جاء اسم ( محمد) فى القرآن أربع مرات وفى كل موضوع منها له دلالاته الخاصة .
1ـ يقول تعالى "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران 144 ".
وقد جاءت الآية فى التعليق على غزوة أحد ، وقد حدث فيها أن أستقتل بعض المسلمين ظنا منهم أن النبى قد قتل فى المعركة , فأخبر رب العزة أن محمدا "عليه السلام " مجرد رسول قد خلت من قبله الرسل ، وسيموت ، ولكن الدعوة ستبقى بعده ، لأنها ليست مرتبطة بوجوده فى الحياة ، ولكنها مرتبطة بالقرآن الذي سيبقى محفوظا بقدرة الله تعالى إلى يوم القيامة .
2 ـ ويقول تعالى ("مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) : الأحزاب 40 " وهذه الآية أخبرت مسبقا بأن محمدا (عليه السلام ) لن يعيش له ابن حتى يبلغ مبلغ الرجال وينجب ذرية. وأنه خاتم الأنبياء و لانبى بعده ، أى أنه أيضا خاتم رسل الله جل وعلا، فلا وحى بعده لأى مخلوق الى قيام الساعة .
3ـ ويقول تعالى : في أول سورة محمد (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ، كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ، كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ)
قال تعالى " وآمنوا بما نزل على محمد " أى بالقرآن الذى نزل على محمد ، ولم يقل " وآمنوا بمحمد " فالإيمان ليس بالشخص ، لأنك إذا آمنت بشخص فقد جعلته إلها مع الله ، ولا إله إلا الله .. وإنما الإيمان بالوحى الذى ينزل على النبى أو الرسول ، هنا يكون الايمان بالنبى أى بالوحى الذى صار به شخص ما نبيا ينطق بنبأ السماء أو وحى الله تعالى ، يقول تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ .)( المائدة 81 ).لاحظ قوله تعالى بعد كلمة النبى (وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ ) أى أن الوحى هو مدار الايمان و التصديق ـ وبه يختلف النبى عن أى انسان آخر، ويكون المطلوب الايمان بهذا الوحى الذى تميز به ذلك الشخص فأصبح نبيا.
ونفس الحال فى الايمان بالرسول، إنه الإيمان بالرسالة التى نزلت عليه وحيا من العلى العظيم ، يقول تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) ( النساء 136) وبالتدبر فى الاية الكريمة يتضح أن الايمان بالكتاب السماوى يتضمن الايمان بالله تعالى و اليوم الاخر و جميع الأنبياء ، و أنه مهما اختلفت الكتب السماوية من حيث الزمان و المكان و اللغات و الأشخاص فانها ( كتاب ) واحد فى أساسياته ، والايمان بواحد منها على حقيقته هو ايمان بها جميعا و ايمان بالاله الواحد الذى لا شريك له وايمان بكل الأنبياء و المرسلين . وفيما يخص موضوعنا عن (محمد ) فالايمان بالرسول ايمان بالكتاب السماوى ، وليس ايمانا بشخص ( محمد ) الانسان وذاته .
4ـ ويقول تعالى: ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الفتح 29 )
فالآية هنا تتحدث عن محمد عليه السلام وأصحابه ، وتصف الملامح الأساسية الظاهرة لهم من الشدة على الكفار والتراحم فيما بينهم والمداومة على العبادة . وحتى لا يعطيهم الله تعالى ـ وهم أحياء عاشوا بعد موت النبي ـ وعدا بالجنة يمكن أن يتكلوا عليه ولا يعملون ، فقد قال فى نهاية الآية " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصلحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " الفتح 29 . قال " منهم " ولم يقل وعدهم جميعا .
وحين نقرأ تاريخهم بعد وفاة النبى محمد عليه السلام وكيف اعتدوا على من لم يعتدوا عليهم فيما يعرف بالفتوحات ( الاسلامية ) وحين تقاتلوا صراعا على الغنائم المنهوبة من الأمم المفتوحة ـ نفهم لماذا قال تعالى مسبقا ( منهم ) أى ليسوا كلهم من أصحاب الجنة . فالجنة لا يدخلها الظالمون حتى لو كانوا ممن وصفهم الله تعالى فى القرآن الكريم بأنهم كانوا فى فى حياة محمد مظهرا جميلا للتقوى(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ).
المهم أن تظل متمسكا بالحق و الاسلام الى النهاية دون أن يغريك السلطان و الجاه و متاع الدنيا .
والعادة أن أصعب اختبار هو اختبار المنحة وليس المحنة، وهو اختبار النعمة ، وليس النقمة. ولذلك فان نبى الله يوسف عليه السلام حين وصل الى أوج عزه وسلطانه واجتماعه باهله بعد طول فراق أخذ يتضرع لله تعالى شاكرا فيقول (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) ( يوسف 101). دعا ربه جل وعلا أن يتوفاه مسلما على الاسلام الحق وأن يلحقه ربه جل وعلا بالصالحين لأن العبرة بالخواتيم.
إن عظمة القرآن الكريم تتجلى أكثر فى هذه الآية الكريمة لأنها ترد مسبقا على أولئك الذين جاءوا بعد نزول القرآن بعدة قرون يقدسون الصحابة (أى الذين وصفتهم الاية الكريمة بأنهم (الذين) كانوا( معه ) ـ إنهم أولئك الذين يقدسون الصحابة جملة وتفصيلا ـ ويقولون بعدالتهم المطلقة يعتقدون أنهم جميعا من أهل الجنة ، وأنهم جميعا قد وعدهم مغفرة وأجرا عظيما. ولكن يأتى قوله تعالى يرد مقدما بأنه ليس كل أولئك الذين كانوا حول محمد رسول الله هم من أصحاب الجنة برغم أنهم جميعا ـ من حيث الظاهر( أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) أما من حيث الباطن فقد كان منهم منافقون مردوا على النفاق لا يعلم النبى محمد نفسه حقدهم وكراهيتهم له وللاسلام (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) ( التوبة 101).
أى إن من الصحابة من مرد على النفاق وسيظل منافقا الى ان يموت ، وسيعذبه الله تعالى مرتين فى الدنيا ثم ينتظره الخلود فى النار. هذا غير المنافقين المشهورين بالنفاق الذين كشفوا انفسهم باقوالهم وأفعالهم ، ثم كانوا يسارعون بالحلف كذبا أنهم ما قالوا وما فعلوا .
أولئك الصحابة المنافقون مصيرهم الدرك الأسفل من النار ، خصوصا وقد كانوا يتأرجحون بين الايمان و الكفر ، ثم فى النهاية رضوا بالكفر وإزدادوا كفرا ، يقول تعالى فيهم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) ويقول عنهم :( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) ( النساء 137 ـ ، 145).
أولئك الصحابة المنافقون كانوا ضمن من قال الله تعالى فيهم (أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُود) لذلك إستثناهم من المغفرة ودخول الجنة فقال فى نهاية الآية (" وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصلحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )