مسؤول مكافحة الفساد في مصر: مؤسسات الدولة العميقة تحاربني | ||||||||||
هشام جنينة يعتبر أن الجهاز يقوم بثلاثة أنواع من المراقبة، مالية وأدائية وقانونية، وكلها تهدف لضبط إنفاق المال العام في الأغراض المخصصة له. | ||||||||||
العرب محمد أبوالفضل [نُشر في 24/04/2015، العدد: 9897، ص(12)] | ||||||||||
أرجع هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المسؤول الأول عن محاربة الفساد في مصر، الهجوم الذي طاله مؤخرا، إلى أن الدستور الجديد أوجب إعلان تقارير الأجهزة الرقابية أمام الرأي العام، الأمر الذي أزعج الكثير من المسؤولين في الدولة، ودفعهم إلى الهجوم عليه والتشكيك في ولاءاته الوطنية، قبل فضح فسادهم، مؤكدا ضرورة تفعيل نصوص الدستور وعدم جعلها نصوصا ورقية، وانتهاء عصر وجود مؤسسات فوق القانون. وقال جنينة، في حواره مع “العرب”، إنه عندما حاول تغيير هذه الثقافة وجّهت ضده حرب شرسة من مؤسسات الدولة العميقة، التي تريد أن تحافظ على ما تعتبره مكاسب حصلت عليها منذ عقود طويلة. وشدّد على أنه ليس في خصومة شخصية مع أحد، ولا توجد عليه ملاحظات ولم يثبت أنه إخواني، كما زعم البعض، لإثارة الغبار حوله، والتقليل من أهمية التقارير التي يعدها الجهاز الذي يرأسه. وتساءل جنينة “لماذا بعد عامين من تولي المنصب الخطير يطلقون الشائعات من حولي، ويقولون إنني إخواني”؟ وأجاب هشام جنينة قائلا “ليس المقصود شخصي، لكن الهدف أن لا ينهض جهاز مكافحة الفساد في مصر بدوره، ولا تزال هناك مؤسسات في الدولة حريصة على الإبقاء على الوضع كما كان عليه قبل ثورة 25 يناير 2011، وأقول لهؤلاء إن مصر شهدت ثورتين شعبتين (25 يناير و30 يونيو) والناس لا يمكن أن تقبل بالصمت على الفساد”. وأضاف “عندما أتعرّض لوزير العدل (المستشار عادل عبدالحميد وزير العدل الأسبق) وهو في أوج سلطته ولمسؤولين كبار في وزارة الداخلية (اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية السابق)، فهل تتوقع أن مثل هؤلاء ليس لهم أسلحة إعلامية يوظفونها للنيل مني”؟ وأكّد هشام جنينة على أن القيادة السياسية (يقصد الرئيس عبدالفتاح السيسي) مؤمنة بدور الجهاز الذي يرأسه، وأنه لم يخترق القانون، لأن الجهاز المركزي للمحاسبات له قانون يحكمه، ومن يريد محسابته عليه أن يحاسبه وفقا للقانون ومدى مخالفته. وقال “أما أن أكشف فساد مسؤول هنا أو هناك، تتم إحالتي إلى محكمة الجنايات بتهمة السب والقذف، فماذا أفعل إذا كان هذا هو صميم دوري”؟ مصر تقدمت 20 درجة في التصنيف الدولي للشفافية ومكافحة الفساد وهناك أمل في تحقيق المزيد من النجاحات وكان المستشار عادل عبدالحميد وزير العدل الأسبق اتهم هشام جنينة بالسب والقذف، والمتوقع أن تنظر المحكمة في هذه القضية يوم 2 مايو المقبل. لكن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات استطرد قائلا “لو أن كل تقرير تم رصده من قبل الجهاز يعتبر سبا وقذفا سأذهب كل يوم إلى محكمة الجنايات”، مؤكدا أن دور المركزي للمحاسبات كشف الفساد، وهذا يجب أن يلمسه المواطن، ويشعر أن هناك رغبة حقيقية من مؤسسات الدولة في مكافحة الفساد، وهو ما يعزز مكانة مصر الدولية في مجال تحقيق الشفافية. ولفت إلى أنه نجح خلال الفترة الماضية في دفع مصر لأن تتقدم 20 درجة في التصنيف الدولي للشفافية ومكافحة الفساد، مؤكدا أن هناك أملا في المزيد من التقدم. وأشار إلى وجود رغبة صادقة من القيادة السياسية، متمثلة في رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لدعم دور الأجهزة الرقابية، مستشهدا بالتغييرات التي حدثت مؤخرا في قيادات وزارة الداخلية وجهاز الرقابة الإدارية، مدللا على نزاهته وموضوعيته بعدم الاقتراب من الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يرأسه. لست أداة لتصفية الحسابات وحول المشاكل التي يعانيها بسبب تعيينه رئيسا للجهاز من قبل الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، قال “لو تم تعييني عقب ثورة 30 يونيو كان الوضع سيكون مختلفا، فهناك فئة تعتبر كل من عينه مرسي محسوب على الإخوان، مع أنني أيامه (مرسي) لا أعمل لحساب أي نظام، لا نظام مرسي ولا من سيأتي بعده، فالأنظمة ترحل والشعوب والمؤسسات باقية”، نافيا إمكانية استخدامه في تصفية الصراعات السياسية. أما عن نظرة الرئيس السيسي له، أوضح أنه رجل مخابرات (حربية) قبل أن يصبح وزيرا للدفاع ثم رئيسا للجمهورية، وبالتالي مصادر معلوماته متسعة، وهو يعلم جيدا تاريخ هشام جنينة، منوها إلى أن رئيس المركزي للمحاسبات يتعامل مع مؤسسات وليس مع أشخاص، ويعمل من أجل تحقيق الصالح العام وليس الخاص، والآلية التي جاءت به رئيسا للمركزي للمحاسبات هي ذاتها التي جاءت بالسيسي وزيرا للدفاع في عهد مرسي، وهي نفسها التي جاءت باللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية السابق. هناك مؤسسات في الدولة المصرية حريصة على الإبقاء على الوضع كما كان عليه قبل ثورة 25 يناير 2011 وعن الدور الذي يلعبه القرار السياسي في تحريك القضايا التي يكشفها الجهاز، وحجم المواءمات السياسية، قال هشام جنينه لـ “العرب” “قد تكون هناك اعتبارات تراها السلطة السياسية لفتح ملف معين في توقيت معين وتأجيل آخر، وليس هذا معناه غض الطرف عن الثاني، لأن الشعب لن يقبل السكوت عن الفساد بعد قيامه بثورتين، والأمر متروك لتقدير السلطة السياسية لاختيار توقيت وشكل المحاسبة، أما فكرة عدم القيام بدوري الرقابي من البداية خشية أن تكون هناك عدم رغبة سياسية في محاسبة هذا أو ذاك فلم ولن يحدث، ومنذ بداية تعييني في موقعي وحتى الآن، لم يتدخل أحد لمنعي من فتح ملف معين أو العكس”. وشدّد على أن مهمته الرئيسية هي رفع تقارير لرئاسة الجمهورية والحكومة، والبرلمان عندما يتشكل، وله الحق القانوني في تقديم بلاغ مباشرة إلى النائب العام، ولو كان المسؤول قد ارتكب جريمة تمس المال العام، لا ينتظر رئيس جهاز مكافحة الفساد استئذان القيادة السياسية، ولا ينتظر معرفة رغبتها تسير الملف في أي اتجاه. وأضاف “تقدمنا بـ520 بلاغا في قضايا فساد للنائب العام ولا نعلم مردودها، وعندما أعلنت ذلك تصور النائب العام أن هذا هجوما عليه، وأنا أعتقد أن إشعار المواطن بتعاون أجهزة الدولة في مواجهة الفساد ليست مسؤولية الجهاز المركزي وحده، فليس من المعقول أن تقول لي اكتب تقارير عن مراقبة الفساد ويكون مصيرها الأدراج”. وضرب المستشار هشام جنينة مثلا بالقضية المعروفة باسم “نواب العلاج” التي فتحت قبل ثورة 25 يناير ولا يعلم مصيرها، مع أنه خاطب النائب العام ولم يرد، ولفت إلى أن التعتيم يجعل المواطن يفقد الثقة في أن هناك تغييرا قد حدث، ومن ثم يصبح من المضحك أن تتحدث لهذا المواطن عن خطة قومية لمكافحة الفساد.
وحول سؤال “العرب” عن إمكانية تدخل رئيس الجمهورية لدى النائب العام للتعجيل بتحريك قضايا معينة، قال جنينة “هذه نقطة خلافية وتثار كفزاعة دائمة لإرهاب الرئيس بدعوى الاعتداء على السلطة القضائية، فأنا قاض في الأساس وأعلم الحد الفاصل بين ما يعد تدخلا أو توجيها، للقاضي أو النيابة بإصدار قرار معين، فهذه هي الجريمة ولا يجوز، وهذا يفرق بين أن تكون مؤسسة دورها إقامة الحق وإعمال القانون على الجميع، فإذا بها تتعامل بانتقائية أو انتقامية في تطبيق القانون، وهذا خلل في ميزان العدالة، وإصلاحه يبدأ من مؤسسة القضاء، وأنا لا أريد منه أن يصدر توجيهات بقرارات معينة، لكن أن يطالب باتخاذ اللازم تجاه كل ما يمثل فسادا”. وقال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات إن النائب العام يختلف عن بقية السلك القضائي، لأن طبيعة عمله وقراراته تؤثر بشكل كبير على جميع مناحي الدولة، ومن ثم لابد أن تكون هناك مساحة من التنسيق بينه والسلطة التنفيذية، كأن يكون هناك بلاغ عن قضية فساد كبرى حول تلاعب في البورصة، لو تم التعامل معها باعتبارها قضية عادية قد يصبح ضررها كبيرا على الاقتصاد، ولابد من وجود تنسيق حول توقيت القرار، وسبل التعامل معه، حفاظا على مصلحة الدولة، دون أن يخل هذا بتطبيق القانون على الجميع، وهذا معمول به في العالم كله. وبشأن عدم تمكين جهاز المحاسبات من مراقبة ماليات وزارة الداخلية في عهد وزيرها السابق محمد إبراهيم، قال هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات: “هذه أزمة مؤقتة وانتهت، وتم تمكين الجهاز من القيام بدوره في مراقبة وزارة الداخلية، عقب تولي اللواء مجدي عبدالغفار خلفا له، وتوقفت العراقيل التي منعت أعضاء الجهاز من المراقبة خلال فترة محمد إبراهيم وهو ما وضع علامات استفهام كثيرة”، مشيرا إلى دور جهاز المحاسبات في حماية المال العام طوال الوقت. أما عن طبيعة مراقبة الجهاز المركزي للمؤسسات، فقال هشام جنينة إن الجهاز يقوم بثلاثة أنواع من المراقبة، مالية وأدائية وقانونية، وكلها تهدف لضبط إنفاق المال العام في الأغراض المخصصة له، وعدم إهداره في أغراض كالمكافآت والمنح وخلافه، ومراقبة الأداء كانت مهمشة، لكن تمت استعادتها مؤخرا، وتهدف"> وأضاف إن الجهاز حتى الآن لم يطلع على مرتبات قضاة المحكمة الدستورية، ولا قضاة مجلس الدولة، فقط وافقا على تمكين أعضاء الجهاز المركزي من الاطلاع على مرتبات صغار الموظفين، وعندما أرادوا مراقبة مرتبات ومكافآت القضاة رفضا و”أنا حزين لذلك جدا”. وقال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات “لا أملك آلية أخرى سوى تقديم بلاغات للنائب العام ضد كل من رئيس مجلس الدولة، ورئيس المحكمة الدستورية، لتمكين جهاز المحاسبات من المراقبة، ولا أريد أن أصل إلى تلك المرحلة، لأني أكن لهما كل تقدير واحترام، ولا يصح أن اتهم كليهما بجريمة مخالفة القانون، بسبب منع موظف عام من أداء واجباته الوظيفية، التي فرضها القانون. مخالفة القانون عندما سألته “العرب” هل إن امتناعه عن الإبلاغ يعد مخالفة للقانون من جانبه، قال إن اعتبارات المواءمة السياسية تفرض عليه ذلك، لأن هناك من يريد اختزال القضية في خلافات شخصية، ولو تقدمت ببلاغات سيتم ترك القضية الأساسية والتركيز على تقديم شكاوى ضد القضاة، وشحن الأجواء القضائية ضده، كما فعل أحمد الزند، رئيس نادي القضاة حاليا، حيث جيش القضاة في أزمة مراقبة حسابات النادي، بذريعة أنه غير مقبول أن يراجع أحد وراء القضاة. وأكد المستشار هشام جنينة أنه ليس متمسكا بالاستمرار في موقعه، وقال “لو كنت حريصا على البقاء لفكرت كثيرا قبل اتخاذ مواقف مواجهة كثيرة، فأنا كان أمامي خياران؛ أن أرضي الله وضميري، أو أن يرضى عني المسؤولون، ومن السهل إرضاؤهم جدا، وكانوا يتمنون أن أقف في صفهم، لكني اخترت الطريق الأصعب وهو طريق المواجهة”. وأضاف إن منصبه غير قابل للعزل بحكم القانون حتى انتهاء مدته، وهي أربع سنوات، ولو أن هناك إمكانية لعزله بقرار لتم عزله منذ فترة. تقدمنا بـ520 بلاغا في قضايا فساد للنائب العام وغير معقول أن نكتب تقارير عن مراقبة الفساد ويكون مصيرها الأدراج وحول سؤاله عن أن حدوث ذلك سيكون في هذه الحالة بيد رئيس الجمهورية وهو يدعمه، قال هناك من يعرض عليه بعض التقارير بصورة غير أمينة، ومن يعرضون المجموعة القريبة منه وهم أخطر ناس، وإذا لم يكونوا أمناء ويراعوا مصلحة البلاد، من الممكن أن يتم تمرير أشياء كثيرة خاطئة، فقد عرضت على الرئيس السيسي حركة تغيير محافظين منذ بضعة أشهر ورفضها، وقال ذات مرة في اجتماع مع الأجهزة الرقابية “يا جماعة دققوا في الاختيار”.
وعن تمكين الجهاز من مراقبة أداء مؤسسة رئاسة الجمهورية، قال هشام جنينة “كتبنا عدة تقرير أيام فترة حكم محمد مرسي، وكشفنا فيها بعض الأخطاء، مثل راتب رئيس الجمهورية، فقد اكتشفنا أن راتبه 5 آلاف جنيه (حوالي 600 دولار) ولم يتم تعديل قانون مخصصاته منذ فترة طويلة، وطلبت تعديل هذا القانون، لأن مؤسسات الدولة التي كان مفترضا أن تنتبه لذلك، مثل الجهاز المركزي كانت ممنوعة من مراقبة مؤسسة الرئاسة، وتم بالفعل تعديل القانون أيام الرئيس عدلي منصور بناء على تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات.
وأضاف إن إفساد الأجهزة الرقابية كان منهجا قائما في الدولة أيام عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وشدد على أنه عندما تتورط أجهزة رقابية مهمتها مواجهة الفساد، فتلك هي المشكلة، فهناك تقارير تكتب لأغراض معينة، ومن ثم يجب على الرئيس عدم الاعتماد على تقييم الأجهزة الأمنية وحدها في اختيار وتعيين أي مرشح لمنصب كبير بالدولة، بل لابد أن يعتمد على تقييم مصادر مختلفة، من ناحية الكفاءة والجدارة والعلم لشغل ذلك المنصب. |