعة ،وإذ به على مقربة من صلاة الظهر ...فيتذكر الله ،عندها يهرب الشيطان ،وتستكين النفس ... وهكذا بين كل صلاتين .وهنا أحب ان أؤكد قول الخالق عز وجل "ولذكر الله أكبر" هذه الجملة عشتها يوميا في تلك الفترة ،نعم ذكر الله دائما كان اكبر من الصلاة ،وذكر الله لايعني المسبحة الآلفية ،لكنه التذكر في الوقت الواجب فيه ذكره .والتذكر باستمرار هو المناعة ،التي لاتضاهيها مناعة .هذا الذكر المستمر ،هو القوة التي لايمكن أن يتصورها إلا من عاشها تجربة شخصية. نعم بذكر الله تهرب الشياطين ،وتعود النفس الى تقواها . لا حماية لنا إلا بذكر الله.
وهكذا انتهيت كما اراد الله أن أكون عابداً مؤمناً اسعى للتقوى والإحسان إن شاء الله.
أخوتي ..أخطر المشاكل الاجتماعية ،والنفسية والصحية التي يعاني منها الغرب ،هي مشكلة الكحول. ما تصرف هذه الدول من اموال طائلة على معالجة هذه الظاهرة ،تكفي لانقاذ شعوب العالم الثالث الفقيرة لسد حاجياتهم الرئيسية .ساهمت في الكثير من النشاطات مع بعض المنظمات الانسانية لعلاج هذه الظاهرة في بلدي الذي أعيش فيه . وكم قلت لهم أنكم تحاولون بتر العضو المريض فوراً... وتنسون ان علاجه لايمكن أن يجدي بدون رادع أخلاقي ،رادع ديني ،رادع من ايمان قوي .المشكلة أن مرجعيتهم وشريعتهم الأرضية تسمح لهم بشرب الكحول مع كل اسف.
والآن أعود الى قول الحق"أنما الخمر والميسر والانصاب .....رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه"
نعم اجتنبوه ...لا تعني التحريم لكنها قد تكون في هذه الحالات أكبر من التحريم ..الاجتناب هو كما فعلت بعد تجربتي القاسية ،هو ان لاتقترب من الناس والاماكن والمناسبات التي تجعلك عرضة للوقوع في هذا الاثم . ومن ثم يقول عز من قائل"ويصدكم عن ذكر الله وإقامة الصلاة" انظروا ما أروع هذه الاية لإن فيها كما ذكرت الدواء الشافي ،كونك لو حللت هذاالمعنى ...ذكر الله يصدك عن الوقوع في هذا الاثم ،والصلاة تنهاك عنه ...فهل أنتم منتهون ..نعم يارب العالمين ...انتهيت وكسبت عقلي وصحتي ،واهم من كل ذلك رضاك . فوازن يامن لم تجرب هذا الاثم ،هل ترضاه لنفسك ،لأولادك ،لإهلك وأصدقائك . ليست القضية في النقاش الاكاديمي .... العبرة في التجارب والنتائج . وعذراً كوني أطلت عليكم.