حزب ساركوزي ينظم ندوة داخلية حول الإسلام

في الجمعة ٢٢ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

انقسم رأي ممثلي الديانة الإسلامية في فرنسا بين مرحب بعقد حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية ندوة حول الإسلام ومنتقد للخطوة، التي تخلو من حلول أساسية، وتعقد لغايات إنتخابية. يعقد حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية، اليمين التقليدي المعارض في فرنسا، ندوة في الرابع من حزيران (يونيو) القادم حول الإسلام في فرنسا، تشرح موقف الحزب من الإسلام وتشعباته التي ما تزال تطرح جدلية، كتمويل أماكن العبادة وتدريب الأئمة في فرنسا، في مسعى جوهري يهدف لإظهار الفرق بين الإسلام والحركات الأصولية. ويأتي في وقت أثارت تصرحات أمين عام الحزب الحالي والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي جدلًا داخل الحزب وفي الساحة السياسية عندما ذهب إلى حد إعلان تمسكه بان يكون هناك وجبات غذائية موحدة في المدارس، ورفضه إرتداء الحجاب في الجامعات.   خشية   وقد أوعز الرئيس الفرنسي السابق التحضير لهذا المؤتمر إلى مستشاره السياسي السابق في قصر الأليزيه هنري غينو، وإلى جيرالد دارمانين، مساعده في الأمانة العامة للحزب.   حذرت قيادات داخل الحزب اليميني من الذهاب إلى حد المزايدة على سياسية اليمين المتطرف. وتجدر الإشارة إلى أن ساركوزي كشف عن رغبة الحزب تنظيم يوم وطني حول الإسلام بعد اعتداءات باريس الإرهابية في كانون الأول (يناير) 2014، لكن سرعان ما تم ملاحظة حساسية إثارة موضوع مماثل بين قياديي ومناصير الحزب، خشية أن تكون ردود الفعل حيال الإسلام مشابهة لتلك التي يطلقها مناصرو اليمين المتطرف حزب الجبهة الوطنية، الذي يعتبر الإسلام متعارض مع قيم الجمهورية الفرنسية. وسرعان ما تم تحويل الندوة العامة داخل الحزب إلى ندوة خاصة، يشارك فيها قياديون منتخبون عن الحزب وممثلون عن الديانة الإسلامية.   مرحب أو منتقد   انقسمت ردود الفعل داخل ممثلي الديانة الإسلامية في فرنسا بين مرحب ومنتقد لعقد حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية ندوة حول الإسلام.   عبد الرحمان دحمان، رئيس مجلس الديمقراطيين المسلمين في فرنسا، قال لـ"إيلاف" إن هذه الندوة ليست بطبيعة الحال ندوة ثقافية لكنها ندوة تحرض على العنصرية في الشارع الفرنسي، والهدف منها بثُ روح التفرقة بين ملسمي فرنسا، "وحزب الإتحاد من اجل حركة شعبية غير سياسته في عهد ساركوزي، فهي غدت أكثر تشددًا حيال مسلمي فرنسا، ولم يستوعبوا أن الإسلام هو دين السلام ورفض الإرهاب ورفض قتل الروح البشرية، ولعل اوضح مثال لذلك ما تضمنه القرآن ألا وهو أن الحياة البشرية غالية ولا يُمكنُ قتلُ إنسان مهما كانت ديانته، إن كان مسيحيا أو يهوديا أو ....، خلافًا لما نراه اليوم في فرنسا، التي شارك المسلمون في تحريرها، ودافعوا عن قيم جمهوريتها إبان الحرب العالمية الأولى، حيث قتل أكثر من ثمانين مليون مسلم في سبيل تحرير فرنسا، وفي الحرب العالمية الثانية هناك ألاف المسلمين الذين قاموا بتحرير إيطاليا وفرنسا من النازية الألمانية الذين قاموا بسحق اليهود".   فاشيون   تابع: "اليوم نرى قادة حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية غير فرنسيين، فساركوزي لم يكن يوما فرنسيًا وعندما تذهبون إلى كل المقابر العسكرية في فرنسا لن تروا شبيها لساركوزي ولكن ما سترونه أن هناك أحمد، محمد، عبد القادر، جيلالي، إدريس، وبالتالي الإسلام كان مصدرًا للحرية والسلام لكل فرنسا لكن ما نراه اليوم هو تمييز، وما اود تأكيده أن من يجب عليه الحديث اليوم عن الإسلام هم اولًا المسلمون على غرار أن على اليهود الحديث عن اليهودية وأن على المسيحيين الحديث عن الديانة المسيحية، ولسنا بحاجة لأناس مثل ساركوزي للحديث عن الإسلام ولذلك انا أعارض هذه الندوة حول الإسلام، وهناك مشاكل أخرى في فرنسا يجب التركيز عليها كالأزمة الإقتصادية والبطالة والفقر فهناك اكثر من ستة ملايين فرنسي يعيشون تحت خط الفقر، ومن هنا يجب على حزب ساركوزي الفاشي أن يصب تركيزه على غير الإسلام".   اهتمامات أخرى   محمد الموسوي،الرئيس الشرفي للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ورئيس إتحاد مساجد فرنسا، يرى في حديث لـ "إيلاف" أن هذه ندوة داخلية متعلقة فقط بالحزب، وسيشارك فيها بعض كوادر الحزب إضافة إلى بعض اعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، اما المواضيع التي سيتمُ مناقشتُها فهي تلك التي أثارت جدلًا في السابق كإرتداء الحجاب وأكل الحلال في المدارس، وهي مواضيع كانت محور تصريحات لقيادات اليمين المتطرف.   أضاف: "الندوة حول الإسلام لها علاقة بالإنتخابات الجهوية المقبلة، والتجربة أثبتت أن كل ما اقتربنا من موعد إنتخابي من هذا النوع يقوم حزب الإتحاد من اجل حركة شعبية بتناول الإسلام كموضوع الساعة ولذلك بعض كوادر الحزب ينددون ببدء حياة الحزب بموضوع الإسلام في مسعى لإظهار أن موضوع الإسلام هو الأهم وهذا غير صحيح، لأن الهم الأساسي للفرنسيين اليوم يتعلق بالبطالة والحالة الإجتماعية والهجرة، والإسلام ليس من الإهتمامات الأولى للمواطن الفرنسي".   استرداد الناخبين   حزب الإتحاد من اجل حركة شعبية بزعامة ساركوزي حقق فوزًا كاسحًا في إنتخابات مجالس الأقاليم، وهو يتهيأ لتغيير إسم الحزب لمصطلح "الجمهوريون" إستعدادًا لخوض غمار الإنتخابات رئاسة الأقاليم وصولا للإستحقاق الرئاسي 2017.   عبد الرحمان دحمان رئيس مجلس الديمقراطيين المسلمين في فرنسا يرى أن حزب الإتحاد من اجل حركة شعبية يريد منافسة اليمين المتطرف بزعامة مارين لو بين، "لكن للأسف ما يجب معرفتُه أن اليمين المتطرف لا يهاجم الإسلام كديانة بل الإرهابيين الذين لا يمثلون الإسلام، يضاف إلى ذلك أن حزب الإتحاد من اجل حركة شعبية خسر الإنتخابات الرئاسية السابقة عام 2012 على خلفية النقاش حول الإسلام وكنت من اوائل من ندد بالنقاش حول الإسلام وقتها".   و يتساءل: "أهو معقولٌ اليوم أن قطر وهي دولة إسلامية تقوم بتمويل حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية! أهو معقولٌ اليوم أن يقول ساركوزي إنه عندما يتم تقديم لحم الخنزير في الوجبات الغذائية في المدارس، على الأطفال تناوله على اختلاف إنتماءاتهم الطائفية؟ ناهيك عن أن ساركوزي محاط اليوم بأشخاص يقولون إنه يجب منع الديانة الإسلامية في فرنسا! وما أؤكد عليه أن حزب الإتحاد من اجل حركة شعبية سيخسر الإنتخابات الرئاسية إذا اعتمد سياسة ضد الإسلام".   يتزامن توقيتُ عقد الندوة حول الإسلام داخل حزب الإٌتحاد من أجل حركة شعبية مع بدء تطبيق الخطة الحكومية التي أعلن عنها رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس، وتقوم بالأساس على إطلاق حوار وطني بين الدولة وممثلي الديانة الإسلامية في خطوة تهدف لجعل مسلمي فرنسا يعبرون عن آرائهم.   الموسوي قال: "البعض يتساءل عن تزامن هذه الندوة مع بدء الحوار بين الحكومة وممثلي الديانة الإسلامية حول مواضيع محددة، اما ما يقوم به حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية فهو ليس حوار بين ممثلي الديانة الإسلامية والحزب، إذ أن المواضيع التي ستدور المناقشات حولها يختارها الحزب في الندوة التي يشارك فيها كوادر الحزب اليميني وممثلون عن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهو أمرٌ سيكون محور جدل إذ كيف يشارك ممثلون عن الديانة الإسلامية من دون أن يطلعوا على المواضيع التي ستكون مدار نقاشات، وبالتالي كيف سيكون هذا الحضور وبأي صيغة، هل سيكون حضورًا دون تدخل، أي للمشاهدة فقط، وإذا كان لا بد من التدخل فعندئذ يجب إطلاعنا على المواضيع التي سيتمُ مناقشتُها".   غير مقبول   تابع قائلًا: "إن منع إرتداء الحجاب في الجامعات أمرٌ غير مقبول، حتى رؤساء الجامعات يقولون إنه ليس هناك مشكلة في إرتداء الفرنسيات المسلمات الحجاب في الجامعات، وموضوع توحيد الوجبات الغذائية في المدارس قد تم طرحه منذ سنوات واتفق مسؤولو المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية مع كلود غيان وزير الداخلية في عهد ساركوزي على إعتماد وجبة غذائية نباتية موحدة وبالتالي إعطاء الطفل حرية إختيار الوجبة الغذائية التي تتفق مع ما يمكن أن يعتقده او ما يحبه أو يشتهيه، فهو أمر متفق عليه وبالتالي العودة إلى موضوع توحيد الوجبات الغذائية هو أمر غير مقبول حتى في العائلات الفرنسية، فعلى سبيل المثال عندما تتناول عائلة فرنسية العشاء في مطعم فهي تعطي الأطفال حرية إختيار ما يفضلونه من الأطباق المقترحة".   ويعتبر محمد الموسوي أن لا إرتباط بين عقد الندوة والتنظيمات المتطرفة، لكن لا يستثنى أن يكون المواطن الفرنسي العادي يتأثر بما يجري من اعمال عنف وإرهاب في العالم العربي والإسلامي، مستبعدًا أن تكون بالتالي قد دفعت الحزب إلى تنظيم ندوة مشابهة.   داخل الحزب   أثار قرارُ ساركوزي بأن تكون أول ندوة للحزب حول الإسلام ردود فعل منتقدة من قبل كوادر حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية. ألان جوبيه، رئيس بلدية مدينة بوردو ومرشح محتمل للرئاسيات عن الحزب اليميني، أعرب عن رفضه سياسة تقوم على جعل الفرنسيين جميعهم متشابهين، فالديمقراطية تعني احترام إختلاف الآخر.   أما فرانسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسي السابق ومرشح محتمل عن الحزب اليميني للرئاسيات، حذر من السقوط في فخ الإثارة، وشبه الجدل اليوم في فرنسا حول ارتداء الحجاب في الجامعات وتوحيد الوجبات الغذائية في المدارس بفتاة تعتمد على الإثارة لخلق جدل في الشارع الفرنسي، "ما هو مرفوض شكلًا ومضمونًا. فيما اعربت القيادية في حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية ناتالي كوسيسكو موريزيه عن رفضها الكامل بأن تكون اول ندوة للحزب هذا العام حول الإسلام، عوض أن تتناول مشاكل المجتمع الفرنسي منها الإقتصادية والإجتماعية.   جاك ميارد، النائب عن حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية، لا يشارك في أعمال الندوة. قال لـ "إيلاف": "فرنسا بلد علماني، لديه قوانين تكفل للجميع حرية اختيار الديانة التي يود اعتناقُها، والدولة تضمن حرية التعبير التزاما بهذه القوانين، والمشكلة ليست اليوم في تنظيم ندوة حول الإسلام ولكن في خانة إذا كان بعض الديانات لا يحترم قوانين الجمهورية، فعليها اليوم أن تبدأ بالإمتثال لهذه القوانين، وبالتالي الندوة ليست حول الإسلام ولكن في كيفية احترام قوانين الجمهورية الفرنسية التي تقوم بالأساس على احترام حرية التعبير واحترام الآخر على اختلاف إتنماءاته والمساواة بين الجنسين".   قوانين الجمهورية   أضاف ميارد: "في أوروبا عامة، هناك عدد من الديانات يود فرض معتقداته على المجتمع الأوروبي وهو أمر غير مقبول، وبالتالي على الديانات احترام قوانين الجمهورية وعدم فرض معتقداتهم في المجتمع الفرنسي، والتالي الندوة حول الإسلام تتمحور حول كيفية تطبيق قوانين الجمهورية وعلى جميع الديانات على اختلاف تنوعها، المسيحية أو اليهودية أو الإسلام، احترام قوانين الجمهورية الفرنسية، وأود أن اتوجه إلى من يتنقد اليوم عدم تنظيم ندوات حول المسيحية او اليهودية إسوة بتلك التي يتم التحضير لها حول الإسلام، وأقول لهؤلاء إنهم مخطئون لأن هناك ندوات حول التطرف المسيحي او اليهودي، وهو ما لا يمكن القبول به في ظل قوانين الجمهورية الفرنسية. ويُمكنُ اليوم تبريرُ الندوة حول الإسلام في خضم ما نراه من متشددين يقتلون فرنسيين وهذا ما يبرر ربما الندوة حول الإسلام التي يحضر لها حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية، إذ لم نر حتى الآن يهودًا متشددين يقومون بإرتكاب تفجيرات، أو مسيحيين، وللأسف نرى مسلمين يقومون بذلك، وهنا تكمن المشكلة الحقيقة".   خطر حقيقي   فريديريك أنسيل، المحاضر في معهد العلوم السياسية في باريس، أقر لـ "إيلاف" بالقلق الذي يعتري غالبية الأحزاب السياسية في فرنسا حول الإسلام، "لأنه في غضون السنوات الماضية تابعنا جميعنا نشأة التنظيمات المتطرفة التي تاخذ من الإسلام غطاء لها، وذلك لا يعني الإسلام، بل أن هناك مشكلة اليوم في هذا المجتمع الذي لم يعد يتعامل مع ظاهرة الإهمال وإنما الإرهاب، القلق موجود اليوم في فرنسا لأن الإسلام هو الديانة الثانية حتى وأن كانت الجمهورية اليوم علمانية".   تابع: "بدون شك بعض الأحزاب السياسية يستفيد من هذا الجدل القائم اليوم حول الإسلام وهو حال اليمين المتطرف، ولغايات إنتخابية، ولكن ذلك لا يمنع أن قلق الإحزاب الجمهورية مبررٌ اليوم من تصاعد شعبية اليمين المتطرف الذي يعتمد في ذلك على عدائه للإسلام، وما بين اليمين المحافظ واليمين المتطرف هناك حرب إنتخابية، تجلت بوضوح في انتخابات الأقاليم التي جرت أخيرًا في فرنسا حيث أن الحملة الإنتخابية تمحورت حول الهجرة والإسلام، واليوم يواصل ساركوزي ذلك، وللمرة الأولى في تاريخ فرنسا الحديث تفيد استطلاعات الرأي بأن اليمين المتطرف سيتاهل للدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية المرتقب إجراؤها بعد عامين".   أنسيل أقر بوجود خطر حقيقي من تحول الفرنسيين المسلمين نحو الأحزاب الدينية والإبتعاد عن الأحزاب الجمهورية وأن كانت الجمهورية الفرنسية لم تشهد حتى الآن سيناريوهات مشابهة، وأن حدث ذلك في السنوات القادمة أي التحاق الفرنسيين بالأحزاب الدينية والإبتعاد عن الأحزاب الجمهورية فهذا سيؤدي إلى انغلاق المجتمع في إطار جماعات دينية وهذا مؤشر خطير للجمهورية واعتقد أن عندئذ ستقوم السلطات القضائية بمنع حدوث ذلك.   محرك القلق   برأي أنسيل، الإسلام غدا إحدى مسببات القلق في المجتمع الفرنسي، نظرًا لما يحدث في سوريا والعراق، "فهو يقلق المجتمع الفرنسي لكن بدرجة أقل كون ما يحدث لا يطال الأراضي الفرنسية، ولا يطال المواطن الفرنسي في عقر داره، لكن ما يثير قلق الفرنسيين هو عدم إلمامهم جيدا بالديانة الإسلامية، فبالنسبة للعديد من الفرنسيين اليوم أي مواطن عربي هو مسلم وبالتالي عندما يقوم إرهابيون يرفعون شعار الإسلام بإرتكاب جرائم على التراب الفرنسي فهذا يغذي مشاعر القلق لدى المواطن الفرنسي من الإسلام".   الأحزاب الكلاسيكية فشلت حتى الآن في إعطاء حلول لمشاكل المواطن الفرنسي العادية منها الإقتصادية وارتفاع معدل البطالة، في وقت يعاني فيه المجتمع من تصاعد مشاعر العنصرية ضد الإسلام والإنغلاق على الذات خاصة بعد هجمات باريس الإرهابية التي اتخذ منفذوها من الإسلام شعارا لهم. 

اجمالي القراءات 3951