أسرار احتلال الحرم المكي يكشفها رفيق جهيمان

في الأحد ٢٦ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

مع شروق شمس أول يوم من القرن الهجري الجديد كانت المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي على موعد مع حادث تاريخي مفصلي، وهو اقتحام الحرم المكي بقيادة جهيمان العتيبي وأتباعه، وما تبع ذلك من تطور للأحداث.

«أيام مع جهيمان.. كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة» العنوان الذي اختاره الكاتب السعودي ناصر الحزيمي لكتابه عن تفاصيل الفترة التي قضاها برفقة جهيمان العتيبي، بما فيها بيان التحولات التي طرأت على المجتمع السعودي في تلك الفترة، وردود فعل التيار الديني على الانتقال بخطى متسارعة من الحياة البدوية البسيطة إلى الحياة المدنية المعقدة.

أهمية الكتاب تنبع من كونه يسرد جوانب خفية لم تصل إليها الدراسات التحليلية، التي أصدرت بعد حادثة اقتحام الحرم، ففهم الجانب النفسي لجهيمان وجماعته لا يقل أهمية عن فهم الظروف السياسية المتزامنة مع وقوع الحادثة.

بلغة شديدة البساطة قليلة الانغماس في التحليل، تنقّل الكاتب بين فصول الكتاب الخمسة، التي بدأها من تعرّفه على الجماعة السلفية المحتسبة ومن ثم تقرّبه منها، مرورًا بما جاء بعد ذلك من مراحل متعددة، انتهت بوقوع أحداث الحرم.

فمتى وكيف تشكلت الظروف التي صنعت هذه الأحداث؟ هذا ما سنعرفه من خلال عرض أهم ما جاء في الكتاب.

من متدين إلى عضو في الجماعة

 

 

 

 

يرجع الكاتب بالزمن إلى سنة 1974م عند بداية تعرفه على الجماعات الإسلامية كمتدين وليس كمُنتمٍ إلى إحداها، ويصف هذه الفترة بأنها البداية الحقيقية لظهور الصحوة الإسلامية، وانحسار قوى اليسار.

بعد مرور عامين حدث اللقاء الأول بينه وبين قيادات الجماعة السلفية في الكويت، فانتظم في حضور ديوانياتهم، التي فهم منها منهجهم العقائدي، وتبنّى نفس موقفهم من الجماعات الأخرى مثل جماعة الإخوان المسلمين، والتبليغ.

لم يمكث الكاتب في الكويت سوى ستة أشهر ليغادرها بعد ذلك إلى مدينة الرياض بالسعودية، وهناك احتك بشباب جماعة الإخوان المسلمين الذين قسمهم إلى فئتين: الأولى: فئة رئيسية معترف بها من قبل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، تركز على كتابات سيد قطب، الثانية: يطلق عليها مسمى “جماعة دار العلم” وكانت تتبنى كتابات حسن البنا.

يمكن اعتبار نقطة التحول الفكري للكاتب حدثت مصادفة ففي أول عمرة يؤديها، جلس في حلقة تدريس علم شرعي لشيخ جريء وواثق يجيب من يسأله أو يُحاججه بالكتاب والسنة، ويردد اسم الشيخ ناصر الدين الألباني كثيرًا، ولما سأل عنه عرف أنه الشيخ علي المزروعي المدرس في مدرسة دار الحديث بالمدينة المنورة، من هذه اللحظة قرر أن ينضم للدراسة في مدرسة دار الحديث، والتي كانت تسيطر عليها الجماعة السلفية المحتسبة بقيادة الشيخ السعودي الراحل عبد العزيز بن باز، فأصبح الكاتب بعد بدء دراسته في الدار أحد أعضاء الجماعة، والذين ذكر أن أعمارهم كانت لا تتجاوز الخامسة والعشرين.

لا يخلو الكتاب من ذكر بعض الشواهد على التحولات التي حدثت في تلك الفترة، من ضمنها ظهور أول محل لأشرطة التسجيل الإسلامية في الرياض عام 1977م في منطقة مليئة بمحلات أشرطة الأغاني، وأيضًا انتشار المكتبات التي تبيع مؤلفات الحركات الإسلامية.

يعقد الكاتب مقارنة بين رجال الحسبة آنذاك وفي الوقت الحالي، حيث يشير إلى أنهم في تلك الفترة لم يكونوا متسلطين بالشكل الذي نراه الآن، فقد كانوا كبارًا في السن يدعون الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ولذلك كان المجتمع ينظر إليهم على أنهم جزءٌ من نسيجه.

رحلات الدعوة مع جهيمان

 

 

 

 

أثناء وجود الكاتب للدراسة في فرع مدرسة دار الحديث بمكة المكرمة، تم تكليفه بتنظيم حج قادة ومنتسبي الجماعة السلفية المحتسبة، وأثناء الحج أتيحت له الفرصة ليلتقي القائد الحركي للجماعة جهيمان العتيبي، ومساعديه المقربين منه.

الأجواء الجماعية الروحية هي ما أشعرته بأنه وجد ضالته، حيث أصبح من تلك اللحظة ينتمي لهم قلبًا وقالبًا، ربما يرجع ذلك إلى كون الجماعة السلفية السعودية المحتسبة تعيش السلفية بكل تفاصيلها التعبدية والتقشفية والزهدية على أصولها كما عاشها ومارسها السلف الصالح.

بعد الحج زار جهيمان فرع الجماعة في مكة المكرمة وتعرف على ناصر الحزيمي عن قرب، واصطحبه معه في رحلة دعوية طويلة إلى قرى الحجاز، وكان جهيمان في دروسه الدينية للعامة يتحدث عن المحاذير التي يقع فيها البدو مثل زواج الشغار، أما في الجلسات الخاصة بأفراد الجماعة فكان يتحدث عن نبذ التمذهب واتباع الدليل.

منذ تلك اللحظة لم يفارق ناصر الحزيمي جهيمان في سفراته الدعوية، وهو ما أتاح له معرفته عن قرب، فسرد في كتابه العديد من الجوانب الخفية في شخصية جهيمان، مثل تعصبه لقبيلته عتيبة، وذكره لمثالب القبائل الأخرى.

بالإضافة إلى مواقف تعكس الطبائع الشخصية لجهيمان فمثلًا في إحدى المرات ذهب لمقابلة أحد المسؤولين في دار الإفتاء والدعوة والإرشاد، الذي لم يقابله بتواضع، مما أثار كبرياء جهيمان، فكان رد فعله عندما رآه أثناء اقتحام الحرم، أن قام بسجنه في سجن الحرم، بالرغم من أنه لم يرتكب أي جريمة، إلا إذا تم اعتبار ما حدث بينه وبين جهيمان أمرًا يستحق العقاب!

جهيمان يهرب من الاعتقال

 

 

 

 

أخذت رحلات جهيمان الدعوية في أخذ منحى جديد، عن طريق تكثيف الخطاب الديني ضد الدولة والوظائف الحكومية، بالإضافة إلى تحريض جهيمان أعضاء جماعته على ترك وظائفهم الحكومية.

امتد ذلك الخطاب في مرحلة لاحقة ليشمل الدراسة في المدراس، والقول بأن العلم يمكن تحصيله عن طريق الكتب الدينية وحلقات المشايخ في المساجد، مما أضاف إلى الجماعة فئة جديدة وهم المراهقين الهاربين من أهاليهم بسبب الدراسة، بذريعة وجود الفتن في بيوتهم.

من هنا تطور العداء بين جهيمان والسلطات الأمنية في السعودية، ليصل إلى طلب اعتقاله، ويذكر الكاتب حادثة هروب جهيمان من ذلك الاعتقال، بأن أحد الأشخاص التابعين للجماعة كان يعمل في إمارة المدينة المنورة، أخبر جهيمان بأنه قد أتت إليهم برقية بالأسماء التي ستعتقل الليلة وأن اسمه على رأس القائمة، فهرب جهيمان وتخفى في الصحراء، في الوقت الذي بدأت فيه حركة اعتقالات جماعية على مستوى المملكة.

هل احتلال الحرم انتقام قبلي؟
" itemprop="description">محمد بن عبد الله (المهدي المزعوم) مقتولًا في أحداث الحرم
  •  
  •  
  •  
  •  

 

 

يؤرخ الكاتب لبداية ظهور فكرة المهدي المنتظر بعام 1399 هــ حينما كثر الحديث في مجالس الجماعة السلفية المحتسبة عن تواتر الرؤى، وأن الفترة الزمنية التي هم فيها هي آخر الزمان، وتم تدعيم ذلك الافتراض بالأخبار التي كان يتم التصعيد من خلالها لسيناريو مفترض، ينتهي بخروج المهدي.

انتقلت الفكرة للجانب التنفيذي بطرح مسألة تحديد المهدي المنتظر، ووقع الاختيار على صهر جهيمان وهو محمد بن عبد الله القحطاني، وهنا يفجر الكاتب مفاجأة بأن القحطاني لم يكن على اقتناع بأنه المهدي المنتظر، ولكنه بعد أن اعتزل الجماعة صلى صلاة الاستخارة أكثر من مرة، وفي إحدى الليالي انشرح صدره لذلك، أما قبل ذلك فكان يعتبر الأمر مزحة لم يأخذها محمل الجد.

بعد اتجاه الجماعة إلى تأييد فكرة المهدي المنتظر اعتزلهم الكاتب، وفي أحد الأيام بعد موسم الحج، قابل أحد رفاقه، وأخبره عن اعتزامهم دخول الحرم 1/1/1400 هــ، وأنهم سيبايعون المهدي المنتظر محمد بن عبد الله القحطاني بين الركن والمقام، وسأله هل سيدخل معهم، فرفض لعدم اقتناعه بالأمر.

دخول السلاح إلى الحرم

 

 

 

 

اعتمد الكاتب في ذكر تفاصيل اقتحام جهيمان وجماعته للحرم المكي، على رواية فيصل اليامي الذي قابله في السجن بعد حادثة احتلال الحرم، ويبدأ سرده للأحداث منذ بداية عملية التجهيز التي تمت بإحضار سيارتين مجهزتين لنقل مياه، عُبئت واحدة بالأسلحة والأخرى بالتمر، ويرجع سبب اللجوء لذلك وجود بدروم في الحرم به بئر يشرب منه أهل مكة، فكان من المعتاد وقوف السيارات تنتظر دورها في ملء الخزانات.

وأدخل السلاح إلى الحرم على ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى: بدخول المجموعة الأولى بسلاحها الفردي الذي حملته معها من الخارج، أو حصلت عليه من السلاح الذي تم تخزينه مسبقًا في الخلوات ببدروم الحرم، المرحلة الثانية: في نفس التوقيت الزمني تدخل سيارات نقل المياه، المرحلة الثالثة: تدخل الجنائز الوهمية بداخلها الأسلحة محمولة على أعناق أعضاء الجماعة المشاركين في الاقتحام.

بعد التكبيرة الأولى لصلاة فجر اليوم الأول من القرن الهجري الجديد كان أفراد جماعة جهيمان قد وزعوا أنفسهم على أبواب الحرم، وبدؤوا في إغلاقها بمجرد بدء الإمام في القراءة.

 

 

 

 

وبعد أن سلم إمام الحرم والذي كان وقتها الشيخ محمد السبيل، بادروا إلى أخذ الميكروفون وسط هتافات أتباعهم بالتكبير والحمد، ونجحوا في السيطرة على الوضع، ليبدأ أحدهم وهو خالد اليامي بإلقاء الخطبة التي شرح فيها أهدافهم من اقتحام الحرم ومبرراتهم حول ذلك، وبعد انقضاء الخطبة بدأت مبايعة محمد بن عبد الله القحطاني (المهدي المنتظر)، بين الركن والمقام وأول من بايعه جهيمان ثم بقية أفراد جماعته.

 

 

 

 

وأثناء أخذ البيعة بدأ تبادل إطلاق النيران بين الأشخاص المتمركزين على المنابر وقوات الأمن المتواجدة بالخارج، واستمر القتال بينهم 14 يومًا انتهت بحصر جماعة جهيمان في غرفة تم فتح سقفها وألقيت عليهم القنابل المسيلة للدموع، لتُعلن لحظة استسلامهم والقبض عليهم، ومن ثم إعدامهم في ساحات أربع مدن رئيسية في السعودية.

كيف برر جهيمان ما فعل؟

في الفصل الأخير يتحدث الكاتب عن فهم جهيمان لقضية الحاكمية وهي القضية التي استند عليها جهيمان في توصيف الواقع الذي كان يعيش فيه، وبناءً على ذلك الفهم كانت ردود أفعاله، ومنها احتلاله للحرم المكي.

كان جهيمان يقوم بكتابة رسائل يطبعها في الكويت، ومن ثم تهرب للسعودية، ومن خلالها ينشر أفكاره عن الحاكمية، والتي رأى الكاتب أنه كان يطرحها بشكل ساذج، نتيجة عدم امتلاكه رؤية شاملة لفقه الواقع، أبرز هذه الرسائل رسالة: “الإمارة والبيعة والطاعة وحكم تلبيس الحكام على طلبة العلم والعوام”.

في رسالته أورد جهيمان حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: “تكون النبوة فيكم…”، وبنى عليه أن حكم المسلمين يقع الآن في المرحلة الرابعة وهي الملك الجبريّ، ودلل على ذلك بأن نظام الحكم ليس مبنيًّا على البيعة، والحكام ليسوا من قبيلة قريش، بالإضافة إلى أنهم لا يقيمون الدين بل يهدمونه، وأخذهم للبيعة بالجبر والقهر، من المسائل السابقة كانت مسألة “القرشية” هي أساس الطرح التمهيدي لاقتحام الحرم.

لمزيد من الفهم شرح الكاتب الصورة التي تبناها جهيمان عن الآخر، والتي تعرض لها في رسالة “رفع الالتباس”، وفيها استهجن وصف السعودية بأنها دولة التوحيد، ورأى أنها لا يمكن اعتبارها كذلك إلا في حالة أن يكون سبب التسمية أنها وحدت بين صفوف المسلمين والنصارى والمشركين، وانتقد منع الملك عبد العزيز مقاتلة الشيعة، واستعانته بالمسيحيين في تحديث المرافق الصناعية في الدولة.

هذه الحالة العدائية عند جهيمان ضد الدولة السعودية منذ نشأتها، ونظرته إليها بأن وجودها باطل شرعًا، جعلته يسعى لأن يقوض أركانها، وقد فشل في ذلك، لكنه ترك لنا تجربة واقعية لتشكل ونمو الجماعات الدينية المتطرفة، ربما تساهم قراءتها جيدًا في تقليل احتمالية تكرار حوادث مشابهة لحادثة احتلال الحرم المكي.

اجمالي القراءات 6680