تصحيح بعض المفاهيم
وما كنا معذبين حتي نبعث رسولاً

شريف احمد في الجمعة ٢٣ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بداية أشكر أخي الكبير المستشار شريف هادي علي مقالته (هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً)، وكما عهدت فيه دماثة الخلق والأدب والتهذيب العالي والأخلاق النبيلة السامية، فقد خاطبني بكل ود وكأنني ابنه تماماً، ويعلم الله تعالي أنني أبادله نفس الشعور، فهو أب فاضل ويشرفني ذلك تماماً، وقد تعرض لبعض التعليقات محاولاً تصحيح ما هو مغلوط منها من وجهة نظره، ولكنه قد فهم بعض التعليقات من منبر خطأ وعليه فيجب إيضاح بعض المقاصد التي قام بها المعلق نفسه حتي يوضح الأمر للقارئ، وأنا بالطبع أتكلم عن نفسي أولاً، وقد كان رده علي الأخ زهير الجوهر رداً أراه موفقاً تماماً ليس عليه أي غبار، ثم وجدته بعد ذلك قد نبهني إلي مخالفة شروط النشر عندما قمت بكتابة بعض التعليقات شديدة اللهجة للأخ زهير الجوهر، وبالطبع كان يجب علي سيادته أن يلاحظ أن أي مسلم لا يقبل ما قاله زهير من قريب أو بعيد، بل إن ما قاله كفيلاً بأن يثير حفيظة أي مسلم حر مثل الأخ الفاضل ذو القلب الطاهر النقي الدكتور حسن عمر، وكذلك الأستاذ عيسي السيد، فقد ثارا هما الآخران وغضبا غضباً شديداً، كما أستطيع أن أقرر بأنها محقان تماماً في غضبهما هذا، فقد جن جنوني وجنونهما عندما سمعنا ما يؤذينا في مشاعرنا ويتلاعب بديننا وبالطبع فإن هذا من أبسط حقوقنا، وهنا لا يوجد كبير ولا صغير في السن، إذ أن الحق يجب أن يُتبع، فكم من كبير لا يعرف شئاً عن الحق، وكم من صغير يدرك معني الحق، فهذا فضل الله تعالي يؤتيه من يشاء نرجو أن يمن الله تعالي علينا به، وأعتقد أن هذه هي ظاهرة صحية تماماً يتمتع بها المؤمن فقط، فهي ظاهرة تدل علي صحة إيمان من يسمع مثل هذا الكلام، وكان علي الأستاذ شريف هادي أن يراعي تلك النقطة ولا سيما أنه قاضي يحكم بين الناس بالعدل، وهو بالطبع رجل فاضل ويحب العدل، ولكن كان عليه أن يراعي ملابسات تلك المشكلة، وكما يقول المثل (إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع)، بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي أن يصحح المسلم أخطاء عقيدة مسلم آخر سواء كان بالحسني إذا كان لا يقصد، أو بالشدة والاستنكار إن كان يريد أن يفرض عقيدته المغلوطة المخالفة للإسلام علي غيره، وهذا ما كان يفعله أخي الكبير الأستاذ شريف هادي أحياناً مع بعض الأعضاء الذين يريدون فرض فكرهم الخطأ علي الناس، فهو أول من نبهنا إلي الفرق الكبير بين (عرض الفكر وفرض الفكر)، وعليه يجب أن أقرر أمران مهمان للغاية قبل أن أستطرد في استكمال باقي المقال، ألا وهما:

1- إنني لم أدعي إطلاقاً أن الأمر ليس بيد الله تعالي، فحاشا لله، فما يكون لي كمسلم أن أدعي هذا الادعاء؟؟.... وعلي القارئ أن يبحث في مداخلاتي كلها عن ذلك، ولكنني أحب أن أوفر عليه المجهود مقدماً وأقول له أنه لن يجد ذلك مني إطلاقاً، ولكنني أحببت أن أوضح أن الحد الأدني لدخول الجنة هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وأظن أن أي مسلم يتفق معي في تلك النقطة، فإن الله تعالي قد أخبرنا بذلك وليس سواه، ثم هل يحق لمثلي أنا أو غيري أن نتدخل في علم الله تعالي وقد قال الله تعالي في محكم آياته:

(رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (الإسراء 54)

إن الآية السابقة لم يستشهد بها أي من المعلقين أو كاتب المقالة مع احترامي لهم جميعاً، ولكني ذكرتها لأبين أنني لا أحتاج إلي تذكرة في تلك النقطة بالذات.

2- إنني أتفق تماماً مع من يقول أن عدم وصول الرسالة الخاتمة للناس علي نحو صحيح بسبب اللغة مثلاً أو بسبب القدوة السيئة التي يرونها من المبلغين لما يتصفون به من غش وكذب وسوء خلق وعدم تأهيلهم لتبليغ هذا الدين لهم بصورة صحيحة، كل ذلك يعتبر حائلاً دون إيمانهم إيمان صحيح، لذا يقول الله تعالي: (...لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا..) (الطلاق 7)، كما أعلم أن الكفر الحقيقي هو أن يعرض الحق علي رجل فيستبينه ويستيقنه ثم يجحده لمآرب وأهواء في نفسه، ولكنني في الوقت ذاته ما زلت مصراً علي أن الحد الأدني لدخول الجنة هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وأعتقد أن صديقي الدكتور حسن متفق معي في تلك النقطة كما قرأت له من قبل، فهذه النقطة لا تحتاج إلي رسل أو كتب، وسوف أوضح ذلك لاحقاً في التفسير الصحيح لسورة (الإسراء 15) والذي هي عنوان المقالة التي بين أيدينا الآن.


أما عن الغضب لنفسي فلم يحدث ذلك ولو في مداخلة واحدة سوي مع شخص لا يعرف ولو حتي أبجديات الحوار المهذب ولا يعرف أبسط قواعد الأدب مع الآخرين، ويحب أن يثير الفتنة في هذا الموقع، فقد وجهت له خطاباً شديد اللهجة نتيجة تدخله فيما لا يعنيه وتقمص دور المعلم والتلميذ، فقام بسبي علناً وقدح في تربيتي وأدبي وبالطبع فهو لا يمثل بذلك إلا ثقافة بيئته التي انحدر منها وهو بذلك أيضاً لا يمثل إلا نفسه، ومع ذلك فقد عفوت عنه وأخبرته أنني لن أشكوه للإدارة أو حتي لله وسأكتفي بدعائي له بأن يسامحه الله، كما أرجو ألا تحذف الإدارة تعليقه حتي يكون شاهداً علي سوء خلقه ومستوي بيئته، وقد يجد القارئ الكريم هذا في آخر مداخلتين علي الرابط:

http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=3423

فأنا أتسامح تماماً في حق نفسي، ولكن حق الله لا يجوز لي أن أتسامح فيه إطلاقاً، بل أنني مأمور بذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم لم يحذره الأستاذ شريف هادي ويلفت انتباهه إلي شروط النشر كما فعل معي؟؟

نعود إلي تعليقي أنا وأخي الدكتور عثمان، وأري أننا لم نخطئ في استشهادنا بالآيات التي ذكرها الأستاذ المستشار شريف هادي، فمثلاً آية (البقرة 217) تبين أحباط عمل الكافر مهما كان هذا العمل صالحاً، وبالطبع فهذا يوضح بجلاء أن أعمال الكافر كلها ليست لها أي قيمة مهما كانت درجة صلاحها، وبالتالي فأنا لم أخرج عن ا لموضوع قيد أنملة، وكذلك الآية (الفرقان 23) لا تخرج أيضاً عن موضوعنا، ولكن كان من الواجب أن أذكر الآيات التي قبلها حتي أوضح ما أقصده فمعذرة، وها هي الآيات التي قبلها:

(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا*يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا*وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) (الفرقان 21- 23).

وأعتقد أنني بذلك أيضاً لم أخرج عن الموضوع إطلاقاً، فهؤلاء المجرمين الكفار الذين يريدون أن يروا الله جهرة سوف يجعل الله أعمالهم كلها هباء منثوراً يوم القيامة ولا غرو في ذلك، وهذا يدل أيضاً علي أن العمل الصالح الذي يعمله غير المؤمن لا يغني عنه من الله شيئاً في الآخرة، فأين خطأي هنا؟؟

أما استشهادي بالآية: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ...) (آل عمران 19)، والآية (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران 85)، فقد كان في محله تماماً، إذ أن الحد الأدني للإسلام أن يؤمن الإنسان بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً حتي ولو لم تصله كتب سماوية أي حتي ولو كان علي الفطرة، إذ أن الإسلام دين الفطرة، فقد كان جميع الأنبياء مسلمين، والذي يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً ولو لم تصل إليه أي كتب أو رسل يعتبر مسلماً أيضاً، وقد ذكرت أن هذا هو أهم معول علي دخول الجنة، فأين الخطأ هنا؟؟....!!

أما ردود أخينا الفاضل الدكتور عثمان محمد علي فقد كانت في منتهي الواقعية، وكانت كافية وشافية ولم تخرج عن الموضوع المطروح، فقد كانت الآيات التي أوردها بخصوص تحريم الجنة علي المشرك فكانت رداً علي السيد زهير الجوهر حينما أفتي بأن المشرك يمكن أن يدخل الجنة إذا كانت نسبة أعماله الصالحة كبيرة، وكذلك فالملحد سوف يدخل الجنة بزعمه إذا تحقق فيه هذا الشرط..!!، أرجو من الأستاذ الفاضل المستشار شريف هادي أن يقرأ المداخلات مرة أخري بتمعن حتي يتبين له صدق كلامي من عدمه، فأين خطؤه هنا؟؟...!!

يقول سيادة المستشار بالحرف الواحد تعليقاً علي ذلك:

أي أن الأساس في رد الأعمال أو قبولها عند الله هو إقامة الحجة والدليل عند الكافر على وجود الله والإيمان بوحدانيته إلا أنه رفض وصمم على الكفر ، أو أنه قبل بوجود الله سبحانه وتعالى وعلم أنه الخالق ولكنه عبد معه غيره تعالى الله علوا كبيرا ، قال تعالى"ولئن سالتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله قل الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون"لقمان25"

ونقول لسيادته إن الإيمان بالله تعالي مودع في فطرة كل إنسان منذ ميلاده، وإنما الرسالات السماوية قد جاءت حتي يعود الناس إلي فطرتهم السوية ففائدة تلك الرسالات هي الدعوة إلي الرجوع إلي الفطرة النقية التي فطر الله الناس عليها، يقول الحق تبارك وتعالي:

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ*أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ*وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الأعراف 172- 174).

فهذا العهد قد أخذه الله تعالي منذ البداية علي عبيده، ونلاحظ الآية الأخيرة التي ورد فيها (لعلهم يرجعون)، أي يعودون إلي فطرتهم السوية التي فطرهم الله تعالي عليها، لذا فأعتقد أنه لا عذر لإنسان مشرك حتي ولو لم تصله رسالة إطلاقاً، اللهم إلا إذا أصيب بفساد في فطرته التي خلقها الله تعالي له نقية سوية، فهنا يتدخل دور الرسالة لتصحيح ما فسد منها.

أما الآية التي ذكرها سيادة المستشار شريف هادي من سورة الإسراء والتي هي عنوان المقال، وهي:

(....وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء 15).

فإن هناك تفسيراً آخر لتلك الآية غير التفسير الذي أورده الأستاذ المستشار شريف هادي، إذ أن معناها أن الله تعالي لن يعذب قرية حتي يبعث فيها رسولاً ينذرها أولاً ثم يأخذها بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر عندما تكفر ولا تستجيب للرسول، وخير أمثلة علي ذلك قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب... الخ، والدليل علي قولي هذا ما ورد بعد تلك الآية من آيات في نفس السورة، يقول الله تعالي:

(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا*وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا) (الإسراء 16، 17).

وأظن أن معني الآيات في مجملها واضح كل الوضوح، فهي تؤيد ما ذهبت أنا إليه إضافة إلي ما ذهب إليه السيد الوالد المستشار الأستاذ شريف هادي (وأنا بالطبع لم أدعي أن تفسير الأستاذ المستشار خطأ، ولكنه تفسير آخر للآية يجب أن يوضع في الحسبان ولا سيما أن الآيات التالية لها تؤكده، وندعوا الله تعالي أن يهدينا سواء السبيل).

ولكن لماذا يبعث الله تعالي الرسل إن كان الأمر كذلك؟؟

والجواب ببساطة حتي يقيم الله تعالي حجته علي عباده يوم القيامة ولا يكون للناس علي الله حجة: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى) (طه 134).

ثم إن الله تعالي قد خلق صنفاً من البشر ويعلم أن الخير منعدم فيهم تماماً وأنهم لن يستجيبوا للحق مهما سمعوا آيات الله تعالي، ولذلك فإنه سبحانه لا يجعلهم يستمعون إلي الحق لأنه لا فائدة من ذلك:

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ*وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ) (الأنفال 22، 23).

ويقول سيادته بالحرف الواحد أيضاً:

والسؤال الذي يفرض نفسه لكل من ضحى بنفسه بنبل وشهامة وأخلاق في هذا الزلزال هو ممن (دساها) أم ممن (زكاها)؟ ولو قلتم هو ممن (دساها) فقد عارضتم أنفسكم وجعلتم المبادئ النبيلة من إيثار الغير والشهامة والتضحية بالنفس من الفجور ، ولو قلتم من (زكاها) فقد حكمتم له بالفوز.

ولي الحق أن أسأل سيادته، إذا سلمنا جدلاً بأنه قد زكي نفسه، فلمن زكاها؟؟... هل زكاها ابتغاء مرضاة الله؟؟.... أليس من المحتمل (وهو أغلب الظن) أن يكون قد زكاها لبوذا أو كونفوشيوس أو ذرادشت أو غيرهم؟؟.... وإن كانت الإجابة بنعم، ألا يعد ذلك شركاً؟؟.. إن معني الآية واضح كل الوضوح، فإن تزكية النفس التي تستوجب الفلاح كما ورد في الآية تكون لله وحده وليست لغيره، وعليه فإن قياس سيادة المستشار هنا في غير موضعه تماماً.

ثم يقول سيادته بالحرف الواحد أيضاً:

وهؤلاء الناس بفطرتهم طيبين وقد شكروا نعمة ربهم بكل هذه الأمثلة التي ضربوها على العطاء والتضحية بالنفس

وبالطبع فإن هذا لا يعلمه إلا الله وحده، فلا يستطيع أحد أن يجزم بأن هؤلاء قد شكروا ربهم لأن هذا بين العبد وربه فقط وهو المطلع وحده عليهم وعلي نواياهم، كما أن معظم سكان الصين غير مؤمنين بالديانات الإبراهيمية أساساً، بل وليسوا مؤمنين بالله، فأكثرهم من الملحدين والوثنيين، فكيف حكم سيادة المستشار بهذا الحكم الذي لا يعرف هو أو غيره من العباد عنه شيئاً؟؟

ثم يقول سيادته بالحرف الواحد أيضاً:

وما تعلمته من الطفلة ذات السنوات الخمس التي طلبت من فتاة الإنقاذ الابتعاد حتى لا تموت مضحية بنفسها أنها نتاج مجتمع كامل وليس الأبوين فقط

وأقول لسيادته، يا سيدي إن طفلة في هذا العمر لا يصح أن توصف بالخلق الطيب أو الخبيث، لايصح أن توصف بالإيثار أو بالأنانية، لا يصح أن توصف بالصدق أو بالكذب، لا يصح أن توصف بالشهامة أو بالنذالة، فإن الطفل في هذا العمر لا يستطيع أن يحدد أي شخص سلوكه إطلاقاً، فهو يتصرف بعفوية لا خيار له فيها ولا تنبع من عقله لأن عقله لم يكن قد تكون بالصورة التي تجعله يتصف بتلك الصفات بعد، وعليك أن تسأل أساتذة علم نفس الطفل وهم سوف يفتونك تلك الفتوي، فقد قرأت كثيراً عن ذلك وأستطيع أن أدلي بتلك الفتوي وأنا مطمئن تماماً.

ثم يقول سيادته أيضاً بالحرف الواحد:

الخلاصة لا يستطيع أحد أن يجزم أن الرسالة وصلتهم وعندهم حاجز اللغة والعادات ، ولا يستطيع أحد أن يجزم أنه أقام الحجة عليهم أمام رب العالمين.

وهو محق تماماً وأتفق معه في ذلك تمام الاتفاق.

ثم يقول سيادته بالحرف الواحد أيضاً:

ثم لي كلمة في أذن ابني / شريف أحمد ، أنت قلت بالحرف الواحد (ولكن هل فكرت في مكرهم وخداعهم؟؟) وقلت (فمنتجاتهم رديئة وفاسدة ولا تجد من يشتريها إلا العالم الثالث وخصوصاً المصريين...!!)

أعترف أنني كنت لا أعلم شيئاً عن هذا تماماً، فقد أضفت إلي معلوماتي أشياء كثيرة عن نوعية منتجاتهم وحركة البيع والشراء وخُلُق التجار المسلمين الذين يتعاملون معهم، وما يستتبعه من سوء المعاملة وفساد الضمير وأنه خُلُق مخزي تماماً للأسف الشديد، وأن الصينيين لم يغشوا بذلك أحداً، كل ذلك قد استفدته منكم فجزاكم الله تعالي كل الخير.

ثم يقرر سيادته بعد ذلك عدة نقاط أتفق معه في بعضها واختلف معه في البعض الآخر، يقول مثلاً أن المسلم يكون عنصرياً إذا ظن أن قتل الآخر هو أسرع طريق لدخول الجنة، وأقول لسيادته (سيادتك محقاً تماماً وأتفق معك)، ويقول أيضاً يكون المسلم عنصريا إذا أمتنع أن يجالس من يأكلون نفس اللحم لأنه ليس حراما وفقا لشريعتهم، وأقول لسيادته (هذا خطأ كبير لا أتفق معك فيه إطلاقاً)، فالمسلم يحرص علي عدم التواجد في مكان به شيطان خشية علي نفسه من الفتنة والضلال، فقد يتواجد مثلاً في مكان به خمر، ومن ثم قد تحدثه نفسه بشربها علي سبيل التجربة، أو يوعز له أحد أصدقاء السوء بذلك، وبالتالي فإن سيادة المستشار مع احترامي له غير محق تماماً في تلك النقطة، يقول أيضا سيادته أن المسلم يكون عنصريا إذا تعرض بالسباب لمن يشربها من أصحاب العقائد الآخرى والتي لم تحرم وفقا لمعتقداتهم، وأقول لسيادته (أنك محق في تلك النقطة وأتفق معك تماماً فيها).

ثم يقول سيادته لا يكفي العمل الصالح وحده لدخول الجنة ، ولكن يجب أن يقرن بالإيمان بالله سبحانه وتعالى ، إلا أن يستفيد الإنسان برخصة رب العالمين أنه لن يعذب إلي أن يبعث رسول ، فلو أراد الإنسان أن يختار غير الإيمان بالله فهو حر في اختياره ولكنه لن يقبل منه يوم القيامة ، ذلك على العموم ولكن على التعيين فلا يجوز أن تقول أن فلان ابن فلان هو من أهل النار لأنه استحب العمى على الإيمان فهذا من إطلاقات رب العالمين وحده سبحانه وتعالى.

وهنا أتفق معه في جزء من العبارة واختلف معه في الجزء الآخر منها، فأنا أتفق معه فيها كلها إلا في العبارة التالية (إلا أن يستفيد الإنسان برخصة رب العالمين أنه لن يعذب إلي أن يبعث رسول)، فقد يكون تفسير الآية كما ذكرت أنا سابقاً وعليه فإن تفسير سيادته لها قد لا يكون صحيحاً بعض الشئ.

ثم يقول سيادته كما أسمح لي أن اسألك لماذا أضفت المسيحية بين العقائد الباطلة ، المسيحية يا بني ديانة سماوية وجعل الله سبحانه وتعالى لها شرعة ومنهاجا ويجب أن تنافس مع أهلها في فعل الخيرات فهم خارج نطاق من كفرتهم ، ولكن هذا لا يعفيهم أن منهم من كفر وهو حسابه على الله وليس كلهم ، كما أن المسلمين أنفسهم منهم من كفر وحسابهم أيضا على الله.


وهنا أحب أن أُذكر سيادته وأقول له يا سيدي إن المسيحية لم تكن ديناً سماوياً في يوم من الأيام، إن الدين عند الله الإسلام، فالنبي الكريم عيسي عليه السلام نفسه لم يكن مسيحياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وكذلك حواريوه، يقول الله تعالي: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران 52)، أما الشرعة والمنهاج للنصاري فأين نجدهما؟؟... هل من الممكن أن يدلنا سيادته عنهما؟؟.... إن الأناجيل التي بين أيدينا كلها مكذوبة وكلها تتعارض مع صريح القرآن الكريم شكلاً وموضوعاً، فهل يكلفنا الله تعالي بشريعتين متناقضتين؟؟ هل يخبرنا الله تعالي أن المسيح قد صُلِب ثم يعود فيقول لنا أنه لم يصلب؟؟.. هل يخبرنا الله تعالي أن المسيح قد قتل، ثم يعود فيخبرنا أنه لم يُقتل؟؟.... هل يشدد الله تعالي في أمره بإتباع رسول يأتي من بعد عيسي فيفرض علينا اتباعه ويخبرنا أن من لم يتبعه سوف يكون من الخاسرين ثم يتغاضي عن ذلك مع مر الأيام؟؟....حاشا لله تعالي وكلا ونستغفر الله العلي العظيم من هذا الإنتقاص الشديد في حقه سبحانه، هل هذا معقول يا سيدي؟؟... هل يقبل عقلك هذا الكلام المتناقض؟؟.... ثم دعني أسأل سيادتك (وأنا أعتبرك في منزلة والدي تماماً ولا أقصد من السؤال أي شئ سوي معرفة الحقيقة)، هل أنت ما زلت متأثراً بأقاربك الذين لم يزالوا علي دين النصرانية فتحاول أن تجد بعض المبررات لشفقتك عليهم؟؟ إن كان الأمر كذلك فلنعلم جميعاً أن الله تعالي لا يرضيه ذلك أبداً، ثم ألم يأمر الله تعالي المسيحيين بأن يتبعوا خاتم النبيين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم؟؟... بلي والله قد أمرهم بذلك ولكنهم عتوا عن أمر ربهم، فكيف لا نصفهم بأنهم ذوي عقيدة باطلة؟؟... هل هذا يدخل العقل يا سيدي؟؟....!! ثم هل تُقر أنت صلاتهم الحالية كمهاج أم أنها كفر بين صريح؟؟ إن كل صلاتهم لا تخلو من ذكر الصليب أو الإشارة إليه باليد، كما لا تخلو من ذكر العبارة الكافرة التي يقولون فيها (ربنا يسوع المسيح) حاشا لله رب العالمين، فما المسيح إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وهو عبد الله الواحد الأحد، فهل هذه هي الشرعة والمنهاج الذان تخبرنا عنهما يا سيادة المستشار وتقرهما وتجعلهما أمراً مشروعاً لهما....؟؟!!، ثم كلمة (مسيحيين) هذه هي كلمة دارجة فقط ولا يوجد ما يؤيد ذكرها في القرآن الكريم أو حتي في الإنجيل نفسه، إنهم قد سموا أنفسهم بالنصاري (وهذا موضوع آخر سوف أتطرق إليه في مقال مستقل إن شاء الله تعالي)، وحتي أن إنجيل برنابا ليس هو الإنجيل الحقيقي مع أن برنابا كان من أحد الحواريين الذين كانوا يرافقون المسيح في دعوته ورحلاته، ولكنه قد انشق عنهم بعد ذلك، وحتي هذا الإنجيل فإننا لا نستطيع أن ننسبه يقيناً إلي الحواري برنابا، فأين الشرعة والمنهاج اللذان تخبرنا عنهما؟؟.....!!

أما إن كانت تقصد الآية: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة 48).

فهذه لها تفسيراً آخر لا مجال لذكره في تلك المقالة، وسأفرد مقالاً مفصلاً عن أهل الكتاب عموماً، وهو جدير بالاهتمام إن شاء الله (ولا أقول ذلك علي سبيل الغرور لا سمح الله)، ولكني أعتقد أن المقال المذكور سوف يصحح مفاهيماً كثيرة مغلوطة لدي بعض القراء في هذا الموقع، والتي لا أرضاها لهم حفاظاً عليهم أولاً ثم حفاظاً علي الموقع ونزاهته ثانياً، فمن المهين حقاً أن يجعل المسلم خده مداساً لغير المسلمين فيتنازل عن الحق ويتنازل كبريائه محاولاً توحيد العقائد التي خلقها الله مختلفة، وبالتالي فهذا عبث، فهو يفعل ذلك حتي يحاول إقناعهم بأن الإسلام هو دين حلو وجميل وزي الفل.... الخ، بل إن المسلم الحق يجب أن يُظهر عظمة هذا الدين بالحق والصدق وبكل عزة وشموخ، فليؤمن به من شاء وليكفر به من شاء، يقول الله تعالي: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران 139).

ونلاحظ قول سيادته: (ولكن هذا لا يعفيهم أن منهم من كفر وهو حسابه على الله وليس كلهم ، كما أن المسلمين أنفسهم منهم من كفر وحسابهم أيضا على الله.)

فالأستاذ المستشار شريف هادي يحاول أن يساوي بين المسلمين (أهل الحق) والنصاري (أهل الباطل) في تلك النقطة، فهو يقرر في قوله السابق بأن المسيحي عادة ما يكون مؤمناً أما الاستثناء فهو كفره، وهذا غير صحيح بالمرة، فالمسيحيين الآن نجد منهم صنفين، أحدهما يقول أن المسيح هو (الله)، والآخر يقول أن المسيح (ابن الله) حاشا لله الواحد الأحد، فنرجوا من سيادة المستشار أن يخبرنا عن صنف منهم يؤمن بالله تعالي وحده ويشهد أن المسيح رسول الله وليس إلها، وأن يذكر لنا أيضاً اسم الطائفة التي تؤمن بذلك وذلك علي غرار الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس وغيرهم، فهل وجد سيادته مثل هذه الطائفة، أم هو كلام مطلق علي عواهنه بدون حجة أو دليل؟؟

ونلاحظ أن معظم اليهود والنصاري فاسقين وليسوا مؤمنين، وأنا أتحدي أن يأتيني أحد بعكس ما أقول، يقول الله تعالي:

(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران 110).

فهل يستطيع أي أحد أن يقوم بتكذيب تلك الآية فيدعي أن النصاري أصحاب حق كما يقول سيادة المستشار؟؟..... هل من الإسلام أن ندعي ما يخالف القرآن الكريم؟؟.... هل القاعدة في النصاري هي الإيمان والاستثناء هو الكفر أم أن العكس صحيح تماماً؟؟....!!!

أما إجابة السؤال الثالث فقد اتهمني سيادة المستشار بإساءة الأدب مع خالقي عز وجل، ويبدو سيادته بأنه قد قرأ التعليق علي عجالة، فهذا لم يحدث من قبل، إذ أن الذي جاء علي لساني من سؤال فقد كان إجابة علي سؤال زهير جوهر حينما قال: (نعم أن نظره معظم المسلمين الى الله هو كأله مستبد وعنصري كما ذكرت).


فكان من الطبيعي أن أسأله (هل أن الله تعالي وحاشاه طبعاً عنصري كما تقول)؟؟... فهذا استنكار مني لإجابته التي خرج بها عن الأدب واللياقة مع ربه عز وجل، أرجو أن أكون قد صححت مفهوم سيادة المستشار فيما حدث من لبث.

أما بعد، فأرجو أن أكون قد وضعت الأمور في نصابها الحقيقي وأزلت كل لبث حدث عند أخي الكبير سيادة المستشار الذي أُكن له كل الحب والتقدير والاحترام، وفي النهاية أرجو أن أكون أفدت، وإلي لقاء قادم في المقالة التي وعدت بها إن شاء الله تعالي، والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته.

اجمالي القراءات 23007