أثار خبر إعلان الحكومة عن بيع بعض من أصول مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو) من أجل سداد الديوان والتي تقدر بـ22 مليار جنيه اعتراض كثير من الإعلاميين والسياسيين والأحزاب، حيث إن الحكومة تكتب النهاية لمبنى ماسبيرو من خلال بيع جزء من الأصول الخاصة. في هذا التقرير سنعرض قصة الفساد في ماسبيرو منذ أن تولى صفوت الشريف إلى الآن وماذا حدث في ماسبيرو للوصول إلى بيع الأصول الخاصة بهذا المبنى من أجل سداد ديوانه.
تاريخ ماسبيرو
مبنى الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو) هذا المبنى العريق الذي يعد من أقدم الإذاعات التليفزيونية في الشرق الأوسط تعود تسمية مبنى ماسبيرو بهذا الاسم إلى عالم المصريات الفرنسي (جاستون شارل ماسبيرو) وكان قد ذهب إلى مصر عام 1881، وكان اهتمام العالم “بعلم المصريات وفك رموز اللغة الهيروغليفية”، وقد توفي في عام 1916 في فرنسا، وعندما تم إنشاء مبنى الإذاعة والتليفزيون سمي بهذا الاسم تخليدًا للعالم الفرنسي ماسبيرو. وقد تم افتتاح التليفزيون المصري في عام 1960 وقد تأخر التليفزيون عن الافتتاح قبل ذلك بسبب العدوان الثلاثي الذي حدث في مصر، وبدأ أول بث للتلفزيون يشاهده الشعب في 21 يوليو 1960. وماسبيرو يضم قنوات التليفزيون المصري مثل القناة الأولى والثانية والفضائية المصرية بالإضافة إلى شبكات قنوات النيل وقنوات الأقاليم مثل قنوات الدلتا والإسكندراية وغيرها بالإضافة إلى محطات الإذاعة في الراديو.
صفوت الشريف وبداية إهدار أموال ماسبيرو
تعد الفترة التي تولى فيها صفوت الشريف وزارة الإعلام هي الفترة الأطول في تاريخ الوزارة لتولي وزير هذا المنصب، حيث تولى الوزارة بعد رئاسة مبارك للحكم من 1981 إلى عام 2004. كانت بداية الصفقات المشبوهة عندما تعاقد صفوت الشريف مع شركة “ديناميك الأمريكية” ببث قنوات وبرامج مصرية وأفلام ملك لماسبيرو في ولايات أمريكية على أن يقوم اتحاد التليفزيون بدفع 45ألف دولار لمدة ثلاثة شهور في كل شهر 15 ألف دولار، لكن حدث العكس وقام القطاع الاقتصادي في مصر بدفع مبلغ 585 ألف دولار مرة واحدة قيمة المشاركة في خدمات البث لشركة “ديناميك الأمريكية” غير الاتفاق المسبق الذي كان متفقًا عليه وهنا قام القطاع بسداد 39 شهرًا بدلًا من ثلاثة شهور بزيادة حوالى 540 ألف دولار بالإضافة إلى مبلغ 45 ألف دولار كخدمات تشفير و2 مليون دولار لصعوبات مالية في خدمات التشفير بإجمالي 2.6 مليون دولار، وفي النهاية لم تمت عمليات البث من قبل الشركة في أمريكا حسب العقد، ولم يهتم الشريف برجوع هذه الأموال التي كانت بداية لإهدار المال العام.
وبعد ذلك تم التعاقد مع شركة أمريكية أخرى “كيلي برودكاستينج سيستيمتر” لنفس الأمر على الرغم أن الشريف لم ينهِ التعاقد أو يتخذ أي إجراءات قانونية ضد شركة ديناميك من أجل استرداد أموال ماسبيرو، وقامت الشركة بعد ذلك برفع قضية على اتحاد التليفزيون للمطالبة بالتعويض وفسخ العقد مع الاتحاد، وبالفعل فازت الشركة بالقضية وتم الحكم لها بتعويض 50 ألف دولار كأتعاب محامٍ فقط والتعويض الآخر سقط بجانب تعطيل العقد مع شركة كيلي، وهذه كلها أموال لم يعرف أحد أين ذهبت ولم يتم استردادها وكانت بداية لظهور أزمات ماسبيرو بعد ذلك.
سوزان حسن وضربة البداية لأزمة ماسبيرو
كانت بداية الأزمة الحقيقة في عهد سوزان حسن رئيسة التليفزيون الأسبق عندما طبقت المصطلح الذي أطلقته مع أنس الفقي وزير الإعلام في ذلك الوقت، وهو مصطلح “التطوير” والتي قامت فيها بالاستعانة بمخرجين ومذيعين ومذيعات وفنيين ومعدين ومصورين من خارج مبنى ماسبيرو بحجة العمل على تطوير البرامج لإعطاء شكل جديد للتليفزيون، وأعلنت السبب في الاستعانة من الخارج وهي عدم وجود أفكار وطرق جديدة قدمها أبناء ماسبيرو لتطوير التليفزيون فلهذا السبب تم الاستعانة بهم وقد تم تخصيص رواتب مالية كبيرة لهم، وقد كانت أكثر من الرواتب التي يحصل عليها أبناء ماسبيرو أصحاب الخبرة الأكبر، ولم يوافقوا أبناء ماسبيرو على هذا وقاموا باحتجاجات إلى أن حصلوا على مستحقاتهم وامتيازات جديدة ورواتب كبيرة؛ مما رفع ميزانية الاتحاد وزيادة مديونية التليفزيون بالمليارات.
ومن أمثلة التطوير التي حدثت في ماسبيرو وأهدرت الكثير من الأموال بدون فائدة برنامج سواريه الذي تم إيقافه من قبل نادية حليم ولم يكمل تصوير وهدم الديكور الخاص بالبرنامج الذي تكلف 650 ألف جنيه من أجل إعادة النظر في ميزانية البرنامج الكبيرة، بالإضافة إلى برنامج “زينة” الذي تعدى برومو البرنامج 32 ألف جنيه لمدة دقيقة، وهو أغلى من الحلقة نفسها التي تتنج بـ32 ألف جنيه، بالإضافة إلى برنامج تريك تراك الذي كان محدد له ميزانية في 2007عن الحلقة الواحدة 32 ألف جنيه وتم رفع هذه الميزانية في 2009 إلى 344. 52 ألف جنيه بحجة زيادة الأسعار.
أنس الفقي وأزمات مالية جديدة
كانت فترة تولي أنس الفقي لوزارة الإعلام في الفترة من 2005 إلى فبراير 2011 استكمالًا لمسيرة إهدار الأموال التي بدأها صفوت الشريف، ففي تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات ظهر أن الفقي قام بإهدار أموال عن طريق صرف مكافأة مالية له وللعاملين في ماسبيرو تقدر بحوالي 11 مليار جنيه ونصف المليار بدون أي سبب، بجانب إهدار 10 مليون جنيه من خلال إقامة مهرجانات وحفلات كانت فاشلة، بالإضافة إلى إنتاج 42 مسلسلًا في عام 2010 كانت تكلفة كل مسلسل 20 مليون جنيه، وكان من المقرر أن تدفع الوزارة نسبة 15% والشركات المشاركة الأخرى 75%، ولكن هذا لم يحدث وتكلفت الوزارة الجزء الأكبر من الإنتاج بالإضافة إلى التطوير الوهمي الذي كان من المقرر فعله في التليفزيون والقنوات المتخصصة وقد حدثت خسائر مالية كبيرة في التليفزيون ووصلت إلى200 مليون جنيه.
وفي 2009 – 2010 قام بإعطاء شركة القاهرة للصوتيات والمرئيات المسؤولة عن إعلانات التليفزيون على الرغم من المفترض أن يتولى القطاع الاقتصادي هذا، وقد تسبب ذلك في خسارة للتليفزيون 280 مليون جنيه بالإضافة إلى أن العائد المادي لم يتجاوز 100 مليون جنيه، هذا بجانب – حسب متابعين- صرف أموال على برامج كانت كلها تتنج من أجل مجاملة للأشخاص المقربين من وزير الإعلام من الممثلين والإعلاميين، ولعل من أشهر هذه البرامج برنامج 100 مساء التي كانت تقدمه ميس حمدان وتم إنتاج هذا البرنامج بأكثر من 35 مليون جنيه، وقد أحيل البرنامج بعد ذلك للرقابة لإهانة للشعب المصري وتم إيقافه. بالإضافة إلى اكتشاف بيع التراث الغنائي لقناة روتانا بثمن قليل جدًا وقد تم تحويل القضية للنائب العام وثبت موقف روتانا القانوني السليم حيث إنها قامت بشراء التراث الغنائي بهذا الثمن القليل والتي عادت بالتعويض على ماسبيرو بـ20 مليون دولار، وتم الحصول على حكم بذلك. ويأتي من ضمن فساد الفقي هو حصول قيادات في ماسبيرو على رواتب كبيرة مثل أسامة الشيخ 300 ألف جنيه وعبد اللطيف المناوي 250 ألف جنيه وانتصار شلبي 175 ألف جنيه. وتولي أشخاص لمناصب كبيرة بشكل غير طبيعي مثال عمر زهران الذي كان مساعد مخرج “أيه أر تي” وأصبح رئيس قناة نايل سينما وغيرهم من الأسماء، وكل هذا كان سببًا من الأسباب التي أدت إلى أن يصل ماسبيرو إلى هذا الحال الآن.
أزمة ماسبيرو بعد 25 يناير من الشريف إلى أنيس
تولى د.سامي الشريف وزارة الإعلام وقام بعمل إلغاء لكل من قام به أنس الفقي وقام الشريف بإنتاج برامج للتليفزيون لم تكن على المستوى وسببت خسارة كبيرة، وقام بتعيينات جديدة هذا بجانب تخفيض للبدل في الحضور والانتقال بنسبة 25%، وبعد ذلك قام بتقديم استقالته، ليأتي من بعده طارق المهدي الذي اتبع سياسة الفقي من خلال تحويل القنوات المتخصصة إلى شركات مساهمة تطرح أسهم في السوق، بالإضافة إلى قيامه بزيادة مرتبات العاملين، لكن لم يتغير شيء وجاء من بعده أسامة هيكل، ولم يأتِ بجديد إلا بشيء واحد وهي المساواة بين البرامجيين والإداريين، وهي التي أثارت غضب العاملين في ماسبيرو وبعدها رحل هيكل وجاء بعده أحمد أنيس وقد وعد بتحسين الأوضاع من ناحية العاملين والإعلاميين وأيضًا على المستوى المهني والفني ولكنه رحل أيضًا ولم يقدم جديدًا.
أزمة ماسبيرو في عهد الإخوان
في البداية وعد صلاح عبد المقصود وزير الإعلام في ذلك الوقت بحل أزمة العاملين المالية في ماسبيرو، بجانب عمل دراسة لمديونية ماسبيرو والتي بلغت 17 مليار جنيه للقيام بتسويتها مع بنك الاستثمار الوطني، وقد قامت وزارة المالية في خلال هذه الفترة بوضع 50 مليون جنيه في ميزانية الوزارة من أجل حل مشكلة العاملين وصرف رواتبهم، ويأتي بعد ذلك تطبيقه للائحة الأجور الجديدة والتي انقسم بسببها العاملون داخل ماسبيرو بين مؤيد ومعارض، وبدأت الوقفات الاحتجاجية ويقال إن في خلال فترة عبد المقصود انخفضت المصروفات التي تقدر بـ270 مليون جنيه إلى 208 مليون جنيه بسبب سياسة التقشف التي كان يتبعها.
درية شرف الدين وإهدار 2 مليون دولار
لم تكن أفضل من الذين سابقوها فقد قامت درية شرف الدين بتخصيص 100 مليون جنيه من أجل تجديدات في مبنى ماسبيرو على الرغم من توقف العاملين عن العمل لمدة ثلاث سنوات، ولم يحدث أي إنتاج للتليفزيون هذا بجانب الكارثة الكبرى وهي سرقة بث مباراة مصر وغانا من قناة الجزيرة؛ مما تسبب في إهدار 2 مليون دولار من خزينة الدولة، وعلى الرغم من ذلك لم يتم إقالة الوزيرة حيث تم إلغاء الوزارة، وكانت هي آخر وزيرة تتولى هذا المنصب.
انقطاع الكهرباء في ماسبيرو والأزمة قبل الأخيرة
كارثة انقطاع الكهرباء عن مبنى ماسبيرو لمدة 20 دقيقة، والتي أعلن عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون بأن الانقطاع ناتج عن تذبذب التيار الكهربائي نتيجة للانقطاع المتكرر للكهرباء؛ مما أدى إلى عطل فني مفاجئ في اللوحة الرئيسية المسئولة عن نقل الكهرباء لإستوديوهات التليفزيون المصري الأولى والثانية والفضائية المصرية، ونفى أن يكون السبب نتيجة عمل تخريبي أو شبهة جنائية، وفي تعليق للرئيس السيسي على انقطاع البث عن ماسيبرو قال إنه لا يجب التهاون فيه لأنه يعتبر أمنًا قوميًّا. انقطاع الكهرباء كان هو النهاية في مبنى ماسبيرو أم كان بداية لكارثة جديدة، وهو ما تم الإعلان عنه بعد ذلك من بيع أصول ماسبيرو لسداد الديوان الخاصة به.
النهاية.. الدولة تبيع أصول ماسبيرو لسداد ديوانه
عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون أعلن منذ فترة أن حجم الخسائر التي يتعرض لها ماسبيرو كل عام حوالي 100 مليون جنيه سنويًّا، وأشار بأن الميزانية تتخطى 3 مليارات جنيه، بالإضافة إلى أن حجم العمالة في ماسبيرو 35 ألف موظف، ووضح أن بحلول عام 2020 سيتم خفض العاملين إلى 15 ألفًا، وأشار إلى أن الحل في معالجة العجز السنوي للاتحاد هي أن ننتج 10 مسلسلات تكون على نفس ما يقدم في القنوات الخاصة، ولكي نفعل ذلك نحتاج إلى 300 إلى 400 مليون جنيه، وقد أشار لحل عجز ماسبيرو المالي بأن يتم بيع أراضي الاتحاد التي لا يستخدمها حتى يتم دفع جزء من مديونية بنك الاستثمار وبالتالي يتم تقليل الدين.
وفي ختام مسلسل الفساد في ماسبيرو والذي بدأ بصفوت الشريف تقوم الدولة الآن بعد أن وافقت على مقترح قدمه اتحاد الإذاعة والتليفزيون للحكومة يريد فيه بيع بعض من أصول ماسبيرو، والتي تشمل 32 قطعة أرض ومبانٍ وأراضٍ زراعية لبيعها من أجل سداد جزء من مديونية وليس كل مديونية ماسبيرو والتي تقدر بنحو 22 مليار جنيه، ومن المعروف أن الاتحاد يملك حوالي 4500 فدان لم يتم استغلالها ومن المقرر أن يكون هذا البيع في مزاد علني بالاشتراك مع وزارة المالية، وفي الوقت نفسه يتم الآن تعديل ملكية هذه الأصول لتكون ملكًا لماسبيرو ويتم استخدامها في تسديد ديون بنك الاستثمار القومي أيضًا، بالإضافة إلى تعديل بعض من أحكام القانون التي جعلت من حق اتحاد الإذاعة والتليفزيون التصرف في هذه الأصول من أجل سداد مديونيته.